تحقيق: د. ماريانا يوسف
تنعقد المجامع الكنسية في العادة إما لحل مشكلة عقائدية أو قانونية تتعرض لها الكنيسة، أو في بعض الأحيان تنعقد لأجل التطوير والتحديث في شؤون الكنيسة.
انعقد مجمع نيقية الأول في العام 325 للميلاد بدعوة رسمية من الإمبراطور قسطنطين، وناقش أمورًا مهمة وأساسية في العقائد والشؤون الإدارية للكنيسة. الموضوع الأول الذي عمل عليه المجمع هو تفنيد بدعة أريوس وإدانة صاحبها ونفيه، ووضع المجمع قانون الإيمان الذي يردده المؤمنون حتى اليوم. وفي هذا المجمع، تم تكريس عقيدة إلوهية المسيح ومساواته للآب في الجوهر، بالإضافة إلى وضع قوانين إدارة الكنيسة ووضع معادلة تعيين يوم عيد القيامة المجيد.
وبينما تقترب الذكرى 1700 سنة على مجمع نيقية الأول، ما الذي يمنع من الدعوة لانعقاد مجمع جديد على غراره، وبنفس التسمية، وبنفس المكان للتأكيد على المشتركات المتفق عليها ومراجعة ما تعرض منها للخلاف والاختلاف للوصول إلى حلول تنفع المؤمنين؟ لعل الوحدة تتم بين الإخوة وتنقضي الفرقة والطوائف والمذاهب التي وضعها الإنسان وتلتفت الأعين نحو الله فقط.
فكرة مجمع نيقية 2025… هل تحتاج الكنيسة إلى مجمع جديد؟
دعا بطريرك القسطنطينية المسكوني برثلماوس الأول إلى جانب البابا فرنسيس على التحضير للقاء مسكوني من المقرر أن يُقام في نيقية (الآن إزنيق في تركيا) في عام 2025، بمناسبة ذكرى العقد السابع عشر لمجمع نيقية الذي عُقد في عام 325، وتم خلاله الإعلان عن قانون الإيمان المشترك بين الكنائس الشرقية والغربية.
إن هذا المشروع هو ولا شك ثمرة اللقاء الذي جمع البطريرك المسكوني بقداسة البابا في الأرض المقدسة، وهو أيضًا ثمرة الإعلان المشترك الذي وقعه الطرفان على جبل الزيتون، والصلاة المشتركة بينهما أمام قبر المسيح في كنيسة القيامة، إحياءً لذكرى مرور 50 عامًا على اللقاء الذي جمع البطريرك أثيناغوراس بالبابا بولس السادس في القدس عام 1964.
وقد كشف الإعلان المشترك الذي وقع عليه البطريرك المسكوني وبابا الفاتيكان يوم 25 مايو 2014 عن عزم الكنسيتين الشقيقتين والتزامهما المشترك بمواصلة السير معًا نحو الوحدة، مصرحين بأن اللقاء الكبير القادم سيكون لقاءً جديدًا في نيقية، في عام 2025، وذلك للاحتفال معًا بمرور 17 قرنًا على انعقاد أول مجمع مسكوني حقيقي أفرز قانون الإيمان.
ولأن تحديد مواعيد الأعياد ليس جزءًا من العقيدة بل هو ترتيب بشري قابل للنقد والتعديل والتبديل والتغيير، يرى المطران دعيبس أن الكنيسة الكاثوليكية منفتحة على أي اقتراح ومنفتحة على كل الخيارات لكي نتفق مع بعضنا البعض، لكنه شدد على أن أي تقارب “يتطلب محبة مسيحية حقيقية لكي ينظر المسيحي إلى أخيه المسيحي على أنه أخ في المسيح وعلى كل طرف أن يتفهم وجهة نظر الطرف الآخر، وعندما تسود المحبة المسيحية الحقيقية على مختلف المستويات بين الناس المعنيين عندها يمكن إيجاد الحلول.” ويؤكد المطران دعيبس أنه إذا تم تحضير الأجواء المناسبة فعند ذلك يصبح هناك أمل بالتوافق.
في العام الجديد، تحل الذكرى الألف وسبعمائة سنة على انعقاد مجمع نيقية الأول، وهو أول مجمع مسكوني كانت لقراراته آثار عميقة وجذرية على العقيدة وعلى الكنيسة وعلى المؤمنين. والكنيسة اليوم قد تكون بحاجة إلى مجمع مسكوني جديد على غرار مجمع نيقية يشارك فيه قادة الكنائس الشرقية والغربية على اختلاف مذاهبها.
إذا ما اجتمعت النوايا الطيبة والإرادة الصالحة يمكن الوصول إلى نتائج تخدم العقيدة وتخدم الكنيسة وتخدم المؤمنين. فالأسباب التي أوجدت هذا الاختلاف في التقويم ليست أساسية، والاحتفال بعيد القيامة في تاريخ واحد يكفل خير المسيحيين عامة ويدعم الكيان المسيحي ويصون وحدته.
مجمع نيقية 325 م… قانون إيمان واحد… وتقويمان مختلفان
عُقد مجمع نيقية في عام 325، وقد جمع أكثر من 300 أسقف من الشرق والغرب، ونتج عنه صدور ما يُعرف بقانون الإيمان أو “قانون نيقية”، وهو عبارة عن إعلان موحد للإيمان بين جميع المعمدين، أكد بنحو خاص على إلوهية المسيح ومساواته للآب، ردًا على الهرطقة الأريوسية التي كانت منتشرة في ذلك الزمان.
كما قرر مجمع نيقية الأول الذي عُقد في العام 325 أن يتم الاحتفال بعيد القيامة في يوم الأحد الأول إثر اكتمال القمر بعد بداية الربيع، ما يجعل أقرب موعد ممكن للعيد في 22 مارس وأقصاه في 25 أبريل. واليوم، يستخدم المسيحيون الأرثوذكس التقويم اليولياني لحساب تاريخ عيد القيامة، بدلًا من التقويم الغريغوري الذي اعتُمد في العام 1582 وتستخدمه معظم بلدان العالم.
الاختلاف في موعد الاحتفال بالأعياد بين الكنيستين الشرقية والغربية حسابي أم عقائدي
في الأجيال الأولى للمسيحية، كان المسيحيون يحيون ذكرى القيامة مع فصح اليهود، ومنذ القرن الميلادي الثاني أخذ المسيحيون يحتفلون بالقيامة في يوم الأحد من شهر أبريل القمري اعتمادًا على التقويم العبري. وكانت كنائس المشرق في سوريا والعراق قد اعتادت أن تحتفل بالقيامة في الرابع عشر من أبريل العبري، سواء كان يوم أحد أو غير ذلك بينما كانت الكنائس الأخرى تحتفل بالعيد في يوم أحد حصرًا.
في مجمع نيقية الأول عام 325 للميلاد، جرى تحديد معادلة جديدة للاحتفال بعيد القيامة تمت فيها مراعاة أن يكون العيد متوافقًا مع بدر الربيع وتاليًا لاحتفال اليهود بعيد الفصح لأن حدث القيامة وفق التقليد الإنجيلي وقع بعد الفصح اليهودي. وقد قبلت كل الكنائس في ذلك الوقت بتلك المعادلة التي جعلت الاحتفال بعيد القيامة في يوم الأحد الواقع بعد تمام البدر الذي يلي الاعتدال الربيعي في الحادي والعشرين من مارس من كل عام.
معروف أن مجمع نيقية انعقد بدعوة من الإمبراطور قسطنطين الكبير الذي كان له تأثير مهم في إقناع الأساقفة المشاركين في المجمع للوصول إلى تلك المعادلة. وقد شدد قسطنطين في خطاب افتتاح المجمع على ضرورة الابتعاد عن احتفالات اليهود وأشار بضرورة أن يتم الاحتفال بأكثر الأعياد المسيحية قداسة في نفس اليوم عند جميع الكنائس، سواء في الشرق أو الغرب.
