هل يُصبح السودان ملاذًا آمنًا للإرهاب في قارة ملتهبة، بها صراعات كثيرة
الحرب الدائرة داخل السودان يمكن أن تنعكس على تدفقات المجموعات الإرهابية التي تنشط داخل قارة أفريقيا؛ وهنا سوف تُصبح السودان مرتكز جماعات العنف والتطرف، بحيث تأتيها هذه التنظيمات من العواصم الأفريقية في مناطق الساحل والصحراء والقرن الأفريقي، وسوف تنزح منها أيضًا لتهديد أمن البلاد المجاورة وهو ما سوف يُشكل تهديدًا لأمن المنطقة وقارة أوروبا.
ويضيف منير أديب، الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن الحدود المشتركة للسودان مع مصر وليبيا وتشاد وإثيوبيا سوف تُساعد كثيرًا في تعزيز وجود الإرهاب، وفي نقل خطره إلى منطقة الشرق الأوسط وإلى داخل قارة أوروبا، والأخطر أن الخرطوم سوف تكون مركز التقاء التنظيمات المتطرفة، كما أنها سوف تكون مركز التنسيق أيضًا، وهو ما يُشكّل خطرًا على أمن القارة والمنطقة ومنه سوف يصل هذا الخطر إلى قارات أخرى.
من دواعي الخطر أن ثمة مقاتلين مرتزقة سودانيين موجودين في عدد من الدول التي تشهد صراعًا مسلحًا مثل ليبيا، حيث يقدَّر عددهم بحوالي تسعة آلاف مقاتل، هؤلاء المرتزقة سوف يكونون نقطة التقاء المقاتلين السودانيين، ومنها ينطلقوا ليشكلوا خطرًا على أمن العالم.
تنامي جماعات العنف والتطرف سواء المحلية أو عابرة الحدود والقارات في بعض البلدان الأفريقية مثل القاعدة وداعش في مناطق شاسعة من بلدان مثل بوركينا فاسو ومالي سينعكس بصورة أكبر على السودان، فقد تنزح هذه المجموعات إلى الداخل لاستغلال الأوضاع المضطربة.
كما أنَّ من المحتمل أن تستغل جماعات العنف والتطرف الموجودة في أفريقيا الفراغ الاستراتيجي في ظل الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في الانتشار وإعادة تمركزها داخل السودان، وقد تتحول الخرطوم إلى مصدر خطر حقيقي للإرهاب في المنطقة بأكملها، فتكون أفغانستانًا جديدة بعد أن تتجمع فيها التنظيمات المتطرفة.
كما أن من المتوقع أن الحرب في السودان سوف تخلق بيئة مثالية لوجود التنظيمات المتطرفة ولنشاطها أيضًا؛ فدائمًا ما تبحث التنظيمات المتطرفة عن الفوضى حتى تستطيع أن تمارس نشاطها سواء في تنفيذ عمليات إرهابية أو في تجنيد أتباع ومقاتلين جدد، فإذا لم تجد مناخ الفوضى فإنها تعمل على خلقه، فلا يمكن لها أن تتمدد إلا في ظل الفوضى، ولعل الحرب توفر هذا المناخ وبالتالي تُعطي مساحة لانتشار الإرهاب.
وجود السودان في قارة ملتهبة، بها صراعات كثيرة سوف يُساعد في سرعة انتشار الإرهاب داخل السودان، كما أنه سوف يُساعد أيضًا في تصدير الإرهاب إلى داخل العواصم الإفريقية التي تشهد وجودًا قويًّا للجماعات المتطرفة في مناطق مثل الساحل والصحراء والقرن الأفريقي.
خصوصًا أن القارة الأفريقية تتغلغل فيها خمس مجموعات إرهابية مسلحة شديدة الخطورة، ولديها صلات بتنظيم القاعدة، وهي: “بوكو حرام” في نيجيريا، و”القاعدة في المغرب الإسلامي” شمال الصحراء الكبرى، وحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، وحركة “أنصار الدين” السلفية الجهادية في مالي، وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب أفريقيا.
لذا يمكن القول إن البيئة في أفريقيا والوضع الأمني في السودان سوف يُرشحان استمرار التنظيمات المتطرفة وانتقال توغّلها في الداخل السوداني في ظل الأوضاع السياسية غير المستقرة، فضلًا على عدم وجود حماية أو رقابة قوية على حدودها مع بقية الدول الأفريقية.
الإرهاب في السودان بين الهجرة والنزوح
على مدار أكثر من ثلاثة عقود هيأ النظام السياسي السابق السودان ليكون بيئة خصبة للإرهاب والإرهابيين، فبقدر استضافة التنظيمات المتطرفة وقادتها وتوفير بيئة عمل لها، وفّر هذا النظام المناخ الذي أنتج مزيدًا من التنظيمات أو ربما جعل السودان جاهزة لاستقبال هذه التنظيمات أو استعادة نشاطها المفقود بعد سقوط نظام البشير منذ عام 2019.
حيث انتشرت الخلايا والشبكات الأصولية من محاربين تعود أصولهم لعدد من البلدان، منها: مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، موريتانيا، الصومال، العراق، أفغانستان، فضلًا عن وجود حركة الجهاد الأريتري وحماس وحركة الجهاد المصرية والجماعة الليبية المقاتلة والحزب الإسلامي العراقي وغيرها، وقد أدّت تلك الأنشطة الإرهابية التي hحتضنها نظام الإسلاميين في الخرطوم إلى قرار الإدارة الأمريكية بوضع السودان ضِمن قائمة الدول الراعية للإرهاب وفرضت عليه عقوبات قاسية وعزلة دوليّة عانى منها طوال ثلاثة عقود.
الوجود المتجذر للإرهاب في السودان على مدار عقوده الثلاثة في عهد الرئيس السابق البشير شجع على تمركز جماعات الإرهاب داخل السودان، وربما يُساعد في انتقال شبكاته وتحركاته إلى خارج الدولة بعد نشوب الصراع المسلح بين قوَّتَي الجيش والدعم السريع.
خطورة الوضع في السودان لا تكمن في حالة الفوضى التي سادت البلاد على خلفية الحرب ولكن في البيئة المهيئة أو التي هيئت على مدار عقود الحكم البائد في البلاد، وهو ما يُرشح السودان لأن يكون بلدًا مستقبِلًا ومصدرًا للإرهاب في الوقت ذاتِه، بل ويستثمر فيه الإرهاب أيضًا، وألا يقتصر هذا الدور على الداخل الأفريقي وإنما سوف ينتقل منه إلى أوروبا ومنها إلى كل دول العالم.
وهنا يبدو طبيعيًّا هجرة ونزوح جماعات الإرهاب من السودان وإليه في ظل الحرب الدائرة والتي يتوقع أن تستمر وقتًا طويلًا، كما أنّ من المتوقع أن تكون خسائرها كبيرة ومتعاظمة من خلال انتشار جماعات العنف والتطرف.
المآلات الخطيرة التي يفرضها الوضع داخل السودان تتحمل مسؤوليتها القوى السياسية والأمنية داخل السودان، ولا يُعفى منها المجتمع الدولي ولا الدول الفاعلة التي لم تحتوِ الموقف، وهو ما سوف ينعكس على حالة الأمن الإقليمي والدولي معًا.
وهو ما يستلزم دورًا إقليميًّا ودوليًّا لمواجهة الظرف السياسي والأمني وحجم التحولات المتسارعة داخل السودان، وجمع الفرقاء على طاولة مفاوضات واحدة لإنقاذ السودان أولًا والإقليم والعالم ثانيًّا من هجرة ونزوح الإرهاب من السودان وإليه.
ما دون ذلك سوف يؤدّي إلى استنزاف السودان أمنيًّا وبالتالي سوف يصنع واقعًا أقرب إلى واقع أفغانستان، من الصعوبة حلُّه على المدى القريب، بل سوف يكون مصدر قلق بالغ لكل دول العالم بلا استثناء، وهنا لا بدّ من أن يكون للولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي دور في الضغط على المتحاربين من أجل إنقاذ السودان وإنقاذ دول العالم من مآلات الصراع الممتد.
ختامًا: الوضع في السودان بات خطيرًا ليس فقط على أمنه الداخلي، ولكن على الأمن الإقليمي وعلى كل دول العالم، فالصراع الأمني يفرض عددًا من التحوّلات سوف تصبُّ في صالح جماعات العنف والتطرف سواء الموجودة داخل السودان والتي رسّخ وجودها النظام السياسي السابق، أو التنظيمات المتطرفة ذات الامتدادات الخارجية.
وهنا سوف يُصبح السودان ملاذًا آمنًا للإرهاب، كما سوف يُصبح البلد المصدّر الأول للإرهاب أيضًا إذا استمر الظرف الأمني على وضعه دون تدخل يقلل من حدة الخطر أو يقضي عليه تمامًا، أو الانتقال إلى حكومة مدنية تكون أولى أولوياتها مواجهة خطر التنظيمات المتطرفة.
ودلالة الخطر أن جزءًا من المؤسسة الأمنية داخل السودان، وهو القوات المسلحة، قد صُبغ بلون أيديولوجي، من خلال الْتحاق عدد من الإخوان المسلمين بها، وهو ما يُرسخ عودة الإرهاب أو نشاط التنظيم داخل السودان في ظل الصراع المسلح.
تحركات التنظيمات المتطرفة داخل السودان تحت لافتة الإخوان أو الكيزان، للاستفادة مما سوف تفرضه الأحداث السياسية والأمنية، يؤكد أنهم سوف يفعلون أي شيء مقابل عدم خروجهم من المشهد السياسي، كما أنهم سوف يُحاولون دعم التنظيمات المتطرفة خارج الحدود لتحقيق الهدف المنشود أو لمساعدتهم على الأقل في تحقيق هدفهم.
لعل أسباب انتشار الإرهاب داخل السودان معروفة ولعل دلالاته باتت أكثر وضوحًا، وبالتالي سوف تكون التوقعات على قدر الخطر ومعها قد تتحول السودان إلى قِبلة للإرهابيين في أفريقيا.