البريء والجلاد

21

نشأت أبو الخير

*البريء والجلاد: أستعير هذا العنوان من اسم فيلم مع الاعتذار للفيلم

لم نكن نعلم أن هناك فيلمًا ولكن من النوعية الهزلية قد تم إعداد حبكة السيناريو الخاص به في الظلام يكون البطل فيه أقصد الضحية رجلًا وقورًا مسنًا يعلو المشيب رأسه يبلغ من العمر 80 عامًا أجرى عملية قلب مفتوح ويعاني من أمراض القلب والسكر والضغط ويشهد له الجميع بحسن الخلق والسيرة، وهو الرجل الفاضل صبري كامل المراقب المالي لمدرسة الكرمة بدمنهور التابعة لمطرانية البحيرة ومصدر ثقة المطران الأنبا باخوميوس. تم الزج بالأستاذ صبري في قضية أثارت الرأي العام وهي المعروفة إعلاميًا بقضية طفل البحيرة، حيث وجهت له تهمة الاعتداء على الطفل ياسين، وهي القضية التي ظلت تداعياتها على مدى أكثر من سنة ولم يسمع بها أحد، فتحريات المباحث بقسم الشرطة حفظت البلاغات لعدم ثبوت الواقعة أو وجود دليل عليها، كذلك تحقيقات النيابة حفظت التحقيقات لأنها لم تجد دليل إدانة. وفجأة طفت على السطح مرة أخرى بعد 14 شهرًا وأصبحت قضية بقدرة قادر. وتم تحديد موعد الجلسة في يوم 30 أبريل 2025 لتنظر المحكمة القضية القديمة الجديدة، وفجأة أصبحت قضية رأي عام وفجأة امتلأت بها صفحات التواصل الاجتماعي ودخل على الخط للأسف بعض الإعلاميين فيما يُعرف بالإعلام المضلل الداعر الفاجر. وبدأ الهجوم على الرجل والنيل منه والحشد ضده دون أن تكون هناك أدلة قاطعة أو يقينية تدينه بل كلام مرسل من هنا ومن هناك. وكان الغوغاء يطالبون بالإعدام، فقبل أن تتصدى المحكمة للقضية المنظورة أمامها أصدر الشارع الحكم قبل حكم المحكمة. وحين تم تحديد موعد نظر القضية في محكمة دمنهور (بإيتاي البارود) يوم 30 أبريل 2025 وجدنا مظاهرة حاشدة حول المحكمة (رغم أن القانون يمنع التظاهر إلا بإجراءات قانونية معينة وهو ما لم يحدث)، وكان هدير الأصوات يصل إلى أذان المحكمة مع دعم بسطوة الإعلام المضلل مع الرأي العام الذي لم يقف على تفاصيل القضية، إلى جانب كُتاب الفيسبوك. كل هؤلاء أصدروا حكمهم قبل حكم المحكمة، وللأسف أمام سطوة الشارع والضغط والترهيب، وجدنا هيئة المحكمة الموقرة تحكم بأقصى عقوبة المؤبد ومن أول جلسة على خلاف ما يقتضيه العرف القضائي في قضية أصابها العوار الواضح والفاضح ودون أدلة قاطعة الدلالة أو ثبوت يقينية واضحة وثابتة لا تقبل الشك أو الظن أو التخمين. وثابت من الأوراق أن تحريات المباحث لم تجد ما يدين المتهم وتحقيقات النيابة لم تقيم الدليل على الإدانة والطب الشرعي لم يجزم هل ما حدث للطفل بسبب اعتداء عليه أم لإصابته بأمراض ولم يحدد شخص المعتدي ولا يوجد شهود إثبات تطمئن لهم المحكمة، بل كل ما قُدم للمحكمة هو أقوال الطفل (الذي بالمناسبة ارتدى ملابس سبايدرمان، فهل طلب منه القاضي الكشف عن وجهه للتأكد من أنه الطفل؟ لا أحد يعلم) واتهامات أهل الطفل دون أن تقيم أي دليل. وحين عُرض المتهم أمام النيابة تعرف عليه الطفل مرتين ولم يتعرف عليه ثلاث مرات. ألم يكن الشك في صالح المتهم؟ ورغم كل ذلك لم تجد المحكمة أمام ضغط الشارع وإرهابه إلا أن تحكم بأقصى عقوبة معللة ذلك بأن ضميرها ارتاح لذلك وليس الأوراق التي أمامها، فجاء الحكم لصالح الجماهير الإسلاموية المحتشدة والغوغاء خارج المحكمة والذين حولوها إلى قضية دينية طائفية ألبسوها صفة قضائية، فكان اختيار الضحية والتعبئة والحشد والإعلام. ولا نستبعد أصابع الإخوان في المشاركة. وكان الأمر الغريب أثناء انعقاد الجلسة أن تقوم المحكمة بتغيير الوصف والقيد فجأة من اعتداء على الطفل إلى اعتداء بالقوة والعنف على الطفل، وكان على محامي المتهم أن يطالب بالتأجيل بعد أن تم تغيير الوصف والقيد فجأة، وهو ما لم يقوم به المحامي، فهل خشي على حياته من بطش الغوغاء؟ رغم أنه محامي كفء محترم مشهود له.

أعتقد بعد كل ما تقدم أنها تمثيلية هزلية، أو فيلم هابط، أو مسرحية عبثية، فمحامي المجني عليه عصام، ويقال إنه إخواني، فجأة تنحى عن القضية. أما المدعوة نهاد قطب التي هيجت الرأي العام على الفيسبوك بأقوال باطلة وكاذبة فجأة تراجعت عنها وكذبت نفسها وذكرت أن ما قالته لا يمت للحقيقة بأي صلة. أما التي تُدعى ندى الغزالي، والتي تدير أكاديمية تعليمة تُعرف باسم ليدرز أكاديمي في دمنهور وأخذتها الغيرة والحقد من تفوق مدرسة الكرمة، فقد نسجت خيوط العنكبوت بليل. حتى جد الطفل في خلافات مالية مع المدرسة وهو يعمل في مجال المقاولات. ولم تراعي أم الطفل رحاب وزوجها البحيري ألم الطفل ولم يبحثا عن المتسبب الحقيقي فتم إلصاق التهمة برجل بريء، ويقال إن كل هؤلاء لهم ميول إخوانية.

ونحن الآن في انتظار انعقاد جلسة محكمة الاستئناف، فبعد تنحي المحامي الأصلي عن الطفل لجأت الأسرة إلى المحامي الشهير مرتضى منصور الذي بدأ مبكرًا بتوجيه اتهامات للأقباط بالتبشير وأخذ في الحشد المبكر على وسائل التواصل الاجتماعي لإرهاب وتخويف المحكمة مستغلًا اسمه وشهرته وقوته في الدفاع، لكن خانه التوفيق حين سلك من أولها مسلكًا طائفيًا بالادعاء على الأقباط بالتبشير في هذا التوقيت وتم الربط بين الادعاء بالتبشير والقضية المنظورة.

هنا على الدولة أن تتدخل (ولا أقصد ان تتدخل في سير القضية أو أعمال المحكمة) لتضبط الأمور وتصحح المسار وتعطي الثقة للمحكمة وتطالبها بالعدالة من خلال الأوراق والأدلة والقرائن التي أمامها ولا تلتفت لضغط الشارع أو إثارة الرأي العام أو تهديد المحامي الشهير أو سطوة الإعلام المضلل وتمنح المحكمة الاطمئنان بالحماية من أي بطش بها من الغوغاء. وقتها ستتأكد المحكمة من براءة المتهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب. ومن جهة أخرى، على رجال المباحث والنيابة إن كان هناك اعتداء حقيقي على الطفل أن يقدموا إلى عدالة المحكمة المتهم الحقيقي الذي قام بفعلته الشنعاء التي يندى لها الجبين والذي انساق وراء شهواته الحيوانية واغتال براءة الطفل البريء بفعلته الشنعاء. حاكموا المتهم الحقيقي بأقصى عقوبة ممكنة ليكون عبرة لمن لا يعتبر.

لكن لا قدر الله ووجدنا محكمة الاستئناف، والجميع يؤكد صعوبة أن تنزل بالحكم من مؤبد إلى براءة، أيضًا خضعت لإرهاب الشارع وذباب الفيسبوك والإعلام المضلل والمحامي المصاب بجنون الشهرة وأيدت الحكم لتلقي بالكرة مرة أخرى في ساحة محكمة النقض، وإلى أن تحدد جلسة وتتخذ الإجراءات اللازمة وهو ما قد يستغرق شهورًا او سنوات، وفي هذه الأثناء ولم يتحمل قلب الرجل البريء الذي زُج به في السجن تلك المدة الكبير ة ولقي حتفه أو وجه رب كريم فذنبه سيكون في رقبة كل من شارك في اغتياله معنويًا وجسديًا فصبري كامل هو البريء، أما الجلاد كل مَنْ شارك في ظلم هذا الرجل البريء.

يبقى السؤال: إذا تم تأمين المحكمة وإعطاء هيئتها الطمأنينة والحماية وسلامة هيئتها وحكمت بالبراءة على المتهم صبري كامل الذي تم اغتياله معنويًا وتشويه صورته وذبح شرفه وكرامته وتدمير سمعته في المجتمع بعد أن أصبح مادة خصبة لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تلوكه الألسنة وتنهش شرفه وسمعته وكرامته وسمعة أسرته بلا رحمة قبل أن يقول القضاء كلمته النهائية، فمن يرد له كرامته المهانة وسمعته التي لوثوها بالأكاذيب؟ يا أستاذ صبري كامل جاب الله: إن لم تنصفك عدالة الأرض فسوف تنصفك عدالة السماء. ألا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارًا وليلًا؟ أقول ينصفهم سريعًا، لأن مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما مكرهة الرب، وإن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر لان فوق العالي عاليًا يلاحظ والأعلى فوقهما.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا