24.4 C
Cairo
الأحد, نوفمبر 17, 2024
الرئيسيةتحقيقاتمَنْ سيدخل "الجنة" أو "الملكوت"؟! علي جمعة والسباحة ضد التيار المتشدد

مَنْ سيدخل “الجنة” أو “الملكوت”؟! علي جمعة والسباحة ضد التيار المتشدد

تحقيق: د. ماريانا يوسف

فتاويه عن احتمالية إلغاء الله للنار ودخول غير المسلمين “الجنة” تثير جدلاً مجتمعيًا

تشير إحصائيات اهتمامات المستخدمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، “الترندات”، إلى تنامي التفاعل مع اسم البرنامج “نور الدين” منذ بداية شهر رمضان بشكل يتضاعف يوميًا، والحال نفسه مع اسم المفتي السابق علي جمعة، وسط سيل من التعليقات السلبية والإيجابية.

فقد أثار برنامج «نور الدين» جدلًا واسعًا بسبب إجاباته وفتاويه خلال البرنامج الذي يخاطب الشباب والمراهقين والأطفال.

وكان أكثر فتاويه إثارة للجدل هي أن الجنة ليست حكرًا على المسلمين وحدهم، كما تطرق إلى فتوى احتمالية إلغاء الله للنار ودخول جميع الناس الجنة.

بينما كانت له فتاوى سابقة مثل أن مدة الحمل يمكن أن تصل إلى أربع سنوات وغيرها، ولكن لأن تلك الفتاوى على هوى التيار المتشدد فلم ينبس أحد ببنت شفة، بينما إن كان من شان فتاويه أن تزيل الغضاضة بين صفوف المجتمع أو تدعو إلى الرحمة أو التسامح فإن الدنيا تقوم ولا تقعد فقط لأنها لا تتفق مع المخزون المشبع في النفوس تجاه كراهية الآخر وفكرة أن فئة بعينها تفوز بالجنة والآخرين إلى النار.

ولسنا هنا بصدد التمسك بهذا التصريح لضمان دخول المسيحيين الجنة، وهو ما قاله، ولكن اللافت للنظر هو غضب الكثيرين من تلك الفتوى، الأمر الذي إن دل على شيء فإنما يدل على الكراهية البغيضة في نفوس الكثيرين.

وحتى نكون منصفين، فلا بد من الإشارة إلى أن هناك طوائف في المسيحية تفكر بذات الفكر، فقد توغلت في محدودية تفكيرها إلى أن المختلف في الطائفة أيضًا لن يدخل الملكوت… فالتشدد ليس حكرًا على دين بعينه بل هو بالأكثر ثقافة مجتمعية أصولية متشددة ترتدي عباءة المحبة في خارجها وفي بواطنها نبذ الآخر ليس في الدنيا فقط بل يتدخلون فيما ليس بين أيديهم، يتدخلون في الحق المنفرد لله من حيث الثواب والعقاب والجنة والنار والملكوت وجهنم.

تصريحات المفتي عن الجنة والنار تثير الجدل

تصريح علي جمعة جاء خلال برنامج تبثه القناة الأولى المصرية، حيث ورد سؤال له بأن هناك ديانات أخرى غير الإسلام مثل المسيحية وأن لها رسلاً من السماء مثل سيدنا عيسى فلماذا فقط المسلمون هم الذين سيدخلون الجنة؟، ليرد المفتي السابق قائلاً: “هو مين قال لك إن المسلمين بس اللي حيدخلوا الجنة؟ هذه معلومة مغلوطة عندك.”

وأثار حديث مفتي مصر الأسبق الدكتور علي جمعة حول “إمكانية إلغاء الله للنار وإدخال جميع البشر الجنة” جدلاً كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وخلال مشاركته في برنامج “نور الدين”، أشار علي جمعة إلى إمكانية إلغاء الله للنار وإدخال جميع البشر الجنة، موضحًا أن هناك علماء أيدوا هذه الفكرة، وأن النار قد تكون موجودة لتذكير الناس بمخافة الله، كما شدد على ضرورة أن ترتكز العلاقة مع الله على الحب والرحمة.

وأوضح جمعة قائلاً: “تلاقي اللي بيتكلم عن عذاب القبر والثعبان الأقرع، في كتب كثيرة بتقول في أهوال يوم القيامة، لكن محدش قال في شفاعة وفي 70 ألف شفيع وكل واحد يشفع في 70 ألف شفيع يعني 4 مليار وكل المسلمين 2 مليار بس.”

وأردف علي جمعة: “وارد إن ربنا يلغي النار يوم القيامة ويدخل كل الناس الجنة، وفي علماء كثير قالوا كده، وممكن النار دي تكون معمولة عشان الناس تكون خايفة من عقاب ربنا فلا يؤذي أحدًا، لازم العلاقة بيني وبين ربنا تكون مبنية على الحب والرحمة.”

فتاوى تحقق العدالة المجتمعية وتحمي حقوق الدولة

علي جمعة: لا يجوز التعدي على الأرض الزراعية حتى لو كان للضرورة ولا تجوز المضاربة بالعملة في السوق الموازية … والمحتكر ملعون

أجاب علي جمعة مفتي الجمهورية السابق على سؤال عن جواز التعدي على الأراضي الزراعية ومخالفات البناء الضرورة.

وقال خلال برنامجه «نور الدين» إن هذا الأمر يضر بالشخص نفسه ويضر بغيره ويضر بمن سيأتي بعده.

وأضاف: “الرقعة الزراعية هناك احتياج إليها ليس من قِبل الشخص نفسه لكن البلد بأكملها في احتياج إليها لأنها أرض منتجة لكنه يُحوِّلها إلى أرض بور.”

وأشار إلى أن الضروريات تتمثل في الأشياء التي إذا لم يتناولها الإنسان يهلك أو يقترب من الهلاك، ومن ثم فإن هذه الضروريات تبيح المحظور.

وشدد على ضرورة فهم هذه القاعدة جيدًا، موضحًا أن العدوان على الأراضي الزراعية أضرّ بالعباد.

 وأجاب علي جمعة مفتي الجمهورية السابق على سؤال عن جواز المتاجرة والمضاربة بالعملة في السوق الموازية واحتكار السلع. وقال إن هذه الممارسات لا تجوز شرعًا باعتبار أن مَنْ لا يهتم بمصلحة المسلمين فليس منهم.

وشدد على ضرورة الشعور الجمعي بالاهتمام بالدولة والشعب والحالة الاقتصادية ليعم النفع على الجميع.

 

ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي

هجمة أقل ما يقال إنها شرسة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على فتاوى الشيخ علي جمعة الأخيرة والتي أطلقها بالبرنامج.

فقد اتفقت معظمها على الاستنكار خاصةً عندما أفتى بأن “الجنة ليست للمسلمين فقط”، وهذا يعكس حجم المأساة التي فيها دولة عظيمة مثل مصر حيث إن أغلبية شعبها غير متقبل أن رحمة الله تشمل أحدًا غير القطيع الذي ينتمي إليه، وبهذا فإن الدولة لا زالت تستجدي المؤسسات الدينية لتغيير الخطاب الديني المتشدد وتقبل الإصلاح الفكري الديني.

آراء التراث التي تحتاج إلى التجديد… المسلم يدخل الجنة ولو كان زانيًا أو سارقًا

يقول الشيخ ابن باز في «فتاوى نور على الدرب»: “مَنْ مات على التوحيد فإنه من أهل الجنة وإن زنا وإن سرق، وهكذا لو فعل معاصي أخرى كالعقوق والربا وشهادة الزور ونحو ذلك، فإن العاصي تحت مشيئة الله، إن شاء ربنا غفر له، وإن شاء عذبه على قدر معاصيه إذا مات غير تائب، ولو دخل النار وعذب فيها فإنه لا يخلد، بل سوف يخرج منها إلى الجنة بعد التطهير والتمحيص.”

آمنة نصير: يمكن أن يدخل غير المسلم الجنة… وهو حق الله المنفرد ولا نزايد عليه

قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية، بجامعة الأزهر الشريف، إن كل شيء بميزان، وغير المسلم من الممكن أن يدخل الجنة بالتأكيد، طالما كان يوحد بالله، ويقوم بأعمال أخلاقية، ولا يؤذي الناس.

وأضافت نصير أن الجنة والنار بيد صاحبها، وأنها تعتبر أن مَنْ يعطي لنفسه حق الحديث في هذا الأمر سوء أدب مع صاحب الحق الأوحد وهو الله تعالى، ولا أدري لماذا يعطي الإنسان لنفسه حق هو حق الله المنفرد.

 وتساءلت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بفرع جامعة الأزهر بالإسكندرية: هل شققت قلوب الناس؟ هل وزنت قلوب البشر وعلمت ما تخفي الصدور؟ ربما ظلمت شخصًا، وقلت إنه يدخل النار، وهو من أهل الجنة.

وأضافت الدكتورة آمنة نصير مشددة: “أنا لا أحب أن يتدخل الإنسان في أمر من أمور الإلوهية، فنحن ليس في استطاعتنا ذلك، وهناك أمور بيد الخلق وحده. نحن نحسن الظن بالناس، ونعمل الخير والصالح للناس، ثم نترك وزن الأمور ودخول الجنة والنار لصاحب الحق الأوحد فيها وهو الله سبحانه وتعالى.”

حمدي رزق: جمعة في إجابته قدم الرحمة على ما سواها دون تشدد … والإخوان وراء الحملة الإلكترونية ضده

من جهته، أشار الكاتب الصحفي حمدي رزق إلى أن الحملة الإلكترونية الضارية على العلامة الدكتور علي جمعة من فعل إخوان الشيطان، الدكتور جمعة مصنف كعدو للإخوان من زمان … وهو صاحب التعبير الموجع في وصفهم هم وأشباههم «كلاب النار».

وفي إجابته قدم طرحًا دينيًا وسطيًا معتدلًا، يقدم الرحمة على ما سواها، خاليًا من التشدد، مفعمًا بالمحبة، بلغة بسيطة مبسطة تلائم الأطفال وتجيب على شواغلهم وتعيد ترتيب أفكارهم عن الدين والحياة.

كان السؤال بريئًا من طفلة صغيرة، فأجاب جمعة بمحبة، وبما يناسب عقل طفلة مبلبل بعلامات استفهام.

وتساءل حمدي: هل كان مطلوبًا منه أن يقمع الطفلة ويزجرها وينهاها عن السؤال؟ هل كان مهضومًا من فضيلته أن يقصف جبهة إخوتنا المسيحيين ليرضى عنه إخوان الشيطان والمتسلفة والمتسلقة جدار الدين؟ وهل الدكتور جمعة يحوز مفاتيح الجنة مثلاً؟!

وأوضح رزق أن جمعة كان ملهمًا في الإجابة عن السؤال المحرج، وهو سؤال يتهرب من الإجابة عنه أعتى المرجعيات الدينية، وراجعتُ كثيرًا من أقوالهم، إلا مَنْ رحم ربي، جميعهم يحومون، فــ “جمعة” لم يتأل على الله كما يتألى المتنطعون من الإخوان والتابعين، والتألي على الله حكمه حرام وعقابه عذاب.

واختتم حمدي بأن رؤية البعض باقتصار الجنة عليهم تأتي من قبيل النقيصة الإنسانية وهي مذمومة ومرفوضة، فالإخوان احتكروا الإسلام في اسمهم، تسموا “الإخوان المسلمين”، وميزوا أنفسهم في الدنيا عن بقية خلق الله المسلمين، وبالضرورة في الآخرة سيستأثرون بالجنة، فمن يضن على المسلمين بالإسلام في الدنيا أتراه سيتسامح مع دخول المسيحيين الجنة؟!

حسام ميدو: ليه ما تترحمش على كل الناس مهما كان دينهم؟

من جانبه، قال أحمد حسام ميدو، نجم نادي الزمالك السابق، عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: قعدت سنين طويلة بروح صلاة الجمعة على الصلاة على طول، ما بسمعش الخطبة لأن الشيوخ بيدعوا للمسلمين والمسلمات فقط وده كلام ضد الإنسانية!! ليه ما تدعيش لكل الناس بالهداية؟ ليه ما تدعيش لكل الناس بالشفا؟ ليه ما تترحمش على كل الناس مهما كان دينهم؟ علشان كده مبسوط جدًا من كلام د. علي جمعة، ونفسي كل شيوخ المسلمين في العالم كله ينتهجوا نفس نهجه … أنا عن نفسي كنت في الحرم وكنت بدعي بالاسم لكل أصدقائي المسيحيين زي ما بدعي لأصدقائي المسلمين بالظبط.

ليس الإسلام فقط

الراحل الأنبا بيشوي: “غير الأرثوذوكس مش هيخشوا الملكوت”

في فيديو يعود لعام 2015، قال الراحل الأنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ وسكرتير المجمع المقدس السابق، في مقطع فيديو بعنوان “الأنبا بيشوي: لعنة الله على عقائد الكاثوليك»: “بيننا وبين الكاثوليك حرومات متبادلة بمجامع، وهذه الحرومات لم تُرفع وكل كهنوتهم مشلوح عندنا”، مؤكدًا أن “العقيدة الكاثوليكية لا تؤدي إلى الملكوت”، “غير الأرثوذكس مش هيخشوا الملكوت.”

أتت تصريحات «بيشوي» ردًا على سؤال حول «هل يدخل الكاثوليك الجنة؟»، فأجاب سكرتير المجمع المقدس السابق بـ«أنه لو شخص كاثوليكي وهو في لحظاته الأخيرة قال إني أؤمن بالأرثوذوكسية ولعنة الله على عقائد الكاثوليك، في هذه الحالة مش عارف كيف ربنا هيتصرف معاه وهل تُعتبر معموديته معمودية طوارئ أم لا، لكن غير كده محدش من الكاثوليك هيدخل الملكوت” على حد قوله.

تعامل الأنبا بيشوي مع الموقف باعتباره وكيل الرب، والذي سيسأله هو وحده عن العقائد، ومن ثَمَّ يتساءل عن الكيفية التي سيقابل بها الله “هوري وشي لربنا” حسب قوله، متحديًا سائله عن دخول الكاثوليك والبروتستانت الملكوت: “أيوة مش داخلين” وهو ما قوبل بـ«تصفيق من الحضور»، ليضيف الأنبا: “بقى اللي بيجوزوا الوثني للمسيحي جوا الكنيسة دول هيقفوا قدام ربنا، دا أنا لو قلت غير كده ما أقدر أوري وشي لربنا.”

وأشار كلام «بيشوى» هنا إلى أن المسيحيين من غير الأرثوذكس «ناقصي عقل» ويحتاجون لمن يُصلح «الخلل» أو «العطب»، كما يُصرح حديثه أنه القادر على إمكانية تنفيذ هذه المهمة!

ويغدو الآخر طبقًا لرؤية الأنبا بيشوي «لا بروتستانتي ولا كاثوليكي سيدخل الملكوت وإلا فما قيمة الأرثوذوكسية؟»، تأكيدًا على أن الملكوت حكر على الذات الأرثوذوكسية، التي اكتسبت قيمة إيمانها عبر تكفير شركائها في يسوع، سواء كانوا من الكاثوليك أو البروتستانت.

الأنبا رافائيل: اقتصار السماء ودخولها على أبناء الطائفة الأرثوذكسية

يرى الأنبا رافائيل، سكرتير المجمع المقدس وأسقف كنائس وسط القاهرة، في فيديو سابق اقتصار السماء ودخولها على أبناء الطائفة الأرثوذكس فحسب دون غيرهم، مستندًا إلى ما يسميه بالرجوع إلى «الكتاب المقدس» كحكم بين الطوائف المسيحية، معتبرًا أن الاستفسار عن احتكار الأرثوذكس للسماء «سؤال مستفز»: «فيه سؤال هنا مستفز شوية، بيقول واضح من كلامك أن السما لن يدخلها إلا الأرثوذكسي فهل باقي المسيحيين والطوائف الأخرى مش هيدخلوا السما وأن السما “وقف” على الأرثوذكس، فمش عاوز أجاوب على السؤال ده غير إني أقول إيه؟ الحكم ما بينا هو الكتاب المقدس، وهو اللي بيحكم أنه لا بد فيه معمودية ولا بد فيه إفخارستيا وإيمان مظبوط، وإذا وجد هذا الكلام في كنائس مظبوطة يبقى مظبوط». وبالطبع ينفي رافائيل وكهنة الأرثوذكسية وجود الإيمان «المضبوط» والمنضبط عند الكاثوليك، فكيف يكون إيمانه سليمًا مَنْ لا يفهم «الثالوث»؟!!

متى المسكين: لا الكاثوليك ولا البروتستانت ولا الأرثوذكس سيدخلون الملكوت … بل الخليقة الجديدة في المسيح

قال الراحل الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار ببرية شيهيت في جزء من محاضرة له عام 2015 بعنوان “القمص متى المسكين: معلم الرحمة والمغفرة” ألقاها نيافته في المؤتمر المسكوني الدولي للروحانية الأرثوذكسية الذي انعقد في دير بوزي بإيطاليا: “لقد فهم الأب متى المسكين المسامحة أو المغفرة في معناها المتسع، وهو قبول الآخر، الآخر المختلف عني في كل شيء، وخاصةً المختلف عني في الإيمان أو العقيدة. قبل رهبنته تقابل مع مجموعة من قادة الخدمة في عصره، وكانوا قد طرحوا هذا السؤال: هل الكاثوليك والبروتستانت سيدخلون ملكوت السموات، بحسب رأيهم؟ فكانت الإجابة طبعًا بالنفي. فحزن جدًا لأن هذا هو مفهوم قادة الخدمة في الكنيسة.

