صرخة في وجه اللاإنسانية

6

أشرف ونيس

بات الظلم عاريًا حين التحف بالتستر، مفترشًا بذاته من التوهم مرتعًا ووسادة له!!! وكيف يتباهى الظالم بما اقترفه من إثم حين يرفع رايات انتصاره، وكأنه غزا بذلك مدن الظلام واقتحم بقوته الزائفة بلاد الظلمة؟!!

أي بصيرة هذه التي يتراءى لها المر حلوًا والعلقم بعضًا من قطر الشهاد في حلق المظلوم وما نال منه التحامل والاستبداد الكثير فالأكثر؟! فلقد تجسدت الرعونة الضميرية في هيئة لسان كاذب وأعين زائفة، مثل تقاسيم لوجه لا يعرف سوى الاستبداد والجور والتصنع، فها هي الأدمع السائلة على الوجنتين وكأنها حرباء الأباطيل التي تبرع في الخداع والاختلاق والمراوغة، وها هي الحناجر التي تصدح وتعوي بالبكاء على ما لا ليس له من الحق والحقيقة شيء! فلقد ثار الغضب من فوهة بئر العدم حين تعالت واستعلت أعلام الكذب وألويته، مترنحة في كل حدب وصوب دون رقيب لها أو مراقب! فليس للإنصاف مسند رأس أو حتى وطأة قدم في عالم قد استبد فيه عدم العدل، كما تفاقم به قتل البدن والروح سواء بسواء، وذلك دون التهوين من موت أحدهما أو التهويل لأحدهما على حساب الآخر!!!

إنها مهزلة التاريخ، أضحوكة الزمن، قسوة القدر، ثغرة الوجود في حق كينونته المتباهية؛ وحوش متأنسة في هيئة بشر، وبشر آدمية تدثرت بثوب الوحوش عندما انخلعت وانسلخت من كل تعاطف ورحمة وحنو! كيف لا وما زال رجع الصدى لصراخ هابيل حين أُزهِقت روحه بيد أخيه الإنسان يرن زاعقًا صارخًا دامغًا في أذني كل منا؟! لكنهم لم يتباهوا بثياب الوحوش فحسب، بل راحوا يتبرأون مما يميز جوهر تاج الخلق – الإنسان – ويجعله متفردًا عن غيره من المخلوقات؛ العقل! وقتما تبرأوا منه وبات التلقين نهجًا ومنهاجًا للعيش والتعايش والحياة. نعم! فلقد نحوا أحد أهم وظائف العقل وهو التمييز والتحليل جانبًا، وباتوا سائرين وصائرين جنبًا إلى جنب مع السماع والتصديق دون اعتبار أو وضع لأي مسافة وفاصل بينهما! وهكذا أمسى وأصبح الفعل والعمل مجرورًا بالسمع ومفعولا بتصديق ما يصل للمسامع بلا فكر وتفكير وتفكر.

أشرق المستحيل بإحدى تجلياته عندما ثار على سباته، فطفق وأعلن أنه لا ملجأ لمن يجانب سياسة القطيع وسيرتهم من إدانته على ما امتلكه من إرادة حرة وحرية مريدة، ثم بنفس تلك الإرادة يسلم نفسه لمن يسلب كيانه وقدرته على القطع فاصلًا بين «نعم ولا» والاختيار بينهما!!! فستظل صحوة الإرادة وانتخابها بين الغث والثمين، الصالح والطالح، بوق قضاء لنا وعلينا، بها نُؤخذ إلى غياهب إثمنا وتأثيمنا عندما نصبح فارغي الوجود، يفصح عنا غيرنا، ويشرع -بدلًا منا- ويقرر فينفذ مَنْ يعتقد زورًا وبهتانًا أنه مَنْ يستمسك بتلابيب الأمور وأطرافها، ممتدًا إلى حد الأمور ونهايتنا، ثم ختامها بل وختامنا نحن وما بعد ختامنا حيث بقاؤنا وديمومتنا أبدًا وخلودًا!!! وكان هذا وسيبقى حين تجسم التأسف بداخل شغاف القلوب وصماماتها مستقرًا بتجاويفها ومركزها على مَنْ أضاعوا أنفسهم بأنفسهم، وحياتهم باختيارهم، واتخذوا من اللا حياة حياة لهم، كما اصطفوا من عدم الموت موتًا للأبد!!!

تمرغت النفس في سماء التمني وقت أن ناشدت الآمال من علياء وجودها؛ أن تهم إلينا مسرعة لتحقيق ما تصبو إليه بشريتنا في أن يكون ويتجسم نصب أعيننا. فليس أصعب على كينونتنا أن توجد وتكون غير متواجدة في آن واحد! أن تتظاهر دون أن تظهر في المشهد وتفعل وتتفاعل مع مَنْ حولها. فهل لنا التشفي من استسلامنا لغاصبي الإرادة ومَنْ أرادوا لنا اللا فكر واللا قول؟! أم تحتمت قدرتنا أن تصبح عجزًا مطبقًا دون وازع من الاعتراض والتعنت والممانعة؟! هل لنا تحطيم أغلال السلب والسالبية التي تفقدنا طاقة أرواحنا وشخوصنا رويدًا رويدًا لحد الاختفاء، أم لنا الهروب إلى حيث نتأثر ونؤثر سواء بسواء؟ فقد ضج العقل توحدًا وقت أن ترجل بساحات هي ليست له، فيها ظل عقيمًا دون توالد لكل ما هو خلاق ومبتَدِع من أفكاره، كما قاسى ما قاساه عندما ظل هكذا دون ارتباطه بالإرادة التي تؤازره فيما يريد عمله ويبغي ويبتغي انجازه في مرمى العين والبصيرة، ممتدًا لحد السباحة بين ضفتي الاستقلالية واللا تبعية، حتى السكون بقلب الحرية في ثوبها الناصع اللامع الوضَّاح. فليتنا نهيئ الكيان لما قد جُبل عليه، وليس على ما هو طارئ ومستحدث وغريب وغير مألوف.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا