القس برسوم سند
(2صم 1:12- 15)
المثل هو أحد الأساليب الأدبية والأخلاقية البسيطة التي تستخدم لتوصيل فكر ومغزى المتكلم إلى المستمعين أو المستمع للمثل. والمثل هو قول أو حكمة أو قصة قصيرة حقيقية أو رمزية يقدمها المتكلم ليوصل رسالته ومغزى خطابه للمستمعين لتوضيح المفاهيم أو تقديم تعليم أو المستمع لو كان هو المقصود بالمثل.
لقد أرسل الرب النبي ناثان إلى الملك داود، وقد وقف ناثان النبي في حضرة داود الملك وتلى عليه قصة الرجل الغني والآخر الفقير الذي لا يملك إلا نعجة واحدة، استولى عليها الغني وهيأ بها وليمة لضيفه. استخدم ناثان هذه القصة ليبلغ بها مراده وتوصيل غرضه.
وجدير بالذكر أن نقف هنا متأملين في هذه القصة القصيرة ذات المغزى البليغ التي تقدم صورة تشبيهية للموقف المغزى للملك داود والتي صارت كالمثل الذي يضرب. ولذلك سنتأمل في القصة وأحداثها، والقصة وتطبيقها، ثم القصة وتعاليمها.
أولاً: القصة وأحداثها
تحكي لنا القصة عن داود الملك، والمرأة بثشبع التي زوجها أوريا الحثي، وناثان النبي المرسل من الرب برسالة إلهية ليرد الملك داود عن شره. وسوف نقف أمام هؤلاء الأشخاص بتحليل بسيط نتعرف فيه على أشخاصهم.
1- الملك داود ابن يسى البيتلحمي: داود هو أحد أبناء يسى البيتلحمي وهو أصغر أخوته الثمانية، وقد كان راعيًا للغنم، ودعاه الرب ليكون ملكًا على إسرائيل، صار ملكًا أولاً على يهوذا في حبرون ثم على كل إسرائيل في أورشليم . كانت حياة داود كلها انتصارات وفي تقدم مستمر قد أسس المحاكم لتحقيق العدالة، ونجح أيضًا في التجارة والزراعة، ورتب نظم العبادة في خيمة الاجتماع، كان داود رجل حرب وله انتصارات متعددة وقد صار ملكًا عظيمًا من الملوك المعدودين في الأرض في ذلك الوقت.
سقط داود الملك في الخطية بدوافع متعددة منها التوقيت، كان ينبغي أن يكون مع جيشه المحارب، الفراغ الذي كان فيه حتى يصعد إلى سطح البيت للاستجمام، الشهوة التي دغدغت ضميره والهبت مشاعره، مشاعر الاستعلاء التي قادته إلى الاعتداء على مواطنيه العاجزين على مواجهة أصحاب المراكز العليا. لقد سقط داود في خطية الزنى انحدر وسقط في نظر نفسه، وفي نظر عائلته، وفي نظر شعبه، وفوق الكل سقوطه في نظر الرب (2صم27:11).
كان نتيجة خطية داود نتائج مألمة. مات الولد الذي ولدته له بثشبع، وموت ابنه أمنون بأمر من أخيه أبشالوم لأنه أذل أخته ثامار (2صم28:13)، ثم قتل أبشالوم الذي قام بحرب على أبيه الملك داود (2صم 14:18) وقتل أدونيا ابن داود (1ملو25:2)، وقد جلب أبشالوم العار على أبيه عندما أخذ سراريه في أعين جميع إسرائيل (2صم22:16).
2- بثشبع امرأة أوريا الحثي: كانت بثشبع زوجة لأوريا الحثي أحد أبطال داود، وكانت جميلة المنظر جدًا، وقد رآها داود على السطح وهي تستحم فأرسل وأخذها واتضجع معها وعندما علم أنها حامل أرسل وقتل زوجها وبعد قتل أوريا، أرسل داود وأخذ بثشبع وضمها إلى بيته وصارت له زوجة. لقد كانت بثشبع شريكة داود في إثمه، وكان طموحها كبيرًا لدرجة انها سيطرت على داود إلى المنتهى (1مل11:1-31).
3- ناثان النبي:
ناثان النبي وحكمته وشجاعته: أرسل الرب ناثان النبي إلى الملك داود. وتكلم ناثان النبي بكل حكمة إلى الملك داود الذي زنى مع بثشبع امرأة أوريا الحثي، ونام على خطيته أكثر من سنة. تكلم إليه بقصة ربما لم تكن حقيقية لكن فيها إشارات ودلائل واضحة عن رجل غني أخذ نعجة الرجل الفقير الذي لم يكن يمتلك غيرها وأعد وليمة بها لضيفه الذي جاء إليه. وكان حكم الملك على الرجل الغني أن يقتل. فكانت القصة هي السبيل الحكيم والشجاع ليقول النبي ناثان للملك داود (أَنت هو الرجل). وقد نجح بحكمته وشجاعته حتى أجبر الملك داود على الاعتراف أنه هو الرجل الذي اخطأ وأخذ نعجة الرجل الفقير الوحيدة وقدمها لضيفه.
ناثان النبي وقوته وبلاغته: لقد استخدم ناثان النبي في قصته إلى الملك داود ألفاظ وكلمات تعبيرية في منتهى البلاغة، فوصف الرجل الغني بغناه الفاحش وامتلاكه للغنم والبقر الكثير جدًا. أما الفقير فلم يكن له شيء إلا نعجة واحدةٌ صغيرة والرجل الغني رغم غناه ذبح نعجة الرجل الفقير وقدمها لضيافة ضيفه الذي جاء إليه. فكانت بلاغته صاعقة للملك. استطاع ناثان النبي أن يجعل الملك داود يعترف بخطيته بل واستطاع أن يقدم الرسالة الإلهية لتأديب الرب له نتيجة لخطيته. فالسيف لا يفارق بيته، تمرد أهل بيته عليه، أعطيت زوجاته لآخر أمام جميع الناس، وشماتة أعداء الرب عليه.
ثانيًا: القصة وتطبيقها
القصة التي استخدمها ناثان النبي تشير إشارة واضحة إلى أن الرجل الغني هو الملك داود، والرجل الفقير هو أوريا الحثي، والنعجة تشير إلى بثشبع امرأة أوريا الحثي والقصة لتطبيقها لها إشارات ودلالات قوية.
1- الخطية ليس لها كبير: سقط داود الرجل التقي نقي القلب أمام الرب. سقط في خطية الشهوة التي نفكر أنها هي خطية يسقط فيها الشباب أكثر من الكبار والخطاة وليس الأتقياء.
2- الخطية لها جاذبيتها: الخطية لها جاذبيتها ولمعانها. الخطية لها التوقيت الخطير الذي تشتغل فيه على الإنسان وقت الفراغ أو وقت الإحساس بالقوة، ولها الوسائل المتعددة وكأنها تسدد الاحتياج للشهوة وللفقر والضعف، وبذلك يسقط الإنسان في شباكها وتجلب عليه العار والخزي والمهانة.
3- المؤمن له ضعفاته وكبواته: المؤمن حينما يترك وصايا الله أو يهمل في التمسك بها، أو حينما يستجيب في وقت ضعفه لجاذبية الخطية ولمعانها. أو حينما ينسى أن يضع الأولويات في مكانها الصحيح، أو حينما يتمتع فرحًا بالامتيازات على حساب المسئوليات والمهام الكبرى والالتزمات الضرورية في حياة المؤمنين. يسقط في الخطية لا محالة.
4- الله محب لأولاده ويشفق عليهم: إن الله في محبته لأولاده لا يتركهم في خطيتهم بل يرسل له من يوقظهم وينذرهم ويعلن لهم محبته وقبولهم مرة أخرى لحضنه، وهو يغفر لهم خطاياهم التي سقطوا فيها، ويقبل لهم توبتهم، ويردهم إلى مكانتهم التي لهم عنده. الله في محبته أرسل النبي ناثان إلى الملك داود ليرده إلى مكانته، وتكلم الرب إلى إيليا ليشجعه وقت هروبه من وجه إيزابل زوجة أخآب ملك إسرائيل، وتكلم إلى يونان بأنقاذه بحوت يبتلعه ويقذفه بعد ثلاثة أيام، ويبنبه بطرس بنظرة.. إلخ.
ثالثاً: القصة وتعاليمها
1- على المؤمن أن يتسلح باليقظة ويهرب من الخطية: لمعرفتنا للخطية وخداعها وأساليبها الملتوية نهرب منها ونحذر من شباكها المنصوبة المخفاة وفخاخها المنتشرة. فقد أسقطت آدم وحواء في العصيان، وإبراهيم أبو المؤمنين في الكذب، وداود الملك في الزنى، وبطرس الشجاع في الإنكار.. إلخ.
2- على المؤمن التمسك بكلمة الرب وحفظ وصاياه (مز119: 105؛ مز119: 168).
3- على المؤمن الاعتراف بالخطية والله يقبل التائبين: لقد اعترف داود بخطيته والرب غفر له الخطية (2صم 13:12).
4- على المؤمن قبول تأديب الله الرحيم العادل: إن المؤمن يتألم نتيجة أخطائه والله يسمح له بهذا الألم للتنقية وللتأديب.
نحن نحتاج أن نكون منتبهين ونغلق على الخطية كل ثغرة حتى لا تدخل إلى حياتنا، وأيضًا نكون منفتحين لسماع صوت الرب ونعمل مشيئته ونتمم مرضاته في حياتنا. وبذلك نكون منتصرين نامين في معرفة الرب كل حين.