تعد قضية عمالة الأطفال من القضايا التي تمثل تحديًا كبيرًا في ملف العمل بمصر، نظرًا لأن تشغيل الطفل في سن مبكر يعرضه إلى العديد من المخاطر، ويضر بصحته ويعيق نموه، ويهدر طاقاته، حيث أنه يعمل أعمالًا شاقة لا تناسب قدراته الجسدية تحت ظروف صعبة ما يؤثر سلبًا على مستقبله.
وعلى الرغم من أن المادة ٨٠ من الدستور تنص على حظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، وأن تعريف الطفل ينطبق على كل من لم يبلغ ال١٨ من عمره، إلا أن المسح القومي الأخير لظاهرة عمالة الأطفال في مصر الصادر عن المجلس القومي للطفولة، أكد أن هناك ٢.٧٦ مليون طفل عامل في مصر، يمثلون نحو ٦٢% أي أكثر من خمس الأطفال في الشريحة العمرية مم ١٤ إلى ١٦ سنة.
كيف تواجه الدولة ظاهرة عمالة الأطفال؟
وتسعى الدولة لمواجهة ظاهرة عمالة الأطفال، وتم تشكيل لجنة بقرار من رئيس مجلس الوزراء، تضم ممثلين عن وزارات التربية والتعليم، والعدل، والداخلية، وممثلين عن أجهزة الدولة المعنية بتلك القضايا، وعددًا من الخبراء في هذا المجال، لدراسة كيفية مواجهة التسرب من التعليم، وزواج القاصرات، وعمالة الأطفال، وذلك في إطار جهود الدولة لتنفيذ المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية.
وترأس الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة، الاجتماع الأول للجنة، والذي تناول مناقشة الدراسات والإحصائيات على نسب عمالة الأطفال في مصر، وخطة وزارة القوى العاملة في مواجهة هذه الظاهرة، ووجه وزير الصحة بإعداد دراسة ميدانية للنسب المحدثة لعمالة الأطفال، بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبناء على إستراتيجية مصر ٢٠٣٠، وما صادقت عليه مصر من أهداف التنمية المستدامة، قام المجلس القومي للطفولة، بإعداد وثيقة الإطار الإستراتيجي والخطة الوطنية للطفولة والأمومة، بالتعاون مع الوزارات المعنية والهيئات والمجتمع المدني، وذلك لتنفيذ الالتزام في الدستور نحو حقوق الطفل في الصحة والتعليم والثقاقة والترفيه والحق في الحماية.
١٦٠ مليون طفل عامل في العالم
وارتفع عدد الأطفال العاملين في العالم إلى ١٦٠ مليون طفل بزيادة ٨.٤ مليون في السنوات الأربع الماضية، بحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية واليونيسيف لعام ٢٠٢٠، مع وجود ملايين آخرين معرضين لخطر العمل.
ويشير التقرير إلى ارتفاع كبير في عدد الأطفال العاملين ضمن الفئة العمرية 5–11 عامًا، والذين يمثلون اليوم أكثر من نصف الرقم العالمي الإجمالي، وارتفع عدد أطفال هذه الفئة ممن يزاولون أعمالاً خطرة أي أعمالاً يحتمل أن تضر بصحتهم أو سلامتهم أو أخلاقهم، بمقدار 6.5 مليون منذ عام 2016 ليصل إلى 79 مليونًا.
عقوبات عمالة الأطفال
والمادة ٨٠ من الدستور تنص أيضًا، على أن كل اعتداء على أي من الحقوق والحريات المكفولة في الدستور جريمة، ويشير الخبير الدستوري إلى أن إعلان حقوق الطفل الصادر من منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة يوم 20 نوفمبر عام 1959 تتضمن نصوصه حماية الطفل من أي اعتداء أو عنف يتعرض له.
كما يوضح الخبير الدستوي، أن قانون الطفل لعام 1996 كفل حق الطفل في الحياة والبقاء والنمو وأوجب حماية الطفل من جميع أنواع العنف أو الضرر أو الإساءة المعنوية أو الجنسية أو الإهمال، منوهًا أن المادة 18 من قانون التعليم رقم 193 لسنة 1981 يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم 15 عامًا كما يحظر ترهيبهم قبل بلوغهم 12 عامًا.
شروط عمل الأطفال
ورغم ذلك فإن المادة 64 من قانون الطفل نصت على أنه يجوز تدريب الأطفال بقرار من المحافظ المختص بعد موافقة وزير التربية والتعليم، والترخيص بتشغيل الأطفال من سن 12 عامًا إلى 14 عامًا في أعمال موسمية لا تضر بنموهم وصحتهم ولا تخل بمتابعتهم للدراسة.
ونص قانون التعليم على أن تكون عدد ساعات عمل الطفل لا تزيد على 6 ساعات في اليوم، ويلزم أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل عن ساعة، أي أنه لا يجوز تشغيل الطفل أكثر من 4 ساعات متصلة، ويحظر تشغيل الطفل ساعات عمل إضافية أو في أيام العطلة الرسمية والراحة الأسبوعية، كما يحظر العمل من بين الساعة السابعة مساءً حتى الساعة السابعة صباحًا.
وحظر قانون التعليم تشغيل الطفل في أي نوع من الأعمال يمكن بطبيعته أو لظروف العمل بها أن تعرض صحة وأخلاق الطفل للخطر، منوهًا أنه يجب بجميع الضوابط القانونية لضمان حقوق وحماية الطفل، مشيرًا إلى أن أي مخالف للقانون سوف يتعرض للعقوبة المقررة سالبة الحرية للطفل.
تشريعات صارمة لحماية الأطفال
وأكد الخبراء، على ضرورة سن تشريعات صارمة تطبق على أرض الواقع لحماية الأطفال من الإيذاء والاستغلال في سوق العمل، وأن تكون هناك عقوبات رادعة تحمي الطفل بشكل حقيقي وليس مجرد قوانين موضوعة فقط دون تطبيق، وذلك لمحاسبة المتسببين في إيذاء الأطفال، ومنع عمل الأطفال في المهن الصعبة والتي تمثل خطورة على حياة ونفسية الطفل.
تعديل القانون لتغليظ عقوبة عمالة الأطفال
وكان مجلس الوزراء قد وافق على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، وركزت التعديلات الجديدة على تغليظ العقوبات التي أوردها القانون بشأن مخالفات تشغيل الأطفال، الأمر الذي يحقق الحد والردع للجرائم التي ترتكب عند عمالة الأطفال.
ونظم قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، أوضاع العاملين في منشآت القطاع الخاص، ضوابط وشروطًا صارمة لـعمالة الأطفال، وذلك حال تشغيل الأطفال تحت سن الـ16 سنة، حفاظًا على أوراحهم وحياتهم، وضمانًا لحقوقهم المالية والإدارية والإنسانية.
مواجهة الدولة لظاهرة عمالة الأطفال
وقامت مصر بالتوقيع والتصديق على عدد من الاتفاقيات الدولية التي من شأنها القضاء على عمالة الأطفال، ووضعت خطط لمواجهة الظاهرة، منها الخطة الوطنية لمكافحة أسوا أشكال عمل الأطفال في مصر ودعم الأسرة ٢٠٢٥، والإستراتيجية الوطنية لمكافحة ومنع الإتجار بالبشر، وأطفال بلا مأوى.