29.4 C
Cairo
الثلاثاء, أكتوبر 15, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيطوائف أم عائلات؟

طوائف أم عائلات؟

ق. صموئيل عطا

إنّ فكرة التعددية في الطوائف المسيحية ليست جديدة، فقد ظهرت الاختلافات في فهم العقيدة المسيحية منذ القرون الأولى. وقد أدرك اللاهوتيون العرب الأوائل هذه التعددية الطائفية داخل المسيحية، حيث إنه عندما ظهر الإسلام كانت هناك طوائف مسيحية ورد ذكرها أيضًا في كتابات الكُتَّاب المسلمين مثل النساطرة، والملكيين، واليعاقبة، والأقباط، والأرمن. وأيضًا على سبيل المثال كتب أحد اللاهوتيين الملكيين وهو “أبو علي نظيف بن يُمن” في القرن العاشر مقالة يدعو فيها المسيحيين من مختلف الطوائف إلى الوحدة والوصول إلى الوفاق فيما بينهم لأنهم يقرّون نفس الإيمان حتى وإن عبَّروا عنه بصيغ إيمانية مختلفة.

وهذا دورنا الآن أيضًا أن نكمِّل هذه الرسالة بأن نتبنى النظرة المستنيرة في تنمية العلاقات المسكونية بين الكنائس، وأن ننشر الفكر المستنير الذي من شأنه أن يزيد من وحدة الكنائس وشعوبها، والذي يجمع ولا يفرِّق. لذلك اتجه بعض المفكرين المسيحيين في الآونة الأخيرة إلى تسمية استخدام مصطلح “العائلات المسيحية” بدلًا من “الطوائف المسيحية”، لأن لفظة “الطوائف” توحي بالفئوية والميل إلى التقسيم، بينما لفظة “العائلات” توحي بالتودد والتقرب والمحبة.

وفي الحقيقة، في مقابل المستنيرين من كل العائلات الكنسية، سواء من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أو من الكنيسة الكاثوليكية، أو الكنيسة الإنجيلية، أو الكنيسة الأسقفية، أو كنيسة الأرمن الأرثوذكس، والذين يهتمون بالعلاقات المسكونية، وينشرون المحبة والتواصل بين الكنائس المختلفة وقادتها ليكون الجميع واحدًا، هناك أيضًا المتشددون والمتحزبون الذين يتبنون الفكر الأحادي فيقوضون بآرائهم وفتاويهم وتحريضاتهم كل أركان المحبة والسلام، وكل جسور تُبنى في سبيل ذلك مع الكنائس المختلفة.

وفي الواقع، الشعوب تسير حسب توجيهات قادتها، فإذا كان القائد مستنيرًا، واسع الأفق، ومحبًا ومتفهمًا لطبيعة التنوع والاختلاف، فسيكون شعبه كذلك، مع العلم أن ذلك لا يلغي هويته كفرد أو ككنيسة. أما إذا كان القائد متعصبًا ومتحزبًا لفكره مكفِّرًا كل مَنْ يختلف معه في الفكر، فإن شعبه أيضًا وجميع مَنْ يقودهم سيتأثرون بآرائه السلبية. وفي النهاية، كل ذلك يساهم بشكل أو بآخر في تشكيل الصورة النهائية للكنيسة العامة في المجتمع حتى تكون كنيسة متحدة متعاونة شاهدة ومجسِّدة لمحبة المسيح داخليًا وخارجيًا.

 لذلك، ما أحوجنا في هذه الآونة الأخيرة إلى قادة مستنيرين من مختلف الكنائس يسعون إلى الوحدة والتركيز على جوهر الإيمان الذي يجمعنا، ويؤكدون على قيم المحبة والقبول والتعاون رغم الاختلافات الشكلية في طريقة ممارسة العبادة. فلا يكون بعد خلافًا حتى وإن كان هناك اختلافًا. وهذا ما نراه مجسدًا في الحقيقة من خلال مجلس كنائس مصر واللقاءات الحُبية التي يعقدها ويرتبها من خلال لجانه المختلفة وخاصةً لجنة خدام الرعايا (الكهنة والقسوس).

وقد تشرفتُ بتلقي دعوة لحضور لقاء نظمته اللجنة برئاسة القس يوحنا سعد في صباح يوم الاثنين الموافق 16 يناير في كاتدرائية جميع القديسين بالزمالك، حيث كان لقاءً حُبيًا تحت شعار “الميلاد يجمعنا” بحضور نُخبة من الكهنة والقسوس الأفاضل الذين مثَّلوا العائلات الكنسية الخمس (الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والكنيسة الإنجيلية، والكنيسة الكاثوليكية، وكنيسة الروم الأرثوذكس، والكنيسة الأسقفية) للاحتفال معًا بميلاد المخلص، وذلك بهدف تنمية روح الشركة بين الرعاة وبعضهم في اللقاءات العامة أو اللقاءات في مناطق رعايتهم.

وقد بدأ اللقاء بترحيب الفاضل القس/ يشوع راعي كاتدرائية جميع القديسين بالزمالك بجميع الحضور من الأفاضل من الكهنة والقسوس، ثم تقديم أعضاء اللجنة الأفاضل والتعريف بهم، وكلمة ترحيب من الفاضل القس/ رفعت فكري رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بسنودس النيل الإنجيلي ورئيس لجنة الإعلام بمجلس كنائس مصر، ثم بداية وقت تسبيح من فريق تسبيح كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك بعزبة النخل تلته كلمة الفاضل القس/ رفعت فتحي الأمين العام لسنودس النيل الإنجيلي والأمين العام المشارك عن الكنيسة الإنجيلية في مجلس كنائس مصر، ثم كلمة الفاضل الأب / بولس حليم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومسئول التدريب بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية. وأيضًا كانت هناك كلمة لنيافة المطران الأنبا توماس عدلي مطران الجيزة والفيوم وبني سويف، ثم كلمة أخيرة لنيافة المطران الدكتور سامي فوزي مطران الكنيسة الأسقفية بمصر ورئيس أساقفة إقليم إسكندرية. واختُتم اللقاء بالصلاة وتقديم الشكر للجميع. وكم كان اللقاء مثمرًا ومعبِّرًا عن روح المحبة والشركة الحُبية التي جمعت جميع الأفاضل المشاركين.

المقاله السابقة
المقالة القادمة
مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا