كتاب العهد القديم كتاب متميز عن أمثاله، كونه يحتوي عشرات النبوات عن المسيا المنتظر. تمتد هذه النبوات على فترة 1000 عام، ويتضمن كثير منها تفضيلات محددة.
فعلى سبيل المثال، نجد في صلاة الملك داود الغارق في الغمّ، والواردة في (المزمور 22)، وصفًا دقيقًا للصلب، رغم أن هذا الوصف الوارد في المزمور مسجل مئات السنين قبل ابتداع الصلب كطريقة لتنفيذ الإعدام. ما من مزمور يصف صلب المسيح كما يصفه المزمور 22. وذلك يفسر اقتباس كتاب العهد الجديد مرارًا لهذا المزمور، في حين تمت كتابته 1000 سنة قبل ميلاد يسوع. لذلك من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن يسوع اقتبس الآية الأولى من المزمور عندما كان على الصليب. وهكذا، أيًا كان ما نعتقده بشأن المزمور 22، علينا أن نعترف أنه يصف تمامًا ما حدث ليسوع على الصليب بعد ألفية كاملة من كتابته، “لأنه قد أحاطت بي كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يدي ورجلي. أحصي كل عظامي، وهم ينظرون ويتفرسون فيَّ. يُقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي يقترعون” (مزمور 22: 16-18؛ راجع متى 27: 35).
في (إشعياء9: 6 و7)، والذي كُتب قبل 700 عام من ولادة المسيح، تظهر نبوة عن المسيا المنتظر تخص طفلًا مولودًا سيكون إلهًا ولن تكون هناك نهاية لملكه. يُصرّح يسوع في الأناجيل أنه الله متجسد، وسيكون له ملكوت أبدي (متى16: 28؛ 64: 26؛ لوقا22: 30؛ يوحنا6: 38-42، 62؛ 8: 42؛ 10: 30، 36-38؛ 18: 36؛ راجع 2بطرس1: 11).
أما (إشعياء53: 4-12) فيتنبأ عن المسيا بأنه مسحوق ومجروح لأجل معاصينا، ويضع الله عليه إثم جميعنا، فيما يصرح يسوع في الأناجيل أنه المكمل لهذه النبوة (متى20: 28؛ 26: 28؛ راجع إشعياء53: 12). يؤكد يسوع تكرارًا أنه المسيا المنتظر والمتمم لنبوات العهد القديم: “فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي” (يوحنا5: 39؛ انظر أيضًا متى26: 24، 54، 56؛ لوقا24: 25-27، 44).
يذكر (ميخا5: 2)، والذي كُتب سنة 700 ق.م، أن المسيا سيكون أزليًا ويحكم إسرائيل، وأنه يولد في موضع معين هو بيت لحم أفراتة. وما من أحد يستطيع إنكار أن يسوع قال إنه ملك إسرائيل الأبدي (يوحنا5: 18؛ 8: 58؛ مرقس14: 60-63).
أما في سفر دانيال الذي كُتب سنة 500 ق.م، فتُنُبّئ عن المسيا أنه سيُقتل بالضبط في الوقت ذاته الذي أُسلم فيه يسوع للموت. (انظر الملاحظة رقم 2).
وفي (زكريا12: 10)، والذي كُتب سنة 500 ق.م، تُنُبئ أن المسيح نفسه سوف يُطعن على أيدي سكان أورشليم، الذين سوف ينوحون هم أنفسهم عليه. إن الكلمة “يطعن” في العبرية تعني تمامًا ما أصاب يسوع من طعن بحرية رومانية أثناء الصلب، فيما نقرأ أن آخرين كانوا ينوحون عليه (يوحنا19: 34-37). المدهش عن تلك النبوة أن الله كروح (يوحنا4: 24) ما كان بالإمكان طعنه ماديًا، لذلك يبدو واضحًا أنها تشير إلى الله المتجسد.
عندما ننظر إلى قائمة النبوات الواردة في كتابنا، لا يمكننا إنكار أنها أُطلقت قبل ميلاد يسوع بمئات السنين، لكننا نجد أن يسوع المسيح قد تمم جميعها. أيًا كانت نظرتك إلى العهد القديم، هناك حقيقة لا تقبل الاعتراض: فالترجمة السبعينية اليونانية للعهد القديم العبري كانت قد أُنجزت في عام 247 ق.م، وبالتالي حتى النقاد عليهم أن يقروا أن تلك النبوات كانت موجودة على الأقل 250 سنة قبل ميلاد المسيح. دعونا إذًا نطّلع عليها:
(تكوين3: 15) هزم يسوع الشيطان، لكنه كان مجروحًا عند الصلب.
(تكوين12: 17، 22) كان يسوع السليل الحقيقي لإبراهيم وإسحق ويعقوب الذين تباركت بهم كل الأمم.
(تثنية 18) كان يسوع “نبيًا مثل موسى”.
(مزمور 22) استُهزئ بيسوع وأُهين وصُلب، واقترعوا على ثيابه، ولم يُكسر عظم منه.
(مزمور110: 1) كان يسوع رب داود. (استخدم يسوع هذا المزمور ليثبت أن المسيا هو إله وإنسان معًا، انظر متى22: 41-46).
(إشعياء 53) كان بريئًا بالتمام ومن دون خطية، لكنه أصبح كفارة لخطية العالم وقام من بين الأموات.
(إرميا 23) اسمه “يهوه برُّنا”، لأنه كان إلهًا و”برر كثيرين”.
(دانيال 9) ظهر في الوقت المعين الذي تكلمت عنه النبوات، بعد 483 سنة من فرمان أرتحششتا لإعادة بناء أورشليم.
(ميخا 5) كان أزليًا، لكنه وُلِدَ في بيت لحم.
(زكريا 9) كان ملك إسرائيل الذي أتى بالخلاص؛ دخل أورشليم راكبًا على حمار وعلى جحش ابن أتان.
(زكريا 12) كان هو نفسه يهوه، ومطعون في الوقت ذاته.
(ملاخي 3) أعدّ يوحنا المعمدان له الطريق، فيما أتى هو فجأة إلى هيكله.
هناك عشرات من النبوات الأخرى المحددة والتي يمكننا مناقشتها. فعلى سبيل المثال، يخبرنا الكتاب المقدس عن يسوع أنه سوف:
1- يولد من عذراء (إشعياء7: 14؛ انظر متى1: 23).
2- يعيش في ناصرة الجليل (إشعياء9: 1-2؛ انظر متى2: 23؛ 4: 15).
3- يكون سببًا في مجزرة أطفال بيت لحم (إرميا31: 15؛ انظر متى2: 18).
4- سوف تشمل إرساليته الأمم أيضًا (إشعياء42: 1-3، 6؛ انظر متى12: 18-21).
5- سوف تشمل خدمته إطلاق المأسورين وعمل المعجزات (إشعياء29: 18-21؛ 35: 5 و6؛ 61: 1 و2؛ انظر لوقا4: 16-21؛ 7: 20-23).
6- سوف يكون الراعي الذي يُضرب بالسيف فتتبدد بنتيجة ذلك الخراف (زكريا13: 7؛ انظر متى26: 31، 56؛ مرقس14: 27، 49 و50).
7- سوف يُسلم من صديق مقابل ثلاثين من الفضة (زكريا11: 12 و13؛ انظر متى27: 9 و10).
8- سوف يُسقى خلًا ومرًا (مزمور69: 21؛ انظر متى27: 34).
9- سوف يكون منبوذًا من دون أي ذنب اقترفه (مزمور69: 4؛ إشعياء49: 7؛ يوحنا7: 48؛ يوحنا15: 25).
10- سوف يُرفض من الحكام والسلاطين (مزمور118: 22؛ متى21: 42؛ يوحنا7: 48).
مَنْ هو الشخص الوحيد الذي تمم كل هذه النبوات – والكثير غيرها؟ وحده المسيح يسوع. ما من سبيل لتجنب هذه الحقيقة. يقول عالما العهد القديم ديليتش وغلوغ: “هذه النبوات، على قدر ما نستطيع تحديده، تشير إلى المسيا وحده، ولا يمكن أن تدور حول شخص آخر. كما أن اليهود القدماء يقبلون سمات الشخصية المسيانية الموجودة في تلك النبوات؛ على الرغم من أن اليهود المعاصرين، ونتيجة لجدالاتهم مع المسيحيين، حاولوا تفسيرها بعيدًا عن تطبيقاتها، ما يبدو لأي قارئ نزيه أمرًا غير طبيعي… لقد وجدت هذه النبوات وغيرها تحقيقها في يسوع الناصري… كما أن مجموع النبوات هي كافية لتثبت أن يسوع هو المسيا…”.
إن احتساب الاحتمالات بطريقة رياضية يُظهِر أنه ما كان لهذه النبوات أن تتحقق إلا بالطريقة التي تمت فيها عبر قوة الله ومعرفته الكلية. إن إمكانية تحقيق شخص واحد 48 نبوة منها فقط هي بنسبة 1 إلى 10 – أمر يتخطى حدود الاحتمال بما لا يقاس.
في إنجيلي (يوحنا4: 25 و26 ومرقس14: 61-64)، يعلن يسوع صراحة أنه المسيا الذي تتحدث عنه النبوات. ولكي نتمكن من دحض هذه المقولة، علينا أولًا أن نجد نبوة واحدة (من ضمن عشرات في العهد القديم) تُثبت أن يسوع كان على خطأ. ما من أحد استطاع حتى الآن أن يفعل هذا الأمر. ونظرًا إلى أن يسوع قد تمم جميع النبوات التي تتعلق بتجسده، ولأنه قام من بين الأموات، فإنه ما من أحد بإمكانه إنكار كونه مسيا اليهود الذي تكلّم عنه العهد القديم.