25.4 C
Cairo
الثلاثاء, يوليو 8, 2025
الرئيسيةتحقيقاتأين ضمير العالم مما يحدث لمسيحيي سوريا؟

أين ضمير العالم مما يحدث لمسيحيي سوريا؟

أين ضمير العالم مما يحدث لمسيحيي سوريا؟
صلاة بلون الدم تهز العالم … قتل على الهوية الدينية بكنائس دمشق

تحقيق: د. ماريانا يوسف

فجر شخص انتحاري نفسه بواسطة سترة ناسفة داخل كنيسة مار إلياس الواقعة في حي الدويلعة في مدينة دمشق، بالتزامن مع تجمع المصلّين لصلاة قداس يوم الأحد، ما أسفر عن استشهاد 25 مدنيًا، بينهم عدد من النساء، وإصابة 63 آخرين بجراح متفاوتة، وفقًا لحصيلة أولية. كما أسفر الهجوم عن أضرار واسعة في بناء الكنيسة وأثاثها. ويشار إلى أن المنطقة تخضع لسيطرة الحكومة الانتقالية.

ووفقًا للمعلومات المتداولة، فقد سبق التفجير إطلاق نار ثم فجر المنفذ نفسه داخل الكنيسة، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الشهداء في صفوف المدنيين.

وبحسب تصريحات وزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية التي نقلتها قناة الإخبارية السورية، فإنَّ العملية نُفذت من قبل عنصر تابع لتنظيم داعش، مضيفة أن قوى الأمن الداخلي هرعت إلى موقع التفجير، وفرضت طوقًا أمنيًا في محيط الكنيسة، بينما بدأت الفرق المختصة بجمع الأدلة ومباشرة التحقيقات.

بيان الشرع المرفوض

قال الرئيس السوري في بيان التعزية: نتقدم بأحر التعازي وأصدق المواساة، إلى أُسر من قضوا بالتفجير الإجرامي الذي أصاب جميع الشعب السوري ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى”.

وأضاف الشرع: “إن هذه الجريمة البشعة التي استهدفت الأبرياء الآمنين في دور عبادتهم تذكرنا بأهميـة التكاتف والوحدة – حكومة وشعبًا – في مواجهة كل ما يهدد أمننا واستقرار وطننا”.

وأردف: “نقف اليوم جميعًا صفًا واحدًا، رافضين الظلم والإجرام بكل أشكاله، ونعاهد المكلومين بأننا سنواصل الليل بالنهار، مستنفرين كامل أجهزتنا الأمنية المختصة، لضبط كل من شارك وخطط لهذه الجريمة النكراء، وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل”.

وتابع الرئيس السوري: “نسأل الله أن يمنح أهلنا الصبر والسلوان، وأن يشافي جرحانا، وأن يحفظ سوريا الحبيبة من كل مكروه”.

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يرفض بيان الشرع: هؤلاء شهداء. ليسوا قتلى، أو مَنْ “قضَوا”.. لا نريد سوى الأمن والسلام دون استثناء أو تمييز

دعا بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر مطارنة الأبرشيات السورية إلى اجتماع في الدار البطريركية قبيل المشاركة في جنازة شهداء كنيسة مار إلياس-دويلعة، وضم الاجتماع عددًا من المطارنة. كان الاجتماع مناسبة للتداول في الأوضاع الراهنة ولإطلاق صرخة حق ووجع وألم تجاه ما حصل في كنيسة مار إلياس دويلعة من مجزرة مروعة. أكد البطريرك والمطارنة أن ما حصل هو استهداف للمكون المسيحي في سوريا ولكل سوري ومشرقي.

ووجَّه كلمته لأحمد الشرع قائلًا: “السيد الرئيس، أعلمكم أن الجريمة التي تمت هي الأولى من نوعها من بعد أحداث عام 1860، والتي لا نقبل أن تحصل في أيام الثورة وفي عهدكم الكريم. هذا مدان وغير مقبول. أؤكد للجميع أننا كمسيحيين فوق كل هذه الأحداث، ولا نجعل من أمر كهذه الجريمة النكراء سببًا لإشعال فتنة وطنية أو طائفية، لا سمح الله. نحن على الوحدة الوطنية ومتمسكون بها مع كل السوريين مسلمين ومسيحيين، ونحيا ونعيش كعائلة واحدة في هذا البلد الكريم. وقد تواصل معي العديد من البطاركة ورؤساء الكنائس من كل أنحاء العالم، وتواصل معي سياسيون ورؤساء جمهورية ورؤساء حكومات ووزراء ومسلمون من هذا البلد ليعبِّروا عن تضامنهم معنا واستنكارهم لهذه المجزرة المروعة.”

وأكمل: “سأقولها بجرأة، نأسف سيادة الرئيس أننا لم نر واحدًا من المسئولين في الحكومة وفي الدولة عدا السيدة هند قبوات المسيحية في موقع الجريمة بعيد حدوثها. نأسف لهذا. نحن طيف أساسي مكون في هذا البلد. ونحن باقون.”

وأضاف: “هؤلاء الشهداء. ليسوا كما قال بعض المسئولين. ليسوا قتلى. وليسوا مَنْ “قضَوا”. إنهم شهداء. وأتجرأ أحبتي وأقول: إنهم شهداء الدين والوطن.

ما يريده شعبنا هو الأمن والسلام. وأولى مهام الحكومة تأمين الأمان لكافة المواطنين دون استثناء ودون تمييز.”

غضب مسيحيي سوريا بعد صمت الشرع تجاه التفجير الإرهابي

تسبب الصمت الرسمي للنظام السوري بقيادة أحمد الشرع تجاه التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق، وراح ضحيته عدد كبير من الشهداء بالإضافة إلى المصابين، في غضب واستياء المسيحيين في البلاد، مستنكرين هذا التجاهل.

 لم يعلن النظام السوري بقيادة احمد الشرع الحداد على مجزرة كنيسة مار إلياس، كما رفض أن يُطلق على الضحايا لقب “شهداء”، ولم يشارك النظام في الجنازة المهيبة، ولم تصدر عنه إدانة صريحة للفكر الإرهابي.

تفجير “مار الياس” لم يضرّ بمسيحيي سوريا وحدهم، بل تعدّى الضرر ذلك إلى بث الخوف والذعر في داخل كل بيت سوري، ما يفرض أحد سيناريوهين: أن يصبح الجميع في سوريا الجديدة مواطنين متساويين، أو أن يُجبروا على أن يكونوا مرةً أخرى شركاء يتقاسمون الخراب، لكنه هذه المرة سيكون خرابًا لا يُفرِّق بين سلطة وشعب.

المسيحيون في سوريا

المسيحيون في سوريا يُشكّلون إحدى أقدم الطوائف الدينية في البلاد، وجذورهم تعود إلى القرون الأولى للمسيحية، قبل ظهور الإسلام بقرون. لعبوا دورًا محوريًا في تاريخ سوريا الديني، الثقافي، والسياسي، لكنهم عانوا في العقود الأخيرة من التهميش، الهجرة، والتهديدات الأمنية المتكررة.

– التاريخ والجذور: دخلت المسيحية إلى سوريا في القرن الأول الميلادي، على يد الرسل، ويُعتقد أن بولس الرسول اعتنق المسيحية في دمشق. أنطاكية (حاليًا أنطاكيا بتركيا، وكانت ضمن سوريا التاريخية) كانت من أولى مراكز المسيحية في العالم. ولعب مسيحيو سوريا دورًا مهمًا في الحفاظ على اللغة السريانية، وهي امتداد للآرامية.

– الطوائف المسيحية الرئيسية في سوريا: يوجد في سوريا تنوع كبير في الطوائف المسيحية، منها:

1. الروم الأرثوذكس: أكبر طائفة مسيحية في سوريا، مقر بطريركها في دمشق (بطريرك أنطاكية وسائر المشرق).

2. السريان الأرثوذكس: أتباع الكنيسة السريانية، مقرها أيضًا في دمشق.

3. الروم الكاثوليك (الملكيون): اتحاد بين تقاليد شرقية ولاهوت كاثوليكي.

4. الموارنة: منتشرون بشكل أكبر في حمص ودمشق، مع روابط وثيقة بلبنان.

5. الكلدان والآشوريون: ينحدرون من بلاد ما بين النهرين، ويتحدث بعضهم السريانية حتى اليوم.

6. البروتستانت والإنجيليون: أعداد محدودة، ووجودهم غالبًا في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب.

– أماكن تركزهم:

دمشق: باب توما، القصاع، المالكي

حلب: السليمانية، العزيزية، الجلّوم

حمص: الحميدية

الحسكة والجزيرة: بها وجود قوي للآشوريين والسريان

السويداء: أقلية في مجتمع درزي غالبيته

– التعداد السكاني والتراجع

قُدّر عدد المسيحيين قبل 2011 بين 1.2 إلى 1.5 مليون نسمة (حوالي 8–10% من السكان).

بعد الحرب، انخفض العدد إلى أقل من 400 ألف بسبب: الهجرة الجماعية إلى أوروبا وأميركا وكندا. واستهداف التنظيمات المتشددة لكنائسهم ومناطقهم. والخوف من انهيار التوازن الطائفي والاضطهاد غير المباشر.

“سرايا أنصار السنة” تعلن تبنيها لتفجير كنيسة مار إلياس في دمشق

تبنت مجموعة جهادية متطرفة تُدعى “سرايا أنصار السنة” الهجوم الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق وأثار صدمة واسعة وجدد المخاوف بشأن أمن الأقليات الدينية في سوريا، وسط دعوات دولية متكررة بضرورة حمايتهم وإشراكهم في أي تسوية سياسية مقبلة.

وكانت الداخلية السورية قد أعلنت في البداية أن منفذ الهجوم ينتمي لتنظيم الدولة الإسلامية، وأكدت إلقاء القبض على عدد من المتورطين خلال عملية أمنية في ريف دمشق، إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية لم يصدر أي بيان لتبني العملية، بينما نشرت “سرايا أنصار السنّة” بيانًا عبر تطبيق تليغرام أعلنت فيه مسئوليتها، مشيرةً إلى أن العملية جاءت ردًا على “استفزازات” من مسيحيي دمشق، في إشارة إلى حادثة وقعت في مارس الماضي عندما اعترض سكان على بث أناشيد إسلامية أمام الكنيسة.

وتُعد العملية الأولى من نوعها التي تستهدف كنيسة من الداخل منذ اندلاع النزاع السوري في 2011، ما يعكس منحىً جديدًا ومقلقًا في طبيعة التهديدات التي تطال دور العبادة، وفقًا لبعض المراقبين.

لا تزال المجموعة المنفذة، “سرايا أنصار السنّة”، مجهولة نسبيًا، لكنها ظهرت في المشهد بعد سقوط الحكم السابق نهاية عام 2024، وتضم عناصر منشقة عن هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى. وتُتهم بأنها تعمل إما كفصيل مستقل أو كواجهة لتنظيم الدولة الإسلامية، وتدار من قِبل قيادات سابقة في هيئة تحرير الشام وتنظيم “حراس الدين” المنحل.

تضع هذه التطورات تحديات جسيمة أمام الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الذي يواجه مشكلات أمنية معقدة، خاصةً مع بقاء مناطق خارجة عن السيطرة ووجود فصائل مسلحة ذات أجندات متباينة، كما تعمِّق المخاوف لدى الأقليات التي تشكو من انتهاكات وقيود متزايدة على الحريات، وسط اتهامات بغياب الحماية الكافية لها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد، خاصةً أن تاريخ الرئيس الشرع حافل بالأحداث الدموية والانتماء الفكري والأيديولوجي لتلك الجماعات الإرهابية.

الحادث يعيد للأذهان فتنة عام 1860

الحادثة تعيد إلى الأذهان ما عُرف بفتنة عام 1860، يوم داهم الغوغاء الحي المسيحي داخل مدينة دمشق، ليحرقوه ويدمروه بالكامل. كان ذلك بعد اندلاع الفتنة الأصلية في جبل لبنان ذلك العام، بين المسيحيين الموارنة والدروز. بدأت هذه الأحداث الدامية بدمشق مع دخول فتيان المسلمين إلى منطقة باب توما في 7 يوليو 1860 ورسمهم الصلبان على الأراضي ودوسها بأقدامهم، ما أدى إلى اعتقالهم وإجبارهم على كنس الشوارع التي عبثوا بها. صاح أحد الأهالي: “يا مسلمين، يا أمة محمد، المسلمون يكنسون حارة النصارى”.

اشتد الصراخ والعويل ورد الجمع بصوت واحد: “يا غيرة الدين” في هذه الأثناء كان الأشقياء و”الزعران” والمرتزقة يتدفقون على منطقة باب توما من كل حدب وصوب، وقد وصل عددهم إلى عشرين ألفًا، بالتزامن مع انسحاب القوات العثمانية النظامية من الحي المسيحي. وفي غضون أسبوع، قُتل 5000 مسيحي في دمشق، ما بين وافد من لبنان أو ساكن أصلي.

 أحرقوا جميع الكنائس وتهجموا على الرهبان وقتلوا ثمانية منهم في الساعات الأولى، ثم تهجموا على القنصليات والبعثات التبشيرية البروتستانتية والكاثوليكية، ودير الرهبان الإسباني ودير العازارية الفرنسي والمدرسة الآسية ومقر “أخوات الرحمة” للراهبات، المؤسس قبل أشهر قليلة في دمشق بدعم مالي من الإمبراطور نابليون الثالث. وإضافةً إلى الكنيسة المريمية، هُدم مصلى حنانيا الشهير، ودُمرت كنيسة سلطانة العالم للأرمن الكاثوليك في باب توما، وكنيسة سيدة النياح للروم الكاثوليك في حارة الزيتون، وكنيسة القديس منصور للآباء العازاريين في باب توما، وكنيسة القديس بولس المجاورة لدير الرهبان الفرانسيسكان، وكاتدرائية القديس أنطونيوس المارونية في باب توما، وكنيسة القديس بولس للسريان الكاثوليك في باب شرقي، وكنيسة القديس سركيس للأرمن الأرثوذكس في باب شرقي أيضًا. ووصلت يد الإجرام إلى ريف دمشق، حيث دُمرت ثلاثة بيوت مسيحية في وادي بردي، وقُتل خمسة مسيحيين في بلودان وحُرق 52 منزلًا. تكرر المشهد ذاته في دمر والهامة وفي معرة صيدنايا وقرية معرونة التي ذُبح 15 من شبابها المسيحيين.

وحدهم مسيحيو سرجايا نجوا من الموت بمساعدة أحد الأعيان المسلمين، كما لم يتعرض أحد، لا إلى المسيحيين ولا إلى الكنائس في حي الميدان، خارج سور دمشق.

 مجلس كنائس الشرق الأوسط: الحادث طعنة في قلب العبادة وحرية الإيمان

أدان مجلس كنائس الشرق الأوسط، من خلال رؤسائه، الهجوم الإرهابي الدموي الذي استهدف كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس في حي الدويلعة قرب دمشق، واصفًا إياه بأنه “امتداد ليد الغدر التي تطال الأبرياء في بيوت الصلاة”.

 وجاء في بيان صادر عن المجلس أن التفجير، الذي وقع خلال القداس الإلهي بحضور مئات من المؤمنين ورجال الإكليروس، خلّف عددًا كبيرًا من الشهداء والجرحى الذين “رووا أرض الكنيسة بدمائهم الزكية”، مؤكدًا أن هذا الاعتداء الآثم طال كل الشعب السوري على اختلاف انتماءاته، لأنه مس الاستقرار وحرية العبادة.

وأشار البيان إلى تزامن الحادث مع ذكرى “جميع القديسين الأنطاكيين”، وهو ما أضفى طابعًا رمزيًا مؤلمًا، إذ انضم الشهداء الجدد إلى قافلة قديسي كنيسة أنطاكية، التي قدمت تاريخيًا دماءها شهادة للإيمان. ودعا مجلس كنائس الشرق الأوسط السلطات السورية إلى اتخاذ “إجراءات فورية وحازمة لمحاسبة المتورطين وضمان حماية المجتمعات المسيحية وسائر الجماعات الدينية”، مع التأكيد على أهمية ترسيخ دولة المواطنة والكرامة والعدالة للجميع.

واختتم البيان بالصلاة من أجل عائلات الشهداء والجرحى، مذكّرًا بوصية السيد المسيح: “أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم”، ومجددًا الرجاء بأن السلام والقيامة هما الكلمة الأخيرة في وجه الكراهية والموت.

“الجبهة المسيحية”: دماء المسيحيين تصرخ في وجه الفكر الإرهابي والأنظمة القاتلة

أدانت “الجبهة المسيحية” ببيروت الجريمة الإرهابية البشعة التي طالت كنيسة مار إلياس، معتبرةً هذا الاعتداء حلقة جديدة من مسلسلٍ دموي ممنهج يهدف إلى بث الرعب بين المسيحيين، وتهجيرهم من أرضهم التاريخية، وضرب التنوع والعيش المشترك في الصميم.

إن الفكر الإرهابي التكفيري، بمختلف ألوانه ومسمَّياته، هو العدو الأول للسلام والتعايش، ويجب اجتثاثه من الجذور، جنبًا إلى جنب مع كل الأنظمة القمعية والدكتاتورية والدينية المتطرفة التي تغذّيه وتحميه وتُعيد إنتاجه، سواء في سوريا أو إيران أو العراق وغيرها من دول المنطقة.

وأكدت الجبهة أن استمرار هذه الأنظمة الفاسدة هو الخطر الأكبر على الشعوب وتحديدًا على الأقليات، لا سيما المسيحيين الذين يدفعون منذ عقود ثمن السياسات الدموية، وأكاذيب المقاومة الزائفة، والأنظمة المؤلَّهة على حساب الإنسان وحقوقه.

