تحقيق: إيهاب قزمان
نصف قرن على تأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط، هذه المؤسسة التي شكلت نقطة تلاقٍ وتفاعل بين كنائس مهد المسيحية، حيث البشارة بقدوم السيد وولادته وكرازته وصلبه وقيامته، متممًا رسالته الخلاصية لبني البشر.
لقد مر المجلس بمراحل عديدة، وجذوره تعود إلى سنة 1929، حيث كانت مؤسسة سُميت آنذاك “المجلس المسيحي للشرق الأدنى”، تحولت تدريجيًا إلى “مجلس كنائس الشرق الأدنى” سنة 1964، ثم “مجلس كنائس الشرق الأوسط” سنة 1974، حيث اتخذ شكله الدستوري والتنظيمي الحاليين وبقى عليهما مع بعض التعديلات في التركيبة التنظيمية لم تغير في الجوهر شيئًا.
المجلس ينطلق من الإيمان والفكر المسكونيين، حيث يجري اعتراف متبادل بين الكنائس بالنسبة إلى الاتجاهات اللاهوتية والليتورجيا المتمايزة، وهناك قبول متبادل وشراكة متصاعدة وتفاعل يتعمق وتطلعات مصيرية مشتركة.
المجلس يتكون اليوم من أربعة عائلات كنسية: الأرثوذكسية الشرقية، والأرثوذكسية المشرقية، والإنجيلية، والكاثوليكية، وله مكاتب في عدة دول من المنطقة وينفذ برامج في مجالات اللاهوت والتربية الدينية والعلاقات المسكونية، وفي مجال التواصل والإعلام والمناصرة، وفي مجال الدياكونية والخدمة الاجتماعية، وفي مجال الحوار والتماسك الاجتماعي وتأهيل الكرامة الإنسانية والرأسمال الاجتماعي.
في السنة الخمسين لتأسيسه، يركز المجلس على جعل هذه المناسبة محطة تأمل وتقييم وحوار من أجل مستقبل أفضل للعمل المسكوني، أو المسيحي المشترك، في خدمة وحدة المسيحيين ووحدة المجتمع وفلاح وتقدم كليهما، لأن نظرة المجلس، المنبثقة من نظرة الكنيسة، هي أن المسيحيين يشكلون جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي لأوطانهم، وما يضير مجتمعاتهم يضيرهم، وما ينفع مجتمعاتهم يكون نافعًا لهم.
ويتميز مجلس كنائس الشرق الأوسط عن غيره من المجالس بأنه يغطي المنطقة التي وُلِدَ فيها السيد المسيح، ففي فلسطين وُلِدَ السيد المسيح وتمم الفداء، ومنها انطلق التلاميذ والرسل القديسون مبشرين بالمسيح الفادي والقائم من بين الأموات، وفي أنطاكية دُعي المؤمنون مسيحيين لأول مرة. أما مصرنا فقد أتت إليها العائلة المقدسة، وعاشت لأكثر من 3 سنوات على أرضها وضفاف نيلها، فالمسيحية إذن وُلِدت وترعرعت في منطقة الشرق الأوسط.
جدير بالذكر أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر استضافت فعاليات الجمعية العامة الثانية عشرة لمجلس كنائس الشرق الأوسط في مايو 2022 للمرة الأولى منذ تأسيس المجلس عام 1974.
محاور الاحتفالية باليوبيل الذهبي
المحور الأول: شمل أسبوع الصلاة من أجل الوحدة، وأمسيات صلوات مسكونية في أكثر من دولة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك أمسية ترانيم مسيحية-إسلامية شعبية قرب نهاية السنة الحالية.
المحور الثاني: يشمل ثلاثة مواضيع أساسية سوف يجري ضمنها عقد الندوات وإلقاء المحاضرات، وهي الحضور والشهادة المسيحية، والحوار المسكوني والأسئلة الوجودية، والرؤية والتطلعات المستقبلية. ويتضمن أيضًا الاجتماع السنوي للأمناء العامين لمجالس الكنائس في العالم، الذي ينسقه مجلس الكنائس العالمي الذي عُقد في لبنان في أواخر مارس وندوة حول الحوار المسكوني في الشرق الأوسط.
المحور الثالث: يتعلق بالإعلام والإنتاج السمعي البصري للمجلس، فسيجري ضمنه عرض أشرطة وثائقية تغطي مختلف نشاطات المجلس ومختلف مراحله التاريخية، وسيتعاطى مع تاريخ وتطور الحركة المسكونية في المنطقة ودور مجلس كنائس الشرق الأوسط في هذا المسار.
أما المحور الرابع فهو يشتمل على نشاطين أساسيين: الأول كتاب الخمسين عام الذي سوف يعرض معطيات سير المجلس خلال السنوات الخمسين التي مضت، بالصور والوثائق، فيما يتعلق بالجمعيات العامة واللجان التنفيذية، والقرارات والبيانات، وغيرها من المعلومات التي توثق للنصف الأول من المئة سنة الأولى للمجلس المطلوب منه أن يتابع مسيرته لعقود عديدة تالية من أجل الاضطلاع بالمهام الجسام التي حمّلَه إياها المؤسسون الرؤيويون، وكذلك القيادات الحديثة التي جددت الرؤية والتطلعات.
أما النشاط الثاني من هذا المحور فهو كتيب تعريف بمجلس كنائس الشرق الأوسط، وهو وثيقة حول تاريخ المجلس وبنيته ونشاطاته والكثير من المعطيات التي تشرح للعامة والمهتمين ما هو المجلس كمؤسسة وكمجتمع.
ما هو مجلس كنائس الشرق الأوسط؟
تأسس مجلس كنائس الشرق الأوسط عام 1974، عندما تحول مجمع كنائس الشرق الأدنى إلى مجلس يضم ثلاثة عائلات كنسية كبرى في الشرق هي الأرثوذكسية الشرقية (القبطية والسريانية والأرمينية)، والأرثوذكسية البيزنطية، والإنجيلية اللوثرية والمُصلحة والأنجليكانية.
ثم انضمت إلي المجلس بمبادرة تاريخية تمت بين عامي 1989 و1990 الكنائس الكاثوليكية الشرقية السبع وهي: المارونية والملكية الكاثوليكية والأرمينية والسريانية والقبطية والكلدانية واللاتينية، وصار المجلس يضم الأغلبية الساحقة من مسيحيي المشرق.
وتضم السلطة العليا في المجلس تتألف من 64 مندوبًا ومندوبة يمثلون العائلات الكنسية الأربع، وتلتئم في دورة عادية مرة كل أربع سنوات لتبحث في شئون الوحدة وأوضاع المسيحيين وتضع رؤية المجلس المستقبلية وتنتخب هيئة تنفيذية جديدة وأمينًا عامًا.
ويدير شؤون المجلس بشكل عادي الأمين العام المنتخب من الجمعية العامة وفق القوانين والأنظمة، وهو المسئول عن حسن سير البرامج والأنشطة وفق قرارات الجمعية العامة ومجلس الرؤساء واللجنة التنفيذية.
ويساعده في مهمته ثلاثة أمناء عامين مشاركين، وترتبط بالأمانة العامة دوائر الشؤون اللاهوتية والمسكونية، والتواصل والعلاقات العامة، والدياكونية والإدارة والمال.
ويهدف المجلس إلي تعميق الشركة الروحية والخدمية بين الكنائس الأعضاء وتوحيد كلمتها وجهودها، وذلك إسهامًا في العمل من أجل الوحدة المسيحية والشهادة للإنجيل في المنطقة وبين شعوبها.
ويعمل المجلس من خلال هيئاته وبرامجه على تحقيق هذا الهدف عبر الحوار بين الكنائس محليًا وإقليميًا وعالميًا وتعزيز روح الشركة والوعي المسكوني، وسبل تفعيل الحضور المسيحي في المنطقة وتعزيز دور المسيحيين في مجتمعاتهم، وتنمية ودعم الحوار بين الأديان والهادف إلى اكتشاف القيم المشتركة والفهم المتبادل لتعزيز وترسيخ روح المواطنة والشراكة الكاملة في الوطن الواحد.
ميشال عبس الأمين العام: المسيحيون في عهد السيسي أكثر أمانًا واستقرارًا
أكد الدكتور ميشال عبس، أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط، أن وضع المسيحيين في مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر استقرارًا وأنهم يعيشون في وطنهم آمنين ويتمتعون لكافة الحقوق والحريات، مقارنة بما كان من قبل في أوقات التوترات والثورات وصعود التيار الديني. فالمسيحيون مرتاحون بشكل كبير في عهد الرئيس السيسي، وهم مواطنون مصريون في حالة مصالحة مع أنفسهم ومع المجتمع، فالاستقرار السياسي مهم لكي يحدث تناضج بين الناس، وتطبيق القانون بالعدالة مهم، والقوانين المصرية متقدمة جدًا مقارنةً بدول أخرى، والهوية المصرية أقوى من أي شيء آخر، مستشهدًا بمقولة البابا تواضروس الشهيرة: “وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن”.
وأضاف أن أسبوع الصلاة من أجل الوحدة هو لأجل وحدة المجتمع وليس وحدة المسيحيين فقط، فالمسيحي ليس بمعزل عن المجتمع الذي يعيش فيه، فنحن شعب واحد يعيش على أرض واحدة، ويشرب مياه واحدة، ويتنفس هواءً واحدًا، وأبناء المجتمع الواحد يعيشون مصيرًا واحدًا، وأسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين يأتي ضمن المسكونية وهي عقيدة المجلس، وهي مقدمة لوحدة اجتماعية لكي يقبل الناس بعضهم البعض.
والوحدة هنا تهم كل المجتمع، فليس هناك أحد معزول عن الآخر أيًا كانت أفكاره واتجاهاته وإيمانه، والمسيحية ليس فيها إقصاء لأحد، فقد جاء في الكتاب المقدس: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال”. نحن متنوعون دينيًا، ونحن نعمل مع الشيعة والسنة والدروز والعلوية.
نحن لا نصلي من أجل الوحدة، بل نصلي في الوحدة. عندنا إيمان مشترك ونؤمن بكل العقيدة المسيحية. هناك اجتهادات من هنا وهناك ولكن الإيمان ثابت.
وأشار إلى أن الحوار المشترك يخلق تقاربًا ويظل ويبقى طالما فيه حياة على وجه الأرض، وكلما زاد الحوار زادت فرصة قبول الاختلاف ومعرفته، لأن الإنسان بطبيعته عدو ما يجهل، وبالحوار نصل لنقاط مشتركة وأرض مشتركة.
ولفت إلى أن المجلس يمكن تشبيهه بجرس الإنذار المبكر، ودورنا احتضان المثقفين في كل العالم العربي ليكونوا مجموعة للتنبؤ بالإخطار والظواهر حتى نساعد في التوعية.
وأكد أن زيارته لمصر بالتزامن مع اليوبيل الذهبي لتأسيس المجلس لها علاقة بزيارة العائلة المقدسة لمصر، وظاهرة العائلة المقدسة هي ظاهرة مصرية وليست مسيحية. واختتم حديثه بتمني إعادة فتح مكتب لمجلس كنائس الشرق الأوسط في مصر مرة أخرى.