بعد 12 عام من سقوط حكم مرسي.. سيناريوهات مرعبة في ظل حكم المحظورة
السيسي في مواجهة الجماعة” … كيف أنقذ مصر من حكم الإخوان؟
تحقيق إيهاب أدونيا
شهدت مصر في العقود الأخيرة العديد من الأحداث الجسام التي تركت بصمتها العميقة في مسارها السياسي والاجتماعي، إلا أن ثورة 30 يونيو 2013 تظل واحدة من أبرز هذه المحطات وأكثرها تأثيرًا في تاريخ الدولة المصرية الحديث. جاءت هذه الثورة لتعبر عن إرادة شعبية جارفـة في تصحيح المسار الذي انحرف عن تطلعات الجماهير وآمالهم في بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم القانون وتكفل الحريات.
ففي الثلاثين من يونيو عام 2013، خرج ملايين المصريين في كافة محافظات الجمهورية إلى الشوارع والميادين، في مشهد غير مسبوق، ليعبروا عن رفضهم لحكم جماعة الإخوان المسلمين، الذي استمر عامًا واحدًا، اعتبروه فترة اتسمت بالفشل في إدارة الدولة، والانفراد بالسلطة، وتهميش القوى الوطنية، والسعي لأسلمة مؤسسات الدولة بأسلوب إقصائي يهدد الهوية المصرية الجامعة. لم تكن هذه التظاهرات مجرد حراك احتجاجي عابر، بل كانت تعبيرًا واضحًا عن تمسك المصريين بثوابت الدولة الوطنية، ورفضهم لمحاولات اختطاف الثورة ومكتسباتها.
اتسمت الثورة بطابعها الشعبي السلمي، لكنها حملت رسائل سياسية حاسمة، حيث طالبت برحيل النظام الحاكم آنذاك، وبتدخل القوات المسلحة لحماية إرادة الشعب ومنع انزلاق البلاد نحو الفوضى أو الاحتراب الأهلي. وبالفعل، استجابت القوات المسلحة، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي حينها، لصوت الشعب، وأعلنت في 3 يوليو 2013 خارطة طريق جديدة، تضمنت تعطيل الدستور، وتشكيل حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، تمهيدًا لبناء دولة حديثة على أسس من العدالة والاستقرار.
ماذا حدث بأرض المحروسة في عام حكم الإخوان؟
في عام حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر (من يونيو 2012 إلى يونيو 2013)، وقعت تحولات وأحداث عديدة على المستويين السياسي والاجتماعي أثارت جدلًا واسعًا وخلّفت انقسامًا حادًا في الشارع المصري. هذا العام القصير، الذي تولّى فيه محمد مرسي رئاسة الجمهورية كأول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير، كان مليئًا بالتحديات والإخفاقات التي مهّدت الطريق لثورة 30 يونيو 2013.
فيما يلي أبرز ما حدث في “أرض المحروسة” خلال هذا العام:
أولاً: غياب الرؤية السياسية الجامعة
منذ اللحظة الأولى لتولي الحكم، اتضح غياب مشروع وطني متكامل لدى جماعة الإخوان، وانشغل النظام الجديد بترسيخ وجوده داخل مفاصل الدولة بدلًا من بناء توافق وطني.
ظهرت محاولات لـ”أخونة الدولة”، عبر تعيين شخصيات محسوبة على الجماعة في مواقع تنفيذية وإدارية حساسة، ما أثار مخاوف من احتكار السلطة وتهميش القوى المدنية.
ثانيًا: الإعلان الدستوري الصادم
في نوفمبر 2012، أصدر الرئيس محمد مرسي إعلانًا دستوريًا منح نفسه بموجبه سلطات واسعة وجعل قراراته محصنة ضد الطعن القضائي.
هذا الإعلان أثار موجة غضب واسعة في الشارع، واعتُبر “انقلابًا على الديمقراطية”، مما تسبب في احتجاجات عنيفة واستقالات داخل السلطة القضائية.
ثالثًا: الدستور المثير للجدل
تم تمرير دستور جديد في ديسمبر 2012 عبر جمعية تأسيسية أغلب أعضائها من الإسلاميين، وسط انسحابات متعددة من ممثلي القوى المدنية والكنائس. الدستور احتوى على مواد مثيرة للجدل فيما يخص الحريات، وحقوق المرأة، والعلاقة بين الدين والدولة.
رابعًا: تدهور الأوضاع الاقتصادية
الاقتصاد المصري شهد أزمة خانقة خلال هذا العام: ارتفاع في الأسعار، انخفاض في الاحتياطي النقدي، عجز في الموازنة، وانقطاع متكرر للكهرباء.
عدم قدرة الحكومة على جذب الاستثمارات أو التفاوض الفعّال مع المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، زاد من حدة الأزمة.
خامسًا: توتر العلاقة مع مؤسسات الدولة
دخلت الرئاسة في صدامات متكررة مع القضاء، الإعلام، والشرطة. وتصاعدت حدة الخطاب العدائي تجاه المعارضين، ووُصف بعضهم بـ”الفلول” أو “أعداء الثورة”، ما زاد من حدة الاستقطاب.
سادسًا: الأمن القومي والعلاقات الخارجية
ظهرت مخاوف بشأن السياسة الخارجية، خاصة بعد تصريحات مثيرة للجدل في ملف سد النهضة الإثيوبي خلال لقاء تليفزيوني مباشر كشف عن ارتجالية خطيرة في إدارة الملفات الحساسة. العلاقات مع بعض الدول الخليجية، خاصة السعودية والإمارات، توترت بسبب التقارب مع قطر وحماس.
ماذا قدمت ثورة 30 يونيو لمصر؟ إنجازات واقعية وممارسات عملية
أعادت ثورة 30 يونيو رسم معالم الدولة المصرية على أسس جديدة من العدالة والمواطنة والتعددية. لم تكن مجرد لحظة غضب شعبي، بل كانت بداية لمسار طويل من الإصلاح المؤسسي والسياسي والاجتماعي. ومع استمرار التحديات، تبقى تلك الثورة محطة فاصلة في التاريخ المصري الحديث، حيث استعاد الشعب زمام مصيره، وأعاد توجيه البوصلة نحو دولة مدنية حديثة، تحترم الإنسان وتؤمن بالمواطنة الشاملة.
1. دستور 2014: ترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية
أحد أبرز ثمار ثورة 30 يونيو تمثل في إصدار دستور 2014، الذي مثّل نقطة تحول تاريخية في مسار الدولة المصرية نحو تأسيس دولة مدنية حديثة تقوم على العدالة والمساواة. فقد نص الدستور صراحة على أن “الحقوق والحريات مكفولة لجميع المواطنين دون تمييز على أساس الدين، أو الجنس، أو اللون، أو الانتماء السياسي أو الاجتماعي”، وهي المرة الأولى التي يُكرَّس فيها مبدأ المواطنة المتساوية بهذا الوضوح في النصوص الدستورية.
2. تمكين المرأة والأقباط والشباب: من الهامش إلى صُلب القرار
المرأة: حضور فعّال في مراكز صنع القرار: بعد سنوات من التهميش، شهدت المرأة المصرية نقلة نوعية في أعقاب ثورة 30 يونيو. فارتفع تمثيلها في مجلس النواب ليصل إلى أكثر من 25%، كما تولت عددًا من الحقائب الوزارية المهمة في الحكومة، مثل التخطيط، والهجرة، والبيئة، والصحة.
إضافةً إلى ذلك، أُطلقت الإستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030، والتي تتبناها الدولة باعتبارها خارطة طريق لتحقيق المساواة بين الجنسين في التعليم، والاقتصاد، والسياسة، والحماية من العنف.
الأقباط: إنهاء عقود من التهميش: أسفرت الثورة عن تحول كبير في تعاطي الدولة مع ملف الأقباط، فشهدنا لأول مرة تعيين محافظين أقباط، وقضاة ورؤساء هيئات، فضلًا عن تحسين البيئة القانونية، وخاصة من خلال قانون بناء الكنائس (2016) الذي أنهى حالة التعقيد المزمنة في ترخيص دور العبادة المسيحية. كما عزّزت القيادة السياسية من خطاب الوحدة الوطنية، وأكدت أن مصر “لكل أبنائها دون تمييز”.
الشباب: تأهيل جيل جديد من القادة: في مرحلة ما بعد الثورة، أولت الدولة اهتمامًا واسعًا بالشباب باعتبارهم قوة التغيير. تم إنشاء البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة (PLP)، وتعيين نواب شباب للمحافظين، فضلًا عن إطلاق مبادرات ريادة الأعمال، ومنتديات شباب العالم، التي أصبحت منصة دولية لعرض الرؤى والمبادرات الشبابية.
3. خطاب إعلامي أكثر توازنًا وشمولًا
تحرّكت الدولة نحو بناء خطاب إعلامي وطني متزن يعبّر عن تطلعات الشعب بكافة أطيافه، بعيدًا عن خطاب الكراهية أو الإقصاء الذي كان سائدًا في مرحلة ما قبل 30 يونيو.
تم تطوير الإعلام الرسمي وإعادة هيكلته، مع دعم القنوات والمنصات التي تروّج لقيم الحوار والانتماء الوطني، وتعكس تنوع المجتمع المصري دينيًا وثقافيًا وجغرافيًا.
4. استعادة الهوية الوطنية ومواجهة التطرف
لعلّ من أهم ما قدمته ثورة 30 يونيو هو إعادة التوازن لهوية الدولة المصرية، التي كادت تُختطف من قبل جماعات دينية سعت إلى فرض تصورات أحادية للدين والمجتمع.
وقد أكدت الثورة أن مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة، لا تقبل الإقصاء أو الاستعلاء باسم الدين أو الفكر، وهو ما انعكس على الخطاب الديني، والسياسات التعليمية، وملف الحريات العامة.
ساهم هذا التوجه في محاصرة التطرف الفكري، وتجفيف منابعه، عبر تطوير الخطاب الديني، ومراجعة المناهج، وإطلاق مبادرات لنشر ثقافة التسامح، والعيش المشترك، ودعم المؤسسات الدينية الوطنية كالأزهر والكنيسة في أداء أدوارهم بروح وطنية خالصة.
حتى لا ننسى… بعد ثورة 30 يونيو: أكثر من 80 منشأة كنسية في مرمى الإرهاب
في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، التي خرج فيها ملايين المصريين من مختلف الفئات والانتماءات السياسية والدينية، للمطالبة بإنهاء نظام حكم جماعة الإخوان المسلمين، شهدت البلاد موجة غير مسبوقة من العنف الطائفي والإرهاب المنظَّم.
وكانت الكنائس والمنشآت المسيحية في مقدمة الأهداف، إذ سعت بعض الجماعات المتطرفة إلى توظيف الفتنة الطائفية كسلاح سياسي للضغط والانتقام من الدولة، ومحاولة بث الانقسام داخل النسيج الوطني.
بلغت هذه الاعتداءات ذروتها في شهر أغسطس 2013، تحديدًا عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، حيث خرجت جماعات مسلحة وعناصر متطرفة لتشن هجمات منظمة طالت أكثر من 80 منشأة كنسية، من بينها:
– 45 كنيسة تم إحراقها بالكامل.
– أكثر من 20 كنيسة نُهبت أو تضررت بشكل جزئي.
– مدارس، وجمعيات خيرية، ومنازل تابعة لرجال دين مسيحيين، تعرضت للحرق أو التخريب.
– اقتحام ونهب أديرة ومراكز صحية وتعليمية تابعة للكنيسة في مناطق متعددة.
المنيا في الصدارة… وصعيد مصر الأكثر تضررًا
تُعد محافظة المنيا الأكثر تضررًا، حيث تم تدمير أو إحراق ما لا يقل عن 22 كنيسة ومبنى كنسيًا بها وحدها، تلتها محافظات: الفيوم، أسيوط.
كما امتدت الهجمات لتشمل الجمعيات القبطية الخدمية، ومدارس تابعة للكنائس، ما عطّل تقديم خدمات التعليم والرعاية لآلاف الأسر المسيحية، وخاصة في المناطق الفقيرة.
في السنوات التالية، تحركت الدولة المصرية بشكل رسمي لاحتواء آثار هذه الأحداث، وبدأت خطة شاملة لإعادة ترميم الكنائس المتضررة، تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، التي أوكلت إليها مهمة التنفيذ بشكل مباشر وسريع.
ورغم فداحة الاعتداءات، جاءت ردود أفعال الكنيسة المصرية والمجتمع القبطي مليئة بالحكمة وضبط النفس. فقد أصدر البابا تواضروس الثاني آنذاك بيانًا شهيرًا دعا فيه إلى الصبر والتسامح وعدم الانزلاق إلى الفتنة، مؤكدًا أن “وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن”.
قضايا مُلحة تنتظر الحسم: أولويات وطن في لحظة فارقة
في ظل ما تمر به مصر من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، تبرز مجموعة من القضايا المصيرية التي بات من الضروري أن تتصدر أولويات الدولة، وأن تُطرح بقوة على طاولة الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة، في إطار السعي لبناء دولة حديثة عادلة تُحقق التنمية والاستقرار وتحفظ كرامة المواطن المصري.
1. الأمن القومي واستقرار الدولة: الأمن القومي هو الأساس الذي تُبنى عليه الدولة، وبدونه لا يمكن الحديث عن تعليم أو صحة أو اقتصاد. ومنذ توليه مسؤولية القيادة، حرص الرئيس السيسي على إعادة بناء المؤسسة العسكرية، وتزويدها بأحدث الأسلحة والتقنيات، مع تنويع مصادر التسليح لضمان استقلال القرار الوطني، وهو ما أثمر عن جيش قوي قادر على حماية الحدود والسيادة المصرية في أصعب الظروف. ومع ذلك، تبقى ضرورة استمرار اليقظة الاستراتيجية، ومواجهة التحديات الإقليمية والداخلية، وحماية الأمن المائي، وتأمين الجبهة الداخلية، من أهم المهام في المرحلة المقبلة.
2. إصلاح قوانين الأحوال الشخصية
تمثل قوانين الأسرة والأحوال الشخصية إحدى القضايا الاجتماعية الملحة التي طال انتظار إصلاحها، لما لها من تأثير مباشر على استقرار المجتمع المصري والأسرة المصرية.
ومن أبرز الأولويات:
جعل مصلحة الطفل أولوية في جميع القرارات القضائية.
إصدار قانون جديد يُعالج ثغرات القانون الحالي، ويضمن توازن الحقوق بين المرأة والرجل.
التصدي لظواهر العنف ضد المرأة، والتحرش، والزواج القسري.
إخراج قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين إلى النور، بعد طول تأجيل.
3. إصلاح التعليم واستعادة دوره الحضاري
لن تنهض مصر إلا بتعليم عصري ومستنير. الإصلاح يبدأ من المدارس الحكومية، حيث يجب توفير تعليم مجاني عالي الجودة، إلى جانب:
عودة الأنشطة الفنية والرياضية والموسيقية كجزء من بناء الشخصية.
تنقية المناهج من الأفكار المتطرفة، خاصة في التعليم الأزهري.
تحسين أوضاع المعلمين ماديًا ومعنويًا.
رفض المقترحات التي تنطوي على تمييز ديني في بيئة التعليم، مثل استخدام المساجد كمدارس، بما يضر بحقوق الطلاب المسيحيين.
4. تطوير المنظومة الصحية وضمان الحق في العلاج
الصحة هي حق أصيل للمواطن، ويجب ألا تبقى رهينة الإمكانيات الفردية أو الطبقة الاجتماعية. الإصلاح الصحي يستلزم:
تطوير مستشفيات عامة نظيفة ومجهزة في كافة المحافظات.
توفير الأدوية بأسعار عادلة.
رفع مخصصات الصحة في الموازنة العامة بما يتناسب مع احتياجات النمو السكاني.
تحسين ظروف العمل للأطباء والتمريض، وتدريب الكوادر الطبية بانتظام.
5. ضبط الأسعار وإنعاش الاقتصاد الوطني
الغلاء وارتفاع الأسعار أصبحا التحدي الأكبر أمام ملايين المصريين. ويتطلب ذلك:
تفعيل الرقابة على الأسواق ومحاربة الاحتكار.
تشجيع الصناعات المحلية لتقليل الاستيراد وتوفير فرص العمل.
تبسيط إجراءات الاستثمار، والتخلص من البيروقراطية التي تعيق التنمية.
6. نشر الفكر المستنير وبناء الوعي الوطني
لا يكتمل مشروع الدولة الحديثة بدون عقل مستنير وثقافة حرة. في مواجهة الفكر المتشدد، والتطرف الديني أو الفكري، تأتي أهمية:
دعم المؤسسات الثقافية والفنية على مستوى الجمهورية.
دمج مفاهيم التنوير في التعليم والإعلام والخطاب الديني.
الاستثمار في برامج التوعية المجتمعية التي تُعزز الانتماء، وتحارب الكراهية والتعصب.
مصر تستحق الأفضل
إن طرح هذه القضايا لم يعد ترفًا أو رفاهية، بل أصبح ضرورة وطنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبناء مستقبل يليق بتاريخ مصر وشعبها.
المطلوب الآن ليس فقط تشخيص المشكلات، بل امتلاك الشجاعة الكافية لوضع حلول حقيقية، والانحياز للمواطن البسيط الذي ينتظر أن يشعر بأن الثورة والدولة تعمل من أجله لا عليه.
ماذا لو لم تحدث ثورة 30 يونيو؟ سيناريوهات كارثية تحت حكم الإخوان
لولا ثورة 30 يونيو، لكانت مصر اليوم غارقة في الفوضى، تسير في طريق مشابه لما يحدث في ليبيا أو السودان أو غزة.
كان مشروع جماعة الإخوان يهدف إلى تفكيك الدولة المصرية، وتحويلها إلى أداة في صراعات إقليمية تخدم أجندات خارجية.
من الغرب، كانت قواعد داعشية قد تسللت عبر الحدود الليبية، ومن الشرق فُتح معبر رفح بالكامل، ما مهّد لاحتلال سيناء من قبل جماعات مسلحة من غزة، ضمن خطة تخدم مصالح إسرائيل.
ومن الجنوب، دخلت عناصر إرهابية من شمال السودان، واحتلت أراضي حتى أسوان.
المسيحيون في مصر كانوا مهددين بتهجير جماعي، كما حدث في العراق وسوريا، بفعل الطائفية والعنف، بينما كانت الجزية والحجاب القسري واقعًا مفروضًا.
الدولة كانت ستتحول إلى مأوى لكل هارب ومتطرف، لا كلاجئين، بل كمحتلين.
أما السيادة، فكانت مهددة بوجود قواعد أمريكية في البحرين المتوسط والأحمر، بحجة حماية المصالح الدولية.
الاقتصاد كان سينهار، والمصريون كانوا سيجوعون، كما يحدث اليوم في غزة، في ظل سلطة ميليشيات مسلحة تتحكم في الناس بالكهرباء والغاز والغذاء.
هذه الكوابيس كادت أن تتحول إلى واقع، لولا أن الشعب المصري انتفض في 30 يونيو، واستعاد بلاده من براثن مشروع ظلامي، بفضل تلاحمه مع الجيش وقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد رفض لحكم الإخوان، بل كانت إنقاذًا لوطن من الضياع.
كمال زاخر: ثورة 30 يونيو كانت ثورة وجود وليست مجرد ثورة حقوق … وكانت بالنسبة للأقباط ثورة استرداد وطن
أكد المفكر القبطي كمال زاخر أن خروج الأقباط للمشاركة ضمن جموع المصريين كان خروجًا ليس للمطالبة بحقوق سياسية واجتماعية فئوية، بل للدفاع عن وجودهم، لذا فثورة 30 يونيو كانت ثورة وجود وليست مجرد ثورة حقوق، وكانت بالنسبة للأقباط ثورة استرداد وطن يتسع لكل المصريين.
كانت المواطنة هي المطلب الأول لحراك 30 يونيو 2013، وفيها تتحدد الواجبات والحقوق والعلاقات البينية من قاعدة الانتماء للوطن، وهو ما ترجمته نصوص الدستور الذي صدر عقب هذا الحراك، وأقر عام 2014.
وأوضح كمال أنه حين وقف وزير الدفاع يعلن عن استجابة القوات المسلحة لمطالب الشعب ونجاح ثورة المصريين في 3 يوليو وإعلان بيانها الحاسم في مشهد مهيب، كان في الوقت ذاته يرسل رسالة للداخل والخارج أن خيار المواطنة هو عنوان الثورة. كان المشهد يحمل هذه الرسالة، إذ كان يضم رموز القوى الوطنية، الشباب وقيادات الجامع الأزهر والكنيسة القبطية وممثلي الأحزاب، لتبدأ مصر مرحلة جديدة برؤية وطنية صادقة ويتحول الشارع المصري في المدن والقرى بامتداد واتساع خريطة مصر إلى فرح مصري شعبي مبهر.
لم تتوقف مساعي تأكيد المواطنة عند تلك اللحظة، بل حملت الأيام تطبيقات على الأرض، بدأت بالنص في الدستور في المادة الثالثة منه على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية.
وأشار زاخر إلى أن المادة الرابعة تترجم مضمون المواطنة بنصها على أن «السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين».
وأضاف أن ثورة 30 يونيو وهي تنتقل من الثورة إلى الدولة تضع يدها في واحدة من المعضلات المزمنة التي كانت تمثل صداعًا مزمنًا في رأس الوطن وتهدد سلامه بل تهدد وحدته، وهي معضلة بناء الكنائس، لتسن قانونًا لبنائها وترميمها لا يخضع للهوى أو لتوازنات السياسة وتقلباتها، رتبت له قواعد موضوعية مجردة، وأعقبته بسلسلة من إجراءات وقرارات توفيق أوضاع الكنائس والمنشآت الدينية الخدمية التابعة لها والتي بُنيت قبلًا في ظروف ضاغطة متربصة امتدت لما يزيد على القرن.
وحتى تتيح فرصًا حقيقية للفئات التي كان من الصعب عليها، لعديد من الأسباب، المشاركة في البرلمان والمجالس الشعبية، أصدرت قوانين تحتم وجودهم فيها، وتمثيلهم في القوائم الانتخابية، وشمل ذلك المرأة والشباب والأقباط والمصرين بالخارج، وغيرهم.
وأكد أن الرئيس السيسي لم يكن بعيدًا عن ترسيخ قيمة المواطنة إذ رسَّخ لتقليد رئاسي جديد بحضوره للتهنئة في قداس عيد الميلاد المجيد سنويًا، وافتتاحه أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط بالعاصمة الإدارية الجديدة.
وأنهى زاخر حديثه بأنه ما زال مشوار ترجمة المواطنة على الأرض طويلًا، لكنه لم يتوقف، في إصرار لمواجهة تكتلات القوى المناوئة، والموروث الثقيل. وإن كان مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فالواقع يقول بأننا سرنا في مشوار المواطنة خطوات واسعة وفاعلة.