15.4 C
Cairo
الإثنين, ديسمبر 23, 2024
الرئيسيةتحقيقاتبالتزامن مع العيد الرابع لتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية .. افتتاح بيت العائلة...

بالتزامن مع العيد الرابع لتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية .. افتتاح بيت العائلة الإبراهيمية كتجسيد واقعي للوثيقة .. وسر غياب شيخ الأزهر!

بالتزامن مع العيد الرابع لتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية .. افتتاح بيت العائلة الإبراهيمية كتجسيد واقعي للوثيقة .. وسر غياب شيخ الأزهر!
هل هناك العلاقة بين بيت “العائلة الإبراهيمية” و”الديانة الإبراهيمية”؟
الأزهر والكنيسة المصرية يرفضان “الديانة الإبراهيمية” .. فمن وراؤها؟

تحقيق: إيهاب أدونيا

منذ أيام قلائل، افتتحت الإمارات بيت العائلة الإبراهيمي كإحدى نتائج وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقَّعها ممثلون عن الديانات الإبراهيمية عام 2019، حيث يمثل بيت العائلة الإبراهيمية قوة دفع كبيرة لتنفيذ بنود وثيقة الأخوة الإنسانية ودعم مسيرة انتقالها من النظرية إلى التطبيق، إذ يُعَدُّ بيت العائلة الإبراهيمية إحدى الآليات المهمة لتنفيذ بنود وثيقة الأخوة الإنسانية.

وحضر الحفل نيابةً عن الأزهر رئيس جامعتها السابق، محمد حسين المحرصاوي، ورئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان بالفاتيكان، الكاردينال ميجيل أنخيل أيوسو جيكسوت، والحاخام الأكبر للتجمعات العبرية في بريطانيا والكومنولث، السير إفرايم ميرفيس.

لم يذهب شيخ الأزهر هذه المرة بسبب شدة الهجوم عليه من علماء الأزهر ومن صحفيين يتحدثون عن ملفات فساد داخل المشيخة.

وقالت حسابات على السوشيال ميديا إن شيخ الأزهر “خائف” من اتهامات فساد توجهها أجهزة الدولة لـ “ناس مقربين منه”، منهم مستشاره السابق محمد عبد السلام المقيم في الإمارات، والمحرصاوي الذي ذهب بديلًا للشيخ لافتتاح “البيت الإبراهيمي”.

ويضم “بيت العائلة الإبراهيمية” دور عبادة ثلاثة، هي مسجد “الإمام الأكبر أحمد الطيب”، وكنيسة “البابا فرانسيس”، وكنيس “موسى بن ميمون”، لإبراز القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية، وهو يحفظ –بحسب المشاركين– لكل دين خصوصيته، مقدمًا بذلك صرحًا عالميًا يجسد تواصل الحضارات الإنسانية والرسالات السماوية، ويعكس قيم الاحترام المتبادل والتفاهم بين أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث، ليشكل للمرة الأولى مجتمعًا مشتركًا، تتعزز فيه ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات.

وقال حمد خليفة المبارك، رئيس بيت العائلة الإبراهيمية، إن “تأسيس هذا البيت يأتي ليشكل امتدادًا لرؤية السلام وقيم التفاهم والاحترام المتبادل في دولة تحتضن اليوم أكثر من 200 جنسية من حول العالم.”

وأعرب عن أمله في أن “يكون هذا الصرح مصدر أمل لأجيال المستقبل، ومنارة تجمعهم على الخير، لأجل عالم متفاهم ومتعايش بسلام.”

وأوضح أن هذه المرافق الثلاثة تتيح للزوار فرصة الاستفادة من الخدمات الدينية التي توفرها، وممارسة شعائرهم وعباداتهم.

كما يمكن للزوار حجز الجولات الإرشادية، والمشاركة في الاحتفالات الدينية، والاطلاع على المعتقدات الإيمانية والدينية المختلفة.

ويضم بيت العائلة الإبراهيمية ملتقى ومعرضًا وحديقة، حيث يوفر الملتقى منصة للحوار المفتوح وتبادل المعارف والخبرات والتجارب، ويدعو المعرض العام إلى التأمل في عبادات ومعتقدات الديانات الإبراهيمية، بينما توفر الحديقة والملتقى منصة للقاءات الحوارية والندوات العامة ومبادرات الشباب.

على الجانب الآخر، يواجَه ذلك الصرح وتلك الوثيقة بالكثير من الانتقادات، حيث يرى البعض أن تلك الإسهامات ما هي إلا تأييد غير مباشر لفكرة ذوبان العقائد في دين واحد جديد، ويرى البعض الآخر أن مناقشة العقائد، أو توحيدها، لن تكون الطريق الأصوب نحو التقريب بين الأديان. المشكلة الأساسية عبر التاريخ هي ممارسات أتباع العقائد، وهي السياسة لا الدين. خلط الدين بالسياسة هو ما أنتج ظاهرة العنف المسلح بين الديانات الإبراهيمية الكبرى. وهذا الخلط كان مرتبطًا بزمن تاريخي كانت السياسة والدين فيه شيئًا واحدًا، وظواهر مثل الفتوحات الإسلامية والحروب الصليبية والاستعمار الغربي للعالم المسلم تنتمي كلها إلى هذا الزمن. الفصل الحاسم بين الدين والسياسة هو ما يُنهي الصراع التاريخي الطويل بين أتباع هذه الديانات، ويفتح مجالًا حقيقيًّا للتعايش بينهم، ليس على أرضية «ذوبان العقائد» أو البحث عن مشتركاتٍ لم تكن أبدًا –في الواقع– سببًا للوئام أو التآلف، وإنما على أساس تقبُّل الآخر كما هو، والامتناع عن التبشير بالعنف أو الإجبار بأي صورة من الصور.

في السطور التالية، سنتطرق إلى وثيقة الأخوة الإنسانية من حيث بنودها وبعض الآراء فيها:

مقدمة الوثيقة: الإيمان بالله سبحانه وتعالى يدفع الأفراد لأن تحب بعضها البعض عندما يرى المؤمن في الآخر أخًا له، فهذا ما تدعو له الأديان المساواة والعدل.

صحيح أنَّ العالم المعاصر يعيش في ظل الثورة الرقمية والتكنولوجيا والتقدم العلمي، إلا أنه يعاني الكثير من الأزمات كالفقر والحروب والظلم الاجتماعي أيضًا، بالإضافة إلى التطرف والإرهاب والعنصرية.

الوثيقة بمثابة خارطة الطريق للأجيال القادمة لتقودهم نحو عالم تسوده الإنسانية والإخاء ويجمعه الاحترام المتبادل والتعاون.

القسم: تبدأ الوثيقة بالقسم باسم الله العظيم الذي ساوى بين البشر في الحقوق والكرامات، وباسم فقراء العالم والبؤساء والمحرومين والمهجرين والأرامل، وباسم العدل والرحمة والإنسانية التي تجمع البشر جميعهم.

نشر ثقافة التعايش السلمي بين الأديان: تعلن الوثيقة أن الأزهر الشريف ومسلمي الأرض من مغاربها إلى مشارقها، والكنيسة الكاثوليكية والكاثوليك في الشرق والغرب يتبنون نهج الحوار والتعارف المتبادل، وتتعهد بالعمل على نشر ثقافة التعايش السلمي والإخاء بين الشعوب.

وتدعو للسعي لإيقاف ما يشهده العالم من صراعات وتنافر وحروب، وما يحدث من تراجع ثقافي وأخلاقي.

وأيضًا تدعو المفكرين والإعلاميين والعلماء والمبدعين في العالم أن يكونوا المثال الذي يُحتذى وخير مَنْ يقود، وعليهم السعي لنشر القيم العليا بين الناس من تسامح ومحبة وإخاء.

إدانة التطرف: تؤكد الوثيقة أن الحضارة البشرية ترافقت بالكثير من الجوانب الإيجابية في مجالات مختلفة علمية واقتصادية وصناعية، إلا أنه لا بد من لفت النظر أيضًا إلى ما رافقها من تراجع القيم الإنسانية والأخلاقية، وسيطرة النزعات الطائفية، وغياب الضمير الإنساني والرادع الديني والأخلاقي، لتحل المتاع الدنيوية مكان المبادئ السامية ويسيطر اللامبالاة مكان المسؤولية. وهذا ما أدخل الكثيرين في دوامة التطرف إما إلحادًا أو تعصبًا أعمى للدين، فضلًا عما سببه للبعض من شعور باليأس دفعهم للإدمان وقتل الذات.

التأكيد على مجموعة من النقاط: تؤكد أن الرسالات السماوية والأديان جميعها تدعو للتمسك بقيم الأخوة والسلام وتدعو للعدل والمساواة والحكمة والتسامح.

وأن الحرية من أهم حقوق أي إنسان على هذه الأرض، كالحرية الفكرية والدينية وحرية التعبير.

وأن العدل والرحمة هما أساس الحياة الكريمة.

وأن قبول الآخر مهما كان مختلفًا عرقًا ولونًا ودينًا وفكرًا هو أساس التسامح الإنساني.

حماية دور العبادة من مساجد وكنائس ومعابد في عهدة الأعراف والقوانين الدولية وواجب عليها، واعتبار أن أي انتهاك لها هو خروج عن التعاليم الصحيحة للدين وهو أيضًا انتهاك للمواثيق الدولية.

الأديان نقطة التقاء تجمع الشعوب بالحوار لا بالجدل العقيم.

وأن الدين لا ينتج إرهابًا، ولو تمثل الإرهابيون به وحملوا شعاراته، فالإرهاب الذي يرفع الدين شعارًا ما هو إلا فهم خاطئ متوارث للنصوص الدينية، وتراكم لسياسات الفقر والجوع والظلم.

تكريس مفهوم المواطنة الذي يقوم على التساوي في الحقوق والواجبات، وينعم فيها الجميع بالعدل.

العلاقة التي تجمع الشرق بالغرب تكاملية، لا بد من تكريسها من خلال تبادل الحوارات والثقافات.

الاعتراف بدور المرأة على مرِّ التاريخ، وحقها في العمل والتعلم والمساواة جنبًا إلى جنب مع الرجل.

التأكيد على حماية حقوق الأطفال، وضرورة الرعاية السليمة لهم انطلاقًا من الأسرة والمجتمع، وخصوصًا في ظلِّ الثورة الرقمية الحديثة والمخاطر التي يتعرضون لها.

التأكيد على الدور الذي تلعبه الأسرة، كأصغر نواة في المجتمع، في تربية الأبناء التربية القويمة أساسها القيم النبيلة والتمسك بالتعاليم الدينية الصحيحة.

ضرورة حماية حقوق الضعفاء من كبار السن والعجزة وذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال توفير بيئة من التشريعات الخاصة بهم.

التعهد: تتعهد الوثيقة في الختام بالعمل لإيصالها لصناع القرار والمؤثرين في العالم من منظمات وحكومات ومؤسسات، والعمل على نشر مبادئها على كافة المستويات إقليميًا ودوليًا، فالوثيقة دعوة لشعوب العالم للتآخي، بغية الوصول لأسمى الأهداف العالمية ألا وهو التعايش السلمي في ظل السلام.

محطات في مسيرة وثيقة الأخوة الإنسانية

ديسمبر 2020

في 22 ديسمبر عام 2020، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع بيوم 4 فبراير، الذي يوافق ذكرى توقيع الوثيقة، يومًا دوليًّا للأخوة الإنسانية، يحتفي به العالم كل عام، اعترافًا منها بأهمية ما تضمنته الوثيقة من مبادئ إنسانية سامية، والتأكيد على أن التفاهم المتبادل والحوار البنَّاء يشكلان بُعدين مهمين من أبعاد الثقافة العالمية للسلام والوئام بين جميع البشر على اختلافهم وتنوعهم.

فبراير2021

وفي 4 فبراير 2021، احتفى العالم لأول مرة باليوم العالمي للأخوة الإنسانية، كما سُجلت الحملة العالمية “رسائل الأخوة الإنسانية” ضمن موسوعة غينيس للأرقام القياسية، باعتبارها أكبر عدد تعهُّدات لحملة عالمية للسلام خلال 24 ساعة. وفي اليوم نفسه من عام 2022، احتفى العديد من رموز وقادة العالم، كان أبرزهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وقداسة البابا فرنسيس، والرئيس الأمريكي جو بايدن بالذكرى الثانية لذكرى اليوم الدولي للأخوة الإنسانية، كما نُظمت العديد من الفعاليات المختلفة في إكسبو دبي 2020 بالتعاون مع وزارة التسامح والتعايش بدولة الإمارات العربية المتحدة احتفاءً بهذه المناسبة.

 مايو 2022

شهد عام 2022 انطلاقةً عالميةً لوثيقة الأخوة الإنسانية؛ ففي 19 مايو 2022، أعلن رئيس تيمور الشرقية اعتماد وثيقة الأخوة الإنسانية وثيقة وطنية لبلاده وإدراجها ضمن مناهج التعليم، كما اعتمد قادة وزعماء الأديان العالمية والتقليدية المشاركون في المؤتمر السابع في كازاخستان وثيقة الأخوة الإنسانية باعتبارها أساسًا للمساهمة في تعزيز السلام والحوار.

سبتمبر 2022

وفي سبتمبر 2022، استضافت جامعة جورج تاون مؤتمر “بناء التضامن بين الأديان” لورش العمل والمناقشات حول تعزيز وثيقة الأخوة الإنسانية، بمشاركة طلاب من جميع أنحاء العالم.

 أكتوبر 2022

وفي أكتوبر 2022، قام مؤتمر الولايات المتحدة للأساقفة الكاثوليك بتوزيع وثيقة الأخوة الإنسانية على أكثر من 200 من الأساقفة في أمريكا، والتزموا باستخدام الوثيقة مرجعًا للحوارات الوطنية بين الأديان في المستقبل.

 كما أدرجت جامعات ومدارس في الإمارات العربية المتحدة ومصر ومملكة البحرين ولبنان وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها الوثيقة في برامجها الدراسية، كما أصبحت الوثيقة محل اهتمام العديد من الباحثين حول العالم.

شيخ الأزهر: الوثيقة تؤسس لعالم ينعم فيه الجميع بالتسامح والعيش المشترك

قال شيخ الأزهر أحمد الطيب إن السلام والحوار وقبول الآخر هو شغله الشاغل، وكان ذلك هو الأساس الذي قامت عليه الجهود المشتركة بينه وبين البابا فرنسيس.

وأضاف شيخ الأزهر: “لقد قادنا التقارب في الرؤى إلى صنع وثيقة الأخوة الإنسانية، لتخرج للعالم في شكلها الحالي ولتكون بمثابة ‘وثيقة عالمية’ تؤسس لسلام عالمي حقيقي وعالم ينعم فيه الجميع بالتفاهم والتسامح والعيش المشترك.”

الأنبا إرميا: وثيقة الأخوة الإنسانية إعلان متكامل لبيان وحماية حقوق الإنسان

قال الأنبا إرميا، الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، إن الإنسان هو أكرم مخلوقات الله وله قيمة كبيرة في كل الأديان، وإن وثيقة الأخوة الإنسانية قدمت إعلانًا متكاملًا في حقوق الإنسان وحماية حقوقه، مشددًا على ضرورة رعاية ذوي القدرات الخاصة، ليكونوا عنصرًا فعالًا في المجتمع، وأن ذوي القدرات الخاصة ليسوا معاقَبين من الله بإعاقاتهم، ولكنها قدرات الله في خلقه، ليتكامل المجتمع في رعاية بعضه بعضًا.

وأضاف أن ذوي الهمم يجب أن ينالوا محبة كبيرة من الأسر ومن المجتمع، فهذا حقهم وواجبهم علينا، وقد كان لهم نصيب من اهتمام أنبياء الله ورعايتهم، فهذا تأكيد على ضرورة الاهتمام بهم في كل زمان ومكان.

انتقادات للوثيقة وللصرح الإبراهيمي .. هل لهما أهداف خفية؟

من المعروف أن الهدف المعلن من وثيقة “الأخوة الإنسانية” التي وقَّعها الدكتور أحمد الطيب والبابا فرانسيس في أبو ظبي في فبراير 2019، برعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، هو إطلاق “بيت العائلة الإبراهيمية” والذي يُعتبر صرحًا للحوار الحضاري البناء، ومنصة للتلاقي من أجل السلام والأخوة الإنسانية وبناء جسور التواصل والتعايش والتعاون بين الجميع، ومركزًا ثقافيًا يجتمع فيه الأخوة في الإنسانية بمختلف انتماءاتهم. وسيوفر المبني الرابع برامج تعليمية وفعاليات متنوعة، تهدف إلى تعزيز التبادل والتعاون الثقافي والإنساني بين الأديان والأخوة بين البشر بمختلف انتماءاتهم!!

بينما يرى آخرون أن هناك أهدافًا خفية مرفوضة وراء ذلك الصرح الهدف الخفي تكمن في دمج المعتقدات بانصهارها، فالدعوة لـ “الإبراهيمية” تبدو في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة للمزج وتحلل الشرائع داخل قالب واحد، وهي “أضغاث الأحلام” في رأي البعض ولن يقبل بها اليهود أو المسيحيون أو المسلمون المتمسكون بشرائعهم، فكل الشرائع السماوية تدعو للحب والسلام ولكنها نزلت في حقب تاريخية وظروف مختلفة ومراحل تخاطب بها مواقف وأحداثًا وعقولًا بشرية لا ينفع أن تمتزج أبدًا، لسبب بسيط جدًا هو أن كل فئة لا تعترف بالفئة التي بعدها!! إذًا يمكننا أن نعيش في سلام وحب ولكن كل منا على شريعته.

مصمم بيت العائلة الإبراهيمية: تستكمل دور العبادة بعضها بعضًا رغم تفرُّدها برسالتها الخاصة

من جهته، قال السير ديفيد أدجاي، مصمم بيت العائلة الإبراهيمية: «استلهمنا تصميم بيت العائلة الإبراهيمية من القيم الإنسانية المشتركة التي تجمعنا حول العالم، وهي تُجسد بطبيعتها القواسم المشتركة بين الأديان الثلاث. تستكمل دور العبادة بعضها بعضًا، رغم تفرُّدها برسالتها الخاصة التي تعكس تطور الثقافة المتعلقة بالأديان عبر الأزمان. ومن خلال بناء بيت العائلة الإبراهيمية، تؤسس دولة الإمارات صرحًا يشكّل علامة فارقة لما تمثله من مكانة ودور عالميين. ونأمل أن يمكّن بيت العائلة الإبراهيمية –في احتفائه بالديانات الإبراهيمية الثلاث– أفراد المجتمع من مختلف المعتقدات من التعلم والمشاركة في تعزيز التعايش السلمي لدى الأجيال القادمة».

هل هناك علاقة بين ما يُسمى بـ “الديانة الإبراهيمية” و”بيت العائلة الإبراهيمية”؟

 الديانة الإبراهيمية هي مشروع بدأ الحديث عنه منذ فترة، أساسه العامل المشترك بين الديانات الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، باعتبارها أديانًا إبراهيمية، نسبةً إلى النبي إبراهيم.

الهدف المعلن للمشروع هو “التركيز على المشترك بين الديانات والتغاضي عما يمكن أن يسبب نزاعات وقتالًا بين الشعوب.”

نشأة الفكرة وتطورها

في أوائل التسعينيات، جاءت بذرة هذه الفكرة الخبيثة، وذلك في رسالة من رجل يُدعى نصير، وهو سجين مصري في السجون الأمريكية متهم بالإرهاب وبقتل الحاخام اليهودي مائير كاهانا. وتتضمن هذه الرسالة فكرة مشروع “الاتحاد الإبراهيمي الفيدرالي”، وتهدف لتحقيق المصالح الأمريكية وتقليص الصراعات في الشرق الأوسط. وقد أرسِلت هذه الرسالة إلى عدة شخصيات أمريكية منهم هيلاري كلينتون، دون جواب من أي منهم.

وفي عام 2000، تمَّ تبني الفكرة عمليًّا وتمهيد الطريق لها حينما تسلَّم ديك تشيني رسالة نصير وردَّ عليه قائلًا: “وصلت الرسالة.” وفي عهد الرئيس الأمريكي أوباما، اكتسبت الفكرة زخمًا واهتمامًا كبيرين مقرونًا بمبادرات تمهيدية في أرض الواقع السياسي والثقافي والأكاديمي، كما يظهر من زيارة أوباما للقاهرة.

وفي عام 2004، تمت بلورة المصطلح والفكرة أكاديميًّا من خلال تبني بعض الجامعات لها بالبحث الأكاديمي والتسويق العلمي، وإنضاج المشروع مؤسساتيًّا من خلال تهيئة الأرضية المؤسساتية والمجتمعية والفكرية والنفسية لتبنِّي الإبراهيمية، وكذلك التطبيقات التمهيدية بالتنفيذ الجزئي للمسار الإبراهيمي مع برامجه التنموية والسياحيَّة.

وفي عام 2020، كان اكتمال نضج المشروع والتنفيذ المعلن والنشط له في ظل إدارة ترامب ونتنياهو والتي كانت موجات التطبيع أهم ملامحها وبرامجها.

كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أول مَنْ أطلق مصطلح “الدين الإبراهيمي الموحد” عندما قامت الإمارات العربية المتحدة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، واصفًا ذلك بـ “اتفاقيات أبراهام”، وهو ما يعني أن الغرض الأساسي من إطلاق هذه التسمية كان سياسيًا بحتًا.

وعليه، وجدت بعض الدوائر الفكرية الأمريكية، وأبرزها معهد بيس آيلاندز، في مسألة دعوتها للبلدان العربية التطبيع مع إسرائيل منفذًا للدعوة إلى توحيد الأديان السماوية – الإسلام والمسيحية واليهودية – تحت راية دينية موحدة، وهي الإبراهيمية.

وتُعتبر جمعية “اللقاء بين الأديان”، وتُعرف اختصارًا بـ “I I I”، الجهة الداعمة الرئيسية لهذا التوجه الفكري والديني. وتسعى الجمعية إلى تأسيس دولة واحدة تجمع شعوب العالم في ظل عقيدة موحدة. لكن يرى مراقبون أن هناك أهدافًا سياسية خفية تحرك مساعيها. وقد أثارت «الديانة الإبراهيمية» الكثير من اللغط مؤخرًا، خاصةً بعد نفي البابا تواضروس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية والدكتور القس أندرية زكي رئيس الكنيسة الإنجيلية وكذلك نفي الشيخ الطيب منذ أكثر من عام أي علاقة بتلك الديانة أو تأييد لها.

والديانة الإبراهيمية هي قصة لا أصل لها ولا فصل. لم يتحدث بها أحدٌ حديثًا واضحًا، وليست لها دعوة تتبناها جماعة أو هيئة، ولا تقوم عليها دولة أو مؤسسة. هي مجرد حديث في الفضاء ارتبط، غالبًا، بتوقيع اتفاقيات التطبيع بين كل من الإمارات والبحرين من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، وهي الاتفاقيات المعروفة باتفاقات «إبراهيم»، في أغسطس 2020.

وهناك مَنْ يراها مؤامرة سياسية خبيثة تحمل بين طياتها العسل المر، وهناك مَنْ يراها فكرة لطيفة من أجل التقارب والتعايش بين أبناء الديانات الإبراهيمية الثلاثة.

من جهة أخرى، تنفي الإمارات دعوتها لدين جديد يُدعى بــ “الإبراهيمية” مؤكدةً أن فكرة “بيت العائلة الإبراهيمية” هي محاولة للتعايش والحوار بين الأديان في محيط مساحي معين يشمل الديانات السماوية في مساحات متساوية لتقديم الشعائر والطقوس، كل منها بطريقته، وأنه ليس لها هدف إلا تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي وتقديم رؤية شاملة وعملية لتعزيز تنفيذ وثيقة الأخوة الإنسانية.

تأصيل الفكرة

ركيزة الدين الإبراهيمي الموحد هي المنشأ المشترك للأديان الإبراهيمية الذي طالما دفع الكثيرين إلى التعجب من المسار الذي اتخذته العلاقة بينها. يتحدث كل من العهد القديم والعهد الجديد والقرآن عن عالم روحي واحد، وعن ذات الأنبياء، وعن قيم كثيرة متماثلة، ونظرة إلى العالم والإله فيها الكثير من القواسم المشتركة. والأهم أن هذه الكتب تتحدث عن إله واحد. فكيف، والحال هذه، انتهى الأمر بأتباع الديانات الثلاثة إلى إراقة كل هذه الدماء عبر القرون الطوال؟ كيف صارت العلاقة بينهم عنوانًا للصراع العالمي على السيادة، بالأخص في حالة المسيحية والإسلام، أو أضحت هذه العلاقة مثالًا على الاضطهاد المتواصل، كما الحال مع اليهودية؟

ويرى البعض أن رؤية الأديان التوحيدية هي، بالضرورة، غير قابلة للحلول الوسط مع الآخر. الدين التوحيدي يقوم على حقيقة مطلقة واحدة، لا تقبل الشك، وتستوجب الإيمان المطلق بها، والإنكار المطلق لما عداها. هذا في صلب العقيدة التوحيدية ذاتها، بل هو جوهرها الأعمق الذي يميزها عما عداها من النظم العقائدية الأخرى التي عرفها العالم. الديانة التوحيدية، بالتعريف، لا تقبل الحلول الوسط. وهى، بالذات في حالة المسيحية والإسلام، ديانة تبشيرية أتباعها مأمورون بنشر كلمة الله في الأرض بين الناس.

وبحسب الدكتور علي أبو الخير، الباحث والأكاديمي المتخصص في تاريخ الأديان والمذاهب، فإن “مشروع البيت الإبراهيمي” ما هو إلا تتمة لمشروع اتفاق أبراهام أو إبراهيم، وهو مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط الذي تختفي فيه معالم العروبة والإسلام لصالح الرؤية التوراتية الصهيونية. ويهدف البيت الإبراهيمي وبقية المشاريع المقبلة إلى التمكين لمشروع الديانة الإبراهيمية الجديدة على حد تعبيره.

ويقول الباحث سامح عسكر إن فكرة الدين الإبراهيمي في جوهرها تعني التسامح بين الأديان الثلاثة وهذا شيء جيد، لكنها وُظِّفت لصالح التطبيع مع إسرائيل. وفي الحقيقة، المسلمون والشرق الأوسط بحاجة لفكرة شبيهة للتسامح بين السنة والشيعة، فعندما توجد تلك الفكرة ويجري دعمها بنفس الزخم فلا مانع من دعم فكرة الدين الإبراهيمي.

.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا