نشأت ابو الخير
قامت السلطات التركية بتحويل كنيسة آيا صوفيا – والتي تعني باليونانية “حكمة الله” وتوجد في مدينة إسطنبول في تركيا – إلى متحف، ثم أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاحقًا تحويلها إلى مسجد مما أثار الرأي العام العالمي والمسيحيين على وجه الخصوص، وظهرت وقتها على مواقع التواصل الاجتماعي موجة غضب عالمي لم يبال بها الرئيس التركي وأكد أن بلاده مارست حقها السيادي وأن أي اعتراض على تلك الخطوة يُعتبر تجاوزًا على سيادتها. كذلك تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي نبوءة قديمة لراهب يوناني قديس يدعى باييسيوس يؤكد فيها أن تركيا ستُباد إذا مست كنيسة آيا صوفيا، وهو ما أكده الأب باسيل محفوض المقيم في بيروت، علمًا بأن نبوءة القديس باييسيوس هذه نطق بها عام 1991، وها نحن نرى اليوم أن الأحداث تسوقنا إلى تلك النبوءة.
وبدورنا نستقرئ التاريخ وأحداثه، فقد تعرضت تركيا في شهر فبراير الحالي لأكبر كارثة إنسانية في تاريخها وهي الزلزال المدمر الذي سُمي زلزال القرن والذي محا قرى ومدنًا من على وجه البسيطة وراح ضحيته ما يقرب من 40 ألف قتيل علاوة على مئات الآلاف من المصابين وملايين من المشردين.
بل إن صحيفة حرييت التركية أفادت بأن هناك زلزالًا آخر متوقع حدوثه في مدينة إسطنبول بحسب الخبراء ويمكن أن تفوق خسائره تلك التي تم تسجيلها جنوب شرقي البلاد وستكون له عواقب اقتصادية واجتماعية كارثية. وكتبت الصحيفة أنه وفقًا لخبراء الزلازل فإن زلزال إسطنبول المتوقع ستفوق خسائره تلك التي حدثت في كهرمان مرعش، بل إن زلزال كهرمان مرعش يكاد يكون بروفة لزلزال إسطنبول.
اللهم لا شماتة، لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: هل هناك علاقة بين ما قامت به تركيا من تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد وبين نبوءة الراهب اليوناني؟ كذلك فإن التاريخ لن ينسى ما قامت به الدولة العثمانية أيام السلطان عبد الحميد من عمليات إبادة للأرمن الأرثوذكس راح ضحيتها مليون ونصف مليون أرميني في أبشع جريمة تطهير عرقي وديني في التاريخ.
* وخلال السطور التالية سنبحر بك عزيزي القارئ إلى تاريخ إنشاء كنيسة آيا صوفيا ثم ما مرت به حينما تم تحويلها إلى متحف، ثم تحويلها مؤخرًا إلى مسجد، وما تم تداوله من نبوءة لراهب يوناني قديس يتنبأ فيها عما سيحدث لتركيا لو مست كنيسة آيا صوفيا وهو ما حدث بالفعل من الرئيس التركي، ثم ما كان من زلزال القرن الذي ضرب تركيا وامتد أثره إلى سوريا المسكينة وشعبها الذي يُعتبر من أطيب شعوب المنطقة ولكن الصراعات والحروب مزقت بلاده التي لم يكن لها ذنب سوى أنها مجاورة لتركيا فأصابها ما أصابها. ويجب على الضمير العالمي أن ينتفض لنجدة الشعب السوري وأيضًا الشعب التركي.
* نبذة عن تاريخ نشأة كنيسة آيا صوفيا – الحكمة الإلهية
في عام 532م، أمر الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول ببناء الكنيسة في القسطنطينية (إسطنبول حاليًا) على أنقاض أخرى تعرضت للبناء والهدم أكثر من مرة. واستغرق بناء كاتدرائية آيا صوفيا – والتي تعني “الحكمة الإلهية” باللغة اليونانية – خمس سنوات.
وأراد جستنيان الأول من خلالها أن يثبت تفوقه على أسلافه الرومان بتشييد صرح معماري غير مسبوق.
وبعد اكتمال البناء، ذكر المؤرخون أنه من شدة إعجاب الإمبراطور بالكاتدرائية قال لحظة دخوله إليها: “يا سليمان لقد تفوقتُ عليك”، في إشارة إلى النبي سليمان الذي كان يقيم الأبنية العظيمة، بحسب المرويات الدينية.
وقد بُنيت الكاتدرائية على شكل قبة مركزية كبيرة وأنصاف دوائر تحيط بصحن الكنيسة. وتُعد هذه القبة من أبرز معالم البناء، إذ أراد المعماريون أن تكون أوسع وأكثر ارتفاعًا وإبهارًا من أي قبة بُنيت من قبل، إلا أن القبة الأصلية انهارت نتيجة لزلزال عام 558 ميلاديًا، قبل أن يُعاد بناؤها وتُدعَّم بأربعين عمودًا.
وتم جلب الرخام وأحجار الزينة من مناطق مختلفة لبناء الكاتدرائية.
واستغل الإمبراطور جميع الإمكانيات لزخرفة المبنى وتزيينه، واستُخدم الرخام بمختلف ألوانه بعدما جُلب من مناطق عدة، كما زُينت الجدران الداخلية بفسيفساء من الذهب والفضة والزجاج والقرميد وأجزاء من الحجارة الملونة.
وظلت آيا صوفيا أضخم كاتدرائية مسيحية في العالم حتى بناء كاتدرائية أشبيلية عام 1520م، وقد وُصفت بجوهرة العمارة البيزنطية واعتُبرت واحدة من أبرز المعالم التاريخية حول العالم على الإطلاق.
واستمرت آيا صوفيا مركزًا للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية لأكثر من 900 عام، تخللتها فترة ما بين عامي (1204-1261) حين حوَّلها الصليبيون أثناء حملتهم الرابعة إلى كاتدرائية للروم الكاثوليك، قبل أن تعود مجددًا للإمبراطورية البيزنطية.
وبعد سقوط القسطنطينية في أيدي العثمانيين في أواخر مايو 1453م حُوِّلت الكنيسة إلى مسجد، وأدى به السلطان محمد الثاني (المعروف باسم محمد الفاتح) أول صلاة جمعة بعد دخوله المدينة، وكان ذلك في الفاتح من يونيو من العام ذاته، مُصدرًا أوامر بتغطية الرسوم والنقوش المسيحية.
وعلى مدى السنوات التالية، أُضيفت سمات معمارية إسلامية للمبنى مثل المنبر والمحراب ومآذنه الأربع.
وظلت آيا صوفيا، والتي أُطلق عليها اسم “الجامع الكبير”، المسجد الرئيسي في القسطنطينية، حتى بناء مسجد السلطان أحمد المعروف باسم “المسجد الأزرق” عام 1616 والذي استلهم هو ومساجد أخرى سمات معمارية من الكاتدرائية، كما جرى تأسيس مدارس إسلامية ملحقة بالمسجد.
وظلت “آيا صوفيا” مركزًا إسلاميًا يحظى برمزية كبيرة، حيث ارتبط في الأذهان بـ” فتح القسطنطينية” إلى أن منع مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة ورئيس الجمهورية آنذاك، إقامة الشعائر الدينية في المسجد عام 1931 قبل صدور مرسوم حكومي عام 1934 بتحويله إلى متحف فني بهدف “إهدائه إلى الإنسانية”.
وفي ثمانينيات القرن المنصرم، أُدرج المتحف على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”، وأصبح واحدًا من أهم الوجهات السياحية في إسطنبول، إذ استقبل في عام واحد قرابة أربعة ملايين زائر.
ومنذ سنوات، تعالت مطالبات من قِبل إسلاميين في تركيا بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد.
وفي خطوة أثارت انتقادات دينية وسياسية دولية، ألغت المحكمة الإدارية العليا في تركيا يوم الجمعة 12 يوليو 2020 المرسوم الحكومي الصادر عام 1934 القاضي بتحويل آيا صوفيا من مسجد إلى متحف، استنادًا إلى ما وُصِفَ بوثائق تاريخية تؤكد شراء السلطان محمد الفاتح لمبنى “كنيسة” آيا صوفيا من القساوسة قبل تحويله إلى مسجد.
وعلى الفور، وقَّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مرسوم بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، وأعلن فتحه أمام المسلمين لأداء الصلاة في 24 يوليو، 2020، مضيفًا أن بلاده مارست حقها السيادي في تحويله إلى مسجد وأنها سوف تعتبر أي انتقاد لهذه الخطوة تجاوزًا على سيادتها.
وفي نفس السياق، نشر الأب باسيل محفوض “Abouna Bassil Mahfoud”، والمقيم حاليًا في بيروت، منشورًا على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحدث فيه عن نبوءة قديمة لراهب يوناني يدعى “باييسيوس الآثوسي” أشار فيها إلى تركيا و”آيا صوفيا” واليونان، حيث جاء في منشوره: “نعلم من خلال نبوءات القديس باييسيوس الآثوسي أن الله سيقف مع اليونان ويعيد لهم كنيسته وسيُقضى على تركيا لأنها لم تقم بإرادة الرب! وبداية الأحداث لانتهاء تركيا ستبدأ في الوقت الذي سيمس فيه الأتراك كنيسة حكمة الله ‘آيا صوفيا’.”
وأنهى كلامه قائلًا: “إنما هذه الأحداث لهي قريبة جدًا من أيامنا”، علمًا بأن نبوءته هذه نطق بها عام 1991. وها نحن نرى اليوم أن الأحداث تسوقنا إلى تلك النبوءة.