حصاد معرض القاهرة الكتاب.. استمرار سيطرة التيار السلفي التي بدأت من عام 2017
مصادرة كتاب «كاملات عقل ودين»… إلغاء مشاركة بعض من دور النشر
تحقيق: د. ماريانا يوسف
تعاني صناعة النشر في مصر من أزمات عدة، أهمها ارتفاع أسعار الكتب، وتكلفة الطباعة، والقرصنة، وهي أزمات قد تعاني منها صناعة النشر في كل دول العالم، إلا أنه في مصر تواجه هذه الصناعة تحديات أكبر، أهمها التضييق الأمني والمنع سواء من الدولة أو التيارات الدينية، الأمر الذي يعني تفريغ معرض الكتاب من هدفه الأساسي كمساحة حرة لكل الأفكار.
كان عنوان كتاب «كاملات عقل ودين»، الذي صدر خلال فعاليات الدورة الـ 56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، قد أثار جدلًا واسعًا بين زوار المعرض، وبعد موجة من الاعتراضات حول عنوانه، قررت “دار السراج للنشر والتوزيع” سحب الكتاب وإيقاف نشره، بعدما رأى البعض أن عنوانه يتناقض مع حديث نبوي شريف توصف فيه النساء بأنهن “ناقصات عقل ودين”.
وواجه الكتاب انتقادات لاذعة بسبب ما اعتبره البعض مساسًا ببعض الأحاديث النبوية، ودفعت هذه الانتقادات دار النشر إلى اتخاذ قرار مفاجئ بسحب الكتاب، وهو ما أثار حالة من الجدل الواسع بين المثقفين والمتابعين.
لم تكن الحملة ضد كتاب «كاملات عقل ودين» لأسماء عثمان الشرقاوي بسبب المنهجية العلمية التي اتبعتها المؤلفة، بل في فكرة أن تجرؤ امرأة على القول إن النساء “كاملات”، فهكذا طرح كفيل بإثارة غضب أنصار الفهم السلفي التقليدي الذين يرون هذا العنوان انتهاكًا للمُسَلَّمات المتوارثة!
مضمون كتاب كاملات عقل ودين
يتضمن كتاب «كاملات عقل ودين» لمؤلفته أسماء عثمان الشرقاوي محاولة لإعادة النظر في بعض الأحاديث والتي اعتبرتها المؤلفة مسيئة للمرأة، مثل حديث «النساء ناقصات عقل ودين». لهدف الكتاب إلى إنصاف المرأة، والتأكيد على أن الإسلام كرمها، بينما تم استخدام بعض الأحاديث بشكل خاطئ لتقليل مكانتها.
يتكون الكتاب من خمسة أبواب، تناولت مراحل جمع القرآن، وأسباب وضع الأحاديث، وشروط صحة السند والمتن، إضافة إلى عرض نقدي لبعض الأحاديث المتعلقة بالمرأة ونقد كتاب صحيح البخاري. رأت الكاتبة أن بعض الأحاديث، حتى وإن كانت صحيحة السند، تتعارض مع العقل والقرآن، وأنها أسهمت في تشكيل صورة سلبية عن المرأة في المجتمعات المسلمة.
وفتح الكتاب نقاشًا مهمًا حول التفسير الصحيح للأحاديث، وضرورة إخضاع النصوص للبحث العلمي الموضوعي بعيدًا عن التعصب.
الطبعة الأولى بيعت بالكامل…. فلماذا مصادرة الطبعة الثانية؟… هل تغيرت حرية الرأي بمصر في 3 أعوام؟
رغم أن الكتاب صادر في نسخته الأولى في 2022، إلا أن إثارة الجدل كانت كبيرة هذا العام مع طرحه في معرض الكتاب 2025. الاعتراض جاء من رفض التغيير أو المساس بالأحاديث النبوية، لتعارض العنوان مع حديث يتضمن جملة «ناقصات عقل ودين»، وبناءً عليها قررت دار النشر المسئولة عن الكتاب سحبه من المعرض مع كتابة منشور على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
إتاحة “كاملات عقل ودين” إلكترونيًا بعد سحبه من معرض الكتاب
أعلنت الكاتبة أسماء عثمان الشرقاوي إتاحة كتابها الأخير «كاملات عقل ودين» في طبعة إلكترونية مجانًا للقراء، وذلك بعد أيام قليلة من قرار سحبه من معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56.
