20.4 C
Cairo
الأحد, نوفمبر 17, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيهل كان بإمكان يسوع أن يخطئ؟

هل كان بإمكان يسوع أن يخطئ؟

بقلم بلير سميث

من أكثر الآيات المعزية في العهد الجديد هي (عب4: 15): “لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطية”.

وهي معزية لأنها ليست فقط تصف يسوع بأنه رئيس كهنتنا، لكنها تربط كهنوته أيضًا بالرثاء – وهو الرثاء النابع من اختباره للتجارب البشرية. فعندما نواجه ضيقات، نطلب معونة شخص سلك مسارًا مماثلًا لنا، أي شخص قادر أن يمدنا برأي ورجاء من واقع خبرته الشخصية. وفي شؤون الإيمان، يمكن لهذا الرثاء أن يشكل الفرق الجوهري بين المثابرة والاستسلام.

فإن يسوع، رئيس كهنتنا الذي يرثي لنا، يعيننا على المثابرة في الحياة المسيحية (عب4: 14). فلأنه يشترك معنا بالكامل في بشريتنا -حتى في الوقت الحالي أيضًا، وهو رئيس كهنة قائم من بين الأموات والذي صعد إلى السماء- هو يستطيع أن يتفهم ضعف حالتنا من الداخل.

يتمثل جزء من هذا الضعف في إمكانية أن نُجرب بالخطية. فإننا نواجه يوميًا، سواء من الداخل أو من الخارج، تجارب هذا العالم الساقط، بما في ذلك الشعور الناجم عن الاستسلام لها. لكن، تعلمنا الرسالة إلى العبرانيين بأن يسوع جُرب، لكنه لم يستسلم قط. فهو لم يخطئ قط. وفي هذا الشأن، كان (عب4: 15) واضحًا. ويتفق جميع المؤمنين أيضًا معًا على ذلك.

لكن، هل كان بإمكانه ذلك؟ هل كان بإمكان يسوع أن يخطئ؟

هذا السؤال متعلق بما يسميه علماء اللاهوت الاعتقاد “بعدم عصمة” يسوع (أي قابليته لارتكاب الخطية) أو “عصمته” عن ارتكاب الخطية. فالأمر يتعلق هنا بسؤال مشروع، وهو ما إن كان يسوع قد اتحد بنا بالكامل في بشريته أم لا. مرة أخرى، لا يتعلق السؤال بما إن كان يسوع قد أخطأ أم لا، بل في ضوء أنه ورغم إقرار الجميع بأنه لم يخطئ بالفعل، هل كان بإمكانه أن يخطئ نظريًا؟

هناك ثلاث أسباب تحول دون إمكانية يسوع على أن يخطئ

يلزم الإجابة عن هذا السؤال بالنفي لثلاثة أسباب، تتعلّق بكل من شخصه، ومعزيه، وقصده.

1. شخصه

كلما تطلعنا إلى يسوع في الأناجيل، يلزم أن نتذكر أن هذا هو ابن الله الأزلي الذي اتخذ طبيعة بشرية. صحيح أن له طبيعتين، لكن تلك الطبيعتان متحدتان دون انقسام أو اختلاط في شخص واحد. فالطبيعة البشرية للابن المتجسد لم توجد قط في انفصال عن شخصه.

اتخذ الأقنوم الثاني في الثالوث طبيعتنا البشرية. وتلك الطبيعة لا تعمل من ذاتها، لأن الأشخاص هم الذين يعملون وليس الطبائع. وبالتالي، فإن الأقنوم الثاني في الثالوث هو الذي يقوم بالعمل. وإذا أمكن أن يخطئ، بحكم طبيعته البشرية، فهذا معناه أن أقنومًا في الثالوث يمكن أن يخطئ، وهو الأمر المستحيل على يسوع- قدوس الله.

2. معزيه

كلمة معزي هي قطعًا إشارة إلى الروح القدس. فإن اتخاذ الابن طبيعة بشرية كان نتاج تظليل الروح القدس للعذراء مريم (لو1: 35). فالآب أعطى الروح القدس للمسيح “دون كيل” (يو3: 34). وقد مُسح يسوع بالروح القدس في معموديته (مت3: 16)، وتمتع بشركة تامة مع الروح القدس طوال حياته البشرية على الأرض (أع10: 38).

والروح القدس، تماشيًا مع اسمه، قد هدى الابن المتجسد دائمًا إلى سبل البر المقدسة – حتى وإن قادته تلك السبل للدخول في طريق التجربة.

3. قصده

بحسب (أف1: 3-5)، ينبع خلاصنا من خطة أزلية بموجبها يوحدنا الآب، “حسب مسرة مشيئته”، بالابن إلى الأبد، بحيث يصير الابن هو الرأس والوسيط لشعب مفدي. لقد أشار يسوع إلى هذا القصد في (يو17: 4): “أنا مجدتك على ٱلأرض. ٱلعمل ٱلذي أعطيتني لأعمل قد أكملته”.

والأمر المحوري في هذا العمل لم يكن مقتصرًا على طاعة يسوع الإيجابية، بصفته آدم الثاني (رو5: 12-21؛ 1كو15: 20-22، 45-49)، بل اشتمل عمله أيضًا على تقديمه لنفسه “بروح أزلي … لله بلا عيب” (عب9: 14). وإذا أمكن ليسوع المسيح أن يخطئ، يصير القصد المتعلق به، الذي تكون في خطة الله الأزلية، موضع شك.

لكن ألن يعني مجموع هذه الأسباب الثلاثة أن التجربة التي واجهها يسوع لم تكن حقيقية -على الأقل مثلما هي حقيقية بالنسبة لك ولي؟

تجارب حقيقية، لأجلنا

خاض يسوع التجارب بصفته وسيطنا (رو8: 2-4). كما أنه فعل ذلك نيابة عنا، بصفته ممثلنا. وبينما كان يُجرب، كان الروح القدس عاملًا.

لنتأمل معًا في تجارب البرية. فبعد مسح يسوع بالروح القدس في معموديته، قاده الروح إلى البرية ليُجرب. وفي حين لم تكن لدى يسوع طبيعة ساقطة، وبالتالي، لم تكن لديه شهوات ساقطة تجربه من الداخل، جاءت عليه التجربة بقوة من الخارج.

يقول (مت4: 11) إن ملائكة جاءت وصارت تخدم يسوع بعد هجمات إبليس عليه. كان هذا ضروريًا لأن تجارب البرية كانت حقيقية. فلم تكن تجارب يسوع مجرد “تمثيلية”، بل كانت تجارب محسوسة، لأجلنا.

قال ليون موريس (Leon Morris) إن غياب الخطية لا يقلل من شدة التجربة، بل بالأحرى يزيدها:

ذلك الشخص الذي يستسلم لتجربة معينة لا يختبر قوتها كاملة، لأنه استسلم بينما كان لا يزال لدى التجربة مزيد من المخزون. فقط الإنسان الذي لا يستسلم للتجربة (والذي، من جهة تلك التجربة خصيصًا، يكون بلا خطية)، هو الذي يختبر المدى الكامل لقوة تلك التجربة.

نحن نتعرض للتجارب يوميًا. ونظير آدم، نحن نتكل على أنفسنا في غالبية الأحيان، ونستسلم للتجربة، لنسقط في الخطية. لكن، شكرًا لله على آدم الجديد الذي طوال مسيرة طاعته الطويلة، استودع نفسه دائمًا للآب بقوة الروح القدس، ولم يستسلم ولو لمرة واحدة. وكما أن إخفاق آدم هو بالطبيعة لنا، هكذا نصرة يسوع على التجربة هي لنا على نحو فائق للطبيعة، إذا استودعنا أنفسنا له، بالنعمة بالإيمان.

ناسوت حقيقي، لأجلنا

واحد من الاعتراضات الشائعة التي تبدى على عصمة يسوع من الخطأ هو أنه إذا لم يكن بإمكان يسوع أن يخطئ، فهذا سيقلل من بشريته. ففي النهاية، كان بإمكان آدم (الإنسان الأول) أن يخطئ، وهكذا بإمكاننا نحن أيضًا (كما نعرف جميعنا تمام المعرفة). لكن، هل هذه الإمكانية أساسية لبشريتنا؟ فهل، إذا اختفت القدرة على ارتكاب الخطية، سيقلل هذا من بشريتنا؟

كل صورة رسمت في الكتاب المقدس عن حياة بشرية كاملة كانت صورة لحياة غابت الخطية عنها. الأكثر من ذلك أيضًا أن الرجاء الأبدي للمؤمن هو أن يعيش بلا خطية في السماوات الجديدة والأرض الجديدة. فعندئذ، لن تدخل الخطية بعد –ولو على نحو محتمل– إلى حياتنا، لأن التقديس سيكون قد اكتمل، وستكون طبيعتنا البشرية قد تمجدت (رو8: 30)، وستمحى عنا وصمة آدم القديمة إلى الأبد، وسنعرف حينئذ معنى أن نسير مع الله ونحن بشر كاملون وأحياء بالكامل.

فإننا، نظير يسوع، سنصير عندئذ عاجزين عن أن نخطئ، وهذا لن يقلل من بشريتنا؛ بل بالأحرى، سنكون بشرًا بدرجة أكبر عندما نختبر الأبعاد الفائقة للغرض الذي خلقنا لأجله، كأحباء لله في العهد.

عاش يسوع هذه الحياة أولًا، ونشكر الله لأنه سلك هكذا في مواجهة التجارب. ومن ثم، فهو الآن رئيس كهنتنا الذي يرثي لنا، والذي يمدنا من ذاته بالقوة التي نحتاج إليها كي “نتمسك بالإقرار”، إلى أن ندخل إلى ملء الحياة الأبدية.

نشكر الله أيضًا لأنه في حين تمثلت الخطوة الأولى في أن يصير الابن مثلنا، كان ذلك كي يصيرنا مثله في النهاية. فهو النموذج المطلق. وقد قاوم يسوع، ببشريتنا، كل تجربة، حتى يتسنى لنا، مثله، أن نقول لا للخطية.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا