رفع أسماء 716 شخصًا من المدرجين على قوائم الإرهابيين على رأسهم غنيم وندا
“أنا أستبعد احتمال حدوث مصالحة بين السلطات في مصر وجماعة الإخوان المسلمين (المصنفة إرهابية)، لكن الأمر محمود ونثمّنه في إطار فك درجة من درجات التعقيد بالمشهد الراهن”، هكذا وصف ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة المصرية للاستعلامات، القرار القضائي غير المسبوق باستبعاد مئات الأشخاص من قوائم الإرهابيين في تقرير نشره موقع بي بي سي عربي.
أصدرت النيابة العامة بمصر بيانًا قالت فيه إن محكمة الجنايات، بناءً على طلب النيابة العامة، أصدرت قرارًا برفع أسماء 716 شخصًا من المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
وأوضح البيان أن ذلك يأتي في إطار “توجه الدولة نحو مراجعة شاملة لموقف المدرجين على تلك القوائم، وأن الأمر حدث بعد ورود تحريات أمنية أسفرت عن توقف المذكورين عن القيام بأي أنشطة غير مشروعة ضد الدولة أو مؤسساتها، وأنها مستمرة في مراجعة موقف بقية المدرجين في القوائم لرفع أسماء من يثبت توقفه عن أنشطة ضد الدولة”.
جدل حول القرار
القضية التي شملها هذا القرار، معروفة باسم “تمويل جماعة الإخوان”، وهي متداولة منذ ما يزيد على 10 سنوات ومدرج على قوائمها أكثر من 1500 شخص معظمهم من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان، وكانت السلطات لا تبدي أية تساهل فيها أو بوادر لحلها، ثم صدر قرار برفع نصف الأسماء تقريبًا من قوائم الإرهابيين، بالإضافة إلى أن النيابة في بيانها أضافت أنها ستراجع موقف المتبقين في القوائم على ذمة تلك القضية.
اتفق كثيرون على أنها خطوة إيجابية، ولكن تباينت ردود الفعل حول القرار بين الترحيب والتشكيك في ظل تفسير البعض أنه قد يعني أن السلطات المصرية تمهد لمصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين.
وقد رحب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بـ”توجيهات الرئيس المصري، التي مهَّدت الطريق لاستبعاد مئات الأشخاص من قوائم الإرهاب، وإعطاء الفرصة لهم لبدء صفحة جديدة للعيش بصورة طبيعيَّة في وطنهم ولمِّ شمل أسرهم، وهي تمثل خطوة جيدة، ويجب على الجميع استثمارها، والبناء عليها”.
ضياء رشوان من جانبه قال إن “القرار ليس سياسيًا أو صادرًا عن الرئيس أو رئيس الحكومة أو أي مسؤول في السلطة التنفيذية كي يتحدث البعض عن مصالحة بين السلطة وجماعة الإخوان، بل هو قرار قضائي”.
وبنبرة ساخرة تساءل ضياء: “أي جماعة تلك التي سيعترف أو يتصالح معها النظام؟ إذا كانت الجماعة نفسها لا تعترف بنفسها وتقسّمت إلى عدة جماعات وكيانات؟”.
وشدد رشوان على أن هذا القرار يخص قضية قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابين، أي أن استبعاد أي شخص من تلك القوائم يعني أنه بات غير محروم من حقوقه المتعلقة بحياته كشخص مصري كامل الأهلية للتعامل المالي والتعامل مع الجهات والمؤسسات وغيرها من الحقوق، ولكن هذا لا يعني إسقاط أية قضية جنائية أخرى أو جريمة يحاكم ذات الشخص عليها أمام القضاء إن وجدت.
وبحسب القوائم المتداولة ونشرها محامو بعض من تضمّنهم قرار الاستبعاد من قوائم الإرهابيين، فإن من أبرز الأسماء التي شملها القرار، القيادي الإخواني الدولي يوسف ندا، والداعية المثير للجدل وجدي غنيم، والوزير الإخواني الأسبق يحيى حامد، بهاء الدين سعد الشاطر شقيق خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان، وجهاد عصام الحداد المتحدث باسم جماعة الإخوان.
أسماء المستبعدين تضمنت كذلك متوفين ومن أبرزهم الداعية يوسف القرضاوي، الذي كانت تتهمه السلطات المصرية بأنه الزعيم الروحي لجماعة الإخوان، والقياديين الإخوانيين السيد عسكر والسيد نزيلي ومسعود السبحي، وعبدالله نجل الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، ورجل الأعمال علي فهمي طلبة، مؤسس مجموعة راديو شاك التي تحفظت عليها السلطات بعد إدراجه على قوائم الإرهابيين.
ووفقًا لقانون الكيانات الإرهابية الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2015، فإن كل من يتم إدراجه على قوائم الكيانات الإرهابية يتعرض لتجميد الأموال وحظر التصرف في الممتلكات الخاصة، والمنع من السفر وترقب الوصول، وحظر النشاط والتجميد بالنسبة للكيانات الاعتبارية وحظر التمويل داخليًا وخارجيًا.
كما يخضع الشخص المدرج على قوائم الكيانات الإرهابية لسحب جواز سفره أو إلغائه أو يُمْنَع من تجديده، سواء كان مقيمًا بالداخل أو الخارج، كما يفقد صفة “حسن السيرة والسلوك” اللازمة لتولي المناصب العامة والنيابية.
ويشمل هؤلاء الأشخاص من يتولون مناصب قيادية أو إدارية في الكيانات الإرهابية أو يساهمون في أنشطتها أو يقومون بتمويلها.
المحامي الحقوقي خالد علي، وكيل بعض من تضمنهم قرار الاستبعاد من قوائم الإرهاب، أوضح لبي بي سي أن “هذا القرار بالقطع له تأثير على أي قضايا جنائية يحاكم فيها الشخص الذي تم رفع اسمه من قوائم الإرهابيين”.
وشرح أن من تم رفع اسمه من قوائم الإرهابيين إذا كان يُحاكم على ذمة قضية جنائية فإنه يستطيع الاستناد لتحريات الأمن التي تحدثت عنها النيابة العامة والتي قالت إن نشاطه الإرهابي توقف، ويقدم هذا للمحكمة وهي التي تنظر إذا كان نشاطه الإرهابي توقف أم ترتب عليه جريمة لابد من محاكمته عليها، فالأمر في يد المحكمة بالكامل.
وأوضح خالد علي أنه بعيدًا عن ما قالته النيابة العامة في بيانها، فإن ما حدث أن تلك القضية المعروفة باسم تمويل جماعة الإخوان متداولة منذ عام 2014 حينما تم حصر أسماء 1529 شخص وتصنيفهم كإرهابيين وفي عام 2018، تم وضعهم على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين بقرار قضائي بناء على طلب النيابة العامة وذلك لمدة 5 سنوات انتهت في عام 2023 فقدمت النيابة العامة طلبًا جديدًا وافقت عليه المحكمة بإعادة إدراج نفس الأسماء، ولكننا تقدمنا بطعن أمام محكمة النقض والتي ألغت قرار الإدراج وأحالت القضية لدائرة محكمة جنايات جديدة للنظر فيها، وبناء على ما قدمناه من دلائل لعدم وجود نشاط إرهابي للموكلين جاءت تحريات الأمن مؤيدة لذلك وصدر القرار الأخير بالاستبعاد من قوائم الإرهابيين.
وشدد على أنه وفقًا لكل ذلك، فإن القرار يأتي في إطار التحرك الطبيعي للإجراءات الخاصة بالتقاضي، وكون هذا القرار القضائي يستند لتحريات أمنية أكدت توقف هؤلاء الأشخاص عن الأنشطة الإرهابية فإن من أجرى التحريات هو المسؤول عن ذلك، وعما إذا كان ذلك تم بتوجيه من الدولة أم لا.
وقال المحامي الحقوقي: إن هذه مجرد خطوة إيجابية نتمنى أن تتبعها خطوات أخرى لإنهاء هذا الملف المنظور منذ 10 سنوات، بغض النظر عن وجود مصالحة مع الإخوان من عدمه.
وعن الموقف القانوني للمستبعدين من قوائم الإرهابيين، قال خالد علي إنه بعد نشر القرار في الجريدة الرسمية فإن النائب العام سيخاطب الجهات المختلفة في مصر بمنطوق القرار والأسماء المتضمنة فيها، للتعامل معهم كأشخاص يتمتعون بحقوقهم الطبيعية مثلما خاطبهم لحرمانهم من حقوقهم وقت صدور القرار.
وعن ملف التحفظ على الأموال، قال خالد علي إن الموقف هنا مختلف، حيث إن لجنة التحفظ على أموال الكيانات الإرهابية والإرهابيين لها مسار مختلف وقانون مختلف، وبالتالي فإن من شمله قرار الاستبعاد من قوائم الإرهابيين يمكنه التقدم بتظلم لتلك اللجنة لاسترداد أمواله واللجنة هي صاحبة القرار؛ إما أن تنظر فيه وتحيله لمحكمة للبت فيه، أو تتجاهل هذا التظلم تمامًا.
4 احتمالات للاستبعاد
ومن واقع المتابعة فإن أغلب من شملهم قرار الاستبعاد من قوائم الإرهابيين لهم قضايا أخرى يحاكمون بموجبها وعلى رأسهم الداعية وجدي غنيم.
بالإضافة لذلك، فإن قوائم الإرهابيين لا زالت تضم أسماء بارزة مثل لاعب منتخب مصر والنادي الأهلي السابق محمد أبو تريكة الذي يُقيم في قطر منذ تصنيفه إرهابيًا.
لكن وفق وسائل الإعلام، فإن النيابة العامة كلفت الأمن الوطني بإجراء تحريات جديدة عن الأسماء التي لا تزال تضمها قائمة الكيانات الإرهابية والإرهابيين للنظر في أمرهم.
الدكتور عمار علي حسن، أستاذ العلوم السياسية، قال إنه في ظل عدم وجود معلومات واضحة لا يمكن الحديث إلا عن تكهنات واحتمالات، فالاحتمال الأول أن تكون هناك مفاوضات سرية بين شق من تنظيم الإخوان والسلطة نضجت وأدت إلى هذا القرار.
وتابع أن الاحتمال الثاني أن تكون السلطات استجابة لنصائح دولية بضرورة تلطيف الأجواء بشأن الأوضاع السياسية وحقوق الإنسان، وقد حدث ذلك من آن لآخر مثل فتح حوار وطني أو لقاءات رئيس الوزراء بالكتاب والمفكرين أو الإفراج كل فترة عن سجناء سياسيين.
وعن الاحتمال الثالث، قال عمار علي حسن إن السلطة نفسها قد تكون ارتأت أنه من المهم إعطاء قدر من الحيوية للحياة السياسية في ظل التراجع الاقتصادي الكبير الحادث بالبلاد.
وأشار إلى أن هناك احتمال رابع لا يمكن تجاهله بأن يكون ذلك تم بناءً على نصيحة من إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والتي على وشك أن تتولى السلطة، وذلك كثمن لدور الإخوان في حشد المسلمين والعرب خلف ترامب بالانتخابات والتي رجحت كفته في ولايات حاسمة.
وختم بالقول إنها قد تكون خطوة حقيقية نحو شيء إيجابي وقد تكون لمجرد تمرير أزمة أو موقف، والأمر يتوقف على مدى تفاعل السلطة مع الأمر وما إذا كان سيتخذ خطوات أخرى أم لا، وكذلك يتوقف على تفاعل الإخوان أنفسهم، فإن اتخذوا القرار بإيجابية فقد يؤدي ذلك لقرارات أفضل، أما إذا تعاملوا باستخفاف على أنه مجرد قرار التفافي فلن يقود لشيء، فضلًا عن أن وجود قضايا أخرى للكثير ممن شملهم القرار قد تفرغه من مضمونه.