بيان الدار حول سحب الكتاب
قال صاحب الدار إسلام أبو الفتوح إنه تم سحب الكتاب تمامًا، والدار أصدرت بيانًا لتوضيح موقفها، ولم نتعمد المساس بأحاديث الرسول أو نتبنى ذلك، وكتاب «كاملات عقل ودين» للكاتبة أسماء عثمان الشرقاوي تم نشره من قبيل مناقشة الآراء والتعرف عليها، مؤكدًا أنه “أما وإن الرأي الغالب يرفض هذا الطرح فإننا نعلن سحب نسخ الكتاب من التداول وإيقاف نشره”.
وأكدت الدار، في بيان رسمي، أنها لم تتعمد الإساءة إلى الحديث النبوي أو التقليل من قيمته، مشيرة إلى أن الكتاب، الذي ألّفته أسماء عثمان الشرقاوي، جاء بهدف مناقشة الآراء المتداولة حوله، وليس الطعن في النصوص الدينية. إلا أن الرفض الواسع لهذا الطرح دفعها إلى سحب نسخ الكتاب من التداول احترامًا لمشاعر القراء وتقديرًا للحوار الثقافي المسئول.
ونفى أحمد الملام، ممثل شركة “قمرة” المسئولة عن تسويق إصدارات “دار السراج”، أن يكون الجدل الذي أثاره الكتاب ناتجًا عن حيلة تسويقية لزيادة المبيعات، وأكد أن الكتاب خضع بالفعل للمراجعة من قِبل مجموعة من رجال الدين، والذين لم يعترضوا على مضمونه، لكنه أوضح أن الدار، بعد إدراكها أن عنوان الكتاب يتعارض مع حديث نبوي، عقدت اجتماعًا داخليًا قررت على إثره سحب النسخ المتداولة وإيقاف نشره.
جاء بيان “دار السراج” ممتلئًا بالتناقضات. فمن جهة، أكدت الدار أن الكتاب خضع لمراجعة لجنة مختصة قبل عرضه في جناح المعرض، لكنها في الوقت ذاته بررت سحبه برفض الجمهور له بعد عرضه، لكن البيان لم يذكر مَنْ هم أعضاء هذه اللجنة، ولم يوضح المعايير التي استندوا إليها في مراجعتهم، مما يثير الشكوك حول حقيقة وجودها من الأساس.
من جهتها، تحدثت الكاتبة أسماء الشرقاوي، مؤلفة كتابها «كاملات عقل ودين»، من المعرض، نافية أن تكون للأزهر أو الهيئة العامة للكتاب أي صلة بسحب الكتاب، مشيرة إلى أن الإصدار تعرض لحملة شرسة، على حد وصفها.
المؤلفة: تربيتُ في بيت متدين ووالدي شيخ
قالت أسماء الشرقاوي: “أنا تربيتُ في بيت متدين ووالدي شيخ وتخرجتُ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وحاصلة على دبلوم معهد الدراسات الإسلامية، ومعهد إعداد الدعاة، ومنذ عام 2000 وأنا في مجال الدراسة والدعوة والبحث والكتابة.”
ولفتت إلى أن كتاب «كاملات عقل ودين» نُشر طبعة أولى في 2022، وتم توزيعه، والطبعة نفدت، ثم أعادت طبعه هذا العام في “دار السراج للنشر والتوزيع”، وصاحب الدار كان متحمسًا لنشر الكتاب للحاق بموعد المعرض، وبالفعل طُبع الإصدار ورقيًا وحصل على رقم إيداع، وشارك في الدورة الحالية من المعرض وبيع منه عدد من النسخ.
وأكملت: “ولكن الدار سحبت الكتاب بسبب مزاعم اضطرت الدار للرضوخ لهذه الدعاوى وسحب الكتاب فعلًا”، مؤكدة: “لم أسعَ لشهرة من وراء الكتاب، وقد عرضتُ على دور نشر إعادة نشره لديها، وربما أفعل لاحقًا.”
علي جمعة: معنى نقصان دين المرأة، أن تكاليف الدين بالنسبة لها أقل من تكاليف الرجل بسبب ما يعتريها من أحوال جسمية طبيعية
في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخُدريّ قال: “خرجَ الرسول في أضحى أو فطر إلى المصلّى، فمر على النساء، فقال: «يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار» فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللعنَ، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبّ الرجل الحازم من إحداكن»، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها». أخرجه البخاري في صحيحه برقم (304).
ووفقًا لرد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، وفيديو سابق للدكتور علي جمعة في برنامج نور الدين، فإن معنى نقصان دين المرأة أن تكاليف الدين بالنسبة لها أقل من تكاليف الرجل بسبب ما يعتريها من أحوال جسمية طبيعية، ولا يعني نقص تكاليفها نقص تدينها، كما لا يعني ذلك نقص ثوابها.
أما نقص عقلها، فليس القصد منه افتقادها للحكمة والفكر الصحيح، فالحديث يرد ذلك النقص إلى الشهادة المالية، إذ لا يعتدُ فيها بشهادة امرأة واحدة بخلاف الرجل الذي هو أقدر على الضبط والفهم في تلك الحالة، وقد يعود ذلك إلى طبيعة مهمات المرأة الحياتية التي تبعدها عن الخوض في الأمور المالية والتجارة، كما أن الرجل أبعد ما يكون عن الأمور التي تتولاها النساء، بل ربما لا تُقبل شهادة الرجال فيها أحيانًا.
الكتاب في مهب السلفية المصرية
قوبل الكتاب برفض منقطع النظير، وتعرضت الكاتبة نفسها لحملة من السباب، وكان أكثر منتقديها رجال، فيما ظهرت حملات عدائية شنتها نساء من التيار السلفي. فلماذا غضب السلفيون المصريون، برغم أن الكتاب يناقش أمرًا يخص المسلمين عامة؟ وهل حقًا وُضِعَ الكتاب تحت مجهر علماء الأزهر لفحصه؟ وكيف واجهت الكاتبة الحملة العنيفة الموجهة ضدها؟
الكاتبة لم تترك مجالًا للتشكيك في مؤهلاتها العلمية، فهي حاصلة على دبلوم من معهد الدراسات الإسلامية ومعهد إعداد الدعاة، وهو ما يعكس حرصها على تقديم طرحها من داخل المنظومة الدينية وليس من خارجها.
لكن المشكلة لم تكن في المنهجية البحثية التي أوردتها في طرح رؤيتها البحثية، بل في فكرة أن تجرؤ امرأة على القول إن النساء “كاملات” عقلًا ودينًا. مجرد هذا الطرح كان كفيلًا بإثارة غضب أنصار الفهم السلفي التقليدي الذين يرون هذا العنوان انتهاكًا للمُسَلَّمات المتوارثة، ومن هنا بدأت المعضلة في قبوله.
لم تشفع شهادات أسماء العلمية، ولا عملها في مجال الدعوة الإسلامية لمدة ربع قرن، إذ سحبت دار النشر الكتاب من معرض القاهرة الدولي للكتاب، فكتبت إحداهن تعليقًا على الخبر، أن كونها تعلمت في معهد الدراسات الإسلامية لا يؤهلها للحديث عن صحة الأحاديث النبوية من عدمها، فالأمر مقصورة مناقشته على العلماء الرجال الجهابذة، فضلًا عن اتهامها بتكذيب النبي في كتابها وليس الدفاع عنه.
كان مصطفى الهواري، خريج معهد إعداد القادة في الجيزة، من أبرز منتقدي الكتاب، حيث وصفه بـ”المشئوم” ونعت مؤلفته بـ”الجاهلة الحمقاء”، معتبرًا أن محتواه يتضمن طعنًا في صحة العديد من الأحاديث النبوية، واعتبر الهواري ذلك افتراءً على الدين، مما دفعه إلى المطالبة بإلزام دور النشر بعرض الكتب الدينية على علماء الأزهر قبل طرحها للجمهور.
سيطرة التيار السلفي بدلت من 2017 على معرض الكتاب
واقعة سيطرة التيار السلفي على المعرض ليست الأولى، ففي 2017 شهد المعرض أزمة الكتب الشيعية، إذ تم توقيف موظف بدار نشر لبنانية بسبب وجود كتاب يتناول المذهب الشيعي، وأغلقت إدارة معرض الكتاب جناحي “دار القدس” و”آل ياسر”، بعدما حررت شرطة المصنفات بلاغًا ضدهما لبيعهما كتبًا شيعية.
وأعلن مدير إدارة مكافحة جرائم المطبوعات بالإدارة العامة لمباحث المصنفات آنذاك تحرير محضر مصادرة خمسة كتب شيعية، وأن هذه الكتب تمت مصادرتها على الفور، وذلك في استجابة لائتلاف آل الصحب والآل، وهو تنظيم سلفي متطرف ضد الشيعة رفض عرض كتب شيعية بالمعرض، باعتبارها تخالف الهوية المصرية والدستور، بخاصة المادة الثانية منه، بالإضافة إلى عدد من المواد الأخرى.
لماذا لم تدافع دار النشر عن الكتاب والكاتبة؟
لم تتخذ دار النشر موقفًا دفاعيًا عن الكتاب، بل آثرت السلامة وسحبت الكتاب من جناحها في المعرض، خوفًا على مصالحها التجارية في سوق الكتب الدينية، هذا الرأي الذي ذهب إليه الكثير من المعارضين لقرار الدار، واعتبروا ذلك خنقًا وقمعًا إضافيًا لحرية الفكر، وأن المنظومة الفكرية المفروضة على المجتمع لا يمكن دمجها مع قيم الدولة المدنية والعقد الاجتماعي الحديث.
يقول الكاتب ماجد إبراهيم، صاحب “دار الياسمين للنشر والتوزيع”، إن سحب كتاب «كاملات عقل ودين» من قِبل “دار السراج” يُعد فضيحة كبرى في عالم النشر، فالإجراء المعتاد لسحب كتاب من الأجنحة الخاصة بدور النشر داخل المعارض هو أنه يحدث بموجب حكم قضائي صادر عن محكمة الأمور المستعجلة، وهي المحكمة المخولة بالفصل في المنازعات التي يُخشى عليها من فوات الوقت، أو بطلب رسمي من جهة رقابية مثل المصنفات الفنية، لمراجعته والتأكد من عدم مخالفته القوانين. لكن في هذه الحالة، لم يكن هناك حكم قضائي ولا تدخل من جهة رسمية، بل جاء الحجب نتيجة لضغط السوشيال ميديا، في سابقة خطيرة تعكس هشاشة موقف الدار أمام العاصفة الإلكترونية.
ويضيف: “اختارت الدار إرضاء جمهورها وكُتَّابها من التيار السلفي، فسحبت الكتاب تفاديًا للمواجهة معهم، خصوصًا بعد الحملة العنيفة التي شُنّت ضد الكتاب والكاتبة. هذه الواقعة تكشف بوضوح مدى تأثير التيارات الدينية على صناعة النشر، وقدرتها على فرض رقابة غير رسمية على الفكر والإبداع.”
نال موقف “دار السراج” من حجب الكتاب تقديرًا من المحافظين الجدد، الذين ثاروا لمجرد التشكيك في فكرة أن المرأة “ناقصة”، وقابل نقدًا لاذعًا من جهة التيار العلماني والتنويري والنسوي، والذي اعتبر أن ما حدث مع كتاب «كاملات عقل ودين» ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو نموذج لكيفية استحالة التوفيق بين التيار الديني المحافظ وبين أي محاولة لإعادة قراءة النصوص بعيون أكثر إنصافًا للمرأة.
منع كتاب «ثلاث ستات… سيرة من ليالي القاهرة» من المشاركة
قبل أسابيع، كان الكاتب المصري عمر سعيد يستعد لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يشارك بكتابه المشترك مع الكاتب الصحافي محمد العريان «ثلاث ستات… سيرة من ليالي القاهرة» الصادر عن “دار المرايا”. كان المعرض فرصة عمر للقاء الجمهور، لكن هذه الفرصة ضاعت بعد منع الدار من المشاركة في المعرض.
يشير بيان الدار الصادر نهاية ديسمبر الماضي إلى أن الهيئة العامة للكتاب قررت، من دون شرح الأسباب، منع “دار المرايا” من المشاركة في المعرض الذي كانت حاضرة فيه منذ عام 2017 حتى عام 2023، كذلك أُغلق حسابها على موقع المعرض، وحاول اتحاد الناشرين وكذلك أصدقاء للدار معرفة أسباب المنع إلا أن الهيئة رفضت ذلك.
وقالت الدار في البيان إنها “تسدد التزاماتها المالية تجاه المعرض بانتظام ولم تتخلف في أي سنة من السنين عن سداد جميع التزاماتها بشكل مسبق قبل بداية المعرض وخلال المواعيد التي تحددها الهيئة، وإن جميع الأوراق الإدارية التي تخص الدار سليمة ومحدَّثة ومنضبطة تمامًا من جميع النواحي القانونية والمالية، وتوجد نسخ لها مودعة لدى اتحاد الناشرين وهيئة الكتاب، وهذا كله يعني أن الإصرار على منع المرايا من المشاركة في المعرض هذا العام، ليس له تفسير أو أي سند من المنطق”.
لائحة المشاركة في معرض الكتاب
أما الأسباب المذكورة في اللائحة التي تشير إلى الحالات التي يجوز فيها إلغاء اشتراك دار النشر، فهي: “عرض كتاب محل نزاع قضائي، أو عرض كتاب مزور أو منسوخ أو مقلّد، أو عرض كتب مخالفة لحرية الفكر والإبداع، وكذا المبادئ التي فرضها القانون المصري، والآداب العامة، أو المساس بالأديان، أو مخالفة شروط التوكيلات اللازمة داخل المعرض بالنسبة لدور النشر، أو عقد ندوات داخل مقرات البيع، أو مخالفة الشروط التصميمية داخل الجناح”، وهي المخالفات التي لم تنتهكها أي من الدور التي مُنعت من المشاركة في المعرض.
في تقرير بعنوان “إقصاء من دون إبداء أسباب”، عن النسخة الـ 55 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، الصادر عن مركز حرية الفكر والتعبير، فإن البند 12 من اللائحة الخاصة بالمعرض ينص على منح إدارة المعرض الحق في قبول أو رفض اشتراك أي دار نشر من دون إظهار أسباب للمعلنين بعد عرضها على رئيس المعرض، وهو ما يسمح لإدارة المعرض بالتعسف في مشاركة أي دار نشر حتى لو لم تُرتكب أي مخالفة من المخالفات الواردة في لائحة المعرض، حيث لا قواعد تنظم هذا الأمر غير رأي إدارة المعرض.
مؤسس حركة “علمانيون”: القضية ليست المرأة
يرى مؤسس حركة “علمانيون” أن القضية تتجاوز مجرد العداء تجاه المرأة أو التدخل في شؤونها، فهو يعتبر أن القوى الدينية تسعى لترسيخ سلطتها وسطوتها على المجتمع بأكمله، من خلال فرض أحكام مسبقة على فئات معينة، تارة ضد المرأة، وتارة أخرى ضد الفنانين والمفكرين والأقليات، ويقول: “المرأة ليست الهدف الأساسي لهذه التيارات، لكنها تُستخدم كوسيلة لإحكام السيطرة على المجتمع. القضية ليست مجرد منع كتاب أو معارضة فكرة، بل هي ممارسة ممنهجة للهيمنة الفكرية والسياسية.”
الإسلام النسوي: جدل بلا جدوى
أعادت هذه الواقعة الجدل الأوسع حول ما يُعرف بـ”النسوية الإسلامية” (Islamic Feminism) ضمن الآراء التي برزت كأحد أشكال السخرية من الكاتبة نفسها، واعتُبر كتابها محاولة تلفيقية للجمع بين متناقضين، باعتبار أن النسوية الإسلامية تحاول الجمع بين مبادئ المساواة والعدالة والمرجعية الدينية التقليدية.
ويرى أنصار النسوية الإسلامية أنها تسعى لتقديم قراءة تأويلية للنص الديني، من خلال وضعه في سياقاته التاريخية والاجتماعية التي أثّرت بشكل مباشر في فهمه وفي صياغة خطابه حول النساء. وعلى المستوى المضموني، تعمل على مراجعة القضايا النسائية التي يُنظر إليها تقليديًا على أنها ثابتة وغير قابلة للتغيير، سواء في الأحكام الفقهية أو في تمثّلات الواقع والمتخيَّل حول المرأة.
ومن هذا المنطلق، تعيد النسوية الإسلامية النظر في العديد من القضايا، مثل الجسد الأنثوي وآليات حجبه، والتراتبية بين الجنسين في الأحكام والمعاملات الاجتماعية كالزواج، والنفقة، والإرث، والطلاق، بالإضافة إلى موقع المرأة في المجال الاقتصادي وفرصها في العمل والمهن المختلفة.
كما تتناول الأبعاد السياسية لدور المرأة، بما في ذلك إمكان توليها الرئاسة أو ما يُعرف بالإمامة الكبرى، فضلًا عن إعادة التفكير في موقعها ضمن التمكين الديني، من خلال مسألة إمامة الصلاة أو ما يُعرف بالإمامة الصغرى. وقد حاولت نساء سابقات وتعرضن للفشل، منهن الناشطة درية شفيق، التي برغم نضالها، لم تستطع تحقيق اختراق حقيقي في مواجهة السلطة الذكورية السائدة، وعندما اصطدمت بالرئيس الراحل جمال الناصر، انتهى بها الأمر تحت الإقامة الجبرية حتى رحلت في عزلة وإحباط، وكانت تأمل في أن الإصلاح من الداخل ممكن، لكن الرد جاء قاسيًا وواضحًا: لا مجال لهذا التوفيق.
تتعمد اللجان الإلكترونية السلفية حجب العامة ومنعهم من التفكير في الأمور الدينية، لا سيما التراث الإسلامي الذي يُستخدم كل ما جاء فيه مما يخص المرأة كوسيلة للحشد الشعبي، وتشكّل اللجان المدفوعة خطرًا على حرية الرأي والتعبير وخطرًا مماثلًا على حرية المرأة وكرامتها.
اللجان الإلكترونية السلفية تشكل خطرًا على حرية الرأي والتعبير وليس حرية المرأة فقط