القس رأفت رؤوف الجاولي
في (أف 5: 16)، يقول الرسول بولس: “مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة”
فالواقع يقول إن الوقت مهدر وإن علينا الالتزام ككنيسة المسيح اليوم بأن نستخدم أوقاتنا لتكون في خدمة فعلية في كل لحظة. وفيما يلي بعض المعاني لهذا الشاهد الكتابي باختصار:
“مفتدين الوقت”: الرسول بولس يستخدم تعبيرًا خاصًا للغاية، ففي الصفقات التجارية استثمار الوقت هام للغاية، وكذلك عند حدوث أمر غير متوقع، فالأب لو خُطِفَ ابنه المحبوب يكون على استعداد أن يدفع أية فدية ليحرر ابنه ويسترده، فابنه غالٍ جدًا في نظره. وباستخدام هذا التعبير، يعلن الرسول أن الوقت غالٍ جدًا. الموضوع يحتاج لتدريب لزيادة الأوقات التي نقضيها مع الله في السهر الروحي والصلاة ودراسة الكتاب المقدس، وبخدمة باذلة لله ولأولاد الله، فالأيام شريرة لأنها تخدع الإنسان فينجذب ويضيع هذا الوقت الثمين لحساب العالم الشرير. فلنستثمره ليصير وقتًا للسماويات.
وعند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك، أتابع الكثير من الكتابات شديدة القيمة لخدام أفاضل وكيف يتم التعليق عليها، وأرى من خلالها أن كنيسة المسيح اليوم تحتاج إلى حوارات ناضجة مع كل فكر روحي ومع كل نقاش لاهوتي فلا يخرج عن إطاره المألوف ولا يتعدى حدود اللياقة وأدب الحوار.
فكثيرًا ما يكون هناك توارد وتصارع أفكار حول أمر أو آخر وقد يكون هذا مليئًا بالصخب أو ربما التجريح ويعتقد البعض أنه يدافع عن قضية لاهوتية هامة أو يحامي عنها بطريقته الخاصة. وتنتشر مثل هذه الحوارات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك. ويبقى السؤال الأهم في أي موضوع يدور النقاش عنه: هل يتم استخدام بعض الكلمات دون مراعاة قرينتها لصبغ شخص أو أشخاص بصبغة أو صفة معينة؟ إذا كان هذا هو بيت القصيد فإنه يُعد جدلًا لاهوتيًا لا فكرًا لاهوتيًا. وللإيضاح نذكر الآن ما نعتبره فكرًا لاهوتيًا وذلك حتى يمكن التمييز بينهما بصورة أو بأخرى.
الفكر اللاهوتي وماهيته:
1- الفكر اللاهوتي هو نهج فكري ثابت:
النهج أو المنهج الفكري اللاهوتي الثابت هو الذي لا يتأثر بالتيار المحيط فلا يعود للخلف قيد أنملة ما دام موقنًا (في ضوء كلمة الله الثابتة إلى الأبد) أن ما يقوله هو الصواب. وليس هذا مدعاة إلى الكمال بل هو “الثبات على المبدأ” والذي من الممكن أن يزداد صاحبه عمقًا فيه لا أن يتأرجح بين معتقده ومعتقد آخر. وقد أنسى إذا ذكرتُ أسماء فأذكر البعض فقط لذا فسأتغاضى عن سرد الأسماء لأسباب كثيرة منها أن البعض يضع صفة فورًا لكل اسم قد يُذكر ومنها أيضًا أننا كبشر محدودين ذاكرتنا لا تسعفنا في التذكر الواضح لكل صاحب منهج لاهوتي، لكن من الواضح من جانب آخر أن مثل هؤلاء يدفعون الثمن، لا ثمن العناد بل ثمن الثبات على المبدأ.
2- الفكر اللاهوتي هو خلاصه دراسات عميقة متعددة:
صاحب الفكر اللاهوتي السديد لم يستمد قناعاته من آرائه الشخصية بل من قراءاته الموضوعية في كتب ومن دراساته اللاهوتية العليا، مع الفصل بين الغث والثمين. ولذا فليس كل مَنْ درس دراسات لاهوتية معتمدة أو غير معتمدة أصبح رائدًا لفكر لاهوتي بل مَنْ استمر دارسًا لدراسات أعلى مثل الدكتوراه لفهم حقائق هامة حول موضوع دراسته، وبعد اكتمال دراساته قد يجلس ممحصًا ما درس ليبدأ بنفسه في دراسة تزداد عمقًا لتشكيل هويته اللاهوتية. لذا لا توجد نهاية للدراسة بل إثراء مستمر لفكر الدارس. لا يوجد منطق يقول: “ليس في الإمكان أفضل مما كان”، فهو سلم ليست له نهاية من العرق والجهد والسهر المستمر.
3- الفكر اللاهوتي هو بناء لا هدم لأنه موضوعي لا شخصي:
صاحب الفكر اللاهوتي الحقيقي لم يأخذ هذا المنهج أو ذاك لكي يضاد أحد أو يسفه آخر بل لأنه ارتكز على موضوع هام لا يرى سواه موضعًا لدراسة تستحق البحث والتنقيب الواعي والجيد والمستمر. وهذا الارتكاز العميق هو الذي يضمن سلامة البحث المنهجي له بل يضمن أيضًا النتائج التي يصل إليها ما دام ناضجًا في فكره الكتابي. وقد يقول البعض إنه توجد مناهج تفسيرية متنوعة لكلمة الله لكن يجب على كل فاهم وواع التمسك بالثمين ورفض الغث. لا بد من الوعي بكل كلمه قبل نطقها أو طبعها لئلا تكون حجرًا قاسيًا لرجم الآخرين أو لرجم المفكر اللاهوتي لنفسه دون وعي بما يفعل.
مع صلاتي وتشوقي لبناء فكر لاهوتي عميق يشبع شعب الرب في زمن الجوع الروحي الآن.