24.4 C
Cairo
الأحد, نوفمبر 17, 2024
الرئيسيةتحقيقاتزلزال سياسي في الاتحاد الأوروبي.. أحزاب أقصى اليمين تكتسح انتخابات البرلمان الأوروبي

زلزال سياسي في الاتحاد الأوروبي.. أحزاب أقصى اليمين تكتسح انتخابات البرلمان الأوروبي

زلزال سياسي في الاتحاد الأوروبي.. أحزاب أقصى اليمين تكتسح انتخابات البرلمان الأوروبي
اليمينيون: المهاجرين المتشددين الذين يهربون من دولهم الدينية يسعون لفرض شرائعهم في أوروبا

تحقيق: إيهاب أدونيا

شهدت الانتخابات الأوروبية صعود تيار اليمين في عدد من الدول، محدثة زلزالًا سياسيًا في فرنسا، لكن من دون الإخلال بالتوازن السياسي في بروكسل. وحقق اليمين تقدمًا جليًا، مع تصدر التجمع الوطني نتائج الانتخابات الأوروبية في فرنسا وحزب الحرية في النمسا، فيما حل “البديل من أجل ألمانيا” في المرتبة الثانية متقدمًا على الاشتراكيين الديمقراطيين بزعامة المستشار “أولاف شولتس”.

وقد أثار صعود أحزاب أقصى اليمين في أوروبا، وبخاصة في فرنسا وإيطاليا، قلقًا في أوساط المهاجرين المقيمين في هذه البلدان أو الراغبين من دول أفريقية في استخدام إحدى الوسائل غير النظامية للوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط، لكن ما قد يضع خطط المتشددين الأوروبيين الجدد أمام اختبار معقد هو تحول موطن تدفقات اللاجئين من الصحراء الكبرى والساحل إلى موطئ قدم لروسيا، والتي تقف وراء طرد الفرنسيين من دول إفريقية، والدور قادم على الأمريكيين، حيث صارت تبتز الغرب بملف الهجرة.

واكتسحت أحزاب أقصى اليمين انتخابات البرلمان الأوروبي، فاستحوذت على المركز الأول في فرنسا وإيطاليا والنمسا وحلت ثانية في ألمانيا وهولندا، مخلفة حالة من عدم اليقين في شأن مستقبل الاتجاه السياسي للقارة العجوز، من أجل تمرير التشريعات واتخاذ القرارات بسهولة.

سمات رئيسية للأحزاب اليمينية

ثمَّة سمات رئيسية تشترك فيها جميع الأحزاب اليمينية في أوروبا؛ وهي: رفض المساواة، والنزعة القومية (Nativism) في مواجهة العولمة النيو ليبرالية، ومعاداة المهاجرين، والتشكيك في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الدفاع عن القيم التقليدية المحافظة، والإسلاموفومبيا، وإيلاء قضية الأمن القومي وحماية الهوية الثقافية والمصلحة الوطنية من خطر الأجانب والأقليات أولوية كبرى، فضلًا عن النزعة الشعبوية، والنهج السلطوي ومعارضة الديمقراطية التمثيلية. وقد عكس شعار “جيورجيا ميلوني” (الرب، الوطن، الأسرة) هذه المبادئ، بالإضافة إلى وعودها بشأن مناهضة الهجرة، وزيادة معدل المواليد، وتعزيز «الهوية المسيحية لأوروبا».

اليمين يتصدر المقدمة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا وبولندا

جرت الانتخابات التي دُعي إليها أكثر من 360 مليون ناخب لاختيار 720 عضوًا في البرلمان الأوروبي، في مناخ مثقل بالوضع الاقتصادي القاتم والحرب في أوكرانيا، وفيما يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات إستراتيجية من الصين والولايات المتحدة.

في فرنسا، تصدر حزب “التجمع الوطني” بقيادة “جوردان بارديلا” النتائج بنسبة تزيد على 31,5% من الأصوات، متقدمًا بفارق كبير على حزب “النهضة” الذي يتزعمه الرئيس ماكرون 15,2 %، بحسب تقديرات معاهد الاستطلاع. وبذلك سيحصل حزب الجبهة الوطنية على 31 من أصل 81 مقعدًا فرنسيًا في البرلمان الأوروبي.

