جلوريا حنا
سمعتُ منذ فترة في أحد البرامج الإذاعية مذيعة تتحدث عن علاقتنا مع الآخرين، وقد لفتت انتباهي بعض الجمل التي قالتها مثل: “اللي بيمشيلك خطوة، تمشيله خطوة إلا ربع”، “في ناس كتير متستاهلش”، “اللي يعملك حاجة بجنيه، اعملها له بربع جنيه”، “خليك بخيل في الحاجات دي”. نعم عزيزي القارئ، ما قرأته صحيح، لقد قالت تلك الجمل بالفعل حرفيًا.
تعجبتُ كثيرًا من جملة “خليك بخيل” بجانب تلك الجمل السابقة، فقد كانت تدعو إلى البخل في المشاعر، ليس فقط كنوع من الحماية من العلاقات المؤذية التي تهدف لاستنزاف الجهد والمشاعر، لكن أيضًا مع شخص يقوم بإعطاء مشاعره لنا، فهذا الشخص أيضًا يجب أن نكون بخلاء معه ولا نمنحه مثلما يمنحنا بل أقل. أعلم أن إعطاء المشاعر بشكل زائد سيؤذينا، خاصةً مع الشخص الخطأ، لكنها تنشر فكرة أن نعمم تعاملنا مع الآخرين حتى مع مَنْ يستحقون مشاعرنا.
يقول السيد المسيح: “ومن سخرك ميلًا واحدًا فَاذْهب معه اثنين” (مت5: 41)، كان اليهود وقت المسيح تحت الحكم الروماني، ومن الممكن لأي جندي روماني أن يأمر أحد اليهود بحمل شيء معين لمسافة طويلة، واليهود ليس لهم حق الرفض. في هذا العدد، يطلب منا المسيح أن نعيش في محبة حتى مع مَنْ لا يبادلنا نفس الحب، ويمكننا أن نرى كيف أنه كان مثالًا حيًا لتلك المحبة، إذ كان يجول يصنع خيرًا مع الجميع، ويقدم المحبة حتى لأكثر الفئات المكروهة في المجتمع.
عزيزي… نعيش اليوم في عالم كاذب. أعلم هذا، وكثيرًا ما نجد منشورات على صفحات التواصل الاجتماعي تدعو إلى العزلة وهجر الناس، أو تخبرنا كم أن الجميع لا يستحقون أن نفعل شيئًا من أجلهم والأهم هو المصلحة الشخصية في جميع الأحوال. قد تكون تلك الجمل جيدة، لكن إذا أُعيدت صياغتها واستُخدمت بشكل صحيح؛ فالله يدعونا لمحبة الآخرين، ومنح الفرص، ولأن نكون معطاءين لا بخلاء. وفي تعامله مع مَنْ حوله، نستطيع أن نرى الطريقة المُثلى للتعامل مع الآخرين دون أن نؤذي أنفسنا أيضًا، فالتفكير في أنفسنا فقط دون مراعاة مشاعر الآخرين سيؤذيهم، وفعل العكس تمامًا سيؤذينا نحن. فعلينا مثل سيدنا، أن نتعلم كيف نعطي ومتى دون أن يستغلنا أحد، وكيف نبتعد إذا لزم الأمر، لكن مع بقاء المحبة في قلوبنا تجاه الآخرين.