تحقيق: إيهاب قزمان
ارتبطت مصر والولايات المتحدة بعلاقات لم تتأثر بتغير الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إذ تقوم على الشراكة لتحقيق أهداف كلا الطرفين المتبادلة. وفي حين أن الولايات المتحدة تستحوذ على الدور الريادي في القضايا العالمية والإقليمية، فإن مصر لها دورها المحوري في الشرق الأوسط وإفريقيا.
جاء فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية مُحمَّلًا بتطلعات مصرية لتقوية الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين، والعمل معًا من أجل إحلال سلام إقليمي، وهو ما عبَّر عنه الرئيس السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع “إكس” بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية، حيث قال: “نتطلع لأن نصل سويًا لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي. البَلدَان لطالما قدما نموذجًا للتعاون ونجحا سويًا في تحقيق المصالح المشتركة”، مؤكدًا تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم.
ووفقًا لدراسة “العلاقات المصرية مع القوى الكبرى. استمرار التوازن” الصادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، فإن الإستراتيجية المصرية تجاه الولايات المتحدة تقوم على الحفاظ على المصالح الإستراتيجية لكل منهما؛ إذ تسعى مصر إلى الحفاظ على التوازن الإستراتيجي في المنطقة، بما في ذلك خطتها الرامية إلى الحفاظ على حقها في تطوير قدراتها العسكرية والاقتصادية التي تمكِّنها من محاربة الإرهاب. وكذلك تريد الولايات المتحدة الحفاظ على التسهيلات التي تحصل عليها بالعبور من قناة السويس للمرور إلى مسارح عملياتها في المنطقة، خاصةً إلى الخليج والمحيط الهندي، إضافةً إلى الحرص المشترك على الحفاظ على السلام مع تل أبيب.
ورغم ذلك، فقد مرت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة بمراحل مختلفة من القوة والفتور حسب الأوضاع بالمنطقة وأيضًا السياسة التي يتم تبنيها من قِبل الحكومات والرؤساء.
السيسي لترامب: نتطلع لتحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط
هنأ الرئيس عبد الفتاح السيسي في اتصال هاتفي دونالد ترامب بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وقال بيان صادر عن الرئاسة المصرية إن السيسي أكد خلال اتصاله بترامب “تطلع مصر لاستكمال العمل المشترك مع الرئيس ترامب في فترة ولايته الجديدة، في ضوء الطابع الإستراتيجي للعلاقات الممتدة على مدار عقود عديدة بين الدولتين، وكذا التعاون المميز بين الجانبين الذي شهدته فترة ولايته الأولى، وبما يعود على الشعبين المصري والأمريكي بالمنفعة المشتركة، ويحقق الاستقرار والسلام والتنمية في منطقة الشرق الأوسط”.
ومن جانبه، أكد الرئيس الأمريكي المنتخب وفق البيان “اعتزازه بعلاقات الشراكة الإستراتيجية التي تجمع البلدين، وحرص الولايات المتحدة على تعزيزها وتطويرها بما يحقق المصالح المشتركة، سواء على المستوى الثنائي أو على صعيد حفظ السلم والأمن الإقليميين”.
لماذا ساد التفاؤل في الأوساط السياسية والاقتصادية بفوز ترامب… وما الذي تتوقعه منه؟
القاهرة، مصر (CNN) أبدى سياسيون واقتصاديون مصريون تفاؤلهم بتحسن العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية عقب فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية.
وتوقعوا أن ينجح ترامب في تهدئة الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، والتوصل لحل حول خلاف سد النهضة الإثيوبي، وكذلك تشجيع الشركات الأمريكية على التوسع في استثماراتها في مصر، إلى جانب دفع قرض صندوق النقد الدولي لمصر، وانتظام صرف المعونة السنوية دون قيود.
وتوقع رئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي عمر مهنا أن “تستقبل مصر استثمارات جديدة من شركات أمريكية خلال الفترة المقبلة، بدافع من رغبة ترامب في تشجيع الشركات الأمريكية على التوسع خارجيًا في أسواق واعدة لتحقيق نجاحات جديدة، ومن بين هذه الأسواق ستكون مصر، والتي تشهد تحسنًا في مناخ الاستثمار وتنوع في الفرص المتاحة أمام المستثمرين، وكذلك نمو حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ومصر بشكل لافت خلال السنوات المقبلة”.
ووفق بيان رسمي لسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في القاهرة هيرو مصطفى جارج، هناك 1200 شركة أمريكية تعمل في السوق المصرية.
ويرى رئيس حزب المصريين الأحرار عصام خليل أن “الفترة المقبلة ستشهد تقاربًا مصريًا أمريكيًا في العديد من الملفات السياسية، وعلى رأسها الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، بسبب توافق رغبة الطرفين في وقف التوترات بالمنطقة”، موضحًا أن “مصر دولة داعية للسلام، وتريد إنهاء الصراعات الموجودة في المنطقة، وفي المقابل أكد الرئيس الأمريكي المنتخب خلال خطاباته في فترة الترشح عزمه وقف الحرب الدائرة في الشرق الأوسط”.
عودة المعونة الأمريكية
غيَّرت الحرب على غزة مجرى الأمور السياسية والاقتصادية أيضًا، إذ سهَّلت للقاهرة الحصول على مساعدات مالية ضخمة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأعلنت الإدارة الأمريكية الإفراج عن المعونة العسكرية لمصر بالكامل دون قيود أو شروط.
تُعتبر المعونة الأمريكية مبلغًا ثابتًا سنويًا تتلقاه مصر من الولايات المتحدة الأمريكية منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، حيث أعلن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارتر تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر وتل أبيب، تحولت منذ عام 1982 إلى منح لا تُرد بواقع ثلاثة مليارات دولار للاحتلال الإسرائيلي، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية. ويبلغ إجمالي ما حصلت عليه مصر خلال هذه العقود الماضية منذ توقيع اتفاق السلام نحو 80 مليار دولار.
وكثيرًا ما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية تلك المعونة كإحدى أوراق الضغط على مصر، لاسيما مع ربط جزء منها بتطبيق الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان. وعلى ضوء ذلك، منذ تولي إدارة بايدن الحكم، وضع الكونجرس قيودًا على ربع المعونة الأمريكية لمصر، فقد حُسمت في إطار اشتراط تقدّم مصر في حقوق الإنسان. وكانت هذه القضية تُطرح كل عام، ويتم تقليص جزء من المعونة أو تحويلها إلى دول أخرى.
وبدأت واشنطن تفكر في تقليص المعونة العسكرية بسبب تراجع أهمية مصر في الصراع العربي الإسرائيلي، خاصةً بعد بروز دول كالإمارات والسعودية. ورغم تراجع المعونة الاقتصادية خلال العقود الماضية، إلا أن المعونة العسكرية استمرت. وفي نهاية عهد كلينتون، انخفضت المعونة الاقتصادية إلى ما بين 100 و200 مليون دولار، ما أثَّر على الاقتصاد المصري. ومع ذلك، ظلت المعونة العسكرية تشكل ثلث الميزانية العسكرية المصرية التي تُستخدم لشراء الأسلحة والطائرات.
وعلى نحو مختلف، قررت الخارجية الأمريكية في سبتمبر الماضي إعفاء مصر من الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان المرتبطة بالمساعدات العسكرية، ومنح القاهرة المساعدات العسكرية كاملة بقيمة 1.3 مليار دولار لهذا العام دون أي استقطاعات، وذلك من أجل “مصلحة الأمن القومي الأمريكي”، حسب بيان لمتحدث الخارجية الأمريكية. ودائمًا ما تستخدم الولايات المتحدة ملف حقوق الإنسان والمعونات العسكرية في بعض الأحيان كوسيلة لتحقيق أغراض محددة من الدول التي لديها مصالح معها، وفي أحيان أخرى تقدم مصالح أخرى على الملف الحقوقي كلما اقتضت الضرورة.
المساعدات التي يتم تقديمها إلى مصر تخضع لاتفاقية كامب ديفيد الدولية التي تلزم الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم 1.3 مليار دولار سنوية في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية، وقد يتم تقليصها من الجانب الأمريكي لأسباب مختلفة، إلا أن تلك المساعدات غير مرهونة بالحكام والأنظمة، لا سيما أنها ترتبط بالاتفاقية الدولية لكل من الجانب المصري والإسرائيلي مع الجانب الأمريكي. وتمثل المعونات الأمريكية لمصر 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما من الدول، كما أن مبلغ المعونة لا يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي المصري.
ترامب والتوجه المصري نحو القرن الإفريقي … ماذا عن السد؟
يُتوقع أن يحظى التوجه المصري الذي دشنته القاهرة منذ مطلع العام الجاري تجاه القرن الإفريقي والانخراط في مسائل دعم قدرات الدولة (في الصومال وإريتريا) لمواجهة تحدياتها المختلفة، وإرسال قوات لحفظ السلام في الصومال (الأمر الذي حظي بتقدير أمريكي ملفت، لا سيما أن الولايات المتحدة تتصدر لائحة دول شركاء الصومال المعنية بتنمية قدراته العسكرية والأمنية)، واتخاذ موقف متشدد من استكمال مفاوضات إدارة، وتشغيل سد النهضة “دون وضع أطر ملزمة وزمنية واضحة لهذه المفاوضات”، بدعم إدارة الرئيس ترامب، دون أية تحفظات تذكر؛ فمصر أثبتت جدارة بالشراكة مع الولايات المتحدة في ملف الأمن البحري في البحر الأحمر بأداء تقني “وسياسي” رصين للغاية، لا يتوفر لأية دولة أخرى من دول البحر الأحمر، لا سيما في ساحله الإفريقي.
وفي المقابل، فإن موقف إدارة ترامب السابقة (2017 -2021) من ملف بالغ الحساسية مثل سد النهضة كان حاسمًا للغاية، بل إن المفاوضات التي رعتها وزارة الخزانة الأمريكية كادت أن تثمر اتفاقًا ملزمًا في الملف ينهي عقدًا كاملًا من النزاعات “التفاوضية” بين أديس أبابا والقاهرة، حيث كان هناك تحذر في نهاية إدارة ترامب من احتمالات اندلاع “حرب مفتوحة” بين البلدين. ومن هنا، فإن التفاهم المصري الأمريكي، وفي ضوء الصلة المتميزة في واقع الأمر بين الرئيس ترامب والرئيس عبد الفتاح السيسي، سيمثل أساسًا قويًا لانخراط أمريكي أكبر في الملف، سعيًا وراء حسمه وفق القواعد الدولية المعروفة (عدم إلحاق الضرر بدول المصب والاستخدام العادل لمياه النيل وفق معايير نزيهة).
كما ستعول واشنطن على الأرجح على مقاربة مصر في القرن الإفريقي (والتي نجحت فيها بالعلامة الكاملة في تكوين اصطفاف مع الصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان خلف دعم سيادة الدولة وأمنها ومواجهة التهديدات التي تحيط بها) كإحدى أدوات إدارة ترامب لدعم الاستقرار والأمن في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، لا سيما وأن صعودًا إقليميًا لدولة بحجم مصر، في حدود خطوط السياسات الأمريكية، سيمثل في جميع الأحوال قيمة مضافة لهذه السياسات في إفريقيا بشكل عام وفي الإقليم الفرعي المشار له على وجه الخصوص.
ولا يحول ذلك دون وجود مخاوف على القاهرة أن تلاحظها فيما تتوثق علاقاتها مع واشنطن في فترة ترامب الثانية ومنها:
– أن دعوات ترامب لقبول “عمل عسكري” مصري ضد أهداف تمثل تهديدًا لمصر، لن تكون – حال تكرارها تصريحًا أو تلميحًا – دعوات مجانية وبدون تكاليف خطيرة، لا سيما في ظل ما يرتبط بها من مكانة مصر الإفريقية وحسابات توازن هذه المكانة بحجم المخاطر أو التهديدات التي تمثلها هذه “الأهداف”.
– على القاهرة من الآن ترتيب أوراقها، وبشكل أكثر جديةً ومهنيةً، للتعامل مع سيناريو دعوة واشنطن لإعادة التفاوض حول سد النهضة، بهدف دحض حجج الطرف الإثيوبي والحيلولة دون تدخل أطراف إقليمية خليجية داعمة لأديس أبابا، حيث أثبتت التجربة (طوال ماراثون المفاوضات “الدائرية”) أنها حالت دون تأمين مصر مصالحها في مجمل إقليم القرن الإفريقي، وفي ملف سد النهضة تحديدًا، في أكثر من مناسبة.
– مراعاة القاهرة لعامل الوقت المتاح أمامها لحسم قضاياها المصيرية في الإقليم، لا سيما مع انشغال متوقع في الرياض بسيناريوهات التعامل مع إدارة ترامب، رغم البادرة الطيبة التي أبداها الأخير تجاه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال حملته الانتخابية الأخيرة.
– ضرورة استمرار الدور المصري النشط في إعادة ترتيب الأمن في البحر الأحمر حتى جنوب الصومال، وتوطيد القاهرة علاقاتها مع مراكز هامة مثل نيروبي والخرطوم وأسمرة، وألا تكون الاندفاعة المصرية الراهنة في القرن الإفريقي (الكبير) موقوتة بملف وحيد: سد النهضة.
يُتوقع أن تعتمد القاهرة ورقة سياسات إفريقية واضحة ومعلنة تمثل مرجعًا هامًا لسياسات القاهرة، وتحظى بمقبولية مرتقبة في أوساط إفريقية مختلفة المستويات للحيلولة دون خلط الأوراق والأدوار قدر الإمكان.
وأخيرًا … ومع وصول ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى، تظل هناك العديد من التساؤلات التي ما زالت تنتظر الإجابة عن الموقف الأمريكي تجاه مصر، فهل العلاقات المصرية – الأمريكية قيمتها الحقيقية تقتصر على 1.3 مليارات دولار سنويًا، وهي قيمة المعونة؟ وهل تلك العلاقة تقدم لمصر الدعم الكافي في قضايا إستراتيجية مثل سد النهضة أو الأزمات في السودان وليبيا؟ وهل النزاعات والحروب التي تشهدها حاليًا منطقة الشرق الأوسط سيكون لها دور في تشكيل العلاقات من جديد بين البلدينوهل ستكون الولاية الثانية لترامب ولاية سلام على دول العالم أم ستشتعل الحروب؟!
جلال حمام: ترامب والسيسي … كيمياء السياسة وحسابات المصالح
«الرئيس السيسي أصبح شريكًا بالغ الأهمية لإدارة ترامب، بسبب دور مصر الحاسم في سلام واستقرار المنطقة»، هكذا وصف وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، خلال ولاية ترامب الأولى، مايك بومبيو، في كتابه «لا تُعطِ بوصة … القتال من أجل أمريكا التي أحبُّ» Don’t Give an Inch.. Fighting for the America I Love، والذي صدر في يناير 2023، طبيعة العلاقة التي جمعت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب.
في كتابه، حكى بومبيو أنه التقى الرئيس السيسي لأول مرة في 2014، حينما كان وقتها لا يزال قائدًا للجيش، أما مايك فكان عضوًا في مجلس النواب عن ولاية كانساس. وخلال هذا اللقاء، أبلغ السيسي بومبيو ومرافقيه أنه يعتزم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر، نزولًا على رغبة الشعب المصري في ذلك الوقت. وطلب السيسي من بومبيو التدخل لدى الرئيس الأمريكي، وقتئذٍ، باراك أوباما، لإقناعه بتسليم عشر طائرات هليكوبتر من طراز أباتشى، تأجّل تسليمها بعد صيانتها للقاهرة، في أعقاب عزل الرئيس الراحل، محمد مرسى، من منصبه. وقد جمعت علاقة مضطربة بين أوباما والسيسي في أعقاب الإطاحة بمرسى من منصبه، إثر ثورة الشعب المصري على حكم جماعته، في الثلاثين من يونيو 2013، والتي قادها الملايين من المتظاهرين المصريين، رفضًا لسوء إدارة مرسى البلاد. وبعدها بعدة أشهر، أمر أوباما بتجميد جزءٍ من المساعدات العسكرية لمصر على خلفية عزل مرسى، وهو القرار الذي ظلَّ ساريًا حتى أبريل 2015، وكان مؤشرًا على التدهور الكبير في العلاقة بين أوباما والسيسي.
ووفق كتاب “قواعد المقاومة: نصائح من مختلف أنحاء العالم لعصر ترامب” Rules of Resistance: Advice from Around the Globe for the Age of Trump لميلانى واتشيل، والصادر في مايو 2023، فإن الحزب الجمهوري بشكل عام تبنّى سياسة مؤيدة للسيسي، وهو ما ظهر خلال المناظرات التمهيدية في 2016، والتي وُصِف السيسي في إحدى فعالياتها بأنه «شجاع» و«رجل يجب أن نُصادقه». وفي يوليو 2016، حسم ترامب ترشيح الحزب الجمهوري لصالحه في انتخابات الرئاسة ضد مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. وبعدها بشهرين فقط، التقى الرجلان للمرة الأولى، خلال زيارة السيسي الولايات المتحدة، ليكون السيسي أول زعيم عربي يقابل ترامب. وفي هذا الاجتماع، أعرب ترامب عن دعمه القوي للسيسي، ووعده بأن أمريكا ستكون «صديقة وفية لمصر» حال فوزه بالرئاسة، مؤكدًا وجود «كيمياء كبيرة» بينهما. وعلى الجانب الآخر، فإن السيسي صرّح في ظهورٍ له مع شبكة CNN، عقب الاجتماع، بأنه لا يشك في أن ترامب «سيكون رئيسًا عظيمًا».
وفي سبتمبر، التقى ترامب والسيسي للمرة الرابعة، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي أبريل 2019، التقى ترامب بالسيسي في البيت الأبيض مجددًا، وحينها أعلن ترامب أنه لم يسبق وأن أصبحت العلاقات بين أمريكا ومصر أفضل مما هي عليه الآن، وقال ترامب إن مصر شهدت فوضى عارمة قبل أن يأتي السيسي إلى السلطة، ووصفه بأنه «زعيم حقيقي». إن الرئيس السيسي نجح في تحقيق النظام والأمن داخل البلاد منذ توليه السلطة، «عندما وصل الرئيس السيسي إلى سدة السُّلطة، كانت البلاد في حالة من الفوضى، والآن ليست هناك فوضى». وشدد على حرص الإدارة الأمريكية على تفعيل أطر التعاون الثنائي المشترك، وتعزيز التنسيق والتشاور الإستراتيجي القائم بين البلدين وتطويره. وأكد ترامب أن مصر تُعد شريكًا محوريًا في الحرب على الإرهاب، معربًا عن دعم بلاده الكامل للجهود المصرية في هذا الصدد.
وقُرب نهاية ذلك العام، طلب السيسي من واشنطن التوسط لحل أزمة سد النهضة، وفق بومبيو، وهو ما استجابت له الإدارة الأمريكية بالفعل، فبدأ ترامب برعاية مباحثات مكثفة بين الطرفين، كادت تُسفر عن اتفاق طال انتظاره في القاهرة، لولا انسحاب إثيوبيا في اللحظات الأخيرة منه، وهو أمر أغضب ترامب، فأعلن قطع مائة مليون دولار من المساعدات الأمريكية لإثيوبيا.. وفي أكتوبر 2020، صرّح ترامب، بأن فشل المسار التفاوضي، قد يدفع القاهرة إلى «تدمير السد»، وهو ما انتقدته أديس أبابا حينها، واعتبرت أنه «تحريض على الحرب بين القاهرة وأديس أبابا».
وأخيرًا، يعود دونالد ترامب ثانيةً رئيسًا للولايات المتحدة. ولأن العالم تعرَّف عليه خلال ولايته الأولى، فإن عودته بعد جو بايدن تمنح مصر فرصة لم تحدث من قبل مع رئيس أمريكي قادم لتوقع سياسته الخارجية تجاه القاهرة..
من المرجح أن يحاول ترامب إعادة ترتيب أولويات العلاقات الأمريكيةـ المصرية. فهل سيحافظ ترامب على نهجه تجاه مصر، مع دخوله البيت الأبيض للمرة الثانية؟
وخلال العام المقبل، ستظل أزمة سد النهضة الإثيوبي حاضرةً، وهو ما سيجعل القاهرة تطلب من إدارة ترامب دعمًا لها في هذا الملف الذي بدأه نهاية ولايته الأولى، وتجاهلته إدارة بايدن خلال سنواتها في البيت الأبيض. وبالطبع لن يكون دعم ترامب للقاهرة مجانيًا. لكن، لن يكون ملف السد الإثيوبي هو الوحيد الذي تنتظر القاهرة موقف إدارة ترامب منه، بل ستنتظر أيضًا موقف ترامب من الأزمة السودانية، وما إذا كان سيلعب دورًا نشطًا في إنهاء القتال هناك، عبر الضغط على حلفاء القوتين العسكريتين، أم أنه سيُبقى على سياسة إدارة بايدن التي اكتفت بإصدار البيانات وعقد اللقاءات، دون تحرك جدي لإيقاف القتال، والبدء في مرحلة إعادة بناء الدولة في السودان.
ومثلما بدا ترامب خلال سنواته الأربع الأولى في البيت الأبيض كإعصارٍ هائجٍ هدفه الإطاحة بكل التقاليد الرئاسية الأمريكية، فإن عودته المرتقبة لن تخلو من إرباكٍ لحسابات حلفائه السابقين في المنطقة، خصوصًا في ظل لحظة هي الأكثر توترًا منذ عقود. وتبدو عودة ترامب بالنسبة للقاهرة حدثًا تتراوح النظرة إليه بين التفاؤل به بسبب ماضيه كداعم للنظام السياسي، وبين القلق من صفقاته السياسية، التي تبشر بالحل الدائم، وقد لا تنتج سوى المزيد من انفجار الأوضاع في المنطقة … وتبقى المنطقة في انتظار القادم.