القس رأفت رؤوف الجاولي
إذا كنت تريد أن ترى المسيح في الكتاب المقدس يقف فجأة أمام الناس وتظهر البروق والرعود من السماء معلنة عن عظمته وإذا به يقول: “أنا هو الله فاعبدوني”، فإن هذا ما هو إلا توقع ساذج. أيضًا قصة بروعة وجمال قصة العهد الجديد لا يمكن أن يتماشى هذا المشهد الإعلاني مع محتواها العميق. ويمكن دراسة هذا الموضوع من خلال النقاط التالية:
أولًا: المسيح في لاهوته وسيادته على البشر:
1- المسيح في لاهوته: هو رب داود، ورب الكل، ففي سؤاله لرؤساء اليهود قال لهم: “ماذا تظنون في المسيح؟ ابن مَنْ هو؟ قالوا له: ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح ربًا قائلًا: قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك؟ فإن كان داود يدعوه ربًا فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتة. (مت 22: 42-46). فأكد لهم أنه رب داود الجالس عن يمين العظمة في السموات.
وهو إله إبراهيم: “أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح، فقال له اليهود: ليس لك خمسون سنة بعد أفرأيت إبراهيم؟ قال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن. فرفعوا حجارة ليرجموه. أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازًا في وسطهم ومضى هكذا. (يو 8: 51-59). فقد أعلن عدة إعلانات تؤكد أنه الله:
أعلن أنه الأزلي الأبدي الذي لا بداية له ولا نهاية (غير محدود بالزمان)، بمعنى أنا صاحب السلطان على الكون كله والخليقة كلها. “أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية. أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانًا” (رؤ 21: 6).
وفي الموعظة على الجبل المسجلة في الإنجيل بحسب البشير متى إصحاحات 5 و6 و7 يقول بسلطان: “سمعتم أنه قيل… أما أنا فأقول لكم…” معلنًا مبادئ ملكوت الله وسيادته.
وفي الإنجيل بحسب البشير يوحنا 7 إعلانات أعلنها عن نفسه كلها تبدأ بعبارة “أنا هو”، أي “أنا هو الله” مثل: “أنا هو الباب… أنا هو الراعي الصالح” (يو 10: 9 و11).
فهو رب الطبيعة لذا فهي فتخضع له فقد مشى على مياه البحر الهائج (مت 14: 25؛ مر 6: 49؛ يو 6: 19)، وعندما هاج البحر وهو في المركب مع تلاميذه قام وانتهر الريح “فسكنت الريح وصار هدوء عظيم… فخافوا خوفًا عظيمًا وقالوا: “مَنْ هو هذا؟ فإن الريح أيضًا والبحر يطيعانه!” (مر 4: 39 و41). “فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس” (يو 1: 4).
وقد قال عن نفسه إنه هو الحي الذي لا يموت: “إني أنا حي فأنتم ستحيون” (يو 14: 19).
وهو كلي العلم، العالم بكل شيء:
يقول الكتاب المقدس عن معرفته المطلقة بالإنسان: “فعلم يسوع أفكارهم “(مت 9: 4؛ مت 12: 25)
“فعلم يسوع خبثهم” (مت 22: 18)، “لأنه كان يعرف الجميع. لأنه لم يكن محتاجًا أن يشهد أحد عن الإنسان لأنه علم ما كان في الإنسان” (يو 2: 24 و25).
وعندما قابل تلميذه نثنائيل أكد له أنه رآه وهو تحت التينة قبل أن يأتي إليه: “قال له نثنائيل: من أين تعرفني؟ أجاب يسوع: قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك. فقال نثنائيل: يا معلم أنت ابن الله!” (يو1: 48-49).
وكان يعلم مَنْ سيؤمن به ومن لا يؤمن؛ “لأن يسوع من البدء علم مَنْ هم الذين لا يؤمنون” (يو 6: 64) .
2- المسيح في سيادته على البشر:
“فإنه فيه خُلق الكل ما في السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يُرى سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل وهو رأس الجسد… لكي يكون هو متقدمًا في كل شيء” (كولوسي 1: 16-18). وهذا يعني أن يسوع غير مخلوق، بل هو الخالق، فهو الله.
ثم يمضي الرسول بولس ليبرز أن المسيح موجود قبل كل الأشياء، وكل الأشياء متضمنة فيه (“وفيه يقوم الكل”). لذلك المسيح له السيادة. وهذا التعليم أساسي في نظرتنا إلى المسيح وعبادتنا له. سيادة المسيح تؤكد أنه هو الله. وهو ليس مجرد إنسان أعظم من الجميع، بل هو بالفعل فوق كل الخليقة، لأنه هو الله.
عندما نفهم معنى سيادة المسيح يصير لدينا مفهوم أكثر دقة عنه هو، وندرك عمق محبته بصورة أكبر ونتمكن من قبول محبته والتجاوب معها بصورة أكبر.
ثانيًا: الله المتكلم:
1- الله المتكلم في الجبل:
تكلم مع موسى في الجبل ونرى هنا مرة أخرى لكن موسى لم يستطع رؤيته على الإطلاق. وقد سبق ورأينا أن الرب فقال: «أرني مجدك». فقال: «أجيز كل جودتي قدامك. وأنادي باسم الرب قدامك. وأتراءف على مَنْ أتراءف، وأرحم مَنْ أرحم». وقال: «لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش». وقال الرب: «هوذا عندي مكان، فتقف على الصخرة. ويكون متى اجتاز مجدي، أني أضعك في نقرة من الصخرة، وأسترك بيدي حتى أجتاز. ثم أرفع يدي فتنظر ورائي، وأما وجهي فلا يُرى” (خر 33: 18–23).
2- الله المتكلم في الشجر: وهذا أيضًا مستساغ جدًا أن الله يمكن أن يتكلم في شجرة بشكل عظيم كهذا:
“وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة. فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار، والعليقة لم تكن تحترق فقال موسى: أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة؟ فلما رأى الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى، موسى! فقال: هأنذا. فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة” (خر 3: 2-5).
وكلمة “ملاك الرب” التي ذُكرت كثيرًا في العهد القديم من الكتاب المقدس تشير إلى شخص المسيح نفسه.
3- الله المتكلم في الإنسان
“لذاتي مع بني آدم” (أم 8: 31)، فالله يجد سعادة غامرة في الشركة مع البشر يقول الله في أمثال سليمان الحكيم إن لذاته مع الإنسان، على عكس ما يرى الإنسان الذي قد يرى نفسه وضيعًا لا يستحق أي إحسان إلهي. لذا فأفضل صورة يمكن أن يظهر الله بها للإنسان هو ظهوره في جسد إنساني فهذا أفضل بكثير من إعلان الله نفسه متكلمًا في الجبل والشجر. وإذا قال البعض إن “الجسد الإنساني قد يحمل الخطية” فإن هذا الكلام ما هو إلا “حق” يراد به “باطل” لأنه هل الخالق القدوس يسمح لنفسه بأن يكون في موضع خطية؟ لقد وقف المسيح مجاهرًا وقائلا :”مَنْ منكم يبكتني على خطية؟” (يو 8: 46)، أي هل هناك خطأ صدر مني؟ فمن هو الذي بلا خطية؟ وبهذا يثبت المسيح مستواه الإلهي وأنه فوق مستوى البشر.
بكم رفع الله من قيمة الإنسان ومكانته، ففي (مز 8: 3-9) يتغني داود:
“فمن هو الإنسان حتى تذكره؟ وابن ادم حتى تفتقده؟ إذ أرى سماواتك عمل أصابعك، القمر والنجوم التي كونتها فمن هو الإنسان حتى تذكره؟ وابن آدم حتى تفتقده وتنقصه قليلًا عن الملائكة، وبمجد وبهاء تكلله تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شيء تحت قدميه الغنم والبقر جميعًا، وبهائم البر أيضًا وطيور السماء، وسمك البحر السالك في سبل المياه أيها الرب سيدنا، ما أمجد اسمك في كل الأرض”.
أخيرًا: إن “المسيح” يتكلم بقوة وبإعلانات متعددة واضحة تؤكد لكل عين بسيطة أنه بالفعل هو “الله المتكلم”، فلا توجد أي شكوك في هذا على الإطلاق. قالوا إن أي حقيقة يمكن إثباتها بدليلين أو ثلاثة فما بال كل هذه الإثباتات التي سيقت في المقالين، بالطبع بالإضافة إلي العديد من الإثباتات الأخرى التي تحتاج عدة مقالات في زمن ندرت فيه القراءة المخلصة أو البحث المستفيض. ويكفي اختصارًا القول: “مَنْ له أذنان للسمع فليسمع”.