جلوريا حنا
كنتُ أقرأ مؤخرًا في سفر إرميا، والذي تعرض للكثير من المتاعب لكونه يتنبأ بسقوط أورشليم ونصيحته الدائمة بالاستسلام لملك بابل بدلًا من محاربته، ولكن الشعب ورؤساءه لم يسمعوا له، أو لم يريدوا أن يسمعوا له، فقد أرادوا أن يسمعوا كلامًا معزيًا كالذي يقوله باقي الأنبياء الكذبة، وكانوا يصدقونهم رغم ثبوت كذبهم في تنبئهم بالسلام والرخاء لأورشليم رغم خطاياهم، وصدقوهم أيضًا عندما قالوا بأن أورشليم لن تُستعبد وسوف ينفك الحصار سريعًا، ومن استُعبد بالفعل سوف يعود سريعًا أيضًا.
نجد في هذا السفر ملكين بارزين، يهوياقيم وصدقيا، وهما مَنْ تزامنا وقت إرميا أكثر من الباقين. كان واضحًا جدًا أن يهوياقيم لم يكن يحب إرميا مطلقًا، ولكن صدقيا، من الناحية الأخرى، بدا مترددًا، فبعض تصرفاته تجاه إرميا توحي بأنه يحترمه ويقدره، ولكن معاندته وعدم طاعته يوحيان بعكس ذلك. نجد في كثير من الأحيان محاولات الملك صدقيا لإنقاذ إرميا أو على الأقل التخفيف من معاناته والإنصات له عندما يلتمس منه إرميا أن يخفف عنه، لكنه لم يكن مطيعًا.
يوحي ذلك التردد بوجود معدن صالح داخل صدقيا، لكنه كان مثل الذهب المدفون في التراب، توجب الحفر جيدًا وتنقيته كي يظهر للعلن، ويبدو أن هذا ما حدث وقت سبيِّه؛ فمن الواضح أن سبيَّه قد أدى إلى توبته، وهذا قد تؤكده نبوة إرميا عنه: “… لا تموت بالسيف. بسلام تموت، وبإحراق آبائك الملوك الأولين الذين كانوا قبلك، هكذا يحرقون لك ويندبونك…” (إرميا 34: 4-5).
عزيزي… قد يبدو أن ما حدث لشعب أورشليم وملكهم شيئًا قاسيًا، لكنه كان درسًا في الصميم! أزال منهم الشوائب والتراب التي دفنت تحتها معدنهم الحقيقي كأبناء لله. ونلاحظ هذا عند عودتهم من السبي، فهم لم يعبدوا الأوثان بعدها أبدًا، وحتى وقت مجيء السيد المسيح لم تكن عبادة الأوثان من خطاياهم، حيث احتاجوا درسًا آخر في ذلك التوقيت.
هل تمر بظروف صعبة؟ لا أقول إنك خاطئ لذلك يؤدبك الله، لكني أخبرك بأنك تستطيع أن تستغل ذلك الوقت في التقرب من الله أكثر، فالله يستخدم الظروف الصعبة لإخراج الصالح الذي بداخلنا، يُنقينا لنكون مشابهين له. تذكر أن يوسف دخل السجن على الرغم من براءته، لكي يتأهل ليصبح الرجل الثاني في أرض مصر بعد الفرعون، وتذكر أيضًا أننا في الأسفار النبوية نجد التشجيع بجانب التحذير، فالله يظل معنا وقت تجاربنا، وبثقتنا فيه نستطيع أن نستفيد من تلك التجارب بأن نخرج منها أقوى، بدلًا من التذمر طوال الوقت على الله وعلى ظروفنا.