د. فريز صموئيل
يزعم البعض – في هجومهم على المسيحيين – أن المسيحيين قد اقتبسوا عقيدة الثالوث من ثوابت الآلهة التي كانت منتشرة في العالم مثل الثالوث المصري، الثالوث الهندي، والثالوث الأفلوطيني وغيرهم وبالطبع هذه ادعاءات كاذبة وملفقة وغير منطقية.
لقد نشر هذه الادعاءات ملحدون غربيون، أنكروا وجود الله وأنكروا الوحي، وقاوموا المسيحية وادعوا أن الكثيرمن العقائد المسيحية مقتبسة من العبادات الوثنية.
ونحن وبكل صدق لا نخشى هذه المقارنات والمقابلات، بل ندرسها ونوضح الحق بكل أمانة.
أولًا: الثالوث الهندي
يزعمون أن هناك ثالوثًا هندوسيًا مكون من براهما، وفشنو، وشيفا، وأن فشنو تجسد في كرشنا، وهذا يشبه الثالوث المسيحي: الآب و الابن والروح القدس، وأن الابن تجسد في المسيح.
وللرد على هذا الزعم نقول:
الهندوسية هي الديانة السائدة في جنوب آسيا، في الهند، ونيبال، وبنجلاديش، وجزيرة بالي الأندونيسية، وهي الديانة الثالثة في العالم من حيث عدد أتباعها (حوالي مليار نسمة) وهذه الديانة ليس لها مؤسس معروف، ولا تؤمن بوحي أو كتب منزلة من السماء، مع أنهم لهم كتبهم المقدسة، وهي القيدا، ولديهم العديد من الآلهة، ويصورون فشنو على هيئة إنسان يجسد الخير والعون للبشر، ويقولون أنه قد تجسد عدة مرات على هيئة:
• سمكة هائلة، وسلحفاة عملاقة، وخنزير ضخم، وقزم، وتجسد في “راما” بطل ملحمة الرامابانا وأخيرًا تجسد في كرشنا.
أما شيفا فُينسب إليه الدمار والفناء، فهو ملك العالم فهو يجسد القوة الكونية التي تعمل على خراب العالم.
وعندما نقارن هذا الثالوث الهندي المزعوم بالثالوث المسيحي نجد الفرق واضحًا.
1- الثالوث الهندي عبارة عن أساطير عن آلهة، ولكل إله أسراره ومغامراته، ولا يمثل أشخاص حقيقيين.
2- هل وجود ثلاثة آلهة مجتمعين معًا في أي دين يسبق المسيحية يعني أن الثالوث المسيحي قد اقتبس منه؟!
3- هل وجود ثالوث كاذب يؤخذ دليلًا على عدم وجود الثالوث الحقيقي، وهل وجود إله كاذب دليل على عدم وجود الإله الحقيقي؟
4- هل تجسد أقنوم الابن في صورة إنسان يُقارن بتجسد فشنو في صورة (سمكة وسلحفاة وخنزير.. إلخ)
5- هل شيفا الذي يعمل على خراب العالم وتدميره يقارن بالروح القدس، وليس له أصل في الأساطير الهندية، ولكنه من تلفيق المدعين.
ثانيًا: الثالوث المصري
يزعمون أن الثالوث المسيحي مأخوذ من الثالوث المصري: أوزوريس وإيزيس وحورس وفي الحقيقة هناك عدة ثوابت مصرية من أشهرها هذا الثالوث وعندما ندرس هذا الثالوث المزعوم نجد أنه ليس بثالوث ولا تشابه بينه وبين الثالوث المسيحي، فالأسطورة المصرية تقول:
– كان هناك الإله “أتوم” ويمثل أول الآلهة، وهو الإله الخالق.
– أتوم خلق “شو” رب الفضاء والهواء، و”تفنوت” ربة الرطوبة والمطر
– تزوج شو وتفنوت وأنجبا “جب” رب الأرض ونوت ربة السماء
– تزوج جب ونوت وأنجبا أربعة آلهة هم: أوزوريس وست وإيزيس ونفتيس
– تزوج أوزوريس بإيزيس وست بنفتيس
وقد أطلق على هذه المجموعة من الآلهة “تاسوع أون”
– عندما ترك جب الأرض وصعد إلى السماء تولى أوزوريس عرش مصر واتخذ أخته إيزيس زوجة له.
– ست كان الأخ الشرير وغار من أخيه وأراد ست الاستيلاء على عرشه، فعمل وليمة ودعا إليها أوزوريس، وبعد أن أكل المدعوون وشربوا أمر بإحضار صندوق بديع التصميم والزخرفة.
وعندما أظهر المدعوون إعجابهم به قال إنه سيعطيه لمن يناسب مقاسه، وكان قد صنعه على مقاس أخيه أوزوريس وعندما استلقى بداخله أوزوريس اندفع المتأمرون وأغلقوه وثبتوه بالمسامير، وألقوه في نهر النيل الذي حمله إلى البحر المتوسط واستقر على ساحل لبنان عند مدينة “جبيل” وألقته الأمواج إلى الشاطيء، واستقر عند جزع شجرة، التي كبرت واحتوت الصندوق. وعندما سمعت إيزيس بهذا ذهبت وأحضرت الجسد، وأخذته عند مستنقعات الدلتا، وعندما سمع ست بذلك أخذ الجسد وقطعه إلى 14 قطعة بعثرها في أنحاء متفرقة من المملكة لكي يستحيل العثور عليها، ولكن إيزيس الزوجة المحبة بحثت عنها وجمعتها وبمساعدة الآلهة أعادته إلى الحياة، ثم اتحدت به جنسيًا، وانتقل أوزوريس إلى العالم الآخر كإله للبعث والحساب، وأصبح رمز الخير والخصوبة، أما إيزيس فهربت إلى مستنقعات الدلتا، ومكثت هناك حتى أنجبت حورس، وعندما كبر جاء مع أمه ليطالب عمه بعرش أبيه، ودارت بينهما معارك كثيرة، وفي النهاية انتصر حورس وصار ملكًا لمصر، ويصور حورس على هيئة إنسان له رأس صقر، وهنا نرى أساطير عن آلهة تتصارع معًا، فست إله الشر قتل أوزوريس إله الخير.
– والثالوث المصري: رجل وزوجته وابنه إذا جاز لنا أن نهمل أخيه ست.
– هذا الثالوث فيه تفاوت زمني: فأوزوريس أكبر من إيزيس وتزوجا، أي أن الثالوث كان في وقت ما اثنان فقط (زوج وزوجة).
– مات الأب قبل إنجابه حورس، الابن، أي أنه في الفترة التالية بعد موته كان الثالوث اثنان فقط (إيزيس الأم وحورس الابن) وبالتالي فإنه لم يكن هناك أي وقت كان فيه الثلاثة معًا (أوزوريس وإيزيس وحورس) فكيف يقال أن هذا ثالوث؟!
والثالوث المسيحي مبني على حقيقة وليس أسطورة، وهو ثلاثة أقانيم في جوهر واحد وليس ثلاثة آلهة منفصلة.
إذًا، الادعاء بأن الثالوث المسيحي مقتبس من أو متشابه مع الثالوث المصري وهم كاذب.
ثالثًا: الثالوث الأفلوطيني
يقولون إن الثالوث المسيحي مأخوذ من الثالوث الأفلوطيني (الأسمى والعقل والنفس الجامعة) فما مدى صحة هذا الزعم، ومن هو أفلوطين؟ وما هو الثالوث الأفلوطيني؟
• أفلوطين: ولد عام 204 م في مصر، وفي عامه الثامن والعشرين بدأ في دراسة الفلسفة في مدرسة شخص يدعى “عمونيوس سكاس”، واستمر في دراسة الفلسفة اليونانية لمدة 10 سنوات ثم ذهب للشرق. وفي عام 44م ذهب إلى روما واستقر هناك وفتح مدرسة لدراسة الفلسفة كتب 54 بحثًا رتبها في تسعة فصول فعرفت بـ “التاسوعات”، توفي سنة 270 م.
قبل الحديث عن الثالوث الأفلوطيني نذكر الحقائق التاريخية الآتية:
1. إن أفلوطين ولد لأبوين مسيحيين.
2. إن عمونيوس أستاذ أفلوطين كان مسيحيًا ثم ارتد بعد ذلك.
3. إن المسيحية كانت منتشرة في كل أرجاء الإمبراطورية.
أي أنه إذا كان هناك اقتباس أو تشابه فلابد أن يأخذه اللاحق من السابق، والثالوث المسيحي أسبق من الثالوث الأفلوطيني.
• الثالوث الأفلوطيني
يضم ثلاث صور للمطلق، صدرت عن بعضها الثاني صدر عن الأول والثالث صدر عن الثاني وهذه الصدورات ليست متشابهة وليست منفصلة فهي ليست ثلاثة آلهة ولكن إلوهية واحدة في مظاهر ثلاثة رئيسية هي:
أ- الجانب الأول: هو الأسمى وهو ليس ذات، وليس له صفات ولكنه مصدر كل الوجود، ويتصف بالصفات السلبية فقط، وهو العظيم فوق كل عظيم وهو اللامحدود وهو الأسمى، لذلك لا يمكن أن نعرفه ككائن أو نحده بالصفات.
ب- الجانب الثاني: هو العقل وهو يتضمن العقل الإلهي الذي صدر من الأسمى كما يصدر النور من الشمس، ولكن لا ينفصل عنه ولا يماثله.
ت- الجانب الثالث: هو النفس الجامعة وعن طريقها يرتبط عالم الوجود الأزلي الحقيقي مع عالم النقص والحدوث والمكان وهي تصدر عن الجانب الثاني (العقل) ومنها تتوالد أنفس البشر.
من المقارنة مع الثالوث المسيحي، لا نجد أية صلة أو تشابه فالآب في الثالوث المسيحي يتصف بالصفات الأزلية، والابن تجسد في شخصية تاريخية والروح القدس أقنوم مميز له شخصيته الإلهية.
إذًا، الادعاء بأن الثالوث المسيحي مأخوذ من ثوابت أخرى سابقة أو لاحقة هو ادعاء كاذب. فالثالوث المسيحي ثالوث فريد تميزت به المسيحية وهو إله واحد مثلث الأقانيم، وهو الإعلان السماوي الذي به أعلن الله عن ذاته “آب وابن وروح قدس” إله واحد أمين.