وفي ألمانيا، رغم الفضائح الأخيرة التي طالت رئيس قائمته، احتل حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المركز الثاني بنسبة 16 إلى 16,5% من الأصوات، خلف “الاتحاد المسيحي المحافظ” 29,5 إلى 30%، لكنه تقدم بفارق كبير على حزبي الائتلاف الحاكم، و”الاشتراكيين الديمقراطيين” 14% و”الخضر” 12%.

وفي إيطاليا، تصدَّر حزب “إخوة إيطاليا” اليميني الذي تتزعمه رئيسة الوزراء الإيطالية “جيورجيا ميلوني” النتائج بنسبة 25 إلى 31% من الأصوات، وفق استطلاعات رأي مختلفة.

وأيضًا في النمسا، حصل حزب “الحرية” اليميني على 27 % من الأصوات، وعزز الهولنديون الذين كانوا أول مَنْ أدلوا بأصواتهم موقف حزب “خِيرت فيلدرز” اليميني.

 وفي إسبانيا، أظهرت النتائج الرسمية حصول “الحزب الشعبي اليميني”، التشكيل الرئيسي للمعارضة الإسبانية، على 22 مقعدًا في البرلمان الأوروبي مقابل 20 للاشتراكيين بزعامة رئيس الوزراء “بيدرو سانشيز”، وحقق حزب “فوكس” اليميني تقدمًا بحصوله على 6 مقاعد.

أما في بولندا، فقد تقدم “الحزب الوسطي” المؤيد لأوروبا بزعامة رئيس الوزراء “دونالد توسك” على حزب “القانون والعدالة” القومي الشعبوي، لكن الأخير حافظ على قسم هام من الأصوات، كما أن اليمين المتمثل في حزب “كونفيديراجا” لن يحصل على أقل من 6 مقاعد في البرلمان الأوروبي.

واحتفلت رئيسة المفوضية “أورسولا فون دير لاين” في بروكسل بفوز حزبها “الشعب الأوروبي” في انتخابات البرلمان الأوروبي، لكن اليمين منقسم في البرلمان الأوروبي إلى كتلتين لا يزال تقاربهما غير مؤكد بسبب خلافات كبيرة بينهما، خاصةً فيما يتعلق بروسيا.

ويتبنى أعضاء البرلمان الأوروبي تشريعات بالتنسيق مع الدول الأعضاء، ويمكن لليمين أن يجعل صوته مسموعًا في القضايا الحاسمة: الدفاع ضد روسيا التوسعية، والسياسة الزراعية، والهجرة، والهدف المناخي لعام 2040، ومواصلة التدابير البيئية التي يرفضونها بشدة.

ووفق التقديرات التي نشرها البرلمان الأوروبي، فإن حزب “الشعب الأوروبي” سيحصل على 181 مقعدًا، و”الديمقراطيين الاشتراكيين” 135 مقعدًا، وكتلة “تجديد أوروبا” 82 مقعدًا، أي 398 من إجمالي 720 مقعدًا. ومن المتوقع أن ينخفض عدد مقاعد “الخضر” إلى 53 مقعدًا (مقارنةً بأكثر من 70 حاليًا).

البرلمان الأوروبي صانع القوانين في الاتحاد الأوروبي

يُعد البرلمان الأوروبي جزءًا من العملية التشريعية أو عملية صنع القانون في الاتحاد الأوروبي، وتقع مقراته في بروكسل ولوكسمبورج وستراسبورج. وحول آلية صنع القرار، يجب أن تتم الموافقة على معظم القوانين المقترحة من قِبل البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي لتصبح قانونًا. ويضم البرلمان 705 مقاعد، وتُجرى الانتخابات لشغل هذه المقاعد في جميع الدول الأعضاء كل 5 سنوات. والبرلمان الأوروبي هو الهيئة الوحيدة المنتخبة مباشرةً داخل الاتحاد الأوروبي. وقد ارتفع عدد أعضاء البرلمان الأوروبي في أيرلندا في البرلمان الأوروبي إلى 14 في الانتخابات الأوروبية الأخيرة ليزيد العدد الإجمالي لأعضاء البرلمان الأوروبي في البرلمان الأوروبي من 705 إلى 720.

وينتخب البرلمان رئيسه إلى جانب 14 نائبًا للرئيس. ويمثل رئيس البرلمان لدى مؤسسات الاتحاد الأوروبي الأخرى. ويعتمد عدد أعضاء البرلمان الأوروبي لكل دولة عضو بشكل فضفاض على عدد سكان الدولة العضو. ولا يمكن لأي دولة أن يكون لديها أقل من 6 أعضاء أو أكثر من 96 عضوًا في البرلمان الأوروبي. وينضم أعضاء البرلمان الأوروبي إلى المجموعات، أو يمكنهم الجلوس كأعضاء مستقلين في البرلمان الأوروبي. ولكي يتم الاعتراف بأي مجموعة، يجب أن تضم ما لا يقل عن 25 عضوًا في البرلمان الأوروبي يمثلون ربع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على الأقل.

ويُعتبر البرلمان الأوروبي المؤسسة الوحيدة المنتخبة بشكل مباشر في الاتحاد الأوروبي، وتُجرى الانتخابات كل خمس سنوات. وقد جرت أول انتخابات برلمانية أوروبية مباشرة في يونيو 1979، وجرت الانتخابات الأوروبية الأخيرة في يونيو 2024 المنصرم.

وتعتمد انتخابات البرلمان الأوروبي على نظام التمثيل النسبي، حيث يتم تخصيص عدد معين من المقاعد لكل دولة عضو بحسب عدد سكانها. وتختلف طريقة تصويت كل دولة عن الأخرى، حيث تصوت بعض الدول على قوائم ثابتة لأحزاب سياسية معينة، في حين تعتمد دول أخرى على قوائم أكثر انفتاحًا من الأحزاب الاعتيادية. ويتمتع أكبر تجمع سياسي بعد الانتخابات بأقوى تفويض ليتولى رئاسة البرلمان، ويجلس أعضاء البرلمان بعد انتخابهم في مجموعات وفقًا للأيديولوجيا السياسية.

تداعيات خطيرة لصعود تيار اليمين على السياسات الدولية والشرق الأوسط وعلى رأسها الهجرة

ملف الهجرة

فيما يتعلق بالهجرة، يُتوقع أن يتم وضع إجراءات لتقييدها أكثر، حيث يُعد التصدي للهجرة الكثيفة ملفًا أساسيًا في برامج الأحزاب اليمينية.

وتصدَّر الخوف من تأثير الهجرة على الهوية وفرص العمل ومستوى المعيشة خطاب الأحزاب اليمينية في كل من إيطاليا وفرنسا وهولندا والمجر وغيرها، وقاد هذا بالفعل أحزابًا منها إلى الحكم، منها حزب “إخوة إيطاليا” عام 2022، وحزب “الحرية” في النمسا في انتخابات 2021، وحزب “الحرية” في هولندا في انتخابات 2023.

وبرغم إيلاء روما وباريس أهمية بالغة لملف الهجرة حتى قبل صعود أقصى اليمين، فقد سبق هذا نقاش سياسي محتدم بالاتحاد الأوروبي، أعقبه اعتماد ميثاق جديد للهجرة غير النظامية في الـ14 من مايو الماضي، اعتبره المجلس الأوروبي في بيان إنجازًا تاريخيًا.

ويتضمن الميثاق، حسب موقع المجلس الأوروبي، مجموعة صارمة من الإجراءات التي تهدف بصورة رئيسة إلى خفض أعداد الوافدين وتشديد شروط دخول دول الاتحاد ونقل معظم إجراءات اللجوء إلى الحدود الخارجية والتسريع بإعادة اللاجئين المرفوضين، إضافةً إلى تقاسم أعباء عمليات استقبال اللاجئين بين الدول الأعضاء.

ويرى الخبراء أن صعود اليمين في فرنسا يشكل تهديدًا كبيرًا للمهاجرين في فرنسا، وبمجرد إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون حلّه للبرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة في البلاد، أعلن رئيس حزب التجمع الوطني “جوردان بارديلا” أنه مستعد لتولي منصب رئيس الوزراء في حالة فوز حزبه بالأغلبية.

و”جوردان بارديلا” هو سياسي فرنسي عمره 28 سنة، انخرط في “الحزب الوطني” (الذي أصبح يُسمى الآن “التجمع الوطني”) سنة 2012 في عمر الـ17 سنة فقط، حيث عمل كمساعد ممثل لحزب “التجمع الوطني” في البرلمان الفرنسي سنة 2015، ثم أصبح ناطقًا رسميًا باسم الحزب في 2017-2019.

قاد “بارديلا” قائمة نفس الحزب في الانتخابات الأوروبية سنة 2019، وفاز بـ23 من أصل 79 مقعد، حيث انتخبه 5 مليون فرنسي، بنسبة 23%، وهو بعمر 23 سنة فقط، وانتُخب رئيسًا لحزب للتجمع الوطني الذي يُعتبر من اليمين سنة 2022 وهو بعمر 26 سنة.

وأصول “بارديلا”، الذي يراه الخبراء على أبواب السلطة في فرنسا بعد الانتخابات التشريعية، ايطالية جزائرية، حيث إن جدّته من والده جزائرية الجنسية، غادرت الجزائر سنة 1930 رفقة والدها “محمد صغير مادا” الذي عمل بنَّاء في مدينة ليون الفرنسية، قبل الانتقال إلى “سان سانت دوني” في العاصمة باريس

ومن النقاط الأساسية لبرنامج حزب اليمين الفرنسي طرد المهاجرين ومحاربة كل أشكال الهجرة غير الشرعية إلى فرنسا، كما أنه يرفض كل مظاهر التدين في الشوارع الفرنسية، حيث أكدت زعيمة الحزب، “مارين لوبان”، أنها ستفرض عقوبات مالية على النساء المسلمات المحجبات في حالة رئاستها البلاد.

كذلك فقد أكدت أنها ستطرد كل المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى فرنسا عبر القوارب مباشرةً بعد وصولهم إلى المياه الإقليمية، كما قال “بارديلا” في تصريح سابق بأنه بمجرد وصوله إلى السلطة سيلغي كل المساعدات التي تقدمها البلاد للعائلات الأجنبية التي يكون أحد أبنائها متورطًا في قضايا السرقة أو الإجرام.

كما أكد “بارديلا” أنه سيلغي قانونًا ينص على أن الأطفال المولودين في فرنسا وآباؤهم أجانب يتحصلون على الجنسية. وأنه سيسهل كل الإجراءات التي تطرد المهاجرين المتورطين في قضايا إجرام إلى بلدانهم.

حرب أوكرانيا

بعض تيارات اليمين الصاعدة في الانتخابات الأوروبية “قريبة من موسكو”، وهو ما يترتب عليه احتمال أن “تظهر طريقة تفكير أوروبية جديدة ومغايرة عما سبق” في إدارة الحرب وتحديد مستقبلها.

وقد فاقمت حرب أوكرانيا التي اندلعت في فبراير 2022 من الأزمات الاقتصادية في أوروبا، وخرجت مظاهرات تطالب بالحد من المساعدات الضخمة التي تخرج من خزائن البلاد إلى أوكرانيا.

إلا أن تقارير أوروبية تشير إلى أن اليمين المتشدد منقسم في البرلمان الأوروبي إلى كتلتين بشأن الموقف من روسيا.

ويُعد رئيس وزراء المجر “فيكتور أوربان” من أكثر السياسيين اليمينيين جرأة في الإعلان عن عدم رضاه عن الحرب وعن فرض عقوبات على روسيا.

كذلك، فإن زعيم حزب الحرية النمساوي “هربرت كيكل” أكد أمام مناصريه بعد إعلان تقدم الحزب في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، على “حياد” فيينا، منتقدًا الدعم المقدم لأوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو.

في المقابل، فإن حزب “إخوة إيطاليا” الذي حقق تقدمًا أيضًا في انتخابات البرلمان الأوروبي صرحت زعيمته رئيسة الوزراء “جورجيا ميلوني” بتأييدها للحرب على روسيا.

تحول الطاقة

تسببت حرب أوكرانيا في أكبر أزمة طاقة تشهدها أوروبا في هذا القرن، حيث رافقتها قرارات من الاتحاد الأوروبي بالاستغناء التدريجي عن الغاز والنفط الروسيين، مما تسبب في قفزة ضخمة بالأسعار.

وترتب على ذلك اتخاذ بعض الدول، على رأسها ألمانيا، إجراءات لإحياء وتعزيز استخدام المفاعلات النووية، وهو ما أيدته فرنسا.

كما اتجه الاتحاد الأوروبي لتعزيز اللجوء للطاقة المتجددة وغيرها، مثل الهيدروجين والميثان الحيوي.

ويُرجح أن تتراجع برامج تحول الطاقة مع صعود الأحزاب اليمينية التي ترفض كثير منها للعقوبات المفروضة على روسيا، بما تشمله من وقف استيراد الغاز والنفط منها.

ويتبنى أعضاء البرلمان الأوروبي تشريعات بالتنسيق مع الدول الأعضاء، ويمكن لليمين أن يجعل صوته مسموعًا في القضايا الحاسمة: الدفاع ضد روسيا التوسعية، والسياسة الزراعية، والهجرة، والهدف المناخي لعام 2040، ومواصلة التدابير البيئية التي يرفضونها بشدة.

تبقى الغالبية مشكَّلة من أحزاب “الائتلاف الكبير” الوسطي الذي يضم اليمين (حزب الشعب الأوروبي)، و”الاشتراكيين الديمقراطيين”، و”الليبراليين” (التجديد)، وهو ما تحصل عادةً في إطاره التسويات في البرلمان الأوروبي.

هل يؤثر صعود اليمين في أوروبا على فرص فوز “ترامب” بالرئاسة؟

تشارك العديد من أحزاب اليمين الأوروبية الرئيس الأميركي السابق “دونالد ترامب” شعبويته القومية، والمتمثلة في عدائه للمهاجرين، وسياسته الاقتصادية المتزمتة، وازدرائه للنخب والمؤسسات العالمية، بحسب تقرير نشرته شبكة «سي إن إن» الأميركية.

ففي يونيو 2016، صوتت بريطانيا لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي في «ثورة شعبوية» يقول محللون إنها أسهمت في فوز “ترامب” بأصوات الناخبين بالخارج وفي الانتخابات الرئاسية عمومًا بعد بضعة أشهر.

لكن الصحافي والمحلل السياسي في «سي إن إن» “ستيفان كولينسون” يرى أن فوز “ترامب” كان يتعلق بأوجه القصور التي تعيب حملة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أكثر من ارتباطه بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأوضح قائلًا: «نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة تعكس الغضب الشعبي إزاء ما يُنظر إليه على أنه هجرة خارجة عن السيطرة، وألم الناخبين الذين يواجهون الأسعار المرتفعة، والتكلفة التي يتحملها الأفراد في مكافحة تغير المناخ. ويتطرق ترامب إلى هذه المواضيع بقوة في الولايات الحاسمة التي ستقرر السباق إلى البيت الأبيض».

وكل هذه الأمور قد تزيد من عدد الناخبين الساخطين على النظام الحالي وتدفع إلى فوز “ترامب” بالانتخابات.

مخاوف جماعة الإخوان المسلمين في ظل صعود اليمين المتطرف في أوروبا

ثمة تحديات وجودية، وعقبات تواجهها جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا بعد صعود اليمين المتطرف في بعض الدول الأوربية، قد تؤدى إلى انحسارها، وتجفيف منابع تمويل مؤسساتها في تلك الدولة، خاصة وأن تيار اليمين المتطرف، المعادي لها، أصبح فاعلًا سياسيًا واجتماعيًا مؤثرًا في الداخل الأوروبي. فقد أكدت نتائج الانتخابات البرلمانية والأوروبية الأخيرة، حقيقة تجذّر هذا التيار في عديد الدول الأوروبية (فرنسا، ايطاليا، بلغاريا، المجر وهولندا). كما أن ترويج أحزاب اليمين المتطرف لفكرهم المناهض للإسلام، لجذب أنصار في الداخل الفرنسي، ومطالبتهم بحظر المنظمات الإسلامية، سيكون له تأثيرات محتملة على تواجد جماعة الإخوان، وحواضنها الاجتماعية، فقد دعت مارين لوبين، زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني في فرنسا، بعد تفجيرات نوفمبر 2015، إلى حظر المنظمات الإسلامية، وغلق المساجد المتشددة، وطرد الأجانب الذين يدعون للكراهية.

ويمكن رصد أربعة أنماط محتملة لتهديد اليمين المتطرف لجماعة الإخوان في فرنسا:

1- تعزيز العلاقات مع اليمين المتطرف في مختلف دول أوروبا لمحاصرة جماعة الإخوان: كانت بداية المحُاصرة الجماعية من أحزاب اليمين الأوروبي لجماعة الإخوان في مارس 2017، حيث عقد قادة اليمين في أوروبا مؤتمرًا في ألمانيا لإقامة جبهة موحدة.

2- تهديد القدرات المالية للجماعة ومراقبة مصادرها تمويلها: تمكن اليمين المتطرف في فرنسا من دفع الحكومة الفرنسية لمحاصرة جماعة الإخوان ماديًا، ومراقبة مصادر تمويلها من خلال إصدار تشريعات لإدارة التدفقات المالية لها .ب

3- دعم منظمات وجماعات داخلية ووسائل إعلام متنوعة لصد الجماعة: يقوم اليمين الفرنسى بتأجيج وسائل الإعلام ضد جماعة الإخوان، والدعوة إلى مراقبة عمل منظماتها، وسلوكيات أعضائها، خاصة وأنها أصبحت أكثر تغلغلًا داخل المجتمع الفرنسي، بين شباب الجامعات وطلاب المدارس.

4- تطييف حالة الإسلام السياسي في فرنسا وتكريس الاستقطاب داخل جماعة الإخوان: يمكن القول أن الانقسام والتعدد بين أطياف الإسلام السياسي في فرنسا، وكذلك الصراعات بين تلك الأطياف تشكل بيئة حية يمكن أن يلجأ إليها تيار اليمين المتطرف في فرنسا لتهديد وجود جماعة الإخوان المسلمين.

وقد حدثت انشقاقات بين الجاليات المسلمة في فرنسا خلال عام 2017، نتيجة اختلاف وجهات النظر بينهم حول موقفهم من الدولة الفرنسية.

الإسلاموفوبيا من أهم الأسباب

لا بد أن نعترف بأن المسلمين ساهموا بتصدير الإسلاموفوبيا عبر تصرفاتهم التدينية الشكلية التي فرضوها على المجتمع الأوروبي مستغلين حرية التعبير والاعتقاد مما أساء إلى الوضع والنظرة إلى المهاجرين بشكل عام والمهاجرين الإسلامويين بشكل خاص وكأنهم لا يتدينون من أجل الله وعبادته ولكن من أجل هداية غير المسلمين من المواطنين الأصليين – من وجهة نظرهم – محاولين نشر صور القبح بمختلف المجالات وفرضها على الآخر مستغلين القوانين الأوروبية التي تتيح حرية التعبير الاعتقاد بشكل فج وباستغلال سيء يسيء إلى صورتهم أولًا، وهو ما ضيَّق الخناق على المواطنين الأصليين وجعلهم بعدما اندفعوا في أحضان اليسار في الانتخابات السابقة ووجدوا تلك النتيجة يتركونهم ويندفعون في أحضان اليمين تلك المرة حتى يتخلصوا من بالوعة التدين الشكلي المحتل لبلادهم وشوارعهم.

فاستغل اليمين هذه الحماقات من البعض هناك في الصعود، وهو ما جعل سياسيًا مهمًا في هولندا مثل “خيرت فيلدرز” يطالب بشكل واضح بإغلاق الحدود في وجه المهاجرين المسلمين.

وكان “خيرت فيلدرز” قد قدم عام 2018 مشروع قانون لإغلاق المساجد في البلد، وكذلك جعل حزبًا مثل حزب “البديل” الألماني يصرّح بوضوح بأن «الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا» بل و«يتنافى مع الدستور»، وأن «البلاد مهددة بالأسلمة»، ويجعل “ماتيو سالفينى”، زعيم حزب “ليغا” الإيطالي يقول إن المهاجرين المسلمين ينشرون «معاداة السامية» في بلاده، داعيًا إلى التحرك لمواجهة ما سمّاها «خلافة إسلامية» في القارة.

يؤكد البروفيسور “كاى حافظ”، أستاذ أبحاث الإعلام في جامعة إرفوت، أن هذه الأحزاب تريد إغلاق أوروبا ومنع الهجرة إليها، وأنها «عدوة للمجتمع المتعدد الثقافات»، ويؤكد “كاى حافظ” أن صعود الشعبويين اليمينيين والمتطرفين سيشكل خطرًا على المسلمين، وأن هذه الأحزاب والحركات ترى في الإسلام عدوًا رئيسيًا لها، وتوقع تقييدًا أكبر للهجرة من الدول الإسلامية وللحريات الدينية كنتيجة لفوزها.

وتؤكد “إيزابيل شوبن”، مديرة «مجموعة سياسات الهجرة»، وهي منظمة مستقلة مقرها بروكسل، أن دول الاتحاد الأوروبي شهدت زيادة في مشاعر كراهية الأجانب في السنوات الأخيرة، وترافق ذلك مع صعود الأحزاب اليمينية، وتعتبر “شوبن” أن ما تقدمه استطلاعات الرأي من توقعات مقلقة بصعود المتطرفين إلى البرلمان الأوروبي من شأنه التأثير على التوازن السياسي في تشكيلته الجديدة، وقد تجعل من الصعب عليه تعزيز سياسات الإدماج واحترام حقوق الإنسان.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا