أشرف ونيس
تبهت العلاقات حين لا نضع اعتبارًا لقدسيتها كما لا نكترث لهالتها التي تغلف ما تكنه تلك العلاقات من حنين وصدق واحترام. فما أكثر سيرنا على جوانح الطرقات وقت ارتفاع أعناقنا تكبرًا وشموخـًا عن اقتراننا بغيرنا، غير عابئين بنشاط العقل وقت تعانقه مع القلب وانفعالاته؛ مكونة المشاعر التي توجه الأشخاص والشخصيات إحساسًا ووجدانـًا وسلوكـًا. نعم؛ فلقد توارت الإرادة عن صوابها فاصطفت واختارت زورًا وبهتانًا دروب وطرائق العبث بترابط الشخوص بغيرهم وكان ذلك بديلًا عن تبجيلها والانحناء لها توقيرًا ومهابةً وإجلالًا!!
لقد أصابه جهل مُطبِق من عمد في رعونة منه أن يتنكر لأيدي قد امتدت له بالعطاء، كما قد أُصِيبَ بكل رعونة كامنة في باطن جهل محكم الوصود وراسخ الإغلاق مَنْ ظن سوءًا أنه سيظل المتسامح متسامحًا إلى الأبد، وأن مَنْ يحمل بقلبه شيئًا من الرحمة وبعضًا من المحبة سيظل كذلك وهكذا إلى ما لا نهاية. نعم؛ فلقد قصر بصره عن أن يرى قادم الأيام، كما فقد بصيرته بحيث تتراءى إليه طبيعة البشر التي تختلف عن طبيعة الآلهة والمغايرة لها. إن تعدد الفرص وتكرارها ليس دليلًا ونبراسًا وهداية إلى السير حسب الأهواء في تكرار أخطائها، بل هي إحدى ابتسامات القدر غير المأمون وغير الدائم في إحسانه!!!
ما أعذب الحياة حين تمنح وما أمرَّها حينما تمنع. ما ألطفها عندما تعطي وما أغلظها وقتما تأخذ. ما أبدعها حينما تتقوس الضحكات على ثغرها وما أقبحها متى كشرت عن أنيابها البشعة الدميمة القميئة. وماذا بوسع الحكمة أن تفعله درءًا لما هو ليس في الحسبان من بلاء وابتلاء وخطوب سوى استجداء الصواب أينما تواجد، والتماس الرشد في كل حدب وصوب؟ فكم يكون المخطئ مخطئًا عندما يعتقد خطأً أن للحياة وجهًا واحدًا دون سواه! وأن للعيش استقامة واحدة بلا انكسارات أو حتى انحناءات وتعرجات، فبوسع المرء خسارة الكل متى أخذه الطيش ولفحه قيظ التهور وحرارة رياحه الهالكة، بها يهوي من علياء مكانته بعين من حوله ليسقط سريعًا صريعًا بين سبل الهلاك ودرك التيه عن النفس والكيان معًا!!!
ليتنا نتحسس الحصافة والرزانة في كل أفعالنا، ونسترشد الهداية فيما نقوله ونتلفظ ونتفوه به، فكم من كلمات هي سليلة الهوى والميل والشطط الرغبوي كانت فسادًا وتخريبًا وعبثًا بالحياة! وكم من قرارات لم ينتجها العقل أودت بأصحابها ومَنْ تبنوها إلى هاوية الندم والتحلق ببئر التطلع إلى الماضي وما خلا من أيام وسنوات وأعمار وأزمان! وهل العيش في كنف ما غَرُبَ من نهار أعمارنا والالتجاء إلى النكوص كالتعويض النفسي عما فقدناه له من الجدوى والإجادة في شيء؟! فسيظل التعثر في المسير أكثر ما يميزنا إن اعتقدنا دون رؤية منا أن الحق هو صوبنا على الدوام! وأن الصواب هو حليفنا الأعظم دائمًا وأبدًا! فبذلك وبهذا ننقر لأنفسنا آبارًا مشققة لا ولن تنغمر بعذب المياه، بل بكل خواء وفراغ وعدم وانعدام!!!