هايدي حنا
أهلًا بكم في جولة جديدة داخل حياة طفلك، فيها نُكمل جولتنا بداخل حياة الطفل المتوحد. عرفنا خلال الجولة السابقة كيف نتعامل مع الطفل في نوبات الغضب، أما خلال جولتنا هذه فسنتوغل بداخل كيفية الاعتناء به نفسيًا. استعدوا سنبدأ…
قد يعتقد البعض أن الطفل المتوحد لا يشعر ويفتقد الإحساس، ولكن هذا ليس صحيحًا، فالطفل يشعر بما يجول وسط أسرته حتى وإن كان لا يدرك كلماتهم، لكنه حساس تجاه لغة الجسد، بالإضافة إلى أن لديه شفافية قوية بها يشعر بمحبة الآخرين له وكذلك المشاعر المزيفة التي تبدو محبة لكنها ليست نابعة من القلب، فينفر من الأشخاص أصحاب المشاعر المزيفة ويقترب من الأشخاص أصحاب القلب المحب الحقيقي.
لذا في البداية على الأهل أن يدركوا أن الاهتمام بالطفل المتوحد لا ينحصر فقط في الاهتمام الجسدي بل النفسي أيضًا، وبالتالي على الأهل أن يحرصوا على ما يلي:
1) عدم الاستسلام لمشاعر الإحباط بسبب وجود طفل متوحد في الأسرة، حيث إن هذه المشاعر بجانب أنها تُفقِدهم الطاقة لتلبية احتياجاته الجسدية فهي تصل لطفلهم مما يؤثر عليه نفسيًا، بل وقد تزيد من نوبات غضبه لأنه كما سبق وعرفنا فإن هذه هي الطريقة التي يعبِّر بها عن مشاعره، فهو وإن كان لا يستطيع تفسير سبب ضيقه لكنها نابعة من مشاعر سلبية لدى الأسرة تسربت إليه.
2) التعامل معه كشخصية متميزة يلزم احترامها، وليس مجرد شيء في البيت يتم التنمر عليه من باقي أفراد الأسرة خاصةً الأخوة، فبعض الأسر بسبب مشاعرها الناقمة من وجود طفل متوحد تعتبره غير موجود وتهمله، وقد يعطي الوالدان مسئولية الاهتمام به لإخوته والذين قد يتعرض من التنمر منهم سواء بالسخرية أو الضرب والإهانة… وغيرها من وسائل التنمر التي يتعرض لها، مما يؤثر بالسلب على حالته النفسية ويزيد من نوبات غضبه. لذا على الأهل الاهتمام به والتعامل معه كإنسان يشعر ويتألم حتى وإن كان غير قادر على التعبير عن نفسه.
3) تجنًّب التعبير عن مدى تعبهم في رعايته وعدم قدرتهم على الاستمرارية في ذلك حتى لا يصاب باضطراب وجداني، فكما سبق وشاركتُ فإن الطفل المتوحد يتميز بالشفافية نحو مشاعر الآخرين، وعندما يعبِّر الأهل عن مدى إنهاكهم بسبب رعايته يستطيع الطفل أن يفهم ليس من كلماتهم، لكن من لغة جسدهم، حيث يشعر أن هناك أمرًا ما خطأ فيتسرب الاضطراب بداخله ولا يستطيع التعبير عما يشعر، وعندها إما يدخل في مراحل الكآبة أو نوبات غضب أو يتأرجح بين الاثنين.
4) تهيئة الظروف لتنمية الطفل نفسيًا واجتماعيًا، ويحدث هذا من خلال اشتراكه في رياضة يتعلمها أو تنمية موهبة لديه، حيث توجد الكثير من المراكز التي تهتم بتنمية موهبة الطفل المتوحد، سواء رياضة أو أي موهبة أخرى. وبهذه الطريقة، يثق الطفل في نفسه مما يساعد على الحفاظ على نفسيته من أي مشاعر سلبية.
5) عدم المبالغة في أن يعتمد عليهم في كل جوانب حياته، لكن يجب أن يحرصوا على تنمية شخصيته وذلك من خلال تعليمه كيف يعتمد على نفسه في روتينه اليومي، مثل: النظافة الشخصية، دخول دورة المياه دون الحاجة لمساعدة، اعتماده على نفسه في ارتداء ملابسه الداخلية والخارجية، تدريبه على اختيار الأشياء التي يحبها من ملابس، وأطعمة…، كي يتعلم أن يعتمد على نفسه، بالإضافة إلى أن هذه التفاصيل التي يتعلمها تزيده ثقة بنفسه.
أي نستطيع القول أنه على الأهل أن:
أولًا: يحذروا من معاملة طفلهم كمعاق مظهرين عجزه دائمًا أمام الآخرين، فهو يعلم بأنه معاق لكن من السلبي جدًا أن نجعله يسمع من والديه وصفه بهذه الصفة حتى لو كان بدون قصد، مثلًا عندما يقول والداه: “لا نستطيع تركه يقوم بهذا الأمر لأنه معاق أو متوحد أو عاجز عن القيام به بمفرده”، لأنه إن وصل له هذا الإحساس فسيترتب عليه تأثير سلبي على حالته النفسية قد تحتاج لعلاج نفسي.
ثانيًا: لا تبالغوا في العطف ولا الكراهية، فهناك أسر تصل كراهيتها لوجود طفل متوحد إلى نبذه وعزله عن العالم وكأنه غير موجود، وأسر أخرى تبالغ في حمايته، وفي كلتا الحالتين النتيجة أنها تعوق تنمية قدراته. لذا على الأسرة أن تتعلم كيف تتعامل معه بصورة معتدلة متزنة فيها حب واحتواء مع إعطائه الفرصة كي يعتمد على نفسه وتنمية قدراته كما سبق وأشرتُ.
بهذا نكون وصلنا لنهاية جولتنا لكننا لا زالنا نتجول حول هذه المنطقة لنعرف كيف نعلِّم الطفل السلوكيات الأخلاقية التي يجب أن يمارسها وسط المجتمع. استعدوا سننطلق لجولتنا التالية…