ستيڤن ويلوم
يحتل شخص ربنا يسوع المسيح وعمله جوهر المسيحية ورسالة الإنجيل. فلا خلاص بعيدًا عن كون الكلمة صار جسدًا (يو1: 14)، وحياته وموته نيابة عنا. ولو لم يكن الابن الأزليّ قد جاء، واتخذ إنسانية كاملة، ليقوم بدور نائبنا وممثِّلنا في العهد، لما وُجد أي رجاء لهذا العالم.
وفي ظل أجواء أعياد الميلاد، من الهام أن نفكر بعمق في أهمية التجسد وأبعاده. وإليك عشرة أشياء ينبغي أن تدركها عن الأمر.
1. الفاعل الإيجابي في عملية التجسد هو الابن الأزلي
كان إنجيل (يوحنا1: 14) واضحًا في قوله: “والكلمة صار جسدًا”. بتعبير آخر، كان الابن منذ الأزل هو الذي تجسد. فالابن، الذي هو في علاقة أزلية مع الآب والروح القدس، وضع نفسه طواعية، واختار أن يتخذ ناسوتًا، طاعة منه لأبيه، وليتمم خلاصنا (فيلبي2: 6-8).
2. وبصفته الابن الأزلي، والأقنوم الثاني في الثالوث، فهو الصورة الكاملة والتعبير الكامل عن الآب، ومن ثمَّ فهو الله بالكامل.
فالابن، مثله في ذلك مثل الآب والروح القدس، يشترك بالكامل وبالتساوي في الطبيعة الإلهية. وبصفته صورة الآب ورسم جوهره (كولوسي1: 15؛ عبرانيين1: 3)، هو الله بالكامل. فكل كمالات الله وصفاته هي له، بما أنه هو الله الابن (كولوسي2: 9). وبصفته الابن، فهو يشترك في الحُكم الإلهي، ويستحق أن يتلقى العبادة الإلهية، ويعمل كل الأعمال الإلهية بصفته الابن (مزمور110: 1؛ أفسس1: 22؛ فيلبي2: 9-11؛ كولوسي1: 15-17؛ عبرانيين1: 2-3؛ رؤيا 5: 11-12).
3.وبصفته الله الابن، لطالما كان في علاقة أزلية مع الآب والروح القدس، تلك العلاقة التي تجلت على نحو مجيد في التجسد.
كان يليق بالابن وحده، الذي هو من الآب بالروح القدس أن يتجسد (يوحنا1: 1-2، 14، 18). وفي التجسد، أظهر الابن اتكاله الإلهي-البنوي على الآب، وتصرف دائمًا في إطار علاقته بالآب بالروح القدس (يوحنا5: 19-30؛ مرقس1: 12؛ لوقا4: 1-21). فمنذ الأزل، وفي التجسد أيضًا، لم يتصرف الابن قط من تلقاء ذاته أو في استقلاليَّة، بل كان يتصرف دائمًا في إطار علاقته بالآب والروح القدُّس، ودون انفصال عنهما.
4. التجسد فعل إضافة، وليس فعل نقصان.
ففي التجسد، لم يتغير الابن الأزلي الذي لطالما كانت له طبيعة إلهية، أو ينحي ألوهيته جانبًا، بل في المقابل، أضاف إلى ذاته طبيعة ثانية، وهي الطبيعة البشرية، المكونة من جسد بشري ونفس بشرية (فيلبي2: 6-8). وبالتالي، فيسوع هو إله كامل وإنسان كامل.
5. الطبيعة البشرية التي اتخذها الله الابن هي إنسانية كاملة وخالية تمامًا من الخطية.
كان ناسوت المسيح غير ساقط، وغير ملوث بتأثيرات ونتائج الخطية. فإن ميلنا الفطري إلى التمرد على الله لم يكن جزءًا من تكوين إنسانية يسوع. صحيح أن يسوع اختبر تأثيرات العيش في عالم ساقط، لكنه لم يشترك معنا في ذنب خطية آدم، أو الميل إلى ارتكاب الخطية، اللذين انتقلا من آدم إلى كل الجنس البشري. وفي حقيقة الأمر، لم يرتكب يسوع خطية واحدة على الإطلاق، بل ولم يكن بمقدوره ذلك (متى3: 15؛ يوحنا8: 46؛ عبرانيين4: 15؛ 7: 26؛ 1بطرس1: 19). ومع أنه جُرب مثلنا، لكنه أطاع أباه طاعة تامة، حتى الموت، بصفته وسيطنا في العهد، متممًا بذلك خلاصنا، بصفته الإنسان المسيح يسوع (1تيموثاوس2: 5؛ عبرانيين5: 5-10).
6. الميلاد العذراوي كان هو الوسيلة المجيدة لإتمام التجسد.
كان التجسد عملًا فائقًا تمامًا للطبيعة، وتعبيرًا عن المبادرة السيادية والمجيدة من إلهنا الواحد في ثالوث كي يفتدي شعبه (متى1: 1-25؛ لوقا1: 26-38). وكان الحبل العذراوي هو الوقت والوسيلة التي بها أضاف “الله الابن” إلى ذاته ناسوتًا. وبواسطة الحبل العذراوي، خلق الله طبيعة بشرية للابن.
ففي المسيح، نتيجة لهذا العمل، نحن نلتقي بالله وجهًا لوجه، ليس بصورة رمزية، وإنما في مجده الكامل. ورغم أننا نراه إنسانًا، إلا أنه أكثر من ذلك بكثير، لأنه هو الرب، الله الابن، الذي وضع نفسه، وحجب مجده، بصيرورته واحدًا معنا.
7. منذ الحبل به، حجب الابن مجد لاهوته، حتى لا يطمس محدوديات ناسوته.
فنتيجة للتجسد، عاش الله الابن إنسانًا حقيقيًا، يحمل الصفات الجسمانية، والعقلية، والإرادية، والنفسية الطبيعية، كما يحمل أيضًا إمكانيات البشر الأصلية. وبصفته الابن المتجسد، اختبر غرائب وضعفات الحياة البشرية بالكامل. فقد نما في الحكمة والقامة (لوقا2: 52)، واختبر ذرف الدموع والفرح، وقاسى الموت، كما أُقيم قيامة مجيدة من أجل خلاص شعبه (يوحنا11: 33، 35؛ 19: 30؛ 1كورنثوس15: 3-4).
8. لكن لم يكن الابن مقيدًا فقط بطبيعته البشرية، لأنه ظل يعمل من خلال لاهوته.
أفضل إثبات لهذه الحقيقة هو استمرار حفظ الابن المتجسد للكون (كولوسي1: 16-17؛ عبرانيين1: 3)، بالإضافة إلى أعمال المسيح الإلهية الأخرى التي صنعها خلال حياته وخدمته. ففي المسيح، تظل هناك طبيعتان مميزتان، تحتفظ كل منهما بصفاتها وسلامتها؛ ومع ذلك، ظل الابن قادرًا أن يعمل من خلال كلتا الطبيعتين. ولهذا السبب، لم يكن الابن مقيدًا بالكامل بناسوته، لكنه كان قادرًا أيضًا أن يعمل خارجه في لاهوته.
أفضل توضيح للكيفية والتوقيت اللذين عمل فيهما الابن بكلتا الطبيعتين هو ما تجلى في العلاقات الثالوثية العاملة في تاريخ الفداء من أجل خلاصنا. فالابن، الذي لطالما عمل في الأزل دون انفصال عن الآب وبالروح القدس، ظل يعمل هكذا بعد التجسد، لكن بصفته الابن الطائع، الممثل لنا في العهد وبديلنا. ففي التجسد، لا يُنتقص سواء من ألوهية الابن أو بشريته.
9. باتخاذ الابن طبيعتنا البشرية، صار هو الإنسان الأول في الخليقة الجديدة، ووسيطنا الأعظم، ورأس العهد الجديد.
فإن ربنا يسوع المسيح، الابن المتجسد، قد أبطل بحياته، وموته، وقيامته عمل آدم الأول، وتقدم ليصير آدم الأخير، رائدنا وبطلنا الأعظم (عبرانيين2: 10). ونتيجة للتجسد، صار الله الابن مؤهلًا تمامًا لسداد كل احتياجاتنا، ولا سيما حاجتنا إلى مغفرة الخطايا (عبرانيين2: 5-18؛ 7: 22-28؛ 9: 15-10: 18).
10. الله الابن متفرد تمامًا، وهو الرب والمخلص وحده؟
فإذا سلمنا بحقيقة من هو الله بكل مجده وكماله الأخلاقي، ونظرته للخطية، لما كان الخلاص ممكن بدون تجسد الابن، وعمله لأجلنا (يوحنا14: 6؛ أعمال الرسل4: 11).
فالمسيح، الله الابن، هو الوحيد القادر أن يوفي بحُكم الله ودينونته علينا، وأن يستوفي أيضًا مطلب الطاعة الكاملة (رومية 5: 12-21).
وبصفته الابن المتجسد، هو وحده القادر أن يتحد بنا، كممثلنا وبديلنا (عبرانيين5: 1).
فإن رجاءنا الخلاصي في تسديد ثمن خطايانا، وردِّنا بالكامل إلى كوننا حملة صورة الله، لا يتحقق إلا في يسوع المسيح ربنا (رومية3: 21-26؛ عبرانيين2: 5-18).