وطالبت “الجبهة المسيحية” المجتمع الدولي، ومعه كل القوى الحية، بوقفة ضمير فعلية، تترجَم إلى فرض حلول سياسية عادلة تُنهي الأنظمة الدكتاتورية والدينية المتطرفة، واعتماد نظام فيدرالي أو حكم ذاتي لكل قومية وأقلية لضمان حقوقها الكاملة، وتمكين المسيحيين من حماية قراهم ومناطقهم بسواعدهم وبتنسيق رسمي مع أي جهة شرعية، وطرد جميع المقاتلين الأجانب المتطرفين من ضمن التشكيلات القائمة داخل الجيش السوري الحالي، والذين شاركوا في عمليات القتل والتهجير والتطهير الطائفي، مع تحميل الحكومة السورية كامل المسئولية عن عدم محاسبة الاعتداءات التي طالت المسيحيين، والتي جرى التغطية عليها واعتبارها “أعمالًا فردية”، ما شجع على تكرارها واستفحالها دون أي رادع.

 خالد منتصر: اللعنة على سماسرة الموت وتجار بازارات الدين الذين مسحوا أمخاخ ووعي هؤلاء الشباب ليقوموا بتفجيرات إرهابية

أدان الكاتب والمفكر خالد منتصر الحادث الإرهابي وتساءل: ما كل هذه الكراهية والغل والسواد؟!

وعبَّر عن المشهد البشع قائلًا: مسيحيون سوريون أثناء صلاتهم في سكينة ووداعة وحب يأتي أحمق مأفون يتخيل أن أمر الرب أن يقتل هؤلاء؟!

يفجر نفسه بحزام ناسف في أطفال في عمر الزهور، وبنات يتفتحن ورودًا لندى الحياة، وشيوخًا وشبابًا، كلهم دخلوا كنيستهم وهم يحسبون أنهم في مأمن من الضباع، ويظنون أن الحضارة قد وصلت إلى هؤلاء. همجية ووحشية من كارهي الحياة، أصحاب ثقافة الموت.

وأضاف: لا تراهنوا على تكفيري – الجولاني – أن يتوب أو يغير جلده الثعباني، ستظل المخالب تحت الجلد، والأنياب متعطشة دومًا للدم، ماذا فعل هؤلاء لكي ترتدي أيها المجاهد الصنديد حزامك العفن لتمزقهم نتفًا وأشلاء؟!

منهم مَنْ كانت تستعد لزفاف، ومنهم مَنْ كانت تحتضن دميتها، ومنهم مَنْ كانت تخاطب الله وتتمنى النجاح لولدها، ومنهم مَنْ كان سيعود إلى عمله وخدمته بعد انتهاء صلاته؟!

وأردف: لماذا سلفيو الفكر ودواعشه ممن يعتبرون أنفسهم خير أمة هم الوحيدون على ظهر الكوكب الذين لم يتصالحوا مع الحداثة بعد؟!

اللعنة على سماسرة الموت وتجار بازارات الدين الذين مسحوا أمخاخ ووعي هؤلاء الشباب الذي فقد عقله وحسه وروحه وآمن بأن السماء تنظيم مافيا، وعصابة من القتلة!!

وأخيرًا … علينا الانتباه إلى أن التفجير الأخير الذي استهدف كنيسة مار إلياس جاء ليزيد من مشاعر القلق لدى مسيحيي سوريا والمجتمع المسيحي عمومًا، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرة الجهات الأمنية في كل البلدان العربية والأوروبية على حماية دور العبادة، لا سيما في ظل الأوضاع غير المستقرة في بعض مناطق سوريا.

إن مَنْ يقف وراء تفجير كنيسة مار إلياس في سوريا ليس فقط شخصًا يحمل حزامًا ناسفًا، بل منظومة فكرية ضخمة زرعت فيه هذا التصور القاتل. وقد بات من الضروري اليوم أن نخوض المواجهة الحقيقية لا مع المنفذ وحده، بل مع المُنظِّر، لا مع العملية نفسها، بل مع الفكر المنحرف الذي سمم العقل والروح والضمير.

ولم تعد المعركة ضد الإرهاب معركة أمن فقط، بل معركة وعي ومعرفة وتجديد. لا بد من مراجعة شاملة للخطاب الديني، لا تكتفي بالتنديد، بل تذهب إلى الجذور، فتعيد تعريف المفاهيم مثل الجهاد.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا