24.4 C
Cairo
الأربعاء, أكتوبر 16, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيوجود الله: خمس حجج فلسفية ولاهوتية

وجود الله: خمس حجج فلسفية ولاهوتية

جيمس أندرسون

يُعتبر وجود الله موضوعًا أساسيًا لدراسة اللاهوت. لا يسعى الكتاب المقدس إلى إثبات وجود الله، بل يعتبره أمرًا مسلمًا به. يعبّر الكتاب المقدس عن عقيدة قوية بخصوص الإعلان الطبيعي: إن وجود الله وصفاته واضحين من الخليقة نفسها، حتى على الرغم من أن البشر الخطاة يقمعون ويشوهون معرفتهم الطبيعية بالله. إن السؤال الغالب في العهد القديم والجديد ليس ما إذا كان الله موجودًا، بل من هو الله. لقد قدّم الفلاسفة المسيحيون وغير المسيحيين نطاق واسع من الحجج لوجود الله، ويزدهر اليوم فرع اللاهوت الطبيعي (ما يمكن معرفته أو إثباته عن الله من الطبيعة فقط). مع ذلك، اقترح بعض الفلاسفة أن الإيمان بالله يمكن دعمه حتى بدون الحجج أو الأدلة الإيمانية. في نفس الوقت، قدّم الملحدون العلنيون حججًا ضد وجود الله؛ تعد حجة الشر أشهر الحجج، والتي تجادل بأن وجود الشر في العالم ومداه يعطياننا سببًا جيدًا لعدم الإيمان بالله. ردًا على ذلك، لقد طور المفكرون المسيحيون العديد من الثيوديسيات (theodicies)، والتي تسعى إلى شرح لماذا يُعد الله مُبررًا أخلاقيًا في سماحه بالشرور التي نراها.

إن كان علم اللاهوت هو دراسة الله وأعماله، فإن وجود الله أساسي لعلم اللاهوت مثل وجود الصخور لعلم الجيولوجيا. لقد طُرح سؤالان أساسيان بخصوص الإيمان بوجود الله: هل هو حقيقي؟ هل هو مُبرر منطقيًا (إن كان كذلك، فعلى أي أساس؟) يختلف الثاني عن الأول لأن اعتقادًا ما يُمكن أن يكون صحيحًا دون أن يكون مُبررًا منطقيًا (فمثلًا، قد يعتقد أحدهم بشكل غير منطقي أنه سيموت في أحد أيام الخميس، وهو اعتقاد قد يتحقق بالصدفة). لقد صارع الفلاسفة مع السؤالين لألف عام.

في هذا المقال، سننظر إلى ما يقوله الكتاب المُقدس للإيجاب عن هذه الأسئلة، قبل تقديم نماذج من إجابات بعض المُفكرين المسيحيين المؤثرين.

حُجج ضد وجود الله

حتى لو سلمنا بوجود معرفة طبيعية عالمية عن الله، يوجد بلا شك أشخاص يُنكرون وجود الله ويُقدمون حُججًا في دفاعهم عن ذلك. حاول البعضُ أن يكشفوا التناقضات الموجودة في مفهوم وجود الله (على سبيل المِثال، بين المعرفة المُطلقة والحرية الإلهية) بذلك يُشبهون الله “بالدائرة المُربعة” التي يستحيل منطقيًا وجودها. في معظم الأحيان، تستطيع تلك الحُجج فقط أن تستبعد مفاهيم مُعينة عن الله، مفاهيم تتناقض عادةً مع المنظور الكتابي عن الله على أي حال.

يُعتبر وَضع عبء الإثبات على مَن يؤمن بوجود الله نَهجًا أقل طموحًا، في غياب حُجج جيدة لوجود الله، ينبغي أن يتبنى المرء الموقف “الافتراضي” بتبني الإلحاد (أو على الأقل تبني اللاأدرية). يصعب التمسك بهذا الموقف في ظل وجود الكثير من الحُجج الإيمانية المبهرة التي يُدافع عنها الفلاسفة المسيحيون اليوم، ناهيك عن حُجج علماء المعرفة المُصلحين بأن الإيمان بالله يُعتبر أساسيًا بحق.

إن الحُجة الإلحادية الأكثر شُهرة بلا شك هي حُجة الشر. تَرى الصيغة الأقوى لهذه الحُجة أن وجود الشر غير متوافق منطقيًا مع وجود إله كلي الصلاح وكلي القدرة. تُجادل الصيغة الأكثر تواضعًا بأن حالات الشر المُرعبة خصوصًا والتي تبدو بلا مُبرر، مثل المحرقة، تُقدم دليلًا قويًا ضد وجود الله. لقد دعتْ مُشكلة الألم إلى العديد من الثيوديسيات (theodicies): هي مُحاولات لشرح كيف يُمكن أن يكون الله مُبررًا أخلاقيًا في سماحه بالشرور التي نُقابلها في العالم. على الرغم من أن تلك التفسيرات يُمكن أن تكون مُفيدة، إلا أنها غير ضرورية بشكل صارم لتفنيد حُجة الشر. يكفي أن نُشير إلى أنه في ظل وجود تعقيدات العالم، والمحدودية الكبيرة التي تُحاوط المعرفة البشرية، نحن لسنا في وضع يسمح لنا باستنتاج أنه لا يُمكن أن يكون الله مُبررًا أخلاقيًا في سماحه بالشرور التي نراها. بالتأكيد، إذا كانت لدينا دعائم للإيمان بالله، سيُمكننا منطقيًا استنتاج أنه يجب أن يكون لدى الله أسباب مثل تلك، سواء استطعنا أن نُميزها أم لا.

الكتاب المقدس ووجود الله

لا يُفتتح الكتابُ المُقدس بإثبات على وجود الله، بل بإعلان عن أعمال الله: “في البدء خلق الله السماوات والأَرض.” يَفترض هذا التأكيد التأسيسي في الكتاب المقدس أن القارئ لا يعرف فقط بالفعل أن الله موجود، بل يمتلك أيضًا فهمًا أساسيًا لمن هو هذا الإله. عبر أنحاء العهد القديم، يُعامل الإيمان بالله الخالق على أنه أمر عادي وطبيعي بالنسبة لكل البشر، حتى على الرغم من أن الأمم الوثنية كانت قد سقطت في التخبط حول الهوية الحقيقية لهذا الإله. يُعبر مزمور ١٩ بشكل واضح عن عقيدة للإعلان الطبيعي: إن الكون المخلوق كله “يُحدّث” و”يخبّر” بأعمال الله المجيدة. يُخبرنا سفر الأمثال أن “مخافة الرب” هي نُقطة البداية للمعرفة والحكمة (أمثال١: ٧؛ ٩: ١٠؛ قارن مع مزمور١١١: ١٠). لذلك يُعد إنكار وجود الله إنحرافًا عقليًا وأخلاقيًا (مزمور١٤: ١؛ ٥٣: ١). بالطبع، لا يُعتبر الاهتمام السائد عبر أنحاء العهد القديم ما إذا كان الله موجودًا، بل من هو الله. هل يهوه هو الإله الواحد الحقيقي أم لا (تثنية٤: ٣٥؛ ١ملوك١٨: ٢١، ٣٧، ٣٩؛ إرميا١٠: ١٠)؟ إن النظرة الكونية التي تُقدم الجانب المُضاد للإيمان العبري بإلهٍ واحد هي الإيمان الوثني بتعدد الألهة، وليست الإلحاد العلماني.

يستمر هذا الموقف من جهة وجود الله في العهد الجديد، الذي يبني على الأساس الراسخ للإيمان بإلهٍ واحد في العهد القديم. في رسالته إلى أهل رومية، يُصر الرسول بولس على أن “القدرةَ السرمديةَ واللاَهوتَ” مدركين بوضوح في الخليقة نفسها. من الناحية الموضوعية، لا يُمكن أن يوجد أساس منطقي للشك في وجود خالق شخصي مُتسامٍ، وبذلك لا يُمكن أن يوجد عُذر لعدم الإيمان (رومية١: ٢٠). بما أننا ممنوحون معرفة طبيعية بخالقنا، فإننا نَدين لله بإكرامنا وشُكرنا، ويُعد إخفاقنا في أن نفعل ذلك الأساس الرئيسي لإعلان غضب الله ودينونته. أثارت العقيدة القوية للرسول بولس بخصوص الإعلان الطبيعي السؤال حول ما إذا يُمكن لأي شخص أن يكون مُلحدًا حقًا. أولًا، ستعتمد الإجابة على كيف يُعرف “الملحد،” وثانيًا، علامَ يَقصد بولسُ تحديدًا عندما يتحدث عن “معرفة” الناس بالله. إذا كانت الفكرة هي أن كل البشر يحتفظون ببعض المعرفة الأصيلة بالله، على الرغم من قمعهم الآثم للإعلان الطبيعي، فسيكون من الصعب الاعتقاد بأنه يُمكن لأي شخص أن يفتقر تمامًا لأي إدراك ذهني بوجود الله. لكن إذا كان “المُلحد” يُعرف على أنه شخص يُنكر وجود الله أو يُصرح بأنه لا يؤمن بالله، فحينها لا يسمح نص رومية ١ فقط بوجود الملحدين – بل يتوقع ذلك بشكل فعال. يُمكن حينها فهم الإلحاد على أنه نوع من الخداع الذاتي الجدير باللوم.

تُوظف قناعة بولس بخصوص الإعلان الطبيعي في وعظه للمستعمين الأمميين في لسترة وأثينا (أعمال الرسل١٤: ١٥-١٧؛ ١٧: ٢٢-٣١). لا يَفترض بولس فقط أن المستمعين يعرفون أشياءً محددة عن الله من الخليقة، بل أنهم أيضًا بشكل آثم قمعوا وشوهوا الحقائق المعلنة، متحولين عنها إلى عبادة وثنية للخليقة (قارن مع رومية١: ٢٢-٢٥). مع ذلك، لا تُقدم استناداته على الإعلان العام بمعزل عن الإعلان الخاص: أسفار العهد القديم، وشخص يسوع المسيح، وشهادة رُسل المسيح.

في أجزاء أخرى في العهد الجديد، تقريبًا لا يُثار السؤال عن وجود الله بشكل صريح إطلاقًا، بل يعمل كافتراض تأسيسي، أو كافتراض أساسي لا جدال فيه. يُعتبر كاتب رسالة العبرانيين استثناءً لذلك، والذي يُصرح قائلًا: “لأَنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يُؤمن بأنه موجود، وأنه يجازي الذين يطلبونه. (١١: ٦). بشكلٍ عام، يهتم العهد الجديد بالأسئلة الفلسفية عن وجود الله بشكل أقل مما يهتم بالأسئلة العملية عن كيف يُمكن أن يكون للخطاة علاقة مخلصة مع الإله الذي وجوده واضح. كما هو الأمر في العهد القديم، ليس السؤال ما إذا كان الله موجودًا، بل من هو الله. هل يسوع المسيح هو إعلان الله في طبيعة بشرية أم لا؟ ذلك هو جوهر القضيَّة.

حُجج تدعم وجود الله

فكر مرة أخرى في السؤالين اللذين ذكرا في البداية. هل الإيمان بوجود الله حقيقي؟ هل الإيمان بوجوده مُبرر منطقيًا؟ إن أحد الطرق الجذابة لمجاوبة السؤالين بالإيجاب هي عن طريق تقديم حجة إيمانية تسعى إلى استنتاج وجود الله من الأشياء الأخرى التي نعرفها، أو نلاحظها، أو نعتبرها من المسلمات. قد يفترض أحدهم أن حُجةً إيمانية مُقنعة لا يُمكنها فقط أن تُثبت حقيقة وجود الله، بل ستقدم أيضًا تبريرًا منطقيًا للإيمان بوجوده. يُوجد إنتاج أدبي واسع من الحُجج الإيمانية، لذلك يُمكن فقط لنماذج من النقاط البارزة أن تُقدم هنا.

لم يشعر الجيلُ الأول من المدافعين المسيحيين بحاجة كبيرة للمجادلة لإثبات وجود الله لنفس السبب الذي يجعل المرء لا يَجد حججًا من ذلك النوع في العهد الجديد: لم تأت التحديات الرئيسية للإيمان المسيحي بوجود الله من الإلحاد، بل من الإيمان غير المسيحي بوجود الله (اليهودية) والإيمان الوثني بتعدد الآلهة. لا نجد حججًا رسميًا تُقدم لإثبات وجود الله حتى نصل إلى العصور الوسطى، وحتى تلك الحجج لا تعمل في الأساس كتفنيدٍ للإلحاد، بل كتأملات فلسفية حول طبيعة الله والعلاقة بين الإيمان والمنطق.

1. الحجة الوجودية

إن واحدة من أشهر الحُجج وأكثرها إثارةً للجدل هي الحجة الوجودية (Ontological argument) للقديس أنسلم “Anselm” (١٠٣٣-١١٠٩)، والتي وفقًا لها يُمكن الاستدلال على وجود الله فقط من تعريف الإله، بحيث يؤدي الإلحاد بشكل حتمي إلى التناقض الذاتي. إن أحد مميزات الحُجة هو أنها تعتمد على المنطق المَحض فقط، بدون الاعتماد على الفَرضيات التجريبية. إن صيغًا عديدة للحجة الوجودية تم تطويرها والدفاع عنها، وتنقسم الآراء بحدة حتى بين الفلاسفة المسيحيين حول ما إذا كان هناك، أو حتى يُمكن يكون، أي صيغةً سليمة.

2. الحجة الكونية

تسعى الحُجج الكونية (Cosmological arguments) إلى إثبات أن وجود الكون، أو حدوث بعض الظواهر في الكون، يتطلَب تفسيرًا سببيًا ينشأ عن علة أولى ضرورية أبعد من الكون. اشتهر القديس توما الأكويني “Thomas Aquinas” (١٢٢٥-١٢٧٤) بتقديم “خمسة طرق” لإثبات وجود الله، يُمكن أن تُعتبر كل منها على أنها نوع من الحجج الكونية. على سبيل المثال، تُجادل إحدى الطرق بأنه يجب تفسير أي حركة (تغيير) من خلال مُحركٍ ما (علة). لو أبدى ذلك المحرك ذاته حركةً، فإنه يَلزم وجود محرك سابق ليفسره، ولأنه لا يُمكن أن يوجد تسلل لا نهائي للمُحرِكين المُحرَكين، يجب أن يوجد مُحرك أصلي لم يُحرك: علة أولى أبدية، وغير مُتغيرة، وقائمة بذاتها. يوجد بين المدافعين البارزين الآخرين ج. ڤ. لايبنتز “G. W. Leibniz” (١٦٤٦-١٧١٦) وصامويل كلارك “Samuel Clarke” (١٦٧٥-١٧٢٩)، وحديثًا ريتشارد سوينبرن “Richard Swinburne” وويليام لين كريج “William Lane Craig”.

3. الحجة الغائية

إن الحجج الغائية، والتي يُمكن إرجاعها هي والحجج الكونية إلى اليونانيين القدامي، تُجادل بأن الله هو أفضل تفسير للتصميم الواضح أو النظام الموجود في الكون. ببساطة، يتطلب التصميمُ مُصممًا، وبذلك يُعتبر ظهور التصميم في العالم الطبيعي دليلًا على وجود مُصمم فوق طبيعي. اشتهر ويليام بايلي “William Paley” (١٧٤٣-١٨٠٥) بُحجته التي استندتْ على التشبيه الذي يُقارن بين الترتيبات الوظيفية في الكائنات الطبيعية والمصنوعات البشرية مثل ساعات الجيب. بينما عانت حجج التصميم انتكاسةً مع صعود نظرية النشوء الداروينية، التي تزعم تفسير تصميم الكائنات الواضح من حيث عمليات التكيف غير الموجهة، إلا أن حركة التصميم الذكي نشطت الحجج الغائية مع اكتشافات من علم الكونيات المُعاصر والبيولوجيا الجزيئية بينما كشفت عن عيوب خطيرة في التفسيرات الداروينية الطبيعانية.

4. الحجة الأخلاقية

في القرن العشرين، اكتسبت الحجة الأخلاقية شهرةً كبيرة، لأسبابٍ ليس أقلها نشرها بواسطة سي اس لويس (١٨٩٨-١٩٦٣) في كتابه الأكثر مبيعًا، المسيحية المجردة. تسعى الحجة عادةً إلى إظهار أن النظرة الكونية التي تُؤمن بالله هي وحدها من تشرح وجود القواعد والقِيَم الأخلاقية الموضوعية. مثلما هو الأمر مع الحجج الإيمانية الأخرى، توجد صيغ كثيرة للحُجة الأخلاقية، تقوم بتوظيف الجوانب المُختلفة لحدسنا الأخلاقي وافتراضاتنا. بما أن تلك الحُجج تستند عادةً على الواقعية الأخلاقية –وجهة النظر القائلة بأنه توجد حقائق أخلاقيَّة موضوعيَّة والتي لا يُمكن اختزالها إلى مجرد تفضيلات أو قناعات بشريَّة– فإن المزيد من الجهد يكون مطلوبًا للدفاع عن تلك الحُجج في ثقافة تآكلت فيها الحساسيَّة الأخلاقيَّة بسبب الذاتيَّة، والنسبيَّة، والعدميَّة.

5. حجة التسامي

اكتسبَ كورنيليوس ڤان تيل “Cornelius Van Til” (١٨٩٥-١٩٨٧) بعض السمعة السيئة لانتقاداته القوية “للطريقة التقليدية” في الدفاعيات المسيحية التي استسلمتْ إلى “العقل البشري المُستقل بذاته”. رأى ڤان تيل أن أي حُجة إيمانية جديرة بالاحترام ينبغي أن تكشف عن عدم إمكانية إنكار وجود الإله الثالوثي المعلن عنه في الكتاب المقدس، لا مجرد علة أولى أو مُصمِم ذكي. لذلك دعا إلى أسلوب بديل، يرتكز على حُجة مُتسامية لوجود الله، بها يسعي المسيحيون إلى إظهار أن العقل البشري، ناهيك عن أن يكون مُستقلًا ومُكتفيًا بذاته، يفترض وجود إله المسيحية، “السيد” الذي خلق كل الأشياء، ويُثبتها، ويُحركها حسب مشورة إرادته. مثلما صاغ ڤان تيل الأمر، ينبغي أن نُجادل “من استحالة النقيض”: إذا أنكرنا وجود إله الكتاب المقدس، فإننا نتخلى عن أسباب افتراضنا بأن عقولنا تمتلك القدرة على التفكير المنطقي والمعرفة الموثوقة عن العالَم.

منذ نهضة الفلسفة المسيحية في النصف الثاني من القرن العشرين، تجدد الاهتمام والحماس لمشروع تطوير الحُجج الإيمانية والدفاع عنها. قُدمت صيغ جديدة ومحسنة للحجج الكلاسيكيَة، بينما فتحت التحسينات في الفلسفة التحليلية المعاصرة آفاقًا جديدة للاهوت الطبيعي. في مُحاضرته في عام ١٩٨٦، “نحو دزينتين من الحُجج الإيمانيَّة” (Two Dozen (or so) Theistic Arguments)، عرضَ ألڤين پلانتيجا Alvin Plantinga حُججًا من الألف إلى الياء لوجود الله، لم يكُن أغلبها تم استكشافه من قبل. لقد قام فلاسفة آخرون منذ حينها بتوسعة اقتراحات پلانتينجا في مُعالجة مُطولة. يزدهر فرع اللاهوت الطبيعي المسيحي أكثر من ذي قبل.

الإيمان الأساسي بوجود الله

مع ذلك، هل يوجد احتياج حقيقي لأي من هذه الحُجج؟ هل ينبغي تدعيم الثقة في وجود الله على الإثباتات الفلسفية؟ منذ عصر التنوير، تم التأكيد عادةً على أن الإيمان بالله يكون مُبررًا منطقيًا فقط إذا كان مدعومًا بإثباتات فلسفية أو أدلة علمية. بينما اُعتبر نص (رومية١: ١٨-٢١) أحيانًا كتكليفٍ بتقديم حُجج إيمانية، إلا أن لغة بولس في ذلك المقطع تقترح أن معرفتنا عن الله من خلال الإعلان الطبيعي هي أكثر مُباشرةً، وبديهيةً، ومُتاحة بشكل عالمي.

في الفصول الافتتاحيَّة من كتابه أُسس الدين المسيحي، فحصَ چون كالڤن ما يُمكن أن يُعرف عن الله بمَعزل عن الإعلان الخاص، وأكد على أن الخالق غرسَ معرفةً طبيعية بشكل شامل في البشرية: “أن في الذهن البشري، بل بالفطرة الطبيعية، حسًا بالألوهة” (الجزء الأول، ٥٧). تحدث كالڤن عن سينسوس ديفينتاتس (sensus divinitatis)، “حسٍ بالألوهة” يمتلكه كل شخص بفضل كونه مصنوعًا على صورة الله. إن هذا الإدراك الداخلي بالخالق “لا يُمكن محوه إطلاقًا”، حتى على الرغم من أن الإنسان الخاطي “يُصارع بشدة” ليهرب منه. يُمكن ربط معرفتنا الطبيعية المغروسة عن الله من نواحٍ مُعينة بمعرفتنا الطبيعية عن القانون الأخلاقي من خلال قُدرة الضمير الممنوحة من الله (رومية٢: ١٤، ١٥). نعرف غريزيًا أنه من الخطأ أن نكذب أو أن نسرق؛ لا يوجد احتياج إلى حُجة فلسفية لإثبات تلك الأمور. بالمِثل، نعرف غريزيًا أنه يوجد إله خلقنا ونَدين له بالإكرام والشكر.

في عام ١٩٨٠، قام عدد من الفلاسفة الإنجيليين بقيادة ألڤين پلانتينجا، نيكولاس وولترستورف Nicholas Wolterstorff، وويليام ألستون William Alston بتطوير دفاع مُعقد عن فكرة كالڤن المتعلقة “بالشعور بالألوهة”. إن الذين يُطلق عليهم اسم “علماء المعرفة المُصلَحين”، جادلوا بأن المعتقدات الإيمانية يُمكن (وطبيعيًا ينبغي) أن تكون أساسية بحق: مُبررة منطقيًا حتى بدون أدلة تجريبية أو إثباتات فلسفية. بحسب وجهة النظر هذه، يُمكن مُقارنة الإيمان بوجود الله بالإيمان بأن عالَم خبرتنا موجود حقيقةً؛ إنه أمر منطقي بالكامل، حتى لو لم نقدر أن نُثبته فلسفيًا. بالتأكيد، سيكون الأمر مُختلًا وظيفيًا إلى حد كبير إذا صدقنا عكس ذلك.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا