عـادل عطيـة
أنا إنسان. والإنسان هو المخلوق الحر الذي يتخذ من حريته فرصة ليشرد بعيدًا عن طاعة الله، فيضل وسط أشواك الخطيئة، مثله مثل خروف يضل عن بقية القطيع بين الجبال والقفار في برية بلا ماء، ويغيب عن نظر الراعي.
كان مساء. أخذني إبليس على جناح الشرود، وراح يريني متع ومباهج الحياة. انسقتُ إليه، وتبعته في كل دروبه. كان يملأ كأس خمره المسحور مترعة ويسقيني، وعندما نامت يقظتي تمامًا، انتزع مني آخر قوة في دروعي: صلاتي، وصيامي، وخدمتي، وتوبتي، ومن ثَمَّ انقض عليَّ كعقاب كاسر يمتص آخر قطرة من إيماني، وينثر في ربا قلبي أشواك الشر، ويطفئ في ضميري النور، حتى اختلط عليَّ الخير بالشر، حينئذ استشرى الزوان في حياتي كلها.
وبعد قليل، جاءني بعلزبول بمرآته المسحورة، وأراني أنياب خطاياي المرعبة، فبدا الكمال لي سرابًا. تهتُ في برية اليأس، ولم أجد غير اجترار مرارة العذاب، بينما هو يختال وفي عينيه نشوة الانتصار.
حملني أصدقائي بصلواتهم الحارة وتضرعاتهم أمام عرش النعمة، كنتُ أحس بقوة تنساب إلى قلبي، وضميري يتململ في فراشي، وروحي تنتفض في كياني.
على قبر آثامي وشروري أسمع يسوع، يصرخ فيَّ بصوت عظيم: “يا بني، لك أقول: قم”.
كانت أربطة الخطيئة لا تزال تقيِّدني، وكلما أحاول النهوض أسقط ثانية، فيصهرني العجز، وأصرخ من اليأس: يا إلهي، لقد مللتُ السقوط، وعافت نفسي رائحة عفن الأنانية المنتنة فيّ، إنني أود أن أدخل القداسة، وتشرق عليَّ شمس برِّها؛ فتطهر أدران نفسي، وتستضئ بنور حبيبها، الذي ابتل رأسه من الطل، وقصصه من ندى الليل.
أذهب إلى أحد الآباء فيقول لي: “يا بني، إننا جميعًا في فترة جهاد على الأرض، وطالما نحن في جهاد فنحن معرضون للسقوط، وليس إنسان معصومًا عن الخطأ والأخطاء، فكثيرًا ما يقابل الإنسان في حياته الروحية بعض العقبات والمعطلات في الطريق، وكثيرًا ما يقابل حروبًا من الشياطين أو حسدهم، فلا تسير حياته على وتيرة واحدة، وإنما يقوم ويسقط، ينجح ويفشل، ويحس بالتعب من سقوطه، ومن تكرار الاعتراف بالخطايا، وقد يضطرب ويقلق وييأس ويظن أنه لا خلاص. إنها هجمات من الشيطان، يريد أن يتعب بها الإنسان أنها حروب من الشيطان وليس من الله. فإن وجدنا إنسانًا في عمق الحرب، فلا بد أن الله سيضمه بعد حين، وإن وجدنا إنسانًا مضطربًا فلا بد أن الله سيعطيه سلامًا. إن الخطيئة دخيلة علينا وليست من طبعنا ولا من طبيعتنا، فنحن صورة الله ومثاله. نحن هيكل الروح القدس وأبناء وورثة مع المسيح فلا بد أن يخلصنا ويعمل بنعمته فينا مهما عشنا في الخطيئة.”
كلمات حية، تخاطب روحي، وتسمو بها نحو العلاء، حاسرة عني ثوب البشرية المدنس بالخطايا، لتطهرني حتى أتقبل كلمة الله.
انطلقتُ من دائرة الشر، دائرة الموت الأبدي في سكيب من دموع وندم. ركعتُ أصلي في أمل: “ربي.. إن إيماني كالقصبة المرضوضة، التي لم تشأ محبتك أن تقصفها، وكالفتيلة المدخنة، التي لم يشأ حنوك أن يطفئها؛ فاقبلني إليك كما أنا بضعفي، وقوتي!”