24.4 C
Cairo
الجمعة, نوفمبر 22, 2024
الرئيسيةفكر مسيحينظرية النشوء والتطور – أديانة هي؟

نظرية النشوء والتطور – أديانة هي؟

الدكتور تومي ميشيل والدكتور أ.ج. مونتي وايت

نظرية النشوء والتطور تتناول أصل أشكال الحياة على الأرض وتطورها – فما علاقة ذلك بالدين؟

إننا متأكدون أن كثيرين سوف يجدون السؤال المطروح في عنوان هذا المقال غريبًا بعض الشيء. إن نظرية النشوء والتطور تتناول أصل أشكال الحياة على الأرض وتطورها – فما علاقة ذلك بالدين؟ أليست نظرية النشوء والتطور علمًا؟ قيل لنا إنها يجب أن تكون منفصلة عن العقيدة الدينية – على الأقل في الصفوف الدراسية! حسنًا، دعونا نرى ما إذا كان يمكن اعتبار نظرية النشوء والتطور علمًا حقيقيًا وليس عقيدة دينية. ولتحقيق هذا لا بد من التعريف ببعض المصطلحات.

 

المنهج العلمي وعلم الأصول

كثيرًا ما يُتهم الخلقيون بأنهم غير علميين أو بأن علمهم مزيف، في حين يدَّعي المروجون لنظرية النشوء والتطور أنهم متسربلون بعباءة “العلم الحقيقي”. ولكن ما هو العلم؟ وفقًا لتعريف القاموس الأمريكي The American Heritage Dictionary، العلم هو: “الملاحظة، والتحديد، والوصف، والبحث التجريبي، والتفسير النظري للظواهر.” بعبارة أوضح، يتطلب العلم ملاحظة الأشياء في العالم الحقيقي ومحاولة شرح كيفية عملها. والكلمة المفتاحية هنا هي الملاحظة.

نرى في الواقع أن الخلقيين يؤمنون بـ “علم الرصد” الحقيقي المسمَّى أحيانًا “المنهج العلمي”، فنحن نتمتع بفوائد علم الرصد كل يوم. فسواء كنا نُحلق في طائرة، أم نعاني مرضًا ونعالجه بعجائب الطب الحديث، أم نكتب هذا المقال على كمبيوتر محمول متطور، فنحن نستفيد من التكنولوجيا التي تستخدم علم الرصد الحقيقي ونطبقه على احتياجات العالم الحقيقي. إن إنجازات العلم هذه متاحة في الوقت الحاضر ويمكن بالتالي أن تكون قابلة للفحص والتحقيق.

هناك نوع آخر من العلم معروف باسم “العلوم التاريخية”، ويُسمى أحيانًا “علم الأصول أو علم البدايات”. فالعلوم التاريخية تقوم على استخدام مناهج علمية حاضرة لتحديد ما حدث في الماضي. وبما أن العالم المادي موجود في وقتنا الحاضر، فكل الأدلة المتوفرة لدى العلماء لدراسة العالم المادي موجودة ومتاحة أيضًا في الوقت الحاضر. لكن إذا تعذر فحص الماضي مباشرةً، وجب على العالم القيام بافتراضات من أجل الوصول إلى استنتاجات. وإذا صعب إثبات الافتراضات، يصب كل ما هو غير مثبت عمومًا في خانة المعتقدات، فالافتراضات ليست سوى مجرد تخمينات غير قابلة للاختبار.

الأشياء التي حدثت في الماضي أصبحت ماضيًا، ولذا لا يمكن ملاحظتها أو اختبارها في الوقت الحاضر، ولا يمكن تكرارها أو التحقق منها في الوقت الحاضر. ولهذا نسأل: كيف نعرف إذًا الكثير عن الماضي؟

ولعل إعطاء مثل هنا يُساعد على توضيح هذه المسألة. لو سألت عددًا كبيرًا من الناس: “أتظنون أن جورج واشنطن كان شخصًا حقيقيًا؟” فما الإجابة التي تتوقعها؟ بالطبع، الجميع سيقولون إن جورج واشنطن وُجِد بالفعل.

الآن إن طرحت السؤال التالي: “أيمكنك إعطائي طريقة لإثبات وجوده علميًا، من خلال بعض الإجراءات التجريبية؟” ستكون الردود المعتادة هي: “نفحص حمضه النووي” أو “ننبش عظامه”. لكن في الواقع، هذه الأساليب لا تنفع. أولًا وقبل كل شيء، فحص الحمض النووي ينجح فقط إذا كانت لدينا عينة صالحة من حمضه النووي لمقارنتها بالنتائج الحالية. وإذا نبشنا عظامه، لا يمكننا إثبات أنها عظامه أصلًا. للوصول إلى أي استنتاجات، سيكون علينا أن نقوم ببعض الافتراضات بناءً على أشياء لا يمكن اختبارها فعليًا.

حسنًا، إذا لم نجد طريقة علمية لإثبات أنه عاش، كيف نعلم أنه كان لجورج واشنطن وجود؟ هذا سهل! من خلال وثائق تاريخية كثيرة نملكها عن حياته. وقد صادق على هذه الوثائق الناس الذين عاشوا في زمنه ولم يختلفوا على مضمونها. وهكذا، لدينا أدلة موثوقة تُثبت أن جورج واشنطن وُجِد فعليًا على أرضنا.

النشوئي يحاول تفسير أحداث وعلميات حدثت فعلًا

تستند نظرية تطور الإنسان من جزيئات على فرضية الطفرة والاصطفاء الطبيعي، فالكائنات الحية أصبحت أكثر تعقيدًا على مدى الثلاثة مليارات سنة الماضية أو ما شابه. وهكذا تطورت هذه الكائنات إلى مجموعة من المخلوقات إلى أن ظهر البشر على الساحة في نهاية المطاف.

إذا سألنا: هل سبق لأحدهم أن رأى نوعًا من المخلوقات يتحول إلى نوع آخر من المخلوقات؟ يكون الجواب دائمًا كلّا. عند مواجهتهم بهذه الحقيقة، يعترض النشوئيون ويدَّعون أن هذا يحدث عادةً ببطء شديد لدرجة تصعب فيها ملاحظته. هم يقولون إن هذه العمليات بطيئة جدًا وتستغرق ملايين السنين لتحدث. حسنًا إذًا، إذا كانت العملية بطيئة جدًا وتصعب ملاحظتها، فكيف نعلم إذًا أنها حدثت أصلًا؟ قبل كل شيء، لا يمكن لأحد ملاحظة التغير البطيء لكل هذه الكائنات إلى أشكال أكثر تعقيدًا. أيضًا، ما من طريقة في الوقت الحاضر لاختبار أو تكرار ما حَدَثَ في الماضي. وأي استنتاجات عن أشياء غير قابلة للاختبار في الوقت الحاضر يجب أن تعتمد على افتراضات قابلة للإثبات مرتبطة بماضٍ غير قابل للاختبار.

إرنست ماير، الذي يعتبره الكثيرون أحد النشوئيين الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين، عبَّر عن هذا بهذه الطريقة:

“إن بيولوجيا التطور، على النقيض من الفيزياء والكيمياء، هي علم تاريخي – فالنشوئي يحاول تفسير أحداث وعلميات حدثت فعلًا. وبما أن القوانين والتجارب تقنيات غير مناسبة لتفسير مثل هذه الأحداث والعمليات، يقوم أحدهم بدلًا من ذلك باختلاق قصة تاريخية، معيدًا بناء سيناريو خاص ومؤقت أدى من وجهة نظره إلى الأحداث التي يُحاول شرحها.”

ثم يستخلص بشكل غريب: “ما من شخص مثقف يتساءل بعد اليوم عن صحة ما يُسمى بنظرية النشوء والتطور، التي نعرف الآن أنها حقيقة بسيطة.”

هل يوجد دليل على تطور الحياة من جزيئات غير حية؟

ما هو واضح جدًا في عالمنا هو أنه يمكن لماير أن يعتبر نظرية التطور البغيضة “حقيقة بسيطة”، إذ بحسب قوله لن يتساءل أي مثقف عن مدى صحتها.

هناك العديد من الأدلة المفترضة على نظرية النشوء والتطور. لكننا الآن سنفحص دليلين من هذه الأدلة المفترضة هنا، وسوف ندرسهما في ضوء علم الرصد، بدلًا من العلم التاريخي.

يدّعي النشوئيون غالبًا أن نظرية النشوء والتطور ليست لها علاقة بأصل الحياة، ويُجادلون بأنها لا تتناول سوى قضايا التغيير الذي يُصيب الكائنات الحية على مدار الزمن، ويزعمون أن الحياة تطورت عن طريق وسائل طبيعية بحتة، دون أي تدخل خارق للطبيعة. ولكن بما أنهم جادلوا بأن الحياة تطورت من خلال آليات طبيعية بحتة، كان يجب عليهم أيضًا أن يصوروا عملية طبيعية لدخول الحياة حيز الوجود.

إن أحد الأدلة المفترضة على نظرية النشوء والتطور هو أن الحياة بدأت تلقائيًا في المحيطات الشاسعة للأرض منذ ما يقرب من ثلاثة مليارات سنة. فالكتب المدرسية، والمجلات، والأفلام الوثائقية التليفزيونية تصعقنا دائمًا بما يزعمون أنه حقيقة. لكن ما هو الدليل على تطور الحياة من جزيئات غير حية؟ لا يوجد! فما من طريقة لتحديد ما كان عليه “الغلاف الجوي القديم”، ولا مما تكونت المحيطات في ذلك الوقت. وما من طريقة لاختبار أو فحص تلك البيئة. ولا يمكن لأحد أن يؤكد بيقين ما هي التركيبة الكيميائية التي تكونت منها المحيطات الأولى. إذًا كيف يمكن الادعاء أن البروتينات البسيطة والأحماض النووية نشأت بشكل تلقائي؟

استنادًا إلى معرفتنا عن هذه الجزئيات باستخدام علم الرصد الحالي، يصعب تصور أن هذه العمليات تحدث عن طريق عمليات طبيعية. وما من ملاحظة علمية على الإطلاق بيَّنت كيف يمكن لهذه الجزيئات المعقدة أن تنشأ تلقائيًا، ناهيك عن التطور الموازي وتجمُّعها لتصبح حية. إن أحد النشوئيين البارزين، ويُدعى ليزلي أورجيل، قال: “وهكذا، لأول وهلة، يصبح على المرء أن يستنتج أنه لا يمكن أبدًا للحياة أن تكون قد نشأت في الواقع بوسائل كيميائية.”

السجل الأحفوري.. لا يمكن فحص تفسير الخلقيين ولا تفسير النشوئيين في الوقت الحاضر

إن أحد الأدلة الأولية المستخدمة لدعم نظرية التطور هو السجل الأحفوري. لطالما اقترح النشوئيون أن البقايا المتحجرة للكائنات الميتة، سواء من النبات والحيوان، والتي يتم العثور عليها في طبقات الصخور، تُثبت أن الحياة تطورت على الأرض على مدى ملايين السنين. باستخدام علم الرصد، كيف يمكن التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج؟ إن المتحجرات نفسها هي وحدها المتوفرة لفحصها. وهذه المتحجرات موجودة فقط في الوقت الحاضر. ما من طريقة تحدد مباشرةً ما كان يحدث لهذه المخلوقات، ولا كيف ماتت، ولا كيف دُفنت في الرواسب، ولا كم من الوقت استغرقت لتتحجر. وعلى الرغم من أنه من الممكن اختلاق قصة لشرح السجل الأحفوري، لكن القصة المختلفة لا تفي بمعايير التحقيق العلمي الحقيقي، إذ لا يمكن لقصة حول الماضي أن تُختبر في الوقت الحاضر.

إن الخلقي الذي ينظر إلى السجل الأحفوري يصل إلى استنتاج مختلف تمامًا عن الاستنتاج الذي يصل إليه النشوئي. بالنسبة إلى الخلقي، الأحافير في الصخور جاءت نتيجة كارثة عالمية أدت إلى ترسُّب هائل دَفَن بسرعة ملايين المخلوقات. وهذا الحدث الكارثي لا يُفسر فقط وجود السجل الأحفوري إنما يفسر أيضًا وجود طبقات الصخور نفسها. (فتكدُّس الرواسب في طبقات قد يكون نتج عن الفرز في الطوفان الهائل والمياه التي جاءت بعده). فما هي وجهة النظر الصحيحة؟ لا يمكن فحص تفسير الخلقيين ولا تفسير النشوئيين في الوقت الحاضر.

ولكننا في هذا الصدد نجد لدى الخلقي دليلًا في الكتب المقدسة يشير إلى أنها كلمة الله. إنها سجل لما فعله الله ومتى فعله. ففي الكتب المقدسة نعرف كيف بدأت الحياة، فالله قد خلقها. كما تساعدنا الكتب المقدسة على فهم السجل الأحفوري، وعلى معرفة أن الكثير منه نتج عن الطوفان العالمي الذي وصفه سفر التكوين 6-8. فكما أن الوثائق التاريخية تثبت وجود جورج واشنطن، لدينا وثيقة تاريخية موثوق بها تُسمى الكتب المقدسة تعطينا إجابات عن أصلنا وعن عالمنا.

لا يملك النشوئي أية وثيقة تاريخية تُعبِّر عن وجهة نظره. إنه يعتمد على افتراضات تدعمه من العلوم التاريخية. وهنا يكمن سوء الفهم الجوهري لهدف العلم وإمكاناته. ينطوي التحقيق العلمي الأصيل على تحقيق عن عمليات يمكن ملاحظتها وقابلة للاختبار وللتكرار، فلا يمكن معاينة نشوء الحياة على الأرض وتطورها ولا اختبارها وتكرار الاختبارات، وهذا لأنها حدثت في الماضي.

هل نظرية النشوء والتطور علم مُلاحَظ؟

كلا، لأنها تندرج ضمن عالم العلوم التاريخية؛ إنها نظام عقائدي عن الماضي. كيف يمكن للنشوئي أن يؤمن بها دون الحصول على إثبات علمي دقيق؟ الجواب هو لأنه يريد هذا. إن النشوئيين مخلصون تمامًا في معتقداتهم، ولكن في النهاية تستند هذه المعتقدات على نظرتهم إلى العالم، والتي يرون فيها أن الكون نشأ من تلقاء نفسه تمامًا من خلال عمليات طبيعية. وهناك مصطلح يُعرِّف هذا النوع من المعتقدات – هذا المصطلح هو الديانة. فالديانة هي “سبب، ومبدأ، أو نشاط نُتابعه بحماس أو بتكريس واعٍ. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المعتقدات الدينية لا تستلزم بالضرورة وجود مفهوم عن الله.

ربما تأخذ بعض ملاحظات رواد النشوء والتطور في العالم السؤال المطروح في عنوان هذا الفصل بعين الاعتبار.

نظرية النشوء والتطور كديانة

كتب الدكتور مايكل روس، فيلسوف العلوم وبخاصة النشوئية في قسم الفلسفة بجامعة “جلف” في أونتاريو، ومؤلف العديد من الكتب عن الداروينية ونظرية النشوء والتطور، في مقال نشرته صحيفة ناشيونال بوست:

“يروِّج معتنقو نظرية النشوء والتطور لها على اعتبار أنها أكثر من مجرد علم. إن نظرية النشوء والتطور هي بمثابة إيديولوجية، وديانة علمانية – وبديل كامل عن ديانة الإيمان بالخالق، من حيث المعنى والأخلاق… إن نظرية النشوء والتطور هي ديانة. هذا ما كان يصح أن يُقال عن نظرية النشوء والتطور في بدايتها، وما يزال يصح أن يُقال عنها اليوم.”

إنه إقرار لا يُصدَّق: فدراسة أصول أشكال الحياة على الأرض وتطورها ليست “مجرد علم”، بل هي “ديانة علمانية”.

ومع هذا، نجد أيضًا أنها وجهة نظر وليام بروفين، أستاذ تشارلز أ. ألكسندر في العلوم البيولوجية في قسم البيئة وبيولوجيا التطور في جامعة كورنيل. فهو يُخبرنا في كتابه Origin Research قائلًا: “اسمحوا لي أن أُلخص وجهة نظري عما تقوله بيولوجيا التطور الحديثة بصوت عالٍ وبوضوح” قد تتوقع من هذا الأستاذ الرائد في علم الأحياء أن يقول إن البيولوجيا التطورية الحديثة تُخبرنا شيئًا عن أصل الحياة أو عن الاصطفاء الطبيعي أو عن أصل الأجناس أو عن علم الوراثة. لا! وفقًا لهذا النشوئي الرائد في علم الأحياء، فإن بيولوجيا التطور الحديثة تقول لنا بصوت عالٍ وبوضوح إنه:

“لا وجود للآلهة، ولا للأهداف، ولا للقوى الموجَّهة نحو أهداف من أي نوع. وما من حياة بعد الموت. عندما أموتُ، أنا متأكد تمامًا أنني سأكون ميتًا. هذه هي النهاية بالنسبة لي. ليس هناك أساس مطلق للأخلاق، ولا معنى مطلق للحياة، ولا حرية إرادة للبشر أيضًا.”

من الواضح أن هذين البيولوجيين المؤثرين في كندا والولايات المتحدة الأمريكية يعتقدان أن التطور ديانة – إنها ديانة الإلحاد حيث ما من حساب نهائي وحيث يسود التطور وحده.

دوكينز: “شعوري الشخصي هو أن فهمي لنظرية النشوء والتطور قادني إلى الإلحاد.”

كتب الصحفي بول جونسون مقال رائع عن قيام الأصولية الداورينية في جريدة The Spectator، لخص فيه نظام الاعتقاد الإلحادي عند النشوئيين بشكل عميق جدًا، فقد كتب يقول:

“الطبيعة لا تُميز بين مجموعة جبال، مثل جبال الألب، أو الحجارة أو العالم الذكي مثل البروفيسور دوكينز، لأنها بلا نظر، ولا إحساس ولا فكر، كونها مجرد عملية تعمل وفقًا لقواعد غير مصممة بل موجودة ببساطة.”

وعلى الرغم من أن بول جونسون يستخدم كلمة الطبيعة، لكنه في الواقع يشير إلى نظرية النشوء والتطور، ويقصد بهذا العمليات العشوائية التي تمت عبر الاصطفاء الطبيعي على مدار الزمن. هذه هي العملية التي خُلق من خلالها كل شيء، وفقًا للنشوئيين. يمكن لكل شيء أن يكون كائنًا جامدًا مثل مجموعة الجبال، أو يمكن أن يكون مخلوقات معقدة بشكل كبير مثلك ومثل مؤلفي هذا الكتاب.

هذا الاعتقاد في تطور الإنسان من جزيئات يمكن أن يجعل الناس يلحدون كما يعترف الملحد الرائد الدكتور ريتشارد دوكينز، أستاذ تشارلز سيموني للفهم العام للعلوم في جامعة أكسفورد. وردًا على سؤال: “هل الإلحاد هو امتداد منطقي للإيمان بنظرية النشوء والتطور؟” يقول دوكينز: “شعوري الشخصي هو أن فهمي لنظرية النشوء والتطور قادني إلى الإلحاد.”

نظرية النشوء والتطور مقابل المسيحية

إن الديانة المسيحية هي ديانة حقيقية، ويمكن استخدامها كنموذج لشرح ما هي الديانة. وبالتالي فإن الديانة تُقدم تفسيرًا لـ:

–         الكتاب المقدس، المسيحية تُعلِّم أن الكتاب المقدس هو كلمة الله وأن هذا الكتاب يُعلِّمنا ما نؤمن به فيما يتعلق بالله وما يُطالبنا به. إن الكتاب المقدس عند النشوئيين هو كