20.4 C
Cairo
الأحد, نوفمبر 17, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيهل اخترع مجمع نيقية عقيدة لاهوت المسيح؟

هل اخترع مجمع نيقية عقيدة لاهوت المسيح؟

بقلم: مايكل كروجر

يُعتبر أحد أكثر الاعتراضات على المسيحيَّة شيوعًا هو أن إلوهية يسوع “أُنشئت” بواسطة المسيحيِّين بعد القرن الأوَّل بفترة طويلة. يُقال لنا إنه لم يؤمن أحد في المسيحيَّة المُبكِّرة بأنَّ يسوع كان الله. كان يسوع مجرَّد إنسان، لكن بعد ذلك في مجمع نيقية ادعى المسيحيون أنه الله.

يُمكن العثور على مثال كلاسيكيّ على ذلك في رواية شفرة دافنشي الشهيرة:

أعلن تيبنج قائلًا: “يا عزيزتي، إلى تلك اللحظة التاريخيَّة [مجمع نيقية]، كان يُنظر إلى يسوع من قِبل أتباعه على أنه نبيٌّ فانٍ… إنسان قويٌّ وعظيم، لكنَّه في النهاية إنسان. إنسان فانٍ.” قالت صوفي: “ليس بصفته ابن الله؟” قال تيبنج: “نعم، إن تقديم يسوع بصفته ‘ابن الله’ طُرح رسميًّا وتمَّ التصويت عليه في مجمع نيقية.” قالت صوفي: “انتظر. أتقول إن إلوهية يسوع كانت نتيجة تصويت؟” أضاف تيبنج قائلًا: “وتصويت مُغلق نسبيًّا.”

بالطبع توجد اعتراضات أكثر تعقيدًا على الإيمان المسيحيِّ بشأن إلوهية يسوع. فمثلًا، يُجادل بارت إيرمان في كتابه “كيف صار يسوع الله؟” بأنه “سيكون من الواضح في الفصول القادمة أن يسوع في الأصل لم يُنظر إليه بصفته الله بأيِّ معنى على الإطلاق.

ولكن، هناك العديد من الردود القوية على ادِّعاءات إيرمان (وشفرة دافنشي). من المناسب أن تبدأ بكتاب “كيف صار الله يسوع؟” للرد على ادعاء إيرمان.

متى بدأ الاعتقاد بأن يسوع هو الله؟

لكن دعونا نلقي نظرة على هذا السؤال: متى بدأ المسيحيون في النظر إلى يسوع بصفته الله؟ هل كان هذا المُعتقد “في الأصل” جزءًا من المسيحية المبكرة؟

توجد عدة طرق للتعامل مع هذا السؤال، لكن من أجل أهداف هذه المقالة القصيرة، سننظر ببساطة إلى تعاليم الرسول بولس بخصوص هذا السؤال. لماذا سنبدأ ببولس؟ يوضح هاري هورتادو بشكل أفضل قائلًا: “إن المسيحية البولسية هي أقدم شكل للحركة المسيحية والتي لدينا إمكانية للوصول إليها مُباشرةً من خلال المصادر الأولية التي لا نزاع عليها” (كتاب الرب يسوع المسيح، 85).

كما سنرى، فإن بولس ببساطة لم يؤمن بأن يسوع هو الله بطريقة هامشية وشبه إلهية، لكنه نظر إلى يسوع بصفته الإله الواحد لإسرائيل، الإله الأزلي خالق الكون.

لننظُر إلى مثالين فقط يُظهران أن أسمى تعبير كريستولوجي كان موجودًا في المصادر المبكرة. انظر أولًا إلى لغة بولس في (كورنثوس الأولى 8: 5، 6): “لأنه وإن وجد ما يسمى آلهة، سواء كان في السماء أو على الأرض، كما يُوجد آلهةٌ كثيرون وأَرباب كثيرون. لكن لنا إله واحد: الآب الّذي منه جميع الأشياء، ونحن له. ورب واحد: يسوع المسيح، الّذي به جميع الأشياء، ونحن به.”

في قلب هذه العبارة -والتي قيلت في سياق الطعام المقدم للأوثان- يظهر اهتمام بولس بالتمسك بالإيمان التوحيدي. يوجد إله واحد فقط وهو يستحق أن ينال العبادة الدينية، في مقابل الآلهة الكثيرة المزيفة الموجودة في العبادة الوثنية.

بالطبع، من المعترف به على نطاق واسع أن بولس يستند على الاعتراف التوحيدي المركزي لليهود القدامى “الشماع” في (تثنية6: 4): “اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد.”

لكن ما هو جدير بالملاحظة هو أن بولس شمل الرب يسوع المسيح في “الشماع”، وحتى استخدم نفس الكلمة (“الرب”) ليصفه. لم يضف يسوع إلى جوهر الله، كما لو أنه الآن يوجد إلهان، لكنه يشمل يسوع في حديثه عن الهوية الإلهية ليهوه.

يتأكد هذا بحقيقة أن بولس ينسب ليسوع فعل الخلق نفسه الذي ينسبه لله: “الذي منه جميع الأشياء، ونحن له.” لا يتلقى يسوع فعل الخلق، لكنه هو من يقوم بفعل الخلق.

لذلك يستنتج بوكام أنه “من النادر إيجاد نظرة كريستولوجية أعلى مما يعبر عنه بولس في (كورنثوس الأولى8: 6).

ليس من المستغرب أن يكون النص الآخر هو (فيلبي2: 6-11)، وهو واحد من أوضح وأعمق التصريحات عن أن يسوع هو رب فوق الجميع. لا يؤكد بولس فقط الوجود الأزلي ليسوع وتجسده – “الذي إذ كان في صورة الله… أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس” – لكنه أيضًا يصف أعلى تمجيد ممكن ليسوع: “لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء، ومن على الأرض، ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب، لمجد الله الآب.”

تستند هذه العبارة الأخيرة على (إشعياء45: 23)، حيث في النص الأصلي، يعلن يهوه: “إنه لي تجثو كل ركبةٍ، يحلف كل لسانٍ.” يأخذ بولس المجد الذي يستحقه يهوه وحده وينسبه إلى يسوع، مُظهرًا بذلك أن الأخير متضمن في الهوية الإلهية.

لذلك يُلاحظ هورتادو أنه بالنظر إلى نص (فيلبي2: 6-11) ككل، فإن عمل المسيح يوصف في صورة “تسلسل قصصي”، يبدأ بوجوده الأزلي، ثم ينتقل إلى تجسده، ثم تواضعه، وينتهي بتمجيده (Hurtado، 2003: 123).

وما هو جدير بالملاحظة بشكل خاص هو أن الكثير من الباحثين أكدوا على أن كلا المقطعين يعكسان تقليدًا مسيحيًا أقدم بكثير، بل وأقدم من رسائل بولس بشكل ملحوظ. في حالة (فيلبي2: 6-11)، يعتبر النص على نطاق واسع “ترنيمة” كريستولوجية مبكرة، وقد استخدمها بولس في هذه الرسالة بالتحديد. كذلك يعتبر نص (كورنثوس الأولى6: 8) واحدًا من أقدم صياغات قوانين الإيمان داخل رسائل بولس.

لذلك، لا تُظهِر هذه المقاطع فقط أن الرسول بولس نفسه كانت لديه كريستولوجيا سامية، لكنها تظهر أيضًا أن هذه الكريستولوجيا السامية تسبق بولس وتظهر في أقدم طبقات الإيمان المسيحي.

في النهاية، يوجد خياران أمام قصد المتشككين من رفض إلوهية يسوع. من ناحية، يُمكنهم أن يُجادلوا بأن المسيحيين كانوا ببساطة على خطأ بخصوص كوْن يسوع هو الله. ومن الناحية الأخرى، يُمكنهم أن يُجادلوا بأن المسيحيين لم يؤمنوا أبدًا بأن يسوع هو الله.

بُناءً على الدليل المقدم أعلاه، يبدو أن الخيار الأول هو خيار أفضل من الثاني. إن البشر أحرار في الاختلاف مع المسيحيين الأوائل بشأن ما آمنوا به بخصوص يسوع. لكن، لا يوجد شك في أن المسيحيين آمنوا ولا يزالون يؤمنون بأن يسوع هو الله.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا