تقرير يكشف أن اضطهاد المسيحيين في أعلى مستوى منذ 30 عامًا
منظمة الأبواب المفتوحة: مقتل أكثر من 5600 ونزوح 124 ألف مسيحي بسبب إيمانهم والهجوم على 2100 كنيسة في عام 2022
أكثر من 50 دولة تشكِّل خطرًا على المسيحيين أو يصعب أن يكون الشخص فيها مسيحيًا على رأسها كوريا الشمالية
الصحراء الكبرى الإفريقية الأكثر عنفًا ضد المسيحيين … وانتشار التطرف إلى ما وراء نيجيريا
استمرار الاضطهاد المسيحي في الصين التي تحتل المرتبة 16 في هذا المجال وإغلاق أكثر من 7000 كنيسة خلال العامين
تقرير: إيهاب أدونيا
واحد من كل سبعة مسيحيين يعاني التمييز والاضطهاد الديني
تُشير أحدث التقارير المرتبطة باضطهاد المسيحيين إلى أن نيجيريا والصحراء الكبرى في إفريقيا هما بؤرتا العنف والتطرف الجهادي، بينما تقود الصين الجهود الرامية إلى إعادة تعريف الحقوق الدينية.
وقد قُتل أكثر من 5600 مسيحي العام الماضي بسبب إيمانهم، وتعرضت أكثر من 2100 كنيسة للهجوم أو الإغلاق، كما نزح أكثر من 124 ألف مسيحي من ديارهم قسرًا بسبب إيمانهم، وأصبح 15 ألفًا تقريبًا منهم لاجئين.
وأصبحت الصحراء الكبرى الإفريقية الآن مركزًا لأعمال العنف ضد المسيحيين، حيث انتشر التطرف الإسلامي إلى ما وراء نيجيريا.
وعادت كوريا الشمالية لتحتل المرتبة الأولى، وفقًا لقائمة الرصد العالمي (WWL) للعام 2023، وهي أحدث دراسة قدمتها مؤسسة الأبواب المفتوحة Open Doors حول أكثر من 50 دولة تشكِّل خطرًا على المسيحيين أو يصعب أن يكون الشخص فيها مسيحيًا.
والأرقام المتعلقة بقتل المسيحيين والهجمات ضد الكنائس هي في الواقع أقل مما كانت عليه في تقرير العام الماضي. وقد أكدت مؤسسة Open Doors أن هذه الأرقام هي الحد الأدنى المطلق، وسارعت إلى التنبيه إلى أن انخفاض البيانات لا يعكس بتاتًا تحسنًا في الحرية الدينية هناك.
على سبيل المثال، يُعزى جزء كبير من هذا الانخفاض في الصين إلى قيام المسئولين الصينيين بإغلاق ما يقرب من 7000 كنيسة خلال العامين الماضيين. ولا يقدم تراجع أفغانستان من المرتبة الأولى (1) العام الماضي إلى المرتبة التاسعة (9) هذا العام سوى بصيص من الأمل لأنه ناتج عن اختباء المؤمنين الأفغان أو هروبهم خارج البلاد بعد استيلاء طالبان على السلطة.
وبشكل عام، يعيش 360 مليون مسيحي في دول ذات معدلات عالية من الاضطهاد أو التمييز الديني، أي 1 من كل 7 مسيحيين في العالم، بما في ذلك 1 من كل 5 مؤمنين في إفريقيا، و2 من كل 7 في آسيا، و1 من كل 15 في أمريكا اللاتينية.
وللمرة الثالثة فقط خلال ثلاثة عقود منذ بدء عملية التتبع، سجلت جميع الدول الخمسين درجات ”عالية جدًا“ من الاضطهاد في جدول مؤسسة Open Doors المكوَّن من 80 سؤالًا.
والغرض من التصنيف السنوي لـ WWL –والذي سجَّل صعود كوريا الشمالية إلى المركز الأول وتفاقم حالة الاضطهاد فيها من سيء إلى أسوأ– هو الصلاة بالشكل السليم والسعي إلى إنتاج غضب فعال وطمأنة المؤمنين المضطهدين بأنهم لم يسقطوا في دائرة النسيان.
ويتتبع إصدار عام 2023 الفترة الزمنية من 1 أكتوبر 2021 حتى 30 سبتمبر 2022، وقد تم تجميعه من التقارير الشعبية لأكثر من 4000 عامل في مؤسسة Open Doors في أكثر من 60 دولة.
ويصادف التقرير مرور 30 عامًا على القائمة، والتي تم إنشاؤها لأول مرة في عام 1993 بعد سقوط الستار الحديدي.
العنف ضد المسيحيين في إفريقيا بلغ حدًا غير مسبوق، 5014 مسيحيًا قُتلوا في نيجيريا في 2022
وذكر التقرير أن الدول الأخرى المصنَّفة على أنها ذات مستويات «متطرفة» من حيث اضطهاد المسيحيين هذا العام هي الصومال واليمن وإريتريا وليبيا ونيجيريا وباكستان وإيران والسودان والهند، لافتًا إلى أن العنف ضد المسيحيين في إفريقيا جنوب الصحراء قد بلغ «حدًا غير مسبوق».
و”تتميز القارة الإفريقية بصعود التطرف الإسلامي“، حيث شهدت 26 دولة اضطهادًا شديدًا مقابل سبع دول في عام 1993.
ولا تزال نيجيريا «بؤرة المذابح»، حيث قُتل 5014 مسيحيًا في عام 2022، أي ما يقارب 90% من إجمالي عدد المسيحيين الذين قُتلوا في كل أنحاء العالم والذين وصل عددهم إلى 5621 مسيحيًا.
وورد في التقرير أن ما يقارب 90% من عمليات اختطاف المسيحيين في العام 2022 سُجلت أيضًا في نيجيريا.
وفي هذا السياق، قال ناني إن هناك «تجارة» اختطاف تحدث في البلاد، مشيرًا إلى أن السيناريو الأكثر شيوعًا هو اختطاف نساء وبنات مسيحيات وتعريضهن لعنف جنسي وللإتجار بالجنس قبل إطلاق سراحهن مقابل فدية.
كوريا الشمالية الأكثر اضطهادًا في 2022 ونيجيريا الأكثر عنفًا
عادت كوريا الشمالية إلى المركز الأول في العام 2022. وفي العام السابق، كانت أفغانستان قد احتلت المرتبة الأولى بعد استيلاء حركة طالبان على السلطة في البلاد. في كوريا الشمالية، ينص قانون صدر في عام 2020 على أن ”كونك مسيحيًا أو امتلاك كتاب مقدس يُعد جريمة خطيرة يعاقب عليها بشدة“، وفقًا لأوبن دورز. كما تم اكتشاف العديد من الكنائس السرية واعتقال مسيحيين وإرسالهم إلى معسكرات الاعتقال السياسي أو إعدامهم.
وتحتل أفغانستان المرتبة التاسعة في اللائحة الجديدة، إذ إن المسيحيين في البلاد قُتلوا أو فروا أو يعيشون في الخفاء، وفقًا لمدير «Open Doors» الإيطالي كريستيان ناني. في سياق متصل، قال ناني في 18 يناير، خلال عرض لائحة المراقبة العالمية في مجلس النواب الإيطالي، إن المسيحيين القلائل الذين بقوا في أفغانستان يعيشون مثل الكنيسة الأولى، موضحًا أنهم “يعيشون الإيمان في الخفاء، لأنها الطريقة الوحيدة للعيش بأمان.” وأشار إلى أن ظاهرة كنيسة «اللاجئين» آخذة في الاتساع اليوم بسبب فرار المسيحيين من الاضطهاد.
فيما يستمر التطرف الإسلامي في إحداث أكبر قدر من الاضطهاد في 31 دولة، خاصةً في الصحراء الكبرى الإفريقية، تخشى مؤسسة Open Doors من أن تتسبب نيجيريا قريبًا في “كارثة إنسانية واسعة النطاق” في جميع أنحاء القارة. وأشار الباحثون أيضًا إلى أن الصين قامت بفرض المزيد من القيود الرقمية ومن المراقبة، كما قامت بـ ”تشكيل شبكة من الدول التي تسعى إلى إعادة تعريف حقوق الإنسان بعيدًا عن المعايير العالمية والحريات الدينية.“ ودخلت دولة ثالثة في أمريكا اللاتينية، نيكاراجوا، إلى القائمة، حيث تنظر الحكومات الدكتاتورية على نحو متزايد إلى المسيحيين على أنهم أصوات معارضة.
وبالإضافة إلى ذلك، “غالبًا ما يكون المسيحيون ضحايا القومية الدينية أو الأيديولوجية”، كما تقول المنظمة غير الحكومية، مستشهدةً بالصين منذ عام 2017، والهند مع ”انفجار العنف“ ضد المسيحيين والمسلمين منذ عام 2014
مقارنة بتقرير العام 2021
تعرَّض أكثر من 360 مليون مسيحي “للاضطهاد والتمييز الشديدين” في العالم خلال 2021 وفق تقرير نشرته منظمة “الأبواب المفتوحة”، والذي أشار إلى أن أفغانستان كانت الأسوأ في معاملة المسيحيين.
وبيَّن تقرير المنظمة غير الحكومية أنه في الفترة ما بين 1 أكتوبر 2020 و30 سبتمبر 2021، تعرَّض “أكثر من 360 مليون مسيحي” من الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت والمعمدانيين والإنجيليين وغيرهم من 76 دولة “للاضطهاد والتمييز الشديدين” مقارنةً مع 340 مليونًا في عام 2020.
وفي عام 2021، قُتل 5898 مسيحيًا، بزيادة قدرها 24% عن العام السابق حين تم تسجيل 4761 حالة قتل. وقُتل ثمانية من كل عشرة مسيحيين في نيجيريا.
وبالإضافة إلى ذلك، ارتفع إجمالي عدد الكنائس التي أُغلقت أو تعرضت للهجوم والتدمير إلى 5110 في العام الماضي مقارنةً مع 4488 في 2020.
وأشارت المنظمة إلى “زيادة بنسبة 44% في عدد المسيحيين المحتجزين بسبب دينهم” (4277 حالة في 2020 و6175 حالة في 2021)، وصُنِّفت أفغانستان بأنها الأخطر لدى أخذ كل أشكال الاضطهاد في الاعتبار، تلتها كوريا الشمالية والصومال وليبيا واليمن وإريتريا ونيجيريا.
وقالت المنظمة غير الحكومية إن الاضطهاد اتخذ في أفغانستان “بُعدًا جديدًا مع سيطرة طالبان.”
وتُشير التقارير السابقة لعام 2021 والمرتبطة باضطهاد المسيحيين إلى حدوث 4 حالات استشهاد لمسيحيين في نيجيريا من أصل 5 عالميًا وحدوث 3 هجمات ضد الكنائس في الصين من أصل 5 عالميًا، ناهيك عن تردي الحال في أفغانستان بشكل يفوق حجم الاضطهاد في كوريا الشمالية.
وقُتل ألف مسيحي إضافي بسبب إيمانهم العام الفائت مقارنةً بالعام السابق، كما تم اعتقال ألف مسيحي إضافي وتعرضت أكثر من 600 كنيسة للهجوم أو الإغلاق القسري.
ولذا يوضح التقرير الأخير مقارنةً بسابقه ازدياد مستوى الاضطهاد للمسيحيين حول العالم.
الاضطهاد لا يزال يزداد سوءًا … أكبر تهديد للمسيحية هو العزلة
من الواضح أن الاضطهاد لا يزال يزداد سوءًا، فقد ارتفع عدد البلدان التي وصلت الحد الأدنى في قائمة WWL الواجب تتبعها من 40 دولة في عام 1993 إلى 76 دولة اليوم، مع ارتفاع متوسط درجة البلد بنسبة 25 بالمائة.
وقد استنتج فرانس فيرمان، مدير الأبحاث في مؤسسة Open Doors، أن ”التهديد الأكبر للكنيسة ليس خارجيًا بل داخليًا“، ويمكننا تلخيص الإصحاح 12 في رسالة كورنثوس الأولى كالتالي: “لا ينبغي أن يعاني المؤمن بمفرده.”
وأضاف: ”إن أكبر تهديد للمسيحية هو العزلة التي يسببها الاضطهاد، وعندما تستمر طويلًا، قد تتسبب في فقدان الأمل.“
وفي حين أن العنف والضغط يؤديان إلى صدمة وخسارة كبيرة، فقد أشار فيرمان إلى أن عددًا كبيرًا من المجيبين على استبياناتنا يصرحون بأن التهديد الأكبر لا يأتي من خارج الكنيسة ولكن من الداخل: ”فهل سيكون الجيل القادم مستعدًا لنوع الاضطهاد الذي نشهده الآن؟ هل هم أقوياء في الإيمان وفي معرفة المسيح والإنجيل؟“
وقال أيضًا: ”هذا دليل على أن مستوى صمود الكنيسة يحدد مستقبل الكنيسة في بلد ما ويحدد مستوى الاضطهاد أيضًا. لذا فإن أكبر تهديد يواجه الكنيسة المضطهدة اليوم هو انخفاض قدرتها على التحمل بسبب الاضطهاد المستمر، وشعورها بأنها متروكة من باقي أعضاء جسد المسيح.“
وأضاف فيرمان: ”بعد ثلاثة عقود من البحث، استخلصت مؤسسة Open Doors أن قدرة الكنيسة على التحمل تنبع من كونها ’راسخة في كلمة الله وفي الصلاة‘ وأيضًا كونها ’شجاعة‘“، فالكنيسة المضطهدة غالبًا ما تكون ”نشطة في نشر الإنجيل“ و”تنمو باستمرار رغم المصاعب.“
باختصار، فالكنيسة المضطهدة علَّمت مؤسسة Open Doors حقيقة الآية في (1 كورنثوس 12: 26): ”فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ.“
اضطهاد المسيحيين هو فشل مجتمعي
من جهته، اعتبر المبعوث الخاص لحماية الحرية الدينية في وزارة الخارجية الإيطالية أندريا بينزو أن اضطهاد المسيحيين لا يدل على انعدام حرية العبادة فحسب، بل يشير أيضًا إلى فشل مجتمعي. وأظهرت لائحة المراقبة العالمية استمرار الاضطهاد المسيحي في الصين التي تحتل المرتبة 16 في هذا المجال. وقالت المنظمة إن “عددًا متزايدًا من الدول يتبنى النموذج الصيني للسيطرة المركزية على حرية الدين.”
وبدوره، يرى عضو مجلس النواب الإيطالي أندريا ديل استيرو ديلا فيدوف وجوب أن تضغط الحكومة الإيطالية على المجتمع الدولي لتعزيز التعددية الدينية.
وكان البابا فرنسيس قد طلب الصلاة من أجل المسيحيين المضطهدين بعد المقابلة العامة الأسبوعية في 18 يناير. وقال إنه يصلي من أجل الكاهن الكاثوليكي إسحاق آشي الذي توفي بعدما أضرم قطاع طرق النار في أبرشية في شمال نيجيريا.
هجرة جماعية للمسيحيين في الشرق الأوسط
وأخيرًا، تستنكر المنظمة ”الهجرة الجماعية للمسيحيين“ في الشرق الأوسط، حيث ”إن انتهاكات (تنظيم) الدولة الإسلامية شجعت المسيحيين على الفرار من العراق وسوريا.“
وعندما طُلب منها الإدلاء بشهادتها، روت دابرينا بيت تمراز، وهي مسيحية إيرانية من أصل آشوري فرت من بلدها في عام 2009، كيف أنه على مدى العقود الأربعة الماضية، تعرَّض المسيحيون (هناك) للمضايقة والسجن والاستجواب والمراقبة بطرق عديدة. وبحسب قولها، اعتُقل ما لا يقل عن 80 مسيحيًا العام الماضي، وحُكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 2 و25 عامًا.