جلوريا حنا
نحتفل هذا الشهر بأسبوع القيامة بما يتضمنه من أعياد كثيرة. من الملفت للنظر أن أحد القيامة دائمًا يتبعه شم النسيم، على الرغم من أن شم النسيم لا علاقة له بالقيامة؛ فهو في الأساس من أقدم الأعياد الموجودة منذ عهد الفراعنة، أي قبل حتى مجيء السيد المسيح، لكنه يتبع أحد القيامة دائمًا مهما اختلف ميعاد عيد القيامة من سنة لأخرى. شم النسيم هو في الواقع عيد يعبِّر عن الحصاد أو بداية حياة جديدة، فقد كان يتم مع بداية موسم الحصاد عند المصريين القدماء، وهناك نظريات تشير إلى أن شم النسيم له دلالة دينية مهمة بالنسبة للفراعنة. إذًا ما الذي جعله مقترنًا جدًا بعيد القيامة؟
قمتُ ببعض البحث ووجدتُ أن المسيحيين الأوائل واجهوا صعوبة في الاحتفال بشم النسيم إذ أتى في فترة الصوم، لذلك قرروا تأجيل ميعاده ليصبح بعد العيد مباشرة، وهناك بعض الآراء الأخرى التي أشارت أن هناك ربطًا بين طقوس شم النسيم وبين المفاهيم الروحية التابعة للمسيحية، مثل ربط البيضة بقيامة السيد المسيح، ولذلك أصبح لزمًا أن يأتي شم النسيم بعد عيد القيامة مباشرة.
أرى من ناحيتي أن هناك ارتباطًا آخر بينهما؛ فشم النسيم عند المصريين قديمًا يدل على بداية مرحلة جديدة، حياة جديدة ممتلئة بالثمر المستعد للقطف، فهو يبدأ في موسم الحصاد، مما يدل على الخير الذي يأتي به، كما يرتبط أيضًا ببعض قصص الخلق. وهذا لا يختلف كثيرًا عما فعلته قيامة السيد المسيح معنا، فبقيامة المسيح من الموت، صار كل مَنْ يؤمن به خليقة جديدة إذ أقامنا معه، وهذه الخليقة إذا تمسكت بخالقها، تكون مستعدة لأن تثمر ثمرًا جيدًا.
عزيزي.. لقد تحدث الرسول بولس كثيرًا في رسائله عن الطبيعة الجديدة التي يجب على المؤمنين أن يتمتعوا بها، وستجد في نهاية الفقرة السابقة أنني ذكرتُ تمسك الخليقة الجديدة بخالقها كشرط للإثمار؛ فمن المستحيل أن تصبح لنا هذه الطبيعة الجديدة دون أن نؤمن بالمسيح وبفدائه لنا، ودون أن نتمسك بكلمته بعد إيماننا. يحثنا المسيح على قبول فدائه لنا لننال الطبيعة الجديدة التي كثيرًا ما ذكرها بولس، وبها نصبح مُخَلَّصين. ويذكر لنا يوحنا انتظار المسيح لنا: «هأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي» (رؤيا 3: 20). قد ينتهي العيد في يوم واحد، لكن عمل السيد المسيح مستمر للأبد، وهو ما زال ينتظر. وكمؤمنين، علينا دائمًا أن نشعر بالامتنان لأجل عمله، ونتمسك به كي نثمر «يأتي بثمر فيصنع بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين» (متى 13: 23).
عيد قيامة مجيد.