هل يمكن الاعتماد على وثائق الكتاب المقدس؟
كيف نعرف أن نص الكتاب المقدس كما هو لدينا الآن، كما كان في النص الأصلي؟
منذ عدة سنوات مضت ظهرت مقالة في إحدى المجلات تحاول إبراز أن هناك آلاف من الأخطاء في الكتاب المقدس. ثم جاءت الأسئلة بعد ذلك: فكيف نعرف أن نص الكتاب المقدس كما هو لدينا الآن، والذي قد وصل إلينا عبر العديد من الترجمات والنسخ عبر القرون، ليس مجرد انعكاس باهت للنص الأصلي؟ ما الضمان الذي لدينا لنثبت أن ما حدث من حذف وإضافات لم يغير أبدًا الرسالة الأصلية للكتاب المقدس؟ ما الاختلاف الذي تحققه الدقة التاريخية للكتاب المقدس؟ ولكن بالتأكيد الشيء الوحيد الذي يهمنا بشدة هو الرسالة!
إن المسيحية تمتد بجذورها في التاريخ، فيسوع المسيح قد تم إحصاؤه ضمن الإحصاء الرسمي الروماني. فإذا كانت الإشارات التاريخية في الكتاب المقدس ليست صحيحة، فقد تظهر العديد من الأسئلة القاتلة مثل: هل الأجزاء الروحية من ضمن رسالته صحيحة أيضًا، على اعتبار أنها جاءت في إطار أحداث تاريخية؟ وهل الأسفار التي بداخل الكتاب المقدس الآن في أساسها هي نفس الوثائق التي كانت لدى الناس مثل ألفين سنة مضت؟ وكيف نعرف إذا ما كان ينبغي ضم أسفار أخرى؟ مثل هذه الأسئلة وغيرها تستحق أن نجيب عليها.
الآن ننتقل لفحص هذا الكتاب لمعرفة ما هي شهادات اعتماده وموثوقيته. يصف الكتاب المقدس أحداثًا تغطي أجيال عديدة، وقد كُتبت النصوص على يد حوالي أربعين كاتبًا. وبالتأكيد فإن دقة وأمانة هذه القصص والسرد لها أهمية فائقة، كما أن عملية التثبت من دقة هذه النصوص ليست مهمة سهلة. إن فحص الأسفار وأصولها يسمى علم نقد النص (text criticism)، وهو له علاقة بمدى موثوقية النص، أي كيف يمكن مقارنة النص الحالي مع الأصول وما مدى دقة نسخ المخطوطات القديمة إلى أن وصلت إلينا الآن.
الكتاب المقدس ودقته قبل مرحلة الطباعة
بالطبع فإن المخطوطات القديمة لم تكن بها صفحات كما هو شكل الصفحات اليوم. فبالنسبة للعهد القديم، كانت الألواح الخزفية والخشبية هي السائدة. كما كان يُستخدم أيضًا البردي والرقائق الجلدية ثم تطوى في لفائف. لقد تم العثور على قطع من الفخار وحتى شظايا معدنية مطروقة. ولا يوجد ذكر للحبر إذ لم يكن هناك أكثر من قلم حديدي للنحت أو قلم من القصب يتم تحديده بسكين. وحيث إنه لم يكن باستطاعة الجميع القراءة أو حيازة اللفائف، لذلك فقد تم تخصيص مكانة كبيرة للقراءة العامة وسماع الوثائق. وهذا يساعد فهمنا للتركيز على “سماع كلمة الرب” في العهد القديم.
لكن الأمر اختلف عند حوالي سنة 1456م، عندما اخترع جوتنبرج أول ماكينة طباعة ذات حروف يمكن تحريكها وطبع أول كتاب له وهو الكتاب المقدس باللغة اللاتينية. ومنذ تلك اللحظة فصاعدًا، أصبح الوصول إلى الأسفار الكتابية وقراءتها أمرًا يسيرًا ومتزايدًا بشكل هائل.
لقد كان عمل “النساخ” أو “الكتبة” مع اللفائف شديد الحرفية وكانوا يبذلون أقصى الجهد في أداء مهمتهم. فبالنسبة للعبرانيين، كان يقوم بهذه المهمة يهود أتقياء في غاية التكريس. وحيث إنهم كانوا يؤمنون أنهم يتعاملون مع كلمة الله، لذلك فقد كانوا واعيين تمامًا بالفعل بالحاجة إلى العناية والدقة المطلقة. ويمكن رؤية إخلاصهم وتقواهم في العادات مثل غسل القلم قبل كتابة اسم الله، ثم نسخ حرف واحد في كل مرة، وحساب عدد حروف النسخة الأصلية والنسخ المنسوخة. وفي بعض الحالات عندما يُكتشف وجود أخطاء في النسخ، كان يتم إتلاف المخطوطة كلها.
النص الماسوري
إن أقدم النسخ الكاملة والأكثر تداولًا للعهد القديم العبري ترجع لحوالي سنة 900 ميلاديًا، وهي تسمى النص الماسوري، وهو من إنتاج مجموعة من النساخ اليهود القادرين الذين أطلق عليهم اسم “الماسوريين” (حرفيًا “الناقلين”)، وهم حراس أمناء على النص العبري للعهد القديم الذي يستخدم اليوم ما يُسمى النص الماسوري، وهو ما يؤيد مدى جودة العمل الذي تم منذ أكثر من 1000 سنة مضت. وجميع النسخ الموجودة حاليًا من النص العبري تتفق بشكل ملحوظ مع هذا النص. لقد كان النسخ والتصحيح اللغوي بالفعل فنًا مهاريًا. وكان يتم فحص دقة النص المنسوخ من خلال مقارنته مع النسخ اللاتينية واليونانية من نفس الفترة الزمنية.
لفائف البحر الميت.. مخطوطات تأكد دقة 1000 سنة من التسجيل
في سنة 1947، علم العالم بما سُمي بأعظم الاكتشافات الأثرية للقرن. ففي كهوف في وادي البحر الميت، تم اكتشاف أواني قديمة تحتوي على لفائف أصبحت الآن مشهورة باسم لفائف البحر الميت. ومن هذه اللفائف يتبين أن مجموعة من اليهود المكرسين عاشوا في مكان بالقرب من البحر الميت يُسمى وادي قمران منذ حوالي 150 ق.م. وحتى 70م.
كانت المجموعة التي عاشت في وادي قمران مجتمعًا أخويًا يدار بشكل شبيه للغاية بالأديرة. وبالإضافة إلى حرث الحقول، فإنهم قضوا وقتهم في دراسة ونسخ الكتابات المقدسة. وقد بدا واضحًا لهم في سنة 70م أن الرومان قادمون لغزو الأرض، فوضعوا لفائفهم الجلدية في أواني خزفية وأخفوها في كهوف عند سفح الجانب الغربي من البحر الميت.
وفي ظل عناية الله، ظلت هذه اللفائف موجودة ولم تُعرف حتى اكتشفها عن طريق الصدفة فتى بدوي كان يرعى بعض الأغنام في فبراير أو مارس 1947. وجاءت بعد هذا الاكتشاف عمليات استكشاف دقيقة للمنطقة، نتج عنها اكتشاف 11 كهفًا آخر بها بعض اللفائف. وقد تضمن الاكتشاف أقدم مخطوطات لنسخ كاملة من سفر إشعياء، وهناك واحدة أخرى تضمنت حوالي ثلثي السفر. وجاءت الاكتشافات اللاحقة لتجلب شذرات من كل أسفار العهد القديم فيما عدا سفر أستير.
علاوة على ذلك، كانت هناك نسخة متشظية تحتوي على الكثير من سفر إشعياء من إصحاح 38-66. كما تم أيضًا اكتشاف سفري صموئيل، في نسخة ممزقة، إلى جانب إصحاحين كاملين من سفر حبقوق. كذلك عُثر على عدد من الكتابات من خارج الكتاب القدس، من بينها قواعد هذه الجماعة القديمة.
فوائد هذه اللفائف
أكدت هذه اللفائف دقة 1000 سنة من التسجيل والتاريخ العبري، أي من 200ق.م. وحتى 916م.
ترجمة اللفائف وترجمة النص الرسمي المستخدم في هيكل أورشليم تدعمان دقة بعضهما البعض فوق كل المخطوطات الأخرى.
الدليل الواسع الذي عُثر عليه قوى ثقتنا في الأمور التاريخية السابقة والتي لم يُكشف عنها. وكنتيجة لذلك فإن النسخ الأقدم من الأسفار الخمسة الأولى والكتابات التاريخية أيضًا صارت لها مصداقية أعلى كثيرًا.
يمكن بسهولة رؤية مدى أهمية هذا الاكتشاف بالنسبة لهؤلاء الذين يتساءلون عن مدى دقة نص العهد القديم. بضربة واحدة مثيرة جعلنا هذا الاكتشاف نرجع إلى الوراء حوالي ألف سنة، مما أغلق الفجوة في الزمن بين المخطوطات التي لدينا الآن وبين المخطوطات القديمة. هذا الأمر يشبه لو أنك علمت أن اللوحة التي تملكها لا ترجع إلى 200 عام بل 1000 عام. إن المقارنة بين لفائف البحر الميت وبين النص الماسوري نتج عنها اكتشاف مدى الدقة الهائلة في عملية نسخ المخطوطات والنسخ.
ما الذي تعلمناه في الواقع؟ إن مقارنة مخطوطات قمران لإشعياء 38-66 مع النص الذي بين أيدينا تعطينا صورة مذهلة. فقد وجد العلماء ما يلي:
إن النص قريب للغاية من النص الماسوري، فمقارنة إشعياء 53 تُظهِر أن هناك 17 حرفًا فقط بها اختلاف عن النص الماسوري. وهناك 10 منها مجرد خطأ في التهجئة، مثل أن نكتب كلمتين بلهجتين مختلفتين ولا يُحدِث هذا أي تغيير في المعنى على الإطلاق. وهناك أربعة منها تمثل اختلافات ضئيلة للغاية، وهي غالبًا لها علاقة بأسلوب الكتابة فقط. أما الثلاثة حروف الأخيرة فهي الكلمة العبرية التي تعني “نور” والتي تمت إضافتها بعد “من تعب نفسه يرى” في الآية 11. فمن بين ما مجموعة 166 كلمة في هذا الإصحاح، لا يوجد سوى تلك الكلمة اتي يمكن اعتبارها فعلًا محل تساؤل، وهي لا تغير على الإطلاق معنى الفقرة. وهذا ينطبق تمامًا على المخطوطة كلها.
مخطوطات أخرى من مصر حتى روما
لقد هاجر الشعب العبري عبر شرقي آسيا نتيجة لترحالهم وحروبهم. وقد تم العثور على مخطوطات أخرى من مصر وحتى روما. إن مقارنة هذه النسخ مع بعضها البعض تدعم ثقتنا في المصداقية التاريخية للأحداث المبكرة في العهد القديم.
السبعينية: وهي نسخة يونانية من العهد القديم وهي أقدم واحدة وأهمها جميعًا. إن توسع وانتشار اليهود في جميع أنحاء الشرق الأوسط القديم وكذلك مجيء الإسكندر الأكبر من اليونان في حوالي سنة 250ق.م كان لهما تأثير كبير على إضفاء الطابع اليوناني على الثقافة في تلك المنطقة. ونتيجة لذلك، أصبح الكثيرون من الشعب اليهودي لا يعرفون اللغة العبرية بل اليونانية وحدها، ولذلك لم يستطيعوا ممارسة العبادة في الهيكل. فجاءت الترجمة اليونانية التي تسمى السبعينية لأنه، كما يقال، كتبها 72 عالم يهودي في القرن الثالث ق.م. وقد أصبحت جسرًا لفهم التاريخ والفكر اللاهوتي العبري الموجود في العهد القديم.
النسخة السريانية: المكتوبة باللغة الآرامية الخاصة بسوريا، وهي أقدم وأهم ترجمة بعد السبعينية. وقد استمرت تُستخدم مع بعض التنقيحات الأخرى للسبعينية.
النسخة السامرية: وهي نسخة أخرى قديمة مشابهة للنسخ الأخرى. وهذه النسخة تتضمن نسخًا من الأسفار الخمسة الأولى العبرية، وبالتأكيد فإن هذه النسخة جاءت نتيجة للانقسام بين يهود أورشليم وبين السامريين. وهناك نسخ من اللفائف القديمة للأسفار الخمسة الأولى موجودة اليوم في مدينة نابلس (شكيم) بفلسطين.
هذه وغيرها من النصوص وُجدت منذ عام 200ق.م. ويمكننا أن نتوصل مع لايرد هاريس إلى ما يلي:
يمكننا الآن التيقن من أن الناسخين عملوا بعناية بالغة ودقيقة شديدة على نسخ العهد القديم، ويمكننا التثبت من ذلك بأدلة ترجع إلى سنة 225 ق.م. وعلى الرغم من وجود بعض اختلافات بينهم، إلا أنها كانت ضئيلة للغاية حتى أننا يمكننا أن نستدل أن النساخ السابقين لهم كانوا أيضًا أمناء وحذرين للغاية في نقل نص العهد القديم. وبالفعل، فإنه سيكون من قبيل التشكيكية المتهورة أن ننكر اليوم امتلاكنا لنص العهد القديم في هيئة قريبة للغاية من تلك التي استخدمها عزرا الكاهن عندما علَّم الشريعة للشعب العائد من السبي البابلي حوالي سنة 457ق.م. (عز 9-10).
وثائق العهد الجديد
ليس هناك أكثر من 1000 قطعة من كل العهد الجديد قد تأثرت بالاختلافات في القراءة. تلك كانت الخلاصة التي توصل إليها العالم العظيم ف. ج. أ. هورت من كل دراسته طوال حياته للأدلة الوثائقية المبكرة للعهد القديم. وقد أضاف أنه في العهد الجديد لا يوجد سوى تنويعات غير ذات أهمية في النحو أو التهجئة بين الوثائق المختلفة.
لقد كُتب العهد الجديد في الأصل باللغة اليونانية، وآخر الأرقام المعروفة الآن للمخطوطات بلغت 5500؛ بعضها نسخ كاملة والبعض الآخر مجرد شظايا صغيرة. وواحدة من بين هذه الشظايا قد تم تحديد تاريخها في زمان مبكر جدًا بين كل القطع المعروفة. وهي تحمل جزءًا من إنجيل يوحنا 18 وبها 5 آيات فقط -ثلاث على جانب والاثنتان الأخيرتان على الجانب الآخر- وتبلغ مساحتها حوالي بطاقة 3 × 5. وحيث إن هذه القطعة الصغيرة جاءت من مصر وقد تم نسخها وتداولها من بطمس بآسيا الصغرى، حيث تم نفي الرسول يوحنا، فقد قدَّر مجموعة من الباحثين أن زمن كتابتها يعود إلى حوالي 90-100م.
على عكس العهد القديم، فقد تمت كتابة العهد الجديد باستخدام الحبر والقلم، وغالبًا على أوراق البردي (من نبات البردي) أو على رقوق (من جلد الحيوانات). وهناك إشارة إلى الحبر في رسالة يوحنا الثانية 12 ورسالة يوحنا الثالثة 13. كذا فإن الرسول بولس يطلب من صديقه في إحدى الرسائل أن يحضر معه معطفًا كان قد تركه “والكتب أيضًا ولا سيما الرقوق”. ويُفترض أن الرقوق التي ذكرها كانت للعهد القديم على جلد حيوانات (2 تي 4: 13).
إن وفرة البراهين الوثائقية تجعلنا نتساءل عن تاريخ كتابة العهد الجديد. ثمة اتفاق عام على أن صلب الرب يسوع قد حدث حوالي سنة 30م. وعند احتساب هذا التاريخ ومقارنته بدقة مع فترة حكم الإمبراطور طيباريوس قيصر، إلى جانب غيره من السلطات الرومانية، بحسب ف. ف. بروس، يصير من الممكن القول إن العهد الجديد قد اكتمل أو شارف على الاكتمال حوالي سنة 100م. وهذا يعني أن غالبية الكتابات قد تمت قبل هذا التاريخ على يد أشخاص عاصروا المسيح ممن رأوا وسمعوا وتذكروا ما قاله المسيح وما فعله.
يُعتبر الوقت المنقضي بين الأحداث الفعلية وكتابة الأسفار، من منظور البحث التاريخي، قصيرًا نسبيًا، بل أن بعضًا من رسائل بولس الرسول أقدم حتى من بعض الأناجيل. مرة ثانية نقول إنه بناء على البراهين فإن النص الذي نقرأه اليوم لا يختلف بأي كيفية جوهرية عن الأصول كما كتبها الكُتَّاب البشريون للنص المقدس.
إن الأعداد الوفيرة من النسخ لمواد مبكرة من العهد الجديد يفوق الخيال. وعندما نقارنها مع الوثائق الأخرى من الكتابات القديمة من نفس الفترة الزمنية، فإن هذا يملأنا بالإعجاب لأنه توجد نسختان ممتازتان من العهد الجديد من القرن الرابع الميلادي. وهناك شذرات من البردي لأسفار من العهد الجديد يرجع تاريخها إلى أقدم من ذلك بمئة أو مائتين من السنوات. ويقول بروس ثانيةً إنه لا توجد أي كتابات قديمة أخرى في العالم تتمتع بكل هذا الكم من الشهادات والبراهين الدامغة مثل العهد الجديد. فإذا قارننا مع بعض الأعمال الكلاسيكية المعاصرة للمسيح، فلا يوجد مَنْ يشكك في وجود هؤلاء الكُتَّاب العلمانيين أو في صحة كتابتهم. فهل سبق لك أن سمعت عن أي شخص يتساءل: “كيف نعرف أن سقراط قد عاش فعلًا؟” ومع ذلك، فهناك أدلة وثائقية تدعم العهد الجديد أكثر بكثير مما تدعم أقواله أو غيره من الكُتَّاب اليونانيين واللاتينيين، إن الأناجيل الأربعة و21 رسالة وتاريخ أعمال الرسل ورؤى سفر الرؤيا لديها جميعًا شهادات من المخطوطات أكثر من كل الكتابات الأخرى.
برهان إضافي.. إشارات واقتباسات من أسفار العهد الجديد استعان بها أصدقاء وأعداء المسيحية
هناك مصادر أخرى تؤيد أصالة العهد الجديد، وترتبط هذه المصادر تحديدًا بانتشار الكنيسة، فقد كانت هناك إشارات واقتباسات من أسفار العهد الجديد استعان بها أصدقاء وأعداء المسيحية. وأقدم قادة الكنيسة الذين كتبوا غالبًا في الفترة ما بين 90 و160 يشيرون إلى معرفتهم بمعظم أسفار العهد الجديد. كذلك فإن المدرسة الغنوسية لفالنتين (وهم أشخاص بحثوا عن الخلاص من خلال المعرفة) كانت على دراية بمعظم أسفار العهد الجديد.
النسخ هي تلك المخطوطات المترجمة من اليونانية إلى لغات أخرى. بالإضافة إلى النسخ السريانية، كانت هناك النسخ المصرية أو القبطية والنسخ اللاتينية. وهناك شذرات من نسخ على ورق البردي لأجزاء من العهد الجديد يرجع تاريخها إلى القرن الرابع وأقدم من ذلك. ومن خلال دراسة متأنية لهذه النسخ، تم الكشف عن مفاتيح مهمة بخصوص المخطوطات اليونانية الأصلية التي تم الترجمة منها.
Lectionaries: دروس القراءة المستخدمة في الخدمات العامة للكنيسة تُعتبر مصدرًا آخر. فهناك ما يزيد عن 1800 من هذه الدروس للقراءة قد تم تصنيفها. وهناك قراءات للأناجيل ولأعمال الرسل وللرسائل. ومع أنها لا تظهر قبل القرن السادس، إلا أن النصوص المقتبسة عنها هي عمومًا أقدم وذات جودة عالية. ورغم أن هناك الكثير من التغييرات في الكثير من النسخ لكتابات العهد الجديد، إلا أن معظمها اختلافات بسيطة. إن جدارة نص العهد الجديد الحالي بالثقة تستحق منا كل احترام وتقدير.
عندما نتواجه مع الغرض المنشور للأخطاء في النسخ الكتابية يمكننا أن نتوصل بكثير من الراحة للخلاصة التي توصل إليها الراحل سير فريدريك كنيون وهو عالم شهير في علم المخطوطات القديمة.
الفترة الفاصلة بين تواريخ الكتابة الأصلية وأقدم الأدلة الموجودة تصير صغيرة للغاية بل يمكن القول إنها تافهة، وقد زال الآن آخر أساس لأي شك يساورنا بشأن كون النص الكتابي المقدس قد وصل إلينا في أساسه كما كان عندما كُتب في الأصل. ويمكن الآن أن نعتبر أننا قد تثبتنا تمامًا من أصالة نصوص أسفار العهد الجديد وكذلك سلامتها عمومًا.
مسألة القانونية
هناك سؤال دائمًا ما يصاحب قضية موثوقية النصوص الكتابية، وهو: كيف نعرف أن الأسفار في كتابنا المقدس، وليس غيرها، هي الأسفار التي كان ينبغي أن تكون ضمن الكتاب المقدس؟ وهذا السؤال يسمى “قضية القانونية”، أو قائمة الأسفار أو الكتب التي يُعتقد أنها موحى بها من الله. وتوجد أسئلة بارزة تتعلق بالعهد القديم والجديد.
الأسفار التسعة والثلاثون في العهد القديم مقسمة إلى ثلاث مجموعات:
الناموس: من التكوين وحتى التثنية، وهي أول أسفار الكتاب المقدس، وهي تُسمى أيضًا التوراة أو أسفار موسى الخمسة.
الأنبياء: “الأنبياء الأولون” (يشوع، قضاة، صموئيل الأول والثاني، ملوك الأول والثاني)، و”الأنبياء المتأخرون” (إشعياء، إرميا، حزقيال) و”كتب الاثني عشر” (من هوشع حتى ملاخي).
الكتابات: الأسفار المتبقية من قانونية العهد القديم الخاصة بنا (راعوث، أخبار الأيام الأولى والثانية، عزرا، نحميا، أستير، أيوب، مزامير، أمثال، نشيد الأنشاد، الجامعة، مراثي إرميا، دانيال).
لقد قُبلت هذه الأسفار ونالت اعترافًا بسلطانها لأنها قُبلت كتعبيرات بشرية عن الوحي الإلهي الذي أعلن الله فيه كلمته. كما يقول إ. ج. يونج:
عندما كُتبت كلمة الله، صارت بذلك نصًا مقدسًا، وحيث إنها كلمات الله، فهي تمتلك سلطانه. ولذلك، فقد كانت كلمة الله وكانت قانونية. وبالتالي، فإن ما يحدد قانونية سفر ما هو حقيقية أن هذا الكتاب موحى به من الله.
يمكننا أن نرى هذا التطور في عمل موسى. فموسى هو مَنْ أصدر الشرائع وقصد الأنبياء الذين جاءوا بعد ذلك أن يحترموا هذه الشرائع باعتبارها صدرت من الله نفسه. وهؤلاء الأنبياء والأجيال التالية رأي كل منهم أن هذه الشرائع هي من الله. ومع أن الشريعة تعرضت للتجاهل طوال فترات طويلة على يد بني إسرائيل، لكن سلطانها ظل معترفًا به من قِبل القادة الدينين هناك. وهذا الاعتراف العميق هو الذي هز الملك يوشيا عندما أدرك كم تعرضت الشريعة للتجاهل: “فلما سمع الملك (يوشيا) كلام سفر الشريعة مزق ثيابه” (2 مل 22: 11).
ومع بداية العصر المسيحي، صارت كلمة “النصوص المقدسة” (scripture) تعني مجموعة محددة من الكتابات الموحى بها إلهيًا والتي تم الاعتراف بها بشكل كامل باعتبارها نصوصًا ذات سلطان. ومن المثير أنه لم تحدث أي مجادلات بين يسوع والفريسيين بشأن سلطان العهد القديم، لكن الجدال جاء نتيجة لأن الفريسيين وضعوا التقليد على نفس مستوى سلطة النص المقدس. وإلى حد ما، نحتاج إلى أن نكون حذرين حينما يحاول التقليد اليوم أن يرتفع إلى نفس مرتبة النص المقدس. فأساس الإيمان اليوم يمكن تمييزه بين الحق وبين مجرد تقليد.
جاء مجمع جامنيا في سنة 90م وحدثت فيه مناقشات غير رسمية بشأن القانونية. غير أن ثمة شكوك حول إذا ما كان قد اتخذ أي قرارات رسمية أو ملزمة، ولكن كان هناك تأكيد قوي في المجمع الكنسي في قرطاج سنة 397م حينما تم إقرار قانون العهد الجديد.
لماذا أؤمن؟ إجابات منطقية عن الإيمان
بول ليتل