وتمر الأيام وكان الأب متى يجري عملية جراحية في إحدى المستشفيات، وأتي لزيارته رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر، وطرح على أبونا متى هذا السؤال: هل البروتستانت سيدخلون الملكوت؟ فكان رد الأب متى المسكين: لا الكاثوليك ولا البروتستانت، ولا حتى الأرثوذكس سيدخلون الملكوت، بل الخليقة الجديدة في المسيح يسوع هي التي ستنال الملكوت. ’لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ‘ (غل 6: 15).”

السيسي… وتجديد الخطاب الديني… النفخ في قربة “مخرومة”

منذ تسع سنوات، أطلق رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي دعوته لتجديد الخطاب الديني، مطالبًا بثورة دينية، عقب فترة وجيزة من توليه الحكم. وتزامنت دعوته وقتها مع انتشار العمليات الإرهابية التي شهدتها مصر عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي وإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين، ولاقت اهتمامًا دوليًا ومحليًا، خاصةً في ظل الحاجة لرؤية جديدة يمكن البناء عليها في مكافحة التطرف الديني الذي كانت تعاني منه دول المنطقة، وانتقل إلى استهداف المدنيين في بعض الدول الغربية.

واكتسبت دعوة الرئيس زخمًا مع الإلحاح الرسمي عليها، والتنديد ببطء إجراءات وضعها حيز التنفيذ، لدرجة انتقاده لشيخ الأزهر، وضعف أداء المؤسسة الدينية الأولى. وتم التسويق لذلك باعتباره عملًا إيجابيًا يُحسب للنظام.

هل نجحت مؤسسات الدولة في تجديد الخطاب الديني؟ وهل قدمت رؤية جديدة تجاه المرأة والأقليات الدينية؟ وهل تعالج خطابات الكراهية والتمييز والتحريض على العنف الراسخ في عقول قطاعات معتبرة من المصريين؟

أُسندت مهمة تجديد الخطاب الديني وتصحيح الأفكار المغلوطة منذ إطلاقها إلى المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية، بدرجات متفاوتة، بحكم أنها جزء من الحكومة، كالأوقاف والأزهر، ولكن كيف يمكن للمؤسسات الدينية أن تقوم بتجديد الخطاب الديني وهي تقود في الوقت نفسه حملة هجوم عنيفة على المفكرين والباحثين الذين لديهم رؤى مخالفة لها، أو الذين ينتقدون استدعاء التراث في ظروف غير مناسبة؟ كما أنها لا تقبل بأي نقد لدورها، وتعمل على التضييق على حرية الرأي والتعبير، والأمثلة كثيرة: إسلام البحيري، وفاطمة ناعوت، ومحمد نصر، وأحمد ماهر (أُعيدت محاكمته وصدر حكم بالبراءة)، ونبيل النقيب وغيرهم، حيث كانت مؤسسة الأزهر جزءًا فاعلاً في الدعاوى التي رُفعت ضدهم، وصدرت فيها أحكام بالإدانة، لمجرد أنهم رأوا أن المؤسسات الدينية مقصرة في مراجعة كتب التراث.

كذلك حاولت بعض المؤسسات كالأوقاف، التأكيد على قبول الآخر ونبذ خطابات التطرف وغيرها من خلال أئمة المساجد على سبيل المثال أو في الندوات أو المؤتمرات، ولكن هذا كله لم يصل بعد إلى المواطن العادي في الشارع والذي تمتلئ جمجمته بأفكار التشدد والكراهية ونبذ الآخر.

في النهاية… لا ننكر أن تصريحات علي جمعة الأخيرة تتسم بالقوة والجراءة والحسم وكما أنها مثيرة للجدل، حيث رمى حجرًا في مياه راكدة منذ سنوات ليعلن عن بصيص نور في تجديد الخطاب الديني. ولا يهمنا بالدرجة الأولى إن كانت حقًا إجابته صحيحة أم كانت إجابة مدعومة بحكمة هروبًا من الموقف – ولكن ما يهمنا هو محاولته عدم بث سموم أفكار التطرف في عقل الطفلة وغيرها من الأطفال الحاضرين والمستمعين والذين يُعتبرون نواة المستقبل للنور أو الظلام… وهذا في حد ذاته خطوة تجاه الإصلاح الديني الذي بات متشددًا ومتدخلاً في كل جوانب الحياة حتى الأمور الربوبية “التي تختص بالله دون سواه”، فقد نصبوا أنفسهم أوصياء عليه – حاشا لله.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا