تحقيق: إيهاب قزمان
أصبح تنظيم “داعش خراسان”، الذي أعلن مسؤوليته عن هجوم موسكو الدموي “أكثر جرأة وعنفًا”، إذ امتدت هجماته من أفغانستان إلى باكستان ثم تركيا وأفريقيا وروسيا حاليًا. هذه الضربات أعادت تنظيم “داعش” إلى الواجهة، ودفعت الأذهان لتذكُّر سنوات الدم والدمار في سوريا والعراق تحت راية الدولة المزعومة. وما أثار الانتباه إلى خطورة “داعش” مجددًا ما خلفه الهجوم الذي نفذته عناصر تابعة له في روسيا حيث قتل العشرات، وهو ما أظهر سعيًا حثيثًا للتنظيم الإرهابي للعودة بقوة بعد خفوت أعقب العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي ضد معاقله في الشرق الأوسط ومقتل قيادات بارزة في صفوفه في وقت قصير، مما دفع البعض لتوقع اندثار التنظيم أو -على أقل تقدير- انتهاء دوره عالميًّا.
ما هي التوقعات لأماكن الضربات التالية كما يتوقعها الخبراء؟… وما هو تنظيم “داعش خراسان”؟… ومَنْ هو زعيمه؟… وما هي أشهر العمليات الإرهابية التي قام بها في الآونة الأخيرة؟… ولماذا تخشاه دول أوروبا في الوقت الراهن؟… تلك الأسئلة وغيرها سنجيب عنها في السطور القليلة القادمة.
ما هو “داعش خراسان”؟
داعش خراسان، الذي يعرف باسم (ISIS-K)، هو فرع للتنظيم الإرهابي الذي ظهر لأول مرة في سوريا والعراق. وفي حين أن المنتسبين يشتركون في أيديولوجية وتكتيكات، فإن عمق علاقتهم فيما يتعلق بالتنظيم والقيادة والسيطرة، لم يتم تحديده بالكامل. ويأتي اسم التنظيم “خراسان”، نسبة إلى اسم قديم للمنطقة التي تشمل أفغانستان وباكستان.
ونقل تقرير سابق لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، عن مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية ، أن فرع تنظيم داعش خراسان يضم “عددًا صغيرًا من المتطرفين السابقين من سوريا، وغيرهم من المقاتلين الإرهابيين الأجانب”.
وأشار المسؤولون إلى أن الولايات المتحدة “حددت ما بين 10 إلى 15 من كبار العناصر (بداعش خراسان) في أفغانستان”.
تم تشكيل “داعش خراسان” في عام 2014 على يد منشقين عن طالبان والقاعدة في باكستان وأفغانستان. وتبنى المنشقون رؤية أكثر عنفًا للظاهرة الجهادية الإرهابية. وفي عام 2015، عرّفت الجماعة نفسها رسميًا على أنها امتداد لتنظيم “داعش” في منطقة خراسان. ومثل داعش، يلتزم تنظيم “داعش خراسان” بهدف إقامة خلافة عابرة للحدود الوطنية، وهي دولة للمسلمين تحكم حسب تفسيرها المتطرف للإسلام.
ولدى هذا التنظيم تاريخ من الهجمات التي استهدفت مساجد داخل أفغانستان وخارجها، إذ حذّر أكبر جنرال أميركي في الشرق الأوسط خلال وقت سابق في مارس الماضي، من أن “داعش خراسان” يمكن أن يهاجم مصالح أمريكية وغربية خارج أفغانستان “خلال أقل من 6 أشهر ودون سابق إنذار”.
وفي وقت سابق من العام الجاري، اعترضت الولايات المتحدة اتصالات تؤكد أن التنظيم نفَّذ تفجيرين في إيران أسفرا عن سقوط قرابة 100 شخص.
مَنْ هو زعيم “داعش خراسان”؟ واشنطن ترصد مكافأة قيمتها 10 ملايين دولار لمن يأتي برأسه
يتزعم تنظيم “داعش- خراسان” “شهاب المهاجر” أو “ثناء الله غفاري”، الزعيم السادس لهذا الفرع، وأفغاني طاجيكي كان جنديًا في الجيش الأفغاني، وانضم لاحقًا إلى داعش خراسان الذي تشكل في أواخر عام 2014”.
منذ عام 2020، وضعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اسمه على قوائم الإرهاب لديهما. وهو يتمتع بخبرة عسكرية واسعة، مع أيديولوجية وتكتيكات التنظيم الأم من حيث العزم على إقامة “الخلافة” في جميع أنحاء العالم.
وقد سبق أن حذر تقرير سابق للأمم المتحدة في يونيو 2020 من خطورة فرع “داعش- خراسان” في ظل قيادة “المهاجر” الذي يعمل جاهدًا على ضم عناصر من المتشددين، سواء من “طالبان” أو “القاعدة” وغيرهما من تنظيمات، بهدف تعزيز صفوفه والتمكن من توسيع نشاط عملياته الإرهابية في آسيا وأوروبا على وجه الخصوص. وأعلنت واشنطن عن مكافأة قيمتها 10 ملايين دولار لمن يأتي برأسه.
بعد الهجوم على الكنيسة الإيطالية “سانتا ماريا” بإسطنبول هل ينجح “داعش خرسان” في تحويل أراضي تركيا إلى ساحة بديلة
عكس تصميم تركيا على ملاحقة فلول تنظيم داعش، ومواصلة القبض على ناشطي فرعه في خراسان، حرصها على عدم تحويل التنظيم أراضيها إلى ساحة تجنيد وتنفيذ عمليات إرهابية بعد تصاعد حدة الاستنفار الأوروبي ضد التنظيم وعناصره، وظهور بوادر تعاون بين روسيا وحركة طالبان.
وتخشى الأجهزة الأمنية أن تتحول تركيا إلى ساحة بديلة يثبت فيها داعش قدرته على الاستمرار وتنفيذ عمليات إرهابية فيها، إن لم تستبق الأحداث وتتخذ إجراءات احترازية كافية بالتوازي مع ما تنفذه الحكومات الأوروبية والاستنفار الروسي والأفغاني وجاهزية دول وسط آسيا للتعاون عقب هجوم موسكو في مارس الماضي وتزايد خطاب التحريض للقيام بعمليات إرهابية ضد الدول الغربية.
وأثبتت الاستعدادات المُعلنة من قبل السلطات الأمنية أن هناك حضورًا كثيفًا لخلايا كامنة لداعش في الداخل التركي قد تمثل خزانًا لتنفيذ عمليات، وقد جرى اعتقال ستة وثلاثين شخصًا تربطهم صلات بالتنظيم الأحد الماضي، بعضهم وفقًا لتصريحات وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا قادة وعناصر نشطة ويقومون بمهام التمويل والإمداد.
وحاول تنظيم داعش جعل الساحة التركية متنفسًا لعجزه عن القيام بعمليات في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية التي تلافت أخطاء الماضي ووسعت الصلاحيات التي تتمتع بها أجهزة الشرطة والاستخبارات وجعلت من الصعب التخطيط والتحضير لهجوم إرهابي نوعي على أراضيها.
وفي استجابة لدعوة المتحدث باسم التنظيم أبوحذيفة الأنصاري، في كلمة ألقيت في الرابع من يناير الماضي، من أسماهم “ليوث الإسلام” إلى “مطاردة فرائسهم من اليهود والنصارى وحلفائهم في شوارع أمريكا وأوروبا”، نفذ داعش هجومًا يوم الثامن والعشرين من يناير الماضي على الكنيسة الإيطالية “سانتا ماريا” بإسطنبول، في الوقت الذي وجد صعوبة في تنفيذ أي عملية داخل الولايات المتحدة أو دولة في أوروبا، على عكس الأهداف السهلة مثل استهداف تجمعات المدنيين وأماكن العبادة المسيحية واليهودية.
وينطوي لجوء داعش إلى تنفيذ عمليات إرهابية ضد مصالح أمريكية وأوروبية في الساحة التركية على تمتع خلايا التنظيم في هذا البلد بحرية أكبر ووجود أعداد من ناشطيه بحالة كمون وجاهزية، وهو ما دفع إلى تحذير الأمريكيين والأوروبيين رعاياهم المقيمين في تركيا من وقوع هجمات ضد المؤسسات الدبلوماسية وأماكن تجمعاتهم ودور العبادة.
ولجأ تنظيم داعش خراسان إلى التخطيط لعمليات في تركيا ومهاجمة القنصليتين السويدية والهولندية بإسطنبول بعد حادث حرق نسخة من القرآن في ستوكهولم من خلال عناصر طاجيكية وقوقازية وفقًا للائحة اتهام أعدها مكتب المدعي العام في إسطنبول، ما يعني حرص التنظيم على تجنيد أفراد من أصول آسيوية مع مسلحين أتراك لتهديد المصالح الأوروبية وجعل تركيا ساحة تجنيد وتنفيذ عمليات.
واكتشفت الأجهزة التركية ما أُطلق عليه اسم “كتيبة سلمان الفارسي” التابعة لداعش في ديسمبر الماضي، واتضح بعد اعتقال عناصرها أنها كانت تعد لعمليات ضد دور عبادة يهودية ومسيحية وبعثات دبلوماسية غربية.
ولا ترغب تركيا في أن يُنظر إليها أوروبيًا وأمريكيًا ومن قبل روسيا على أنها جزء من مشكلة استمرار تهديد داعش خراسان، بعدما ثبت عمليًا أن التنظيم العابر للحدود يستغلها كساحة ترانزيت للتنقل من سوريا إلى أفغانستان ثم إلى المناطق المستهدفة حول العالم.
وتقدم تركيا نفسها للأطراف الدولية الفاعلة كشريك وحليف أكثر موثوقية في مكافحة تنظيم داعش خراسان في المنطقة والعالم لتعويض قلة فاعلية الأطراف المرتبطة بالملف ولكسب عوائد سياسية وأمنية واقتصادية عبر لعب دور نوعي خلال مرحلة تشعر فيها مختلف المحاور بالتهديد.
جدير بالذكر أن مسلحين شنا هجومًا على كنيسة إيطالية في إسطنبول خلال مراسم دينية اليوم الأحد 28 يناير، ما أدّى إلى مقتل شخص واحد على الأقل.
عمليات داعش خرسان من باكستان إلى إيران والأكثر دموية الهجوم على حفل موسيقي في موسكو