كان قسطنطين يسعى إلى دعم وحدة الكنيسة (وهذا لا يزال هدفًا نبيلًا حتى اليوم) فقال أنه يتألم إذ يرى انقسامًا وخصامًا داخل الكنيسة مضيفًا: “لنفكر كم هو غير لائق أنه في نفس اليوم الذي يجلس فيه البعض حول وليمة العيد يجب أن يبقى آخرون ملتزمين بصوم قاسٍ، فلا ينبغي أن يكون هناك أي تقسيم إذ لم يترك لنا مخلصنا سوى يوم احتفالي واحد لفدائنا أي آلامه المقدسة وأراد كنيسة جامعة واحدة.”
وقد سارت كنائس الشرق والغرب بموجب هذه المعادلة لأكثر من ألف ومائتي سنة إلى أن تم اكتشاف الأخطاء الفلكية في حساب الأيام والسنين في التقويم اليولياني الذي صححه البابا غريغوري الثالث عشر في العام 1582.
ومع أن الاحتفال بعيد القيامة بقي في الأحد الأول بعد بدر الربيع وسارت عليه الكنائس إلا أنه أصبح يأتي أحيانًا إما متزامنًا مع فصح اليهود أو قبله في بعض المرات. وهذا أمر لم ترض عنه الكنائس الأرثوذوكسية التي بقيت ملتزمة بالتقويم اليولياني وهو ما أوقع الفروق بين مواعيد الكنيستين الشرقية والغربية عند الاحتفال بالقيامة.
احتفال الكنيسة الغربية بعيد القيامة ظل قائمًا بناءً على جزء من معادلة نيقية وهو أن يكون العيد في الأحد الأول الذي يلي البدر الذي يقع بعد الاعتدال الربيعي (بحسب التقويم الغريغوري)، متجاوزين ضرورة أن يقع العيد بعد فصح اليهود.
ظل استخدام التقويم اليولياني من قِبل الكنيسة الشرقية يؤدي إلى وقوع العيد بعد احتفال الكنيسة الغربية به أحيانًا بفارق أسبوع وأحيانًا بفارق خمسة أسابيع وفي مرات قليلة متزامنًا معه. في هذا العام (2024) احتفلت الكنيسة الغربية بعيد القيامة في الحادي والثلاثين من شهرمارس بينما احتفلت به الكنيسة الشرقية بعد ذلك بخمسة أسابيع أي في الخامس من مايو، وهذا الفارق الطويل يسبب حرجًا كبيرًا للمسيحيين وبصورة خاصة للمسيحيين المشرقيين. وسيتكرر هذا الفارق في السنوات 2032 و2040، لكن في العام 2025 سيكون العيدان الكاثوليكي والأرثوذكسي معًا في يوم أحد واحد.
إصلاح التقويم … باقتطاع 13 يومًا من السنة القبطية
ومع وجود أخطاء تراكمت عبر السنوات في احتساب الأيام والسنوات الكبيسة، برزت عيوب في التقويم اليولياني، إذ بات هناك عدم اتساق واضح بين التواريخ ودورة الفصول.
وعندها أعلن البابا غريغوريوس الثالث عشر، عام 1582، عن إصلاح في التقويم، واعتماد تقويم جديد بات يُعرف بالتقويم الغريغوري نسبةً إليه، وهو التقويم الميلادي المتَّبع في معظم دول العالم حتى يومنا.
لكن الكنائس الشرقية بقيت تتبع التقويم اليولياني لأسباب تتعلق بالحفاظ على التقاليد، ورفضت التبعية لقرارات بابا الكاثوليك.
وتظهر الفوارق بين التقويمين في احتساب الأشهر الشمسية والأشهر القمرية، فالفرق في السنة الشمسية نحو 13 يومًا، وفي السنة القمرية 4 أيام.
حاليًا، لم تعد الكنائس الغربية تلتزم بقاعدة نيقية القائلة بضرورة الاحتفال بالعيد بعد الفصح اليهودي، ولكنها تلتزم بمراعاة قاعدة الاحتفال به بعد اكتمال البدر الأول من فصل الربيع.
وهكذا فقد احتفلت بالعيد هذا العام في 31 مارس، بفارق خمسة أسابيع عن الكنائس الشرقية.
من جانبها، أخَّرت الكنائس الشرقية الاحتفال بالقيامة شهرًا كاملًا، لوقوع الاعتدال الربيعي بحسب التقويم اليولياني، في 18 مارس، وليس في 21 منه.
ثمّ أخَّرته أسبوعًا إضافيًا آخذة بعين الاعتبار مواعيد الفصح اليهودي الذي صادف هذا العام الأسبوع الأخير من شهر أبريل الماضي.
وفي عام 2025، سيحل العيد في تاريخ واحد لدى الطوائف كافة، وذلك ما يتكرر كل بضع سنوات.
منذ سنوات، تحاول الكنائس توحيد العيد في تاريخ جامع، ولكن هناك معوقات كثيرة منها الاختلافات في التقاليد إلى جانب تاريخ الانقسام بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية.
من جانبه أعد القمص يوحنا نصيف راعي كنيسة السيدة العذراء مريم بشيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية بحثًا من وقت قليل عن توحيد موعد الأعياد، ولخص فكرة التعديل في موعد الأعياد الذي سيقوم على إجراء يتم مرة واحدة فقط، وهو اقتطاع ثلاث عشر يومًا من السنة القبطية.
وأكد أنه يتم اتباع نفس الآلية المستخدمة في التقويم الغريغوري أحد أشهر التقويمات القبطية لضبط فروق الدقائق والثواني في ضبط التقويم القبطي عبر السنين، فيتم اقتطاع ثلاثة أيام من الشهر الصغير كل 400 سنة، واقتطاع يوم إضافي كل 4000 سنة، واقتطاع يوم إضافي كل 2000 سنة، وهكذا بعد هذا التعديل سيتطابق التقويمان تمامًا، ولا يكون هناك مجال للاختلاف نهائيًّا. وأكد “نصيف” أن الأمر لا يخص العقيدة نهائيًا بل تاريخيًا يخص التقويم فقط.
الأنبا كيرلس: توحيد الأعياد بين الكنيستين ترجع للاختلاف في التقويم وليس الاختلاف في العقيدة أو اللاهوت
من جهته، أشار الراحل الأنبا كيرلس وليم مطران الكنيسة الكاثوليكية بأسيوط أن البابا تواضروس منذ توليه الكرسي المرقسي وهو يبذل جهودًا في توحيد الأعياد بين الكنيستين، وإنها ليست المرة الأولى التي يخرج ويصرح فيها بأنه يسعي لتوحيد الأعياد، ففي أكثر من مرة خلال سفره للخارج يصرح بذلك، وهو موقف شجاع يُحسب له.
وِأكد أن مسألة توحيد الأعياد بين الكنيستين ترجع للاختلاف في التقويم بين الكنيستين وليس الاختلاف في العقيدة أو اللاهوت.
وأضاف أنه في ستينيات القرن الماضي، وبالأخص في عام 1965، في عهد البابا كيرلس السادس، اتفقت الكنيسة الكاثوليكية مع البابا كيرلس السادس على توحيد الأعياد لكنها واجهت اعتراضات شديدة.
وتابع أن الكنائس كانت تحتفل جميعها حتى 1582 بعيدي الميلاد والقيامة في نفس التوقيت، مشيرًا إلى أنه عيد الميلاد كان يُحتفل به يوم 25 ديسمبر الذي يوافق 29 كيهك، لكنه تغيير بسبب الحسابات الفلكية نتيجة احتساب عشرة أيام كاملة على التقويم الميلادي، ومنذ ذلك التوقيت حدث الخلاف، وكان يزيد يومًا كل 129 عامًا، حتى أصبح 7 يناير العيد الحالي.
وتطرق البيان إلى مسألة اعتماد موعد مشترك للاحتفال بعيد القيامة المجيد من قِبل جميع الكنائس، ونحن ندعو الكنائس الأرثوذكسية والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الأوسط إلى إعادة النظر في هذا الموضوع، كما نحث الكنائس على النظر جديًا في هذا الأمر بروح مسكونية. جاء البيان بمناسبة الاحتفال بمرور سبعة عشر قرنًا على انعقاد المجمع المسكوني الأول في نيقية (325-2025 م).