19.4 C
Cairo
السبت, نوفمبر 23, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيهداسا: جَنَّةِ المُلْكِ الحلقة (12)

هداسا: جَنَّةِ المُلْكِ الحلقة (12)

د. أماني ألبرت

تدور القصة في مدينة شوشن عاصمة بلاد فارس في عهد الملك “أحشويروش” المعروف باسم زركسيس الأول الذي حكم 127 مملكة.

 (شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمى الطفلة اليتيمة هداسا… كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم.. أضاع “أبيحائل” والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض..

وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. فقد وجد أنه ما زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام.. واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء.. (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة..)

في مشهد مهيب، تم تشييع جثمان الملك “داريوس” من العاصمة “برسيبوليس”. تقدم الموكب ابنه “أحشويروش” مع بقية أبنائه وكبار مستشاريه ورجال جيشه وحاشيته وأحبائه، كما توافد ممثلون من كل دول الإمبراطورية المترامية، وسفراء من الدول الصديقة، هذا بالإضافة لكبار المرازبة والمواطنين الساكنين بالعاصمة والمناطق المحيطة بها، فقد ودعه لمثواه الأخير أشخاص من كل جنس ولون من شعوب الإمبراطورية المترامية.

وما هي إلا أيام قليلة حتى تم الانتهاء من ترتيبات القصر الملكي بشوشن الذي تزين مدخله بأقمشة مطرزة بسيور الذهب والفضة وامتد السجاد خارج القصر مسافات طويلة لاستقبال القادمين للمشاركة في الاحتفال بتجليس “أحشويروش” ملكًا على الإمبراطورية الممتدة التي خلفها له أبيه وبجانبه “وشتي” ملكة للبلاد لتمليكه على كل أراضي الهضبة الفارسية وجميع أراضي الإمبراطورية الأشورية، والتي كانت تضم بلاد ما بين النهرين وقبرص ومصر والأناضول وأرمينيا وجنوب القوقاز وأذربيجان وأوزبكستان وطاجيكستان وبلغاريا وتراقيا ومقدونيا وأجزاء من آسيا الوسطى والمناطق المقابلة لأفغانستان وباكستان إلى أقصى الشرق وأجزاء من شمال جزيرة العرب إلى الجنوب وأجزاء من شمال ليبيا إلى الجنوب الغربي وأجزاء من سلطنة عمان والصين.

*********

في الأيام الأولى، قدمت الوفود من كل حدب وصوب مهنئةً الملك الجديد على توليه العرش وحاملةً معها هدايا ثمينة متنوعة استُودعت وصُنفت ورقُمت لدى الخازن “شيشاي بن مثرداث” لتزيد من ثروات الملك ومقتنياته.

كانت الوفود القادمة مندهشة مما رأت، فمدخل القصر محاط بحدائق واسعة اعتاد الملك أن يسميها “جنة الفردوس”، ولأول مرة يرون هذا المنظر… حدائق لها أقسام مستطيلة منتظمة هندسيًا، مزروعة بزهور ملونة وأشجار سرو وأعشاب وغيرها من النباتات النادرة.

كما انبهرت الوفود بنظام إمداد المياه لكل المدينة والصرف عبر المجاري حيث لم يقم أحد في العالم كله بعمله شيء مماثل له… وخرجت الوفود في جولات مع المهندسين الماهرين ليروا كيف استفادوا من المياه النقية النازلة من الجبال لتغذي المدينة كلها، وكيف أقاموا قنوات مبطنة بالحجر بطول آلاف الأمتار تحت الأرض ولها مكان واضح فوق الأرض كمصدر للمياه.

وبدأ النحاتون يرسمون زيارات الوفود الأجنبية على جدران القصر ومواكب السلام القادمة من البلدان المحتلة وهي تعلن خضوعها للملك وتقدم الهدايا.

****

وعلى الجانب الآخر، ما أن وصل خبر موت “داريوس” وتولى ابنه حتى اندلعت ثورات عنيفة في مصر وبابل وقتلوا ممثلي الملك… فما فعله الملك بالتمثال الذهبي لمردوخ إلههم أثار حفيظتهم… فقد كان أبوه يكرم “مردوخ” إله بابل ولكن الملك الجديد أذاب التمثال ورفض اللقب الذي أعطوه لوالده، “ملك بابل”، وكتب مرسومًا ووزعه على كل أنحاء الإمبراطورية بأن لقبه “ملك بلاد مادي وفارس”، الملك العظيم، ملك الملوك (شاهانشاه) وملك الأمم.

وبسبب ما فعلوه لم يكن أمام الملك الجديد إلا أن يرد بكل شدة مرسلًا جيشه الكبير لقمع الثورات، ولم يهدأ حتى تم إعدام كل مَنْ قاد أو شارك فيها، محولًا تلك الأماكن لحمامات دم ومعلنًا أنه متعطش للمزيد في حال ظهرت ثورات جديدة.

****

وبينما كان الملك جالسًا على عرشه في القاعة الرئيسية قال له “كرشنا” أكبر الرؤساء في فارس ومادي وواحد من المقربين إليه الذين يرون وجه الملك ويجلسون أولًا في حضرته:

– مولاي… بفضل حكمتك استطعت أن تقضي على ثورات مصر وبابل وبفضل حكمتك لم نفقد صومعة الإمبراطورية الفارسية، “مصر”.

– اصدر لي قرارًا بتعيين “أخمينيس” شقيقي حاكم لمصر وقل له أن عليه توفير 120 ألفًا من الحبوب بالإضافة إلى كم عُملة من الفضة سنويًا؟

– 700 عملة من الفضة يا مولاي.

– أريد أن أحقق حلم والدي… بل كل أحلامه.

رد “كرشنا” وهو ينحني بجسده الممتلئ:

– بالطبع يا مولاي.

– استيلاء أبي على السلطة أدي إلى استياء وتذمر في بابل وزادت التمردات في مادي وعيلام وبارثيا ومناطق أخرى. فماذا حدث بعدها؟ استغرق الأمر منه عام لتهدئة البلاد وهذا ما سيحدث معي… مجرد وقت.

قال “شيثار”، وهو الرئيس الأول بعد  “كرشنا”:

– مولاي… كنت قد قررت أن تكافئ النبلاء الذين اخمدوا الثورات في مصر وبابل.

– نعم. هل جهز المسجِّل القرارات؟

قام “أوروك” المسجل منتفضًا وتقدم للأمام مسرعًا رغم جسمه السمين، وهو يحمل القرارات التي تنتظر توقيع خاتم الملك، وقال:

– نعم، مولاي. تم توزيع حيازات من الأراضي ملكًا لهم كما أمرت، وتم إدراج النص طبقًا للقانون بأن “لهم الحق في إدارة ونقل المخصصات إلى أحفادهم من بعدهم”.

– وماذا عن بقية الأراضي المستأجرة؟ أريد أن اعرف كيف تُستثمر ممتلكاتي؟

رد “أدماثا”، الرئيس الثاني بعد “كرشنا”:

– كثيرة جدًا مولاي لا يمكن حصرها ومع هذا تم الحصر… هم يستأجرون الأراضي ويزرعونها ويرسلون المقابل من منتجات الزراعة والثروة الحيوانية .

أما مالكو الأراضي فيتم إمدادهم بالمياه عبر القنوات التي تم مدها في كل أنحاء الإمبراطورية ومقابل ري التربة الخصبة نأخذ ثلث حصاد مالك الأرض.

– وكيف هي أحوال الجيش؟

تقدم ” ماردونيوس” قائد الجيوش ورد بنبرة واثقة:

– ملكنا العظيم … الجيش يكمل استعداده الذي بدأه أيام ملكنا العظيم “داريوس” قبل أن توافيه المنية… نتدرب كل يوم ونضم جنود جدد ونطور الأسلحة.

– سأكمل ما بدأه والدي… سنذهب اليونان وسننتصر عليهم هذه المرة… استمر ابن عمي العزيز “ماردونيوس”… فلا يوجد أفضل منك قائدًا لجيشي.

أحنى “ماردونيوس” رأسه بابتسامه واضحة، فالملك نادرًا ما يمتدح أحدًا… ولكن عمه وكبير مستشاريه “أرتابانوس” قاطعة قائلًا:

– ولكن مولاي..

– ماذا؟

– أنت تعلم أن اليونانيين لديهم محاربون أشداء لا يمكن الانتصار عليهم بسهولة، ولا نريد أن نكرر خسارتنا.

– حسنًا… يمكننا أن نقهرهم بالعدد الكبير والأسلحة الكثيرة… أقصد التفوق العددي برًا وبحرًا.

– ولكن مولاي… أنت تدرك كأبيك شراسة ووحشية المقاتلين اليونان. لن يؤثر عليهم العدد فهم مدربون جيدًا على القتال

قال الملك بنبرة حادة:

– ماذا تقصد أن تقول؟ هل تقصد ألا نذهب؟

رد عليه مسرعًا وملامح الارتباك تكسو وجهه:

– كلا… كلا يا مولاي، ولكن أرى أن نستعد جيدًا ونأخذ وقتًا كافيًا حتى نضمن الانتصار الساحق.

قال “ترشيش” الرئيس الثالث بعد “كرشنا”:

– مولاي.. ماذا لو أصدرت مرسومًا بزيادة المكافئة لكل مَنْ ينضم مع مكاسب هائلة بعد الانتصار في المعارك؟

– فليكن… ليكتب المسجِّل وتُراجَع من رؤساء مادي وفارس السبعة ثم اختمها بخاتم الملك… ويكلف “مرس ومرسنا ومموكان” بجمع واستقدام التعزيزات من أنحاء الإمبراطورية وتوفير كافة متطلبات الجيش.

مرت سنوات والملك ورؤساءه يجهزون للحملة. كان يجري إعداد وجمع الإمدادات وضم الجنود وتدريبهم وتطوير الأسلحة على قدم وساق… فيما أدار الملك شئون المملكة بمهارة وقمع الثورات واستقبل الوفود وتابع عن كثب امتلاء خزينة وتجهيزاته للحرب.

المقاله السابقة
المقالة القادمة
مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا