مينا رومان
نظم الله الوقت وأطلق على مدة من الزمن اسم يوم. “وكان مساء وكان صباح يومًا واحدًا” (تك١: ٥). وقسّم الخليقة إلى أيام، ابتداءً من اليوم الاول حين خلق النور وقال: “ليكن نورٌ” (تك١: ٣) إلى اليوم السادس حين خلق الإنسان على صورته وأعطاه من صفاته وختم الخلق بوصفه لجمال خلقه وصنعة يديه. “ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدًا” (تك١: ٣١)، ثم استراح في اليوم السابع.
ويختلف البعض في تقدير زمن اليوم الواحد، فالبعض يقول إن اليوم يساوي ٢٤ ساعة، والبعض ينكر الساعات ويقدِّر اليوم بآلاف السنين ولكن لن نغوص في هذا الاختلاف، ويكفينا أن نعلم أن الله رتب ٦ أيام للخليقة ويومًا سابعًا للراحة، فيقول الكتاب المقدس إن الله استراح في اليوم السابع من جميع أعماله. وليس هنا معنى الراحة هنا الراحة الجسدية، فالله لا يتعب وهو يخلق بكلمته، ولكن كلمة راحة تعني الهدوء والتأمل بمعنى أن ينتهي من العمل ويتأمل جمال ما خلقه وتترنم الملائكة: “عندما ترنمت كواكب الصبح معًا، وهتف جميع بني الله؟” (أي٣٨: 7)
وقد عيّن الله ذلك اليوم يوم الراحة للعبادة. رتب الله يومًا للعبادة وأوصى شعب إسرائيل بحفظ يوم السبت للعبادة: “احفظ يوم السبت لتقدسه كما أَوصاك الرب إلهك. ستة أيامٍ تشتغل وتعمل جميع أعمالك، وأما اليوم السابع فسبت للرب إلهك” (تث5: 12-14) والسبت في الأصل العبري شبت وتعني عطلة.
عندما تحول السبت إلى عادة
شيئًا فشيئًا، تُرك يوم الرب وأمسك الحرفيون بتطبيق يوم السبت وأنزلوا عيونهم من على الرب لينظروا ويتحققوا ويكمنوا كأسد لمن ينقض السبت ليفترسوه. وهكذا تُركت العبادة وأصبح الشعب منشغلًا بالعادة وأصبح شغل رجال الدين الشاغل هو معاقبة مَنْ يفسد تلك العادة. إنه السبت يا سادة. وحتى إن تركنا العبادة فنحن جنود الله الغيورون على العادة، حتى وإن تركنا العبادة فتطبيق شرع الله غايتنا، والسبت هو عادتنا ونحن نحاسب مَنْ يكسر عاداتنا، وحتى وإن كان المسيح نفسه فقد عارضناه وحاسبناه وقلنا له: لماذا كسرت السبت وشفيت المرضي. “ثُمَّ دَخَلَ أَيْضًا إِلَى الْمَجْمَعِ، وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ. فَصَارُوا يُرَاقِبُونَهُ: هَلْ يَشْفِيهِ فِي السَّبْتِ؟ لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ.”
لم ينتظروا المعجزة بل انتظروا كسر السبت، ولكن رب السبت فاجأهم بأن قيمة الإنسان أعظم من السبت وأن النظام والعبادة قد وُضِعَ لعلاقة الإنسان بالله لا لجعل الإنسان عبدًا للطقوس والأيام والعبادات. جاء المسيح ليعيد الإنسان إلى وضعه وكرامته التي هي أعلى من نظام العبادة نفسه.
ما يحدث اليوم في الكنيسة
لقد رجعنا لمنظور العبادة القديم وما جاء المسيح لتغييره تم إنكاره. وما حدث في أيام فيروس كورونا خير دليل، حيث تمسك الحرفيون بطريقة العبادة واستخدام المستير في التناول والحضور الجماعي محافظين على العادة والعبادة ومضحين بالآلاف من البشر للوباء للمحافظة على طقس أعمى وعادات موروثة. تحولت العبادة إلى عادة وتحولت الكنائس إلى هيكل لإتمام العادات والطقوس، فما فعلناه ما هو إلا تبديل للسبت بالأحد، فأصبح الأحد بالنسبة لنا هو يوم السبت الذي نهرع فيه إلى كنائسنا لنهتم بعاداتنا وقد ندخل الكنيسة ونخرج كما نحن. لقد تشاركنا العادة ولم نحظ بالعبادة وأيضًا حاسبنا مَنْ يكسر يوم الأحد ومَنْ لم يحضر للأحد، وأقمنا على بعضنا الحد وخُدعنا بعبادتنا بما نسميه نظامًا وقلنا إن الرب إله نظام. صرنا عبيدًا للنظام ونسينا كيف نعبد بالروح، وكأن عبادتنا بالروح خروج عن النظام، فأصبح البعض يُسمي النظام فقرات، والبعض يسميه قداسًا، والبعض يقول ليتورجيا العبادة، وصار كل الاهتمام كيف نطبق النظام بنظام وتحول الأحد إلى سبت النظام.
وأصبحنا بدل زيارة المتأخر عن العبادة نجلده ونهاجمه (كيف تركت يوم الرب؟ حتى وإن لم تكن هناك عبادة، فهناك عادة لابد من مشاركتكم يا سادة. نحن في انتظارك لتشاركنا فقرات العادة.)
أتمنى أن نقوم اليوم ونكسر يوم الأحد الذي في مخيلتنا ونكسر سبت العادة ونرجع للعبادة، العبادة الحقيقية التي علمنا إياها سيدي، العبادة وليس العادة.