الـ Fomo وتأثيره على الحياة النفسية

4

د. فيولا موريس

انتشر في السنوات الأخيرة وخاصةً بين الشباب، مصطلح Fomo، وهو اختصار للتعبير Fear of missing out، ويعني الخوف من فقدان أشياء مهمة وممتعة قد لا تلحق بها أو تفوتك، وهو شعور نفسي يجعل الشخص في حالة قلق من أن يفوته شيء ذو قيمة يحدث في مكان ما وقد تكون للآخرين القدرة على المشاركة فيه أو الاستفادة منه بينما أنت لا تستفيد منه.

وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا فعالًا في تعميق هذا الشعور، والذي قد يصيبك بالخوف والاضطراب بل أحيانًا بالانزعاج، خاصةً وأنه يشمل أغلب دوائر الحياة التي نعيشها سواء على المستوى المادي أو المقتنيات أو العلاقات أو الدراسة أو العمل – وهناك صور متعددة تظهر فيها الـFomo  بشكل واضح، كأن ترى على الفيس بوك صورًا جذابة لصديقك وهو يقضي وقتًا ممتعًا أثناء عطلته في أحد البلدان الأوروبية، بينما أنت تجلس قابعًا في مكانك في البيت لا تتمتع بما يتمتع به صديقك وكأنك لا تعيش الحياة المثالية التي تتصورها له.  أو ترى زميلك في العمل يحتفل مع أصدقائه بالمنصب الجديد الذي تولاه في الشركة فتشعر بالذنب لأنك لم تأخذ نفس الفرصة. أو ترى أشخاصًا استثمروا مدخراتهم في شراء العملة الرقمية (بيتكوين) وأصبحوا يتملكون الملايين فتشعر بالإحباط وخيبة الأمل من أنك لم تنتهز هذه الفرصة وتحصل على نفس الصفقة. أو تسمع عن دورات تدريبية لتنمية المهارات مثل اللغة أو الكمبيوتر وأنت لم تلتحق أو تشترك فيها بينما زملاؤك في العمل التحقوا بها. أو الفتاة التي ترى كل قريباتها من الفتيات قد ارتبطن بشباب ناجحين وصور زفافهم تملأ وسائل التواصل الاجتماعي، وهي ما زالت وحيدة معتقدة أن القطار فاتها وأنها ضيعت فرصًا كثيرة. أو الإعلان عن فرصة لاقتناء شقق في المدن الجديدة أو شاليهات في المناطق الساحلية والإيحاء بأن هناك عددًا محدودًا نظرًا للإقبال المتزايد عليها فتشعر وكأنك سيئ الحظ لأنك لم تتمكن من الاشتراك في هذه العروض المغرية مع أنك لا ترى فيها إلا بعض الصور الجذابة المعروضة على وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا تعيش في حالة من الاضطراب والتشويش الذهني ولا تعرف في أي اتجاه تسير فيه، حيث تضع سيناريو خياليًا لحياة الآخرين بينما أنت تفتقد لحياة الرفاهية التي يعيشها غيرك.

وهكذا نجد أن وسائل التواصل توحي لك بأنك لا تجد نفسك ولا تمتلك شيئًا، وبالتالي فأنت غير مشهور أو محبوب أو مقبول، وليس لك أي مكان في كل هذه الفرص التي يقتنصها الآخرون.

التأثير النفسي للـ Fomo:

تذكَّر دائمًا أن شعورك بأنك ضيعت فرصة أو فاتك شيء ما منبعه هو مقارنتك بالآخرين. إن تركيز ذهنك على ما يفعله الآخرين وما يمتلكه غيرك سيولد لديك مشاعر من القلق والتوتر المستمر، كما يصيبك بالإرهاق العقلي والجهد الذهني، وقد يصل بك الأمر إلى الإحساس بعدم الكفاءة والنقص وبأنك أقل نجاحًا وحظًا أو سعادة. وقد تقودك هذه الصراعات إلى الشعور بالندم والإحساس بالتذمر وعدم الرضا.

– إن مشاهدتك المستمرة لنجاح الآخرين قد تسبب لك الغيرة التي تنشئ في داخلك مشاعر العجز والوحدة، والتي تؤدي بك إلى الوقوع في براثن الإحباط والاكتئاب.

– إن مشاعر الخوف والقلق من تفكيرك بأنه قد فاتك شيء ما قد تؤدي بك إلى اتخاذ قرارات متسرعة خوفًا من اعتقادك بفوات الفرصة.

– كما أن مقارنتك بالآخرين وما يحصل عليه غيرك قد تنسيك أن تركز على ما أنت تمتلكه من بركات وخيرات لا يمتلكها غيرك. وتذكَّر أن هناك جوانب مظلمة في حياة الآخرين غير معلنة ولا نعرف عنها شيئًا بالمرة.

كيف يمكن التخفيف من تأثير الـFomo :

– أولًا وقبل كل شيء، يجب الاعتراف بأن هناك مشكلة لا بد أن تواجهها حتى يمكنك التعامل مع مشاعرك السلبية، والبداية تكون من تقليل استخدام السوشيال ميديا حتى لا تستنزف كل وقتك.

– حوِّل التركيز من الآخرين إلى أنشطة أخرى بنَّاءة مثل تعزيز علاقتك بالأشخاص ممن حولك والذين يحبونك، وستجد عددهم أكثر من توقعاتك.

– لا تعش من أجل أن يكون هدفك هو مقارنتك بالآخرين، بل قارن نفسك بنفسك حتى يمكنك أن تطور من مهاراتك وإمكانياتك.

– حدد أولوياتك، فليست كل فرصة مناسبة لك، وليس ما يفعله الآخرين مناسبًا لك.

– سجِّل الأشياء التي تمتلكها سواء كانت إمكانيات أو مهارات، وقدِّم الشكر لله على هذه الأشياء وحاول أن تستثمرها وتستفيد فيها.

– ركِّز على ما لا تريد أن تمتلكه ولا تدع مشاعرك تقود قراراتك، ثم انظر إلى الماضي وستجد أن أغلب الأشياء التي تبحث عنها ستكتشف أنها ليست تمثل قيمة كبيرة.

– عش اللحظة هنا والآن واستمتع بها، ستجد نفسك تحول الـFomo  إلى Jomo (Joy of missing your activity).

– تعلم مهارات الحياة ومن أهمها أن تقول (لا)، وثق أن هناك أشياءً تبحث عنها غير حقيقية أو واقعية، ولكنها خيالية.

– لا تضع الأمور المادية في بداية أولوياتك، إذ أن الحياة تحمل من القيم والمبادئ الأخلاقية والروحية ما هو أعمق وأثمن من الانحصار في الأمور المادية.

– انظر إلى حياة الأشخاص ككل، فهم يستمتعون بجوانب في حياتهم، بينما جوانب أخرى فيها يفتقرون إليها، فليس هناك شخص يتمتع بكل الأشياء. فقد تكون لديهم إمكانيات مادية وعلاقاتية، ولكنهم يفتقدون للرضا والسعادة الداخلية.

– وأخيرًا والأهم، ركِّز على مصدر الشبع الحقيقي شخص الرب يسوع الذي يملأ الفراغ العميق الداخلي الذي تعاني منه، فهو وحده الذي يشبع النفس ويرويها من فيض حبه وراحته، فتجد فيه كفايتك. التصق به وتلامس معه، فهو منبع الحياة والخير.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا