19.4 C
Cairo
الأحد, نوفمبر 17, 2024
الرئيسيةتحقيقاتقراءة تاريخية في جذور المسيحية في غزة... وأوضاع المسيحيين هناك الآن

قراءة تاريخية في جذور المسيحية في غزة… وأوضاع المسيحيين هناك الآن

قراءة تاريخية في جذور المسيحية في غزة… وأوضاع المسيحيين هناك الآن

غزة تفقد 2% من مسيحيّيها… المعاناة تتفاقم… والكنائس تتوقّع نزوحًا جماعيًّا

تحليل: إيهاب قزمان

تعيش الأراضي المقدسة مرحلةً عصيبة تثير قلق العالم بأسره. وعلى وقع الاشتباكات المستمرّة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تنادي كنائس المسكونة بكافة طوائفها بوقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين الأبرياء. وفي حين تحوّلت كنائس قطاع غزة إلى ملاجئ للمسيحيين الهاربين من العنف، بدأت آثار الحرب القاسية تظهر في واقعهم ومستقبلهم.

وبدأت تظهر تطورات الحرب وتأثيرها على السكان، ولا سيما المسيحيين منهم. ويأتي ذلك في وقت تشهد المنطقة صراعًا عنوانه العنف والدمار لم يُعفِ المسيحيين، إذ نزح معظمهم إلى الكنائس والأديرة وسقط عدد منهم بعد استهداف كنيسة القديس برفيريوس، وهو ما أدى إلى نقص عدد المسيحيين في غزة بنسبة 2% تقريبًا، والذين يبلغ عددهم قرابة 800 شخص منذ بداية الأحداث الأخيرة.

وتقع مدينة غزة جنوب بلاد الشام على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وهي واحدة من أقدم مدن العالم وأهمّها في التاريخ بحكم موقعها الاستراتيجي وكذلك الجغرافي الذي جعل منها ممرًّا لطريق الحرير. أما الحضور المسيحي فيها فعمره 1800 سنة على الأقل.

تاريخ دخول المسيحية إلى غزة

يعود تاريخ دخول المسيحية إلى غزة للقرون الميلادية الأولى، ومن المحتمل أنّ الشماس فيليبس قد بشَّر بها في القرن الأول الميلادي. لكن المؤكد أن المسيحية كانت حاضرة في القرن الثالث، وبزخم أكبر في القرن الرابع. أما انتصارها على المعتقدات الدينية المحلية والرومانية فجاء في أواخر هذا القرن بفضل القرار المفصلي في التاريخ الإنساني المتمثل بإعلان الإمبراطور ثيودوسيوس الأول الديانة المسيحية دينًا رسميًّا للإمبراطورية الرومانية.

وعلى الرغم من أن كنيسة المدينة ليست أقدم ثالث كنيسة في العالم كما هو شائع، فهي تعد من أعرق الكنائس في العالم والأقدم في غزة، إذ بنيت في الربع الأول من القرن الخامس، وذلك بفضل الأسقف برفيريوس الذي أصبح لاحقًا قديسًا وشفيعًا للمدينة، لتحمل الكنيسة اسمه.

شيدت الكنيسة على الطراز البيزنطي بهيئة سفينة ترمز إلى طوق النجاة فوق معبد خشبي جرى حرقه. وتتميز بقبابها وأقواسها وأعمدتها الرخامية الكورنثية والتاجية، بالإضافة إلى وجود قبر برفيريوس، لكنه الآن فارغ بعد نقل جثمان القديس إلى مسقط رأسه في تسالونيكي، اليونان.

وبالنسبة للكنيسة اللاتينية، فقد وصل إلى غزة في العام 1869 (بالتزامن مع افتتاح قناة السويس وانفتاح الدولة العثمانية على الغرب الأوروبي) الأب جان موريتان ليبدأ بتأسيس رعية للاتين فيها بعدما أسّس رعيتَي بيت جالا وبيت ساحور. وبعد عشر سنوات، افتُتحت الرعية رسميًا على يد الكاهن النمساوي جورج جات، بعدما وصل إلى المدينة رفقة الكاهن الماروني نعمة الله ضومط. وقد بلغ عدد الكاثوليك في المدينة حينها 30 مؤمنًا، وأصبح 71 عام 1881.

اشترى الأب جات ثلاثة بيوت قديمة ليبني مكانها كنيسة، إلا أنّ الحرب العالمية الأولى وضعت حدًّا لأحلامه. لكن بعد حرب 1948 وقدوم كثيرين من المهجّرين الفلسطينيين إلى غزة ومنهم عدد لا بأس به من الكاثوليك، أصبح بناء الكنيسة أمرًا ملحًّا، فرأت الأخيرة الضوء عام 1965 على يد الأب حنا النمري.

أما بالنسبة للكنيسة البروتستانتية، فوجِدت في المدينة منذ القرن التاسع عشر بفضل البعثات التبشيرية الواصلة إليها من إنجلترا.

إجراءات حماس الإسلامية… واضطهاد المسيحيين القاطنين بها

هذا عن تاريخ المسيحية و بناء الكنائس في غزة ، أما عن أحوال المسيحيين هناك، فحدّث بلا حرج، حيث بدأت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ سيطرتها على القطاع في وضع إجراءات وسن قوانين وتطبيق تعليمات في مجملها تتجه إلى تبني الملامح الدينية وإظهار السلوك الإسلامية، ويتمثل ذلك باعتماد الزي والمظهر الإسلامي بما في ذلك إطلاق اللحى والتحجب والاحتشام في الملبس واستخدام اللغة والمفردات التي تتميز بها الأوساط الإسلامية من آيات قرآنية وتعابير التسبيح والتحميد، ومن الإجراءات التي قامت بها حماس في إطار تكريس الهوية الإسلامية في القطاع:

فرض الزي الشرعي والحجاب:

فرضت حماس الزي الشرعي والحجاب على النساء سواء في المدارس أو المحاكم، فقد فرضت حماس على طالبات المدارس ارتداء غطاء الرأس والملابس الفضفاضة، أما في المحاكم فإن مجلس القضاء الأعلى في القطاع ألزم المحاميات بالحضور إلى المحاكم وهن مرتديات الحجاب، كذلك قامت لجنة شكلتها وزارة الشؤون الدينية بإرسال رجال إلى الشواطئ لتعليم المصطافين عدم مس بعضهم بعضًا علنًا وتغطية أجسادهم. وأُخبرت عدد من المدرسات ومديرات المدارس الطالبات بضرورة ارتداء معاطف طويلة وحجاب بدلًا من الجيبات الجينز التي كُنّ يرتدينها في السنوات السابقة. غير أن كل تلك القواعد تم نقضها، فقد أمر الرئيس إسماعيل هنية رئيس المحكمة العليا عبد الرؤوف حلبي بإلغاء قراره الخاص بالمحاميات.

حظر احتفالات الكريسماس:

في 30 ديسمبر 2015، أعلنت الشرطة الفلسطينية في غزة عن حظر إقامة الاحتفالات بمناسبة رأس السنة الميلادية في القطاع الساحلي، وقال الناطق باسم الشرطة في غزة إنه تم إبلاغ أصحاب الفنادق والمطاعم بحظر إقامة احتفالات بمناسبة رأس السنة الميلادية. وعزا الناطق هذا القرار إلى أن الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية ينافي تعاليم الدين الإسلامي، وهو تقليد غربي بالدرجة الأولى لا نقبل وجوده في قطاع، واعتبر أن المصاعب والمعاناة التي يعانيها قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض عليه تتطلب احترام آلامه وتضحياته بعيدًا عن الاحتفال بأعياد غربية غريبة.

التأثير على السكان المسيحيين:

في عام 2007، كان حوالي 3,000 من سكان غزة من المسيحيين، من إجمالي عدد السكان البالغ 1.5 مليون نسمة. وفي عام 2011، كان عدد السكان المسيحيين في قطاع غزة أقل من 1,400. ومع ذلك حدث هجوم على صاحب مكتبة المعلم المسيحية لإزالة صليب خشبي كان يرتديه.

وضعت أسلمة غزة ضغوطًا متزايدة على الأقلية المسيحية الصغيرة. وفي أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة في عام 2007، أعلن أبو صقر، زعيم الجهادية السلفية، وهي جماعة منافسة لحماس، افتتاح «الجناح العسكري» لفرض الشريعة الإسلامية في غزة. وقال: «أتوقع أن يفهم جيراننا المسيحيون أن حكم حماس الجديد يعني تغييرات حقيقية. يجب أن يكونوا مستعدين للحكم الإسلامي إذا أرادوا العيش في سلام في غزة». وأكد الشيخ صقر أنه «لا حاجة» للمسيحيين في غزة للحفاظ على عدد كبير من المؤسسات في الإقليم، وطالب حماس «بالعمل على فرض حكم إسلامي أو أنها ستفقد السلطة التي تمتلكها وهي إرادة الشعب».

وفي عام 2012، نظم عشرات المسيحيين مظاهرة عامة نددوا فيها بتحويل مسيحيين قسرًا إلى الإسلام بعد أن تم احتجازهما ضد إرادتهما. أدى التحول إلى قلق من الأقلية المسيحية، حيث قالت هدى عماش، والدة أحد المتحولين، رامز: «إذا بقيت الأمور مثل هذا، سوف لن يبقى مسيحيين في غزة». وقال رئيس أساقفة غزة ألكسيوس إنه يجب إعادة المتحولين إلى عائلاتهم.

المواقف والتحركات الكنسيّة لضبط النفس

وفي آخر المواقف والتحركات الكنسية، اجتمع بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس مع رئيس أساقفة كانتربري ورأس الكنيسة الأنجليكانية جاستن ويلبي في القدس، ودعوا إلى ضبط النفس وتهدئة العنف وحماية المدنيين.

وقال المجتمعون في بيان: “نعلن موقفنا الواحد ونعبِّر بأقوى العبارات الممكنة عن إدانتنا للضربات الإسرائيلية التي استهدفت من دون سابق إنذار مجمع كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسية في غزة. وأدت هذه الانفجارات إلى الانهيار المفاجئ والكارثي لقاعتين في الكنيسة، كان ينام فيهما عشرات اللاجئين، بينهم نساء وأطفال. ووجد العشرات أنفسهم مصابين على الفور تحت الأنقاض وأصيب كثيرون منهم بجروح خطيرة.”

وأضافوا: “على الرغم من الدمار الذي لحق بمؤسساتنا وغيرها من المؤسسات الاجتماعية والدينية والإنسانية، فإننا، بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس لا نزال ملتزمين بشكل كامل بالوفاء بواجبنا المقدس والأخلاقي المتمثل في تقديم المساعدة والدعم والملجأ للمدنيين المتضررين الذين يأتون إلينا وهم في أمس الحاجة إلى خدماتنا. وحتى في ظل مواجهة المطالب العسكرية المستمرة بإخلاء مؤسساتنا الخيرية ودور العبادة، فإننا لن نتخلّى عن هذه المهمة النابعة من معتقدنا المسيحي، لأنه لا يوجد مكان آمن آخر يلجأ إليه هؤلاء الأبرياء.”

وشدد المجتمعون على أن “السيد المسيح يدعونا إلى خدمة الفئات الأكثر ضعفًا. ويجب علينا أن نفعل ذلك ليس فقط في أوقات السلام. يجب على الكنيسة أن تتصرف ككنيسة وبخاصة في أوقات الحرب، لأنّ المعاناة الإنسانية تكون في ذروتها. ومع ذلك، لا يمكننا إنجاز هذه المهمة بمفردنا. لذلك، ندعو المجتمع الدولي إلى فرض تدابير حماية فورية لأماكن اللجوء في غزة، مثل المستشفيات والمدارس ودور العبادة.”

وختم البيان: “ندعو جميع الأطراف إلى وقف العنف والتوقف عن استهداف المدنيين بشكل عشوائي، والعمل ضمن القواعد الدولية للحرب. ونعتقد أنه بهذه الطريقة فقط يمكن وضع أسس لإطار النشاط الدبلوماسي للتعامل مع المظالم التاريخية، حتى يُفتَح المجال لتحقيق سلام عادل ودائم في جميع أنحاء أرضنا المقدسة الحبيبة، سواء في عصرنا هذا أم للأجيال المقبلة.”

الأراضي المقدسة مسرحًا لتصفية حسابات دولية

للأسف أصبحت الأراضي المقدسة مسرحًا لتصفية حسابات دولية في ظل الصراع العالمي القائم. ولكن هناك فرصة للعثور على الخير وسط هذا الشر، لأنّ الضغط الدولي يجب أن يقود إلى حل دائم يضمن العدالة والحقوق للفلسطينيين والإسرائيليين.

أمّا بالنسبة لتأثير الحرب على المسيحيين في المنطقة، فالمسيحيون في غزة والضفة هم جزء لا يتجزأ من المجتمع الفلسطيني ويشاركون في مختلف جوانب الحياة. والهجوم على كنيستهم لا يمكن فصله عن الهجمات على المساجد والمستشفيات والبيوت الآمنة، فهناك خصوصية للمسيحيين بسبب عددهم القليل نسبيًّا ومكانتهم الدينية.

وعن تفاقم معاناة المسيحيين في ظلّ الانقطاع المتكرر للاتصالات والإنترنت في غزة، قال القس إبراهيم فلتس، أحد كهنة القدس للكنيسة الكاثوليكية، في تصريح لإحدى الفضائيات: “نحن على تواصل معهم. فبعد الهجوم على كنيسة القديس برفيريوس، وسقوط عدد كبير من الضحايا، التجأ الناجون في مسلسل النزوح واللجوء الملازمَين للشعب الفلسطيني، إلى كنيسة اللاتين المجاورة حيث هناك الآن ما يقارب 700 شخص”. وأضاف: “المسيحيون يعانون شدة القصف ويتوقعون الشهادة في كل لحظة، لا ماء سوى ما تبقى في الآبار ولا طعام سوى المتبقي، ولا دواء.”

وعلى صعيد الآثار المادية والمعنوية لهذه الحرب على المسيحيين، رأى فلتس أنهم سيتأثرون كثيرًا، إذ تعتمد أنشطتهم الاقتصادية بشكل كبير على السياحة والأعمال الكنسية. وتابع: “المسيحيون عمومًا أول مَنْ يتأثر ماديًّا ومعنويًّا، وآخر مَنْ يتعافى ماديًّا». وأردف قائلًا: “نتوقع هجرة المسيحيين ونزوحهم من غزة نتيجة الاعتداءات التي لحقت بهم، والتي شكلت جزءًا أساسيًّا في تدهور الوضع الحالي.”

من جهة أخرى، استذكر بطريرك القدس للاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا في رسالة مصورة ضحايا الكنيسة قائلًا: “الآن لدينا 18 أخًا وأختًا في السماء يصلّون من أجلكم ويتشفعون لكم، هم قوتنا. لا تفقدوا همتكم ورجاءكم، الله معكم، نحن معكم، كونوا أقوياء.” وقد أعرب بيتسابالا عن أمله بزيارة مسيحيي غزة للصلاة معًا وتبادل الخبرات، موصيًا إياهم -بناءً على قول المسيح- بألا يخافوا من الذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون قتل النفس.”

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا