مدحت بشاي
أدّعي أنا كاتب تلك السطور أنني أحد المتابعين باهتمام ذلك الإصدار “الطريق والحق” وحتى قبل أن يكون لي شرف الكتابة على صفحاتها، وذلك لعدة أسباب لعل أهمها حالة التنوع التي يتمتع بها الإصدار وإدراك من يديرون العمل أهمية رسالة الصحافة الدينية ودورها في تلك الفترة الصعبة، وتوخي الصدق والدقة في طرح المعلومات والأخبار، والجرأة المسئولة في طرح الرأي والمواقف (رأي أعضاء أسرة التحرير ومن تثق بأهمية أطروحاتهم من كُتاب الرأي وأهل الفكر ممن تخصص لهم الجريدة مساحات للبوح والإضافة). أيضًا يراعي الإصدار عدم التورط في أي شكل ممجوج من أشكال التعصب الديني أو المذهبي أو حتى الفكري دونما تفريط في دعم حقوق كل مغبون مُغيب في التعبير عن الرأي ..
ولأن الإصدارات الدينية الجيدة محدودة لأسباب عديدة (ليس مجاله الخوض فيها)، فقد شغلني منذ فترة العديد من علامات الاستفهام حول ندرة الأبحاث والكتب التي تتناول بالبحث واستطلاعات الرأي، دور كل وسائط الإعلام ومعها وسائل الاتصال الاجتماعي المعنية بقضايا المواطن المسيحي، بالتقييم والوقوف عند سلبيات وإيجابيات تلك النوعية من الإعلام وبيان مراحل تطورها ومدى تفاعلها مع المواطن المصري ومؤسسات الدولة، ومدى التراجع في أعداد (كمَ) تلك الإصدارات وإلى أي حد تساهم في تطوير الخطاب الديني والثقافي والإعلامي العام المأمول في تلك المرحلة الحرجة؟
وقد لاحظت في العدد الأخير من محبوبتنا “الطريق والحق”، أنه قد حفل بمجموعة هائلة من علامات استفهام رأيت أنه من المفيد التوقف عند بعضها كأمثلة في زمن انشغل المواطن بقضايا الإعلام وسلبياته في وقت كان من المفروض أن ينشغل الإعلام بقضايا المواطن!!
عبر المقال الافتتاحي لرئيس التحرير د. ناجي يوسف سأل “والسؤال المُلح هو: هل مصر بالفعل مقسمة منقسمة الآن أم لا؟ وإن كانت إجابة السؤال السابق بالإيجاب فلا بد أن تتوالى الأسئلة المترتبة على إجابته، فماذا يعني التقسيم، ومن الذي بدأ التقسيم أو حتى فكرة التقسيم؟ هل الأقباط أم الفاتح الإسلامي؟ ومتى بدأ التقسيم، وهل هي فكرة جديدة أم لها جذور عميقة ممتدة متشابكة؟ وما شكل التقسيم الذي ممكن أو لا يمكن أن يحدث؟ ومن سيتولى القيام بنشر فكرة التقسيم؟ وما هي آليات التقسيم وشروطه، وما هو موقف الأقباط المصريين، رياسات وشعب من هذه الفكرة؟ وهل هذا التقسيم القبطي هو تقسيم على أساس ديني أم عرقي أم طائفي؟ ومن هي الطائفة التي ستسيطر على مصر القبطية، أهم الأرثوذكس أم الإنجيليين أم الكاثوليك؟ وعلى هذا المنوال فيمكنني أن أملأ صفحات من الأسئلة والاستفسارات ومجلدات من الإجابات والتحليلات والمقارنات، الأمر الذي ليس لدي مانع من عمله… “.
ويسأل مدير التحرير المهندس ثروت صموئيل “بمناسبة السويشيال ميديا وبالأخص الفيس بوك، وهنا أتحدث عن الصفحات والجروبات المسيحية والتي أثارت كثيرًا من البلبلة في الآونة الأخيرة بنشر أفكار مختلف عليها عندي تساؤلات وليس لديّ إجابات:
· هل الفيس بوك هو المكان المناسب لمناقشة العقائد المسيحية؟
· هل صفحات الفيس بوك هي المكان المناسب لنشر ومناقشة الاختلافات بين أعضاء الكنائس وأحيانًا الكنيسة الواحدة؟!
· هل من الصحي أن نناقش قضايا ونوجه النقد لقيادات ومؤسسات من خلال صفحات الفيس بوك؟
· هل نجحنا؟ وإن كان لا، كيف نستخدم الفيس بوك في إثراء الحوار والتواصل؟
· هل استفادت الكرازة والتعليم من وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف نحسن ذلك؟
أسئلة أخرى ليس لدي إجابات أو توجه معين، لكني أضع هذه التساؤلات أمام القراء الأعزاء.
آخر الكلام: مصر الأولى في الطلاق على مستوى العالم. بالمناسبة أخبار الأسرة المسيحية إيه؟ وأخبار قانون الأحوال الشخصية إيه؟
ويسأل د. بليغ حمدي “إن سقوط شهداء الوطن الأبرار من رجال القوات المسلحة البواسل ومن رجال الشرطة، لهو أمر يدعو أولًا للحزن الشديد، ويفجر لدينا أسئلة شائكة لن تنتهي إلا بتقويض كافة العناصر الإرهابية، وسواء استطعنا هذا في وقت سريع فإن علينا توجيه تلك الأسئلة الشائكة لأولي الأمر أو للقائمين على تتبع هؤلاء الخارجين على القانون والوطن معًا. كيف لحفنة من المارقين والموتورين أن يهرعوا بعيدًا عن العاصمة والمناطق العامرة بالسكان صوب الصحراء دون تتبع عمليات المراقبة من أجل التربص بهم لاسيما وأن ثمة معلومات أكدت توافد ونزوح مجموعات متطرفة إلى منطقة الواحات؟ وإذا كان الأمر بالفعل هو ملاحقة الإرهابيين الذين يلتحفوا تارة باسم الدين، وتارة أخرى باسم الشرعية، ومرات كثيرة باسم الدولة الإسلامية المأجورة، فماذا عن الإرهاب كقضية أولى بالقضاء عليها وقتلها ووأدها في مهدها بدلًا من التغلل الخبيث في أواصل الجسد المصري ونسيجه؟.
ويسأل المفكر والكاتب والفيلسوف الكبير د. مراد وهبة: والسؤال إذن: كيف يكون الطفل مولودًا بالدهشة لكي يكون مولودًا بالتفلسف؟ ..انظر.. ماذا يحدث عندما يخرج الطفل من الرحم؟ إنه يصرخ ليس من الألم، وإنما بسبب الدهشة الكامنة في التناقض بين إحساسه بالأمن وهو داخل الرحم وإحساسه بعدم الأمان وهو خارج الرحم. وإذا كانت الدهشة تنطوي على التفلسف فيمكن القول إن الطفل منذ بداية خروجه هو في حالة تفلسف وهو أمر يستلزم أن يكون عقل الطفل مكتملاً بالضرورة، ولكنه عاجز لغويًا عن التعبير. التربية إذن في رياض الأطفال في كندا لا تقتل الدهشة. وفي المقابل أنظر إلى ما حدث لحفيدي من الجيل الأول، وهو والد ذلك الحفيد من الجيل الثاني، عندما التحق بالسنة الأولى بمدرسة رياض الأطفال بالقاهرة في عام 1987 كان السؤال الذي وجهته المعلمة إلى كل طفل على حدة: هل أنت مسيحي أم مسلم؟ وعندما جاء الدور على حفيدي أجاب: «أنا أهلاوي». والمغزى أن هذا الحفيد يحيا في مناخ عائلي لا يقارن بين الأديان. ولكن المعلمة تريد أن تدخله في مناخ ديني يفوح برائحة الصراع الديني، وهو الحادث الآن في دول كوكب الأرض بلا استثناء بسبب شيوع الأصوليات الدينية التي دخلت في علاقة عضوية مع ميليشيات مسلحة انتحارية. وفي مواجهة الصراع بين هذه الأصوليات الدينية الذي يلازم الطفل منذ مولده تأسس مركز في نيويورك في فبراير من عام 1989 لتدريب المدرسين على كيفية تدريس برامج تخص «فلسفة للأطفال» كما صدرت مجلة عنوانها «الفلسفة من أجل الأطفال». والغاية من المركز والمجلة تقوية مهارات البرهان التي تنطوي على الفهم والتحليل وحل التناقضات..
ما رأيكم دام فضلكم يا من كان دوركم المتابعة والبحث والنقد الموضوعي لمثل تلك الأطروحات وعلامات الاستفهام والتعجب..
هذه واحدة من مقالات الراحل الأستاذ مدحت بشاي، الذي رحل عن دنيانا الأيام الأخيرة
الأستاذ مدحت كان كاتبًا منتظمًا في الطريق على مدار أكثر من عشر سنوات لم يتوقف عددًا واحدًا.
خالص التعازي لشريكة حياته وأسرته ومحبيه ولنا نحن أسرة تحرير الطريق ولكل محبيه
وتكريمًا للراحل الكريم سننشر بعض المقالات التي خص بها جريدتنا “الطريق والحق”.