19.4 C
Cairo
الأربعاء, ديسمبر 11, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيأجل، يجوز الاكتئاب

أجل، يجوز الاكتئاب

مينا رومان

يلزم  أن أعترف قبل أن أبدأ أني لستُ ضليعًا في الحديث عن المشاكل النفسية ولستُ متخصصًا، وأن هناك الكثيرين أفضل وأعلم مني في هذا المجال، فأنا لا أعطي معلومات كاملة في هذا المجال وأجتهد أن أتعلم أكثر لأعلِّم نفسي أولاً ثم الآخرين، فدعونا نسمع رأي المتخصصين ونُعرف الاكتئاب ودرجاته، ثم نخوض ونتعمق ونختلف ونربط بين ما هو نفسي وما هو كتابي بشكل سريع ومختصر وواضح.

ويجب أن أوضح أن مقالي هذا ليس الهدف منه دراسة عن الاكتئاب ولكن مساعدة للنفس المكتئبة وتوضيح العلاقة بين الاكتئاب وبين ما يعلِّمه الكتاب.

تعريف الاكتئاب: الاكتئاب هو الشعور بالحزن وانخفاض الاهتمام أو المتعة في ممارسة النشاطات، والذي يصبح اضطرابًا عندما يكون شديد  بما فيه الكفاية للتأثير في الأداء. وقد يحدث الاكتئاب عقب فقدان شخص أو حدث حزين آخر، فيستمر الإنسان في الحزن لفترةٍ زمنيةٍ أطول من اللازم، ويمكن أن تسهم فيه العوامل التالية:

– الوراثة

– فقدان شخص عزيز

– الأحداث التي تُسبب الشدة الانفعالية

– التغيُّرات في الهرمونات أو المواد الأخرى في الجسم وعوامل أخرى في الاكتئاب.

أعراض الاكتئاب

 الاندفاع

 التعصب على أتفه الأسباب

كتمان المشاعر

 الجلوس وحيدًا لأوقات طويلة

 الإحساس بالتوتر أغلب الأوقات

 الصداع المستمر

الأرق عند النوم

الجلوس في الأماكن الأكثر ظلامًا والانزعاج من الأضواء

 البعد عن الضوضاء

ويمكن أن نلخص هذا بأن نقول إن الاكتئاب هو الإفراط في الحزن وهو البعد عن الحياة.

هل الاكتئاب ضعف في الإيمان؟

شكك الكثيرون في حالة المكتئب ووصفوها بأنها ضعف في الإيمان بالله، حيث إن الاكتئاب هو حالة من الحزن الشديد الدائم لفترة طويلة وأن هذا الإنسان يكون تاركًا لله وبعيدًا عنه ولا يثق فيه.

كما اعتبر البعض أن الاكتئاب هو كسر لوصية الله في الكتاب المقدس فيما يخص أمر الله بالفرح الدائم في قوله: “افرحوا في الرب كل حين، وأقول أَيضًا: افرحوا”. (فيلبي ٤:٤)

وهذا الخلط والتفسير الخاطئ زاد الطين بلة وجعل الإنسان المكتئب يزيد من حزنه ويضاعف عدد جلدات الذات ويحاول قمع مشاعره

وكأنه يحاول أن يعلن إيمانه وأنه فقط حزين ومكتئب

أصبح إنسانًا حائرًا يعاني من الاكتئاب ويحاول إثبات إيمانه بأن يفرح بفرح إجباري

وكأنه يضحك والدموع تتساقط من عينيه

لا أقدر أن أقول غير أن هؤلاء الناس الذين يدعون أن الاكتئاب ضعف في الإيمان

ما هم إلا جلادون يدفنون في ذاتهم لاهوت رخاء يدعون الفرح ويقمعون مشاعرهم

نحن نؤمن أن الله خلق الإنسان

ولا نؤمن أن الإنسان عبارة عن جسد حيواني فقط

فالله خلق الإنسان جسدًا وروحًا ونفسًا

ويمكنني أن أقولها بشكل مختلف: الله خلق الإنسان الذي يتكون من جزء مادي وآخر غير مادي

ومن الأشياء غير المادية (الروح والإرادة والمشاعر)

لقد تشابهنا مع الخالق في المشاعر وأخذنا الكثير منه

فنحن لا نؤمن بالله الكائن الهلامي عديم المشاعر

بل نؤمن بالله (الشخص) الذي يمتلك المشاعر

الحب، الغضب، الغيرة وغيرها من مشاعر أعلنت لنا ومشاعر لا نعرفها عن الله ولكن سنعرفها فيما بعد

خلق الله الإنسان على صورته، وهذه الكلمات لا تعني أن الإنسان خُلق ليكون شبيهًا لله في الجسد بل تعني أن الإنسان أخذ كثير من صفات الله ومنها المشاعر

وإن كان الله هو خالق المشاعر في الإنسان فلا يمكن أن يحاسب عليها الإنسان على أنها خطية بل يحاسب  رد فعله على هذه المشاعر

مثلاً

الخوف من المشاعر فلا يمكن أن نقول إن الخوف خطية ولكن عدم الثقة والاعتماد على غير الله خطية

الغضب من المشاعر وهو ليس خطية ولكن العنف خطية

الحزن، الاكتئاب من المشاعر وليسا خطية ولكن الانتحار في حالة الوعي خطية

قديسو الله المكتئبون

دعونا نذكر بعض الأسماء في الكتاب المقدس من قديسين الله، أبطال الإيمان في حالتهم المكتئبة

داود “إِلَى متى يا رب تنساني كل النسيان؟ إِلَى متى تحجب وجهك عني؟” (مزمور ١٣)

سليمان “باطل الأَباطيل، قال الْجامعةُ: الْكل باطل.” (جامعة ١٢)

إيليا “كفى الآن يا رب. خذ نفسي لأنّي لَستُ خيراً من آبائي.” (١ مل ١٩)

أيوب “لَيتهُ هلَك اليوم الَّذي ولدت فيه، واللَّيل الَّذي قال: قد حبِل بِرجل… لمَ لم أمت من الرحم؟ عندما خرجت من البطن، لمَ لم أسلم الروح؟” (أيوب ٣)

إرميا “ملْعونٌ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ! الْيَوْمُ الَّذِي وَلَدَتْنِي فِيهِ أُمِّي لاَ يَكُنْ مُبَارَكاً!” (إرميا ٢٠)

يونان “فَالآنَ يَا رَبُّ، خُذْ نَفْسِي مِنِّي، لأَنَّ مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي.” (يونان ٤)

فرح المسيح لا يمحي المشاعر الإنسانية

كما تكلمنا فإن الله هو خالق المشاعر الإنسانية ولا يمكن المعاقبة عليها بل الله يحترم مشاعر الإنسان الحزين والمتألم والخائف والمكتئب، وإن كان المسيح يعلن عن فرح مستقبلي ومجد فهو لم ينكر أن العالم ملئ بالضيق والحزن والألم

بل هو أيضًا تضايق وحزن وتألم وأكتئب “ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ، فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسي حَزِينَةٌ جِدّ  حَتَّى الْمَوْتِ!” (مرقس ١٤)

فالفرح سوف يكتمل ولكن ما زال هناك ألم لم ينته بعد، ففرح المسيح يعطي تعزية وقت الحزن ولكن لا يمحي مشاعرنا ولا إنسانيتنا

فنصبح متحجرين وقت الألم والحزن

كانت خدمته على الأرض لخدمة هؤلاء الحزانى والمعذبين فكان يلمس ويشفي ويعالج نفسيًا دون انتهار أو تبكيت أو تشكيك فدعونا نتعلم منه

“رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ…” (لوقا ٤)

العلاج

دعونا نتعلم كيف نتعامل مع منكسري القلوب

دعونا نتعلم كيف نتعامل مع قلوبنا ونعانق نفوسنا الحزينة المكتئبة ونتعامل معها بلطف

_ لا تكبت مشاعرك بل تكلم وامنح فرصة للتعبير وللتوجع وللمشاركة،

_ لا تجلد نفسك فحزنك ليس عيبًا ولا مشاعرك عورة

_ درِّب نفسك الفرح

_ صل كثيرًا إلى الله لكي يملأك بالفرح؛ اجلس معه واختل به وتحدث إليه

_ اسع إلى الفرح

_ لا تدع نفسك وحيد؛ اخرج تقابل مع أصدقاء

ساعد نفسك وساعد الآخرين

أجل، يجوز الاكتئاب ولكن اسع إلى الفرح

“مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ.” (٢ كو ٤)

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا