الدين والاقتصاد

17

د. مراد وهبة

انعقدت في 2 نوفمبر من العام الماضي في جزيرة بالي باندونيسيا قمة الأديان لمجموعة العشرين. وهذه المجموعة كانت قد أسستها رابطة العالم الإسلامي وهيئة نهضة العلماء الإندونيسية في عام 1999، ومنها تم التوقيع على اتفاقية شراكة تحت مسمى “المعمل الدولي للأديان” بين الرابطة وجامعة كولومبيا بنيويورك بأمريكا، بحضور قيادات الجامعة وكاردينال الكاتدرائية الكبرى بنيويورك والحاخام الأكبر آرثر شناير وأعضاء من الكونجرس الأمريكي.

وقيل عن هذه القمة إنها القمة الدينية الأولى والغاية منها التدليل على أن الدين هو الأساس في حل المشكلات الاقتصادية العالمية. ومن هنا يلزم الكشف عن العلاقة بين الدين والاقتصاد.

وفي سياق هذه العلاقة، كنتُ قد عقدتُ ندوة في 13/2/1985 تحت عنوان “الدين والاقتصاد” دعوتُ إليها عددًا من كبار المفكرين المصريين على تنوع توجهاتهم الأيديولوجية.

والجدير بالتنويه هنا أن موضوع هذه الندوة كنتُ قد انشغلتُ به منذ ديسمبر من عام 1974 عندما نشرتُ افتتاحية لملحق الفلسفة والعلم الذي كنتُ أشرف على تحريره بمجلة الطليعة وكان عنوانها “التتارية والفكر المستورد” جاء فيها أن ثمة ظاهرة بدأت في الظهور ذات بُعدين: بُعد اقتصادي يتمثل في الرأسمالية الطفيلية التي تتعامل مع ما هو غير مشروع مثل تجارة السلاح والمخدرات، والبُعد الإيديولوجي المتمثل في حظر الفكر المستورد من الغرب بدعوى أنه مناقض لتراثنا الديني.

والبُعدان معًا يماثلان التتار المشهور عنهم أنهم مدمرو للحضارة. وقد تأيد هذا التيار ببزوغ الثورة الإيرانية التي أعلنت حكم ولاية الفقيه المتمثل في زعيم الثورة آية الله الخميني والذي دعا إلى ضرورة استناد الحكم على الشريعة الإلهية وليس على الإرادة الإنسانية. وكانت هذه الدعوة تتويجًا لأفكار العالم الباكستاني أبو الأعلى المودودي وتلميذه سيد قطب. وفي هذا السياق، انعقدت الندوة وكانت الغاية منها مواجهة تيار الإسلام السياسي بما يناقضه. ومن هنا جاءت دعوتي لثلاثة من قادة ذلك التيار: الدكتور عبد الحميد الغزالي، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير مركز الاقتصاد الإسلامي بالقاهرة ومستشار وزارة التخطيط الكويتية (1973-1977) ومستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية بالقاهرة (1978-1979)؛ والدكتور شوقي إسماعيل شحاتة، مستشار بنك فيصل الإسلامي المصري والمشرف على صندوق الزكاة بالبنك وعضو الهيئة الشرعية العالمية للزكاة بالكويت؛ والدكتور عبد الهادي علي النجار، عميد كلية الحقوق بجامعة المنصورة وأستاذ الاقتصاد والمالية العامة.

والسؤال بعد ذلك: ماذا قال كل من هؤلاء الثلاثة؟ قال عبد الحميد الغزالي في بحثه المعنون: “حول جوهر النظام الاقتصادي الإسلامي” إنه ضد كل من النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي لأنهما لا يصلحان لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة الخاصة بالدول النامية الإسلامية، وبالتالي فإنه يكون مع النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يستند على فكرة محورية هي البركة التي هي نتيجة طبيعية لإقامة شرع الله. وشرع الله يدور حول أفكار ثلاث هي على النحو الآتي: الحاكمية والعبودية لله وحده والمال مال الله ونحن مستخلفون فيه. والتقوى هي معيار الحكم على الفرد لأن مهمة الإنسان على ظهر الأرض هي عبادة الله وإعمار الأرض، وكل ذلك من شأنه أن يضمن حياة طبيعية كريمة على الأرض وسعادة حقيقية في الآخرة.

وقال شوقي إسماعيل شحاتة في بحثه المعنون: “بعض المفاهيم والمبادئ في الاقتصاد الإسلامي والمالية” إن الصحوة الإسلامية هي أساس نشأة البنوك الإسلامية وما لازمها من نشأة مؤسسات زكاة المال، باعتبار أن الزكاة من الأعمال السيادية للدولة الإسلامية ومن هنا تم تحريم الربا.

وقال الدكتور عبد الهادي على النجار إن الربا ليس له وجود في المصارف الإسلامية استنادًا على ما ورد في القرآن وما جاء في السُنة. ومن هنا فإنه يرى أن الفائدة تتعارض مع الرؤية الإسلامية لنظام اقتصادي عادل والبديل هو الصدقات من الغني إلى الفقير.

وتأسيسًا على هذه البحوث الثلاثة، يمكن القول إن الصدارة في العلاقة بين الدين والاقتصاد تكون للدين.

ومن هنا يكون من المفيد إجراء مقارنة مع مفكرين من الغرب في سياق هذه العلاقة، وأنا أنتقي من هؤلاء عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر(1864-1920) وكتابه المعنون “الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية “، حيث يقرر أن التحرر من الاقتصاد التقليدي يسهم في تقوية التشكك في التراث الديني، وأن الروح الرأسمالية سابقة على النظام الرأسمالي، وأن هذه الروح وليدة البروتستانتية، وهي تعني أن أسلوب الحياة المقبول من الله يكمن في تحقيق الالتزامات المفروضة على الإنسان بحكم موقعه في هذه الحياة الدنيا.

ومعنى ذلك تبرير البروتستانتية لضرورة النشاط الدنيوي. والمغزى هنا أن الدين، عند فيبر، يأتي في الصدارة ولكن ليس من حيث كونه نافيًا للاقتصادي على نحو ما يراه المفكرون المسلمون الثلاثة والذين يمكن اعتبارهم ممثلين للإسلام السياسي، بل من حيث كونه تأكيدًا على فاعلية ذلك الاقتصاد في تقدم البشرية.

وتأسيسًا على هذه المقارنة، هل يمكن القول إنها تأتي في سياق آخر هو سياق ملكية الدولة في مقابل ملكية الله؟ والذي يدعوني إلى إثارة هذا السؤال مردود إلى وثيقة ملكية الدولة التي أقرها مجلس الوزراء بتكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسى. وإذا كان الوضع كذلك فهل معنى ذلك أن يكون هذا التساؤل موضع جدل في الحوار الوطني الدائر الآن؟

إذا كان الجواب بالإيجاب فبها ونعمت، أما إذا كان الجواب بالسلب فأين يكون موضع ذلك الجدل؟ ومتى يكون زمانه؟ والأمر كله بعد ذلك متروك للمسئولين عن ذلك الحوار.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا