السيسي يبني … والحكومة تعرقل وتهدم.. بيروقراطية الصغار وانغلاق فكرهم يورط الكبار ويهدم ما يبنون
العذراء المعادي … دير الأنبا مكاريوس بوادي الريان… جاردينيا سيتي … أمثلة على الواقع
السيسي يؤكد التزام مصر بحماية جميع المقدسات الدينية على أرضها وتقديرها
تحقيق: إيهاب قزمان
بينما يشيد الأقباط بمكاسبهم الدينية والحقوقية في عهد الرئيس السيسي، خصوصًا فيما يخص بناء الكنائس والقانون الموحد لبناء الكنائس، والذي صدر بأمر من الرئيس السيسي، وتأكيده المستمر، في كل المشروعات العمرانية الجديدة، على وجود كنيسة داخل كل مشروع، حتى دون أن ينتظر أو يسمع أو يشاهد أو يقرأ أي مطالبة من الأقباط بذلك، مما يوحي ويؤكد رؤية الرئيس لأهمية المواطنة ولحقوق الأقباط في حرية العبادة وحرية بناء بيوت الله من كنائس.
ويتكرر المشهد سنويًا بزيارة كريمة منه في عيد الميلاد، بعد إهدائه للكنيسة القبطية كاتدرائية كبيرة للغاية من حيث المساحة في العاصمة الإدارية الجديدة. وهكذا نراه يبني ويؤسس للمواطنة، بينما بعض رجال دولته يعترضون تلك الحقوق وينقضون الاتفاقات، عن قصد كان أو عن غير قصد، لا يهم، فالنتيجة واحدة: الرئيس يبني ويؤسس، والبيروقراطية الحكومية تهدم وتدمر. ولنا في أزمة دير سانت كاترين والعذراء المعادي وكنيسة جاردينيا سيتي مثال.
الاعتداء على أرض ملاصقة لكنيسة العذراء بالمعادي
رفع شعب كنيسة العذراء بالمعادي نداء عبر بيان عاجل إلى الرئيس السيسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
قال البيان إن كنيسة العذراء بالمعادي هي أحد أهم المعالم الدينية والتاريخية في مصر، وهي إحدى المحطات الرئيسية في مسار العائلة المقدسة، والذي يُعد من أبرز المزارات الدينية والسياحية على مستوى العالم، وتوليه الدولة أهمية خاصة في خطط التنمية السياحية والروحية.
وأشار البيان إلى أنه تم التوصل سابقًا إلى اتفاق رسمي بين الدولة، ممثلة في الجهات المعنية من وزارات ومحافظة القاهرة، وبين الكنيسة، يقضي بتنظيم التعاون وتطوير المنطقة، بما يخدم الصالح العام للدولة، ويحفظ قدسية الموقع الديني وتاريخه.
وأوضح البيان: فوجئنا مؤخرًا بتصرفات غير مبررة من بعض الأجهزة التنفيذية، تضمنت التلاعب بتلك الاتفاقية، والاعتداء على أرض ملاصقة للكنيسة دون تنسيق مسبق، أو احترام لبنود الاتفاق، أو الرجوع إلى أصحاب الشأن.
وأكد البيان أن هذا التجاوز لا يمس فقط كيانًا دينيًا عظيمًا، بل يضرب بمصداقية الدولة واتفاقاتها عرض الحائط، ويهدد بخلق حالة من الاستياء الشعبي، خاصةً وأن الكنيسة كانت دائمًا وما زالت تتعاون بكل إخلاص مع الدولة، بل وقدمت تسهيلات كبيرة من أرضها لدعم مشروعات التوسعة وتطوير الطرق، إيمانًا منها بدورها الوطني.
وأكد البيان أن ما يثير القلق بشكل أكبر هو ما تقوم به هيئة المسطحات من محاولات وضع اليد على أراضٍ مجاورة، رغم وجود الكنيسة والمزار الديني، حيث تعمل هذه الجهة في الخفاء، وغالبًا ليلًا، على قطع الأشجار وهدم السور المجاور، دون أي إعلان رسمي، أو تنسيق مع الجهات المختصة، أو مراعاة للبعد الديني والتاريخي للمكان.
وأشار البيان إلى أن هذا السلوك يفتقر إلى الشفافية، ويُعد إخلالًا واضحًا بالنظام العام، ويطرح تساؤلات مشروعة حول الغرض من تلك التحركات السرية.
وتساءل البيان: فأين محافظ القاهرة؟ وأين الوزارات التي وقّعت هذه الاتفاقية؟ هل تم إطلاع سيادتكم على هذا الإخلال الصارخ؟ أين دور وزارة السياحة في دعم المزارات الدينية المقدسة؟ وأين دور القوات المسلحة التي لطالما كانت سندًا لتنفيذ القانون وحماية مقدرات الوطن؟ بل الأدهى من ذلك، أن يتم قطع الأشجار وتحويل المساحة إلى بناء مشوَّه، في منطقة من المفترض أن تكون واجهة حضارية وسياحية لكل زوار العالم.
وناشد الرئيس السيسي التدخل الفوري لوقف هذا العبث، والتحقيق في ملابسات هذا الإخلال، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، إحقاقًا للعدالة، واحترامًا للاتفاقات، وحفاظًا على قدسية موقع يُعد تراثًا مصريًا عالميًا.
أزمة دير الأنبا مكاريوس بوادي الريان
في مواقف سابقة، تعاملت الدولة بالتفاوض لحل مشكلات بعض الأديرة، كما حدث مع دير الأنبا مكاريوس السكندري. في وادي الريان، كانت القصة مُركَّبة، إذ لم تعترف الكنيسة بالرهبان فيه كدير رسمي، رغم أنهم ينتفعون بأراضٍ حول الموقع الأثري.
وفي عام 2021، نفذت الشرطة قرار هيئة المحميات الطبيعية باستعادة ألف فدان كانت تستغلها جماعة الدير بعد تقصيرهم في دفع حق الانتفاع السنوي منذ عام 2017، وأُزيلت التعديات الإنشائية الواقعة على الأرض. وأصدر المجمع المقدّس بيانًا أوضح فيه أن هذا المكان لا يُعد ديرًا رسميًا، بل يُعتبر “مزارًا تحت إشراف آباء أساقفة”، مشيرًا إلى خطورة وجود كيانات وهمية يدَّعي أصحابها الانتساب إلى الكنيسة لجمع التبرعات دون رقابة كنسية.
أزمة كنيسة الأمير تادرس بكمبوند جاردينيا
قامت الحكومة بأعمال حفر داخل الأرض المحيطة لكنيسة الأمير تادرس في كمبوند جاردينيا، رغم صرخات الأقباط واستغاثاتهم المستمرة الموجهة لرئاسة الجمهورية، لوقف التعدي على الأرض وتنفيذ الوعود السابقة بحل الأزمة بمنح الأرض للكنيسة.
عدد الأقباط في الكمبوند يقترب من 9 آلاف نسمة، بينما لا تتسع الكنيسة الحالية لأكثر من 250 شخصًا، علمًا بأن عددًا من الأقباط قدموا طلبات منذ عام 2021 لتخصيص الأرض، وأرسلت الطلبات من مكتب قداسة البابا تواضروس الثاني -الذي يشرف على هذا القطاع مباشرة- عبر نيافة الأنبا أكليمندس، الأسقف العام لقطاع ألماظة وشرق مدينة نصر وجاردينيا.
وعُقدت عدة لقاءات خلال مايو 2024 بين الأنبا أكليمندس والمسئولين، حيث وعدوا بأن الأزمة في الطريق إلى الحل. لكن الصدمة كانت عندما بدأت أعمال الحفر وسط حراسة أمنية، دون أي اعتبار للوعود الرسمية أو التفاهمات السابقة.
وتجمع المئات من الأقباط داخل الكنيسة – التي لا تتسع إلا لـ250 شخصًا – يرفعون الصلوات ويناشدون الرئيس السيسي بالتدخل. وقد أرسلوا استغاثة في مايو الماضي، طالبوا فيها بحقهم المشروع في بناء مبنى خدمات واستراحة لقداسة البابا والأب الأسقف.
ما حقيقة أزمة دير سانت كاترين في مصر؟
بعد حالة من الجدل نتيجة ما تردد عن سعي السلطات في محافظة جنوب سيناء المصرية لمصادرة دير سانت كاترين التاريخي، التابع إداريًا للكنيسة اليونانية، وانتزاع الأراضي التابعة له، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس «التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين، وعدم المساس بهذه المكانة».
والأربعاء الماضي، أصدرت محكمة استئناف الإسماعيلية حكمًا في دعوى بشأن قطع الأراضي المتنازع عليها بمحافظة جنوب سيناء، وقضت بأحقية «تابعي دير سانت كاترين» في الانتفاع بالدير والمواقع الدينية الأثرية بمنطقة سانت كاترين، مع ملكية الدولة لهذه المواقع بوصفها من الأملاك العامة.
وتضمن حكم المحكمة «وجوب احترام العقود المحررة بين الوحدة المحلية لمدينة سانت كاترين والدير بشأن بعض قطع الأراضي المستغلة بمعرفة تابعي الدير»، وهو ما ينفي وقوع تعدٍّ على هذه الأراضي. كما أكدت المحكمة في حكمها أن باقي قطع الأراضي المتنازع عليها محميات طبيعية، وجميعها من أملاك الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو تملكها بالتقادم، ولم تصدر بشأنها أي عقود من جانب جهة الولاية (تقصد السلطات المصرية).
وعقب الحكم، تم تداول منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بأن السلطات المصرية ستخلي الدير وتنتزع الأراضي التابعة له بدعوى «إقامة مشروعات تطوير به أو بيعها لمستثمرين».
ودخلت السلطات في أثينا على خط الأزمة، حيث صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية اليونانية، لانا زوهيو، بأن الحكومتين (المصرية واليونانية) عملتا بشكل متواصل خلال الفترة الماضية للتوصل إلى اتفاق يحافظ على الطابع الأرثوذكسي المقدس للمنطقة، مشيرة إلى أن القرار القضائي المصري صدر، والجانبان لا يزالان يعملان على دراسة التفاصيل المتعلقة به.
وأكدت زوهيو أن وزير الخارجية اليوناني تواصل فورًا مع نظيره المصري، مؤكدًا «رفض أي إجراء يخرج عن التفاهم المشترك بين البلدين، والذي جسده قادة أثينا والقاهرة خلال اجتماع المجلس الأعلى للتعاون الذي عُقد أخيرًا في اليونان».
وكان رئيس أساقفة أثينا وسائر اليونان، إيرونيموس، قد وصف الحكم القضائي بأنه «إلغاء تاريخي لأي مفهوم للقانون»، مشيرًا إلى أن الحكومة المصرية «قررت الاستيلاء على ممتلكات دير القديسة كاترين ومصادرتها»، رغم الالتزامات التي قدمها الرئيس لنظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس خلال زيارته الأخيرة إلى أثينا.
وكان ميتسوتاكيس قد أشار إلى دير سيناء، خلال تصريحات مشتركة مع الرئيس المصري أثناء زيارته لأثينا، وهو ما دعا السيسي وقتها للتأكيد على حماية مصر للدير.
وأصدرت الرئاسة المصرية بيانًا جاء فيه أن السيسي تلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس الوزراء اليوناني، وأن الجانبين أكدا حرصهما على الزخم الكبير الذي تشهده العلاقات بين البلدين الصديقين، والتزامهما بالاستمرار في دفع العلاقات الإستراتيجية بين البلدين إلى آفاق أرحب في مختلف المجالات، بما يتفق مع طابعها التاريخي ويحقق مصالح الشعبين الصديقين.
وتضمن البيان أن الاتصال شهد التأكيد على التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين، وعدم المساس بهذه المكانة، وهو ما يرسخه الحكم القضائي الصادر أخيرًا في هذا الصدد، والذي جاء ليتسق مع حرص مصر على الأماكن الدينية والكنسية، وتأكيد القيمة التراثية والروحية والمكانة الدينية الفريدة لدير سانت كاترين.
وكانت الرئاسة المصرية قد أصدرت بيانًا أكدت فيه المعنى نفسه.
ويقع دير سانت كاترين على سفح جبل سيناء في جنوب شبه الجزيرة، وأُقيم حيث تلقى النبي موسى الوصايا العشر، وهو أقدم دير مأهول بشكل متواصل في العالم. وتشهد منطقة سانت كاترين، والتي تضم بلدة تحمل الاسم نفسه ومحمية طبيعية، مشروع تطوير ضخمًا، في إطار سعي الحكومة لتعزيز السياحة فيها.
وقال عضو «لجنة التاريخ والآثار» بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر، عبد الرحيم ريحان، إنه «ليست هناك أي أزمة في الحكم القضائي الصادر مطلقًا، بالعكس هو انتصار لقيمة الآثار والحفاظ عليها، وانتصار لنا نحن الأثريين المصريين، لأنه أكد أن الدير والأراضي التابعة له يخضعان لقانون الآثار، ويتبعان المجلس الأعلى للآثار، ومن حق مَنْ في الدير الانتفاع بها، لكن ملكيتها للدولة باعتبارها مناطق أثرية دينية تتبع الكنيسة اليونانية إداريًا، ولكنها مسجلة في التراث العالمي كأثر مصري مملوك للدولة المصرية، وبالتالي فإن ذلك يدحض كل ما يقال عن أن السلطات ستخلي الدير لإقامة مشروعات تطوير، فهذا لا يمكن مع الأثر المسجل».
ويشتمل الدير الخاص بطائفة الروم الأرثوذكس على هياكل متعددة، أهمها كنيسة تجلي المسيح، التي تضم في حد ذاتها 9 كنائس أصغر. وإحدى هذه الكنائس هي الكنيسة المحترقة التي تكلم عندها الله مع النبي موسى. ويضم دير سانت كاترين 10 كنائس أخرى، وأماكن إقامة الرهبان، وقاعة طعام، ومكبس زيتون، وصناديق عظام الموتى، ومسجدًا فاطميًا من القرن الثاني عشر الميلادي، ومكتبة تضم كتبًا نادرة و6000 مخطوطة.
وأوضح ريحان أن «الحكم تضمن أيضًا أن هناك أراضٍ نائية بعيدة عن الدير ليست هناك أي عقود ملكية أو انتفاع لها بحوزة رهبان الدير، وهذه الأراضي أقرت المحكمة تبعيتها للمحميات الطبيعية في جنوب سيناء، ومن ثَمَّ لو حاولت السلطات فعل أي شيء بها، فلا بد من موافقة إدارة المحميات الطبيعية ووزارة البيئة. وفي العموم، هي بعيدة عن المناطق الأثرية والدير تمامًا».
وشدد على أن «الخلاف الحادث حاليًا هو خلاف سياسي، وليس أثريًا، فالسلطات اليونانية تريد ملكية الدير والأراضي التابعة له للكنيسة اليونانية، وبالتالي للسلطات اليونانية، وتضغط من أجل ذلك، لكن التاريخ والحكم القضائي يؤكدان أنها أرض مملوكة للدولة المصرية، مع ضمان حمايتها كأثر مسجل».
وبحسب مصدر مسئول في محافظة جنوب سيناء، فإن «قصة النزاع حول أراضي الدير بدأت حينما قام رئيس إحدى الجمعيات الخيرية المصرية باصطحاب أطفال من نزلاء الجمعية لزيارة المنطقة الأثرية بالدير، فمنعهم المسئولون هناك من الدخول بدعوى أنها ليست أرضًا مصرية، ومرفوع عليها العلم اليوناني، فما كان منه إلا أن أقام الدعوى القضائية، وتضامنت معه فيها محافظة جنوب سيناء، وصدر الحكم بعد وفاة صاحب الدعوى بسنوات».
السيسي يؤكد التزام مصر بحماية جميع المقدسات الدينية على أرضها وتقديرها
أكد الرئيس السيسي التزام مصر بحماية جميع المقدسات الدينية على أرضها، وتقديرها لدير سانت كاترين تحديدًا ومكانته الدينية والروحية، وهو ما عكسه بالفعل حكم المحكمة المصرية المختصة الصادر مؤخرًا في هذا الخصوص، حيث شدد على أنه لا مساس بالدير.
وقال السيسي: “هذا الأمر يتوافق تمامًا مع ثوابت الدولة المصرية وسياساتها الراسخة في احترام المقدسات الدينية، والحرص على حماية الرموز الدينية لجميع الطوائف.”
وأضاف: “عندما حرق المتطرفون 65 كنيسة في مصر، قمنا بإعادة بنائها مرة أخرى، ونقوم بإنشاء دور عبادة للمسلمين والمسيحيين في التجمعات الجديدة، ولو عندي مواطنون يهود هابني لهم معابد.”
في النهاية، ومن الواضح أن هناك مخططًا غير معلن -لم يتضح من يقف وراءه- يُدفع به بخطوات واثقة نحو تنفيذ ما يُشبه الاستيلاء على جميع المواقع الأثرية، بما فيها الدينية (كالكنائس والأديرة)، وضمها إلى الدولة واعتبارها مناطق سياحية وأثرية. ويتم السماح للمصلين والرهبان باستخدامها، مع الاحتفاظ بحق الدولة في تحديد أماكن وطريقة الاستخدام. ومع مرور الوقت، قد يتغير هذا الواقع، وتتحول هذه الأماكن إلى مواقع سياحية خالصة، كما حدث مع كنيسة آيا صوفيا في تركيا.
ومن ثَمَّ، فإن على الرئيس السيسي أن يتنبه لخطورة بيروقراطية الصغار، وانغلاق فكرهم الذي يورط الكبار، ويُقوِّض توجُّه الدولة نحو المساواة وعدم التمييز، ويهدم ما بناه الرئيس من حقوق المواطنة والحرية الدينية في غمضة عين.