تُعد الأورام التي تتكون داخل الجسم في غاية الخطورة لأنها لا تُكتشف إلا بمحض الصدفة من خلال إجراء بعض الفحوصات، ومن ضمن هذه الأورام ما يصيب الغدة الدرقية. وعما يخص هذه الأورام، حدثنا د. كيرلس مدحت فتحي – استشاري جراحة الأورام والجراحة العامة والمناظير وعضو الجمعية المصرية لأورام الكبد والبنكرياس. في البداية، قال د. كيرلس إن فكرة وجود بؤر الغدة الدرقية تتطلب إجراء فحص جيد، لتحديد ما إذا كانت الإصابة الموجودة في الغدة الدرقية هي بؤرة واحدة، أم أنها متعددة البؤر. وفي واقع الأمر، الغدة ذات البؤر المتعددة يكون نوعها حميديًا، ولا يتم اتخاذ أي إجراء طبي بشأنها، ولكن لو كانت هناك بؤرة واحدة أو بؤر متعددة، ولكن كانت من بينها بؤرة شكلها مختلف عن باقي البؤر، ففي هذه الحالة الأمر يستدعي القلق، وذلك لأن هذا يعني احتمالية وجود بؤرة خبيثة بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20% . وذكر د. كيرلس أنه لا اوجد أعراض لوجود أورام الغدة الدرقية، ومعظمها يُكتشف بالمصادفة، أو عندما يشعر الفرد بوجود نتوء، أو يتم اكتشافها عن طريق تضخم في الغدد اللمفاوية، لان بعض أورام الغدة الدرقية ترسل ثانويات للغدد اللمفاوية، حيث يمكن اكتشافها عن طريق وجود تورم في الغدة اللمفاوية، وعند عمل سونار يتم اكتشاف بؤرة في الغدة الدرقية. وميزة السونار أنه يحدد نوع البؤرة، أو يعطي تقسيمًا للبؤر بحيث إن البؤرة التي تأخذ رقم 4 تميل إلى كونها خبيثة، أما بالنسبة للرقيمن 1 و2 فيُعدان دلالة على أن البؤرة حميدة، أما رقم 3 فيدل على أن هناك اختلافات عليها من حيث حجمها ومدى تطورها في النمو أو ثباتها على نفس الحجم. وعن أنواع الغدة الدرقية، أوضح د. كيرلس أن هناك خمسة أنواع لأورام الغدة الدرقية، نوع من الخلايا الأساسية للغدة الدرقية (نسيج متمايز) ويضم نوعين أقل شراسة ونتائج الشفاء منهم عالية، وبالأخص عند الاكتشاف المبكر، وقبل حدوث ضرر للغدد الليمفاوية، أما الأنواع غير المتمايزة فهي تضم ثلاثة أنواع:
نوع عنيف يحتاج إلى تشريح الرقبة يسمى Medullary
ونوع عادةً ما يتم اكتشافه متأخرًا وهو خبيث جداًAnaplastic
ونوع يتم علاجه بشكل كيمائي Lymphoma
وأشار د. كيرلس إلى أن أمراض الغدة الدرقية المتمايزة تمتاز بأنها لا ترسل ثانويات للغدد الليمفاوية إلا في حالات قليلة، وبالتالي لا نحتاج لعمل تشريح رقبة إلا إذا ظهر وجود غدد ليمفاوية مصابة، وفي هذه الحالة فقط نضطر لعمل تشريح رقبة. وتشريح الرقبة عبارة عن إجراء فتح أمام عضلة الرقبة، ويتم تنظيف كل الغدد الليمفاوية الموجودة. وإجراء تشريح الرقبة يتم أيضًا في حالة أورام الغدد اللعابية، وأورام الغدة النكافية، وأورام الفك واللسان واللثة، ولكن كيفية التشريح تختلف وفقًا للمنطقة المصابة بالورم. بالنسبة لأورام الغدة الدرقية يكون التشريح الاعتيادي هو إجراء فتح أمام عضلة الرقبة للكشف عن شرايين وأوردة الرقبة، والأعصاب التي تسير في الرقبة، والأعصاب التي تمر من المخ إلى الصدر أو الزراع. وفي الأغلب، يتم استئصال الغدة بالكامل وليس جزءًا ويتم أخذ هرمون تعويضي بعد ذلك، وتجري متابعته من خلال طبيب الأورام، وليس مختصين الغدد الصماء، لأن زيادة الهرمون عن حد معين من الممكن أن تؤدي إلى ارتجاع الورم. وأشار د. كيرلس إلى أنه ليست كل أورام الغدة الدرقية تحتاج إلى يود مشع، ولكن بعضها تحتاج على حسب التحاليل بعد العملية ونتيجة العينة نفسها، إذا كان فيها غدد مصابة من عدمه، أو كانت هناك بوادر غير جيدة لنوع الخلية.
وعن الأسباب، قال د. كيرلس إنه لا توجد أسباب معينة، فالأسباب كلها نظريات، وعلى ذلك قد ترجع الأسباب إلى التعرض للإشعاع، أو وجود مشاكل في هرمون الغدة الدرقية. وأشار د. كيرلس إلى أن التشخيص يتم عن طريق السونار بشكل أساسي، وبعض التحاليل (دلالات الأورام)، وليس من الضروري أن تكون عالية، ولذلك لا يتم الاعتماد عليها بشكل أساسي في التشخيص، كما أن بعض الحالات تحتاج إلى أخذ عينة بإبرة، ولكن يؤخذ عليها عدم الدقة بسبب رُفعها، مما يصعِّب من الحصول على نسيج كامل.
وأوضح د. كيرلس أن استئصال الغدة الدرقية له مضاعفات تتمثل في: احتمال حدوث ارتجاع للورم في حالة عدم مراعاة المتابعة. في الأغلب يتم استئصال الغدد الجار درقية الملاصقة للغدة الدرقية وعددها 4. ضرورة المداومة على تعاطي كالسيوم مدى الحياة نتيجة نقصه بسبب الاستئصال. قد تحدث إصابة للأعصاب ولكن أصبح حدوث ذلك أقل باستخدام النضارة الميكروسكوبية والتي تجعل مساحة الجراحة أكثر وضوحًا بمعدل 3 مرات، مما يجعل رؤية الأعصاب سهلة، سواء الأعصاب المسئولة عن علو نبرة الصوت، أو الأعصاب المسئولة عن تحريك الأحبال الصوتية، والتي تتسبب إصابتها بحدوث فقدان للصوت أو اختناق. هناك احتمالية ضعيفة لحدوث إصابة للقصبة الهوائية، أو حدوث ضمور لها، حيث إن هذا يحدث بالأخص مع تضخم الغدة الدرقية بسبب فرط نشاطها فيؤثر ذلك على حجمها ويجعلها تضغط على القصبة الهوائية، مما يسبب حالة اختناق للمريض، وحدوث ضمور للقصبة الهوائية. وختامًا قدم د. كيرلس نصائح فيما يخص أورام الغدة الدرقية تمثلت في الآتي. في حالة اكتشاف بؤرة في الغدة الدرقية، لا بد من الرجوع للطبيب الأورام، وذلك لأن أطباء الجراحة العامة غير ملمين بمخاطر البؤر ويكتفون بالمتابعة فقط، كما أن أطباء الغدد الصماء يرون أنه طالما وظائف الغدة سليمة يبقى الوضع كما هو عليه، في حين أن وجود ورم لا يعني وجود خلل في وظائف الغدة الدرقية * أحيانًا يتم استئصال الغدة بسبب وجود بؤرة، وبعد الاستئصال يتبين أن الورم حميد، ولكن في بعض الأنواع يكون الورم حميدًا قابلًا لأن يتحول إلى ورم خبيث، ولذلك يُنصح في حال وجود بؤرة واحدة بأن يتم استئصال الغدة أفضل، أو لو كانت هناك بؤرة شاذة عن باقي البؤر الموجودة في الغدة فلا بد من استئصال الغدة إن لم نتمكن من الحصول على العينة المرجوة.