جلوريا حنا
أقرأ هذه الفترة في سفر الأمثال، وقد لاحظتُ أن منذ بداية الإصحاح العاشر تقريبًا بدأ الملك سليمان يتحدث في كل إصحاح عن اللسان، على الأقل في عدد أو عددين، وقد وصلتُ إلى الإصحاح السابع عشر ولا زال يذكر اللسان في أمثاله. إنه يتحدث عن أنواع كثيرة من الألسنة: اللسان الكذاب، النمام، مهيج الخصومات، الحكيم، الذي يتحدث بلطف، الذي يتحدث بخبث…، وغيرها من الأنواع، وهناك أنواع منها تتكرر.
يتحدث سليمان في أمثاله عن الكثير من المواضيع، ومنها ما هو متكرر، مثل الكسل والعمل الجاد، الابن الذي يفتخر به أو يُخزى منه أبواه، وإلى غير ذلك، لكني وجدته تقريبًا لا يترك إصحاحًا بدون التحدث عن اللسان ولو قليلًا أو بشكل غير مباشر، وفي أمثاله يتحدث عن مساوئ عدم التحكم فيما يقوله لساننا أو شفتانا. ربما كونه ملكًا جعله يعرف قيمة الكلمة التي تخرج من فمه، فكل كلمة لها حساب، وقد تؤدي لتحديد مصير شخص ما إما عدلًا أو ظلمًا.
تنتشر حولنا الكثير من الأحداث والحكايات وربما الجرائم التي يلعب فيها اللسان دور البطولة، فيمكن بكلمة واحدة أن تقوم حرب، وبكلمة أخرى تُسكْنها. قد تقتل الكلمة وأيضًا قد تُعيد إحياء الأمل للإنسان. والمشكلة أنه إن خرجت الكلمة من ألسنتنا لا يمكن ردها. والجدير بالذكر أن اللسان لم تعد تحكمه الشفتان فقط، بل أصبحت لأيدينا أيضًا ألسنة، فاللسان هو الذي نعبِّر به عن فكرنا ومشاعرنا، ونحن نعيش اليوم في عالم افتراضي تحكمه أيدينا وأصبحنا معظم الوقت نعبِّر عما بداخلنا بالكتابة لا بالكلام. لكن رغم تلك التغيرات، حتى وإن أصبح لدينا شيئًا من القدرة على تغيير كلماتنا من خلال مسح وإعادة الكتابة، فإن هذا لم يسحب قوتها منها.
يحذرنا الرسول يعقوب في إصحاحه الثالث من اللسان قائلًا: «لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا. إن كان أحد لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل، قادر أن يلجم كل الجسد أيضًا. هوذا الخيل، نضع اللجم في أفواهها لكي تطاوعنا، فندير جسمها كله. هوذا السفن أيضًا، وهي عظيمة بهذا المقدار، وتسوقها رياح عاصفة، تديرها دفة صغيرة جدًا إلى حيثما شاء قصد المدير. هكذا اللسان أيضًا، هو عضو صغير ويفتخر متعظمًا. هوذا نار قليلة، أي وقود تحرق؟ فاللسان نار!…». إصحاح كامل عن اللسان والكلام الذي يخرج منه وحسب! ولعلنا نتذكر أن حواء سقطت بسبب كلام خبيث خارج من حية.
عزيزي… تحدث السيد المسيح عن اللسان قبل الرسول يعقوب قائلًا: «فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم» (مت12: 34)، موضحًا لنا أن مَنْ يتحكم في هذا اللسان هو ما بداخل قلوبنا، أي نحن. يقول يعقوب إن اللجام يجعل الخيول تطاوعنا، والدفة تتحكم في السفينة، لكن مَنْ الذي يتحكم في اللجام والدفة؟ نحن، ومَنْ يديرنا نحن ويتحكم فينا هو اللسان. لذا فلنحذر من اللسان فعلى الرغم أنه عضو صغير نقلل منه، لكنه قد يقتل شخصًا دون أن ندري.
فليعطنا الله القدرة على التحكم في هذا العضو الصغير من خلال روحه، حيث إنه بقبول الروح القدس بداخلنا نستطيع أن نستخدم اللسان فيما هو مفيد: في التشجيع، التعبير عن المحبة، التعبير عن الفرح، وحتى بالتعبير عن غضبنا وحزننا بطرق لائقة تؤدي للتفاهم لا الجرح، وكل هذا يجعل من اللسان شاهدًا عن الله، ليس فقط بالكلام عنه، بل بالكلام مثله.