حفريات أور ونوزي من أهم الاكتشافات الأثرية التي تلقي الضوء على العصر الذي يُعتقد أن إبراهيم عاش فيه (حوالي 2000-1800 ق.م)، وتقدم سياقًا تاريخيًا وثقافيًا يتوافق مع روايات الكتاب المقدس. إليك تحليلًا مفصلاً:
1. حفريات أور (جنوب العراق، موطن إبراهيم)
اكتشافها: قام بها السير ليونارد وولي (1922-1934) في تل المُقيَّر.
كشفت عن مدينة متطورة تعود إلى العصر البرونزي (2100-2000 ق.م).
أهم الاكتشافات:
الزقورة العظيمة: معبد مخصص للإله نانا (إله القمر)، وهو ما قد يرتبط بذكر عبادة الأصنام في عائلة إبراهيم (تكوين 11: 31؛ يشوع 24: 2).
المقابر الملكية: وجد فيها مجوهرات وأدوات ذهبية، مما يدل على ثراء المدينة الذي قد يفسر سبب تسمية أور بـ”الكَلدانيين” (الشعب الثري والمتعلم).
اللوحات الطينية: تذكر أسماء مشابهة لـ”إبرام” (إبراهيم) و”تارح” (أبوه)، وتصف عادات اجتماعية مشابهة لتلك المذكورة في سفر التكوين.
علاقتها بإبراهيم:
الهجرة من أور: يتوافق تاريخ أور مع زمن هجرة إبراهيم إلى حاران ثم كنعان (تكوين 11: 31).
السياق الديني: العبادة الوثنية في أور (خاصة إله القمر) قد تفسر دعوة الله لإبراهيم لترك أرضه (تكوين 12: 1).
2. حفريات نوزي (شمال العراق، قرب كركوك)
اكتشافها: اكتشفت في يورغان تيبه (1925-1931) من قبل باحثين أمريكيين.
تعود إلى 1500-1400 ق.م (أي بعد إبراهيم بقرون، لكنها تحفظ تقاليد مشابهة).
أهم الاكتشافات:
اللوحات الطينية (أكثر من 4000 لوح): تصف عادات قانونية واجتماعية تشبه تلك المذكورة في سفر التكوين، مثل:
تبني الخادم كوارث: في نوزي، كان الرجل يعتمد على خادمه إذا لم ينجب، كما فعل إبراهيم مع أليعازر (تكوين 15: 2-3).
حقوق البكورية: بيع يعقوب الحقوق لأخيه عيسو (تكوين 25) يتوافق مع نصوص نوزي عن تبادل الميراث.
التماثيل المنزلية (الترافيم): التي سرقتها راحيل من أبيها (تكوين 31: 19)، وُجدت في نوزي كرمز لحقوق الميراث.
أهميتها:
تُظهر أن العادات المذكورة في سفر التكوين ليست اختراعًا لاحقًا، بل تعكس تقاليد حقبة إبراهيم.
3. الجدل العلمي حول هذه الاكتشافات
المؤيدون (مثل ك. كيتشن، وأ. ر. ميلارد): يرون أن هذه الحفريات تؤيد مصداقية البيئة التاريخية لسفر التكوين، حتى لو لم تذكر إبراهيم مباشرةً.
المشككون: يشيرون إلى أن نوزي تعود لزمن متأخر عن إبراهيم، وأن التشابه في العادات لا يثبت وجوده الشخصي.