جلوريا حنا
شاهدتُ مؤخرًا الجزء الثاني من فيلم “قلبًا وقالبًا” إنتاج شركة “ديزني”. ولمن لا يعرف، الجزء الأول من الفيلم يتحدث عن فتاة تُدعى “رايلي”، ويعرض لنا الفيلم مشاعر رايلي في شكل شخصيات تعمل داخل عقلها وكيف تتفاعل مع كل موقف تتعرض له الفتاة: فرح، وحزن، وخوف، واشمئزاز، وغضب. يدور الجزء الثاني حول رايلي وهي في سن المراهقة، والمشاعر الجديدة التي بدأت تستولي على عقلها غير المشاعر الخمس الأولى: توتر، وغيرة، وإحراج، وملل. يمكن أن نقول إن توتر وغيرة كانتا الأكثر سيطرةً على رايلي.
نعرف مع بداية الفيلم أن رايلي ستنفصل عن صديقتيها في المرحلة الثانوية، إذ ستذهبان إلى مدرسة مختلفة عنها، فتبدأ توتر في السيطرة على رايلي تدريجيًا منذ تلك اللحظة، بل وقامت بإقصاء المشاعر الأولى إلى العقل الباطن، ثم عملت على تغيير رايلي شيئًا فشيئًا – حبًا منها لرايلي – لتبتعد عن صديقتيها القديمتيِّن وتحصل على صديقات جديدات، وقد تم هذا في مخيم للعب الهوكي، لعبة رايلي وصديقتيها المفضلة.
تسير الأحداث وتوتر تكسر مبادئ رايلي الواحدة تلو الأخرى لتكون صديقة لمجموعة متميزة من لاعبات الهوكي، على الرغم من أن هؤلاء اللاعبات لم يطلبن منها ذلك ولم يعدنها بشيء. لكن كل ما كان يهم توتر هو أن تكون رايلي صديقة لهن كي لا تكون وحيدة في الثانوية، وبالتالي بدأت تضغط عليها بتصرفات لا تشبهها فقط كي تندمج معهن، تمر الأحداث فتعود فرح وتساعد توتر على استيعاب الأذى الذي سببته لرايلي تحت عذر المحبة والحماية، فترجع رايلي تدريجيًا إلى طبيعتها.
والآن لنُبق المشاعر جانبًا … رايلي كانت تحاول التأقلم مع معلومة أنها ستبدأ من جديد في المدرسة الثانوية بدون صديقتيها القديمتيِّن لذا فهي تعمل جاهدة كي تجد لها صديقات مناسبات. حاولت تغيير نفسها كي تندمج مع مجموعة رأت أنها ستكون مناسبة لكنها شعرت أنها أقل منهن كثيرًا، وهذا التغيير أثَّر عليها بالسلب حتى أتعب أعصابها تمامًا وبدأت تتصرف بشكل غريب مع أعضاء المخيم، ولم تعد لطبيعتها حتى قررت أن تترك آراء الناس جانبًا وتستمع فقط بما تفعل لأجل نفسها.
يشعر البعض أنه غريب في هذا العالم، وربما أيضًا داخل الدائرة الصغيرة التي يعيش فيها مثل المدرسة أو العمل، مما يضع عليه ضغط محاولة التأقلم مع مَنْ حوله، لكن قد يجعله هذا الضغط يفقد إيمانه وعلاقته بالله، وبالتالي نفسه. ليست المشكلة أبدًا في محاولة التأقلم مع مَنْ حولنا كي لا نشعر بالوحدة، لكن الإفراط في المحاولة قد يكلفك غاليًا إذا لم تنتبه إلى ما الذي تتخلى عنه أثناء المحاولة.
عزيزي … يحذرنا السيد المسيح قائلًا: «لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟» (مت 16: 26). نعم، إنه يتحدث عن الجانب الروحي من حيث علاقتي مع الله، لكن خسارة النفس وخسارة علاقتي بنفسي قد تُخسِّرني هي أيضًا علاقتي بالله، فمحاولة إرضاء الجميع أو البحث عن أي طريقة للتأقلم في العالم من حولنا سوف تخسرنا أنفسنا التي نماها الله فينا، وبالتالي علاقتنا مع الله ستتدهور، أو سنبتعد أكثر عنه إذا لم نكن في علاقة قوية منذ البداية.
يعلِّمنا الكتاب المقدس أننا بإيماننا بيسوع المسيح لم نعد بعد من هذا العالم، بل صرنا غرباء، وهذا يخبرنا إياه السيد المسيح قائلًا: «لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ» (يو 15: 19). لا يعني هذا أن نظل بعيدين عن الناس، بل من الطبيعي جدًا أن نحاول إيجاد مجموعة نألف لها، لكن هذا لا يكون على حساب أبديتنا. فلنطلب من الله أن يرشدنا لنعرف مَنْ يشبهوننا، ويدفعوننا إلى الأمام في علاقتنا معه، كي لا نخسر في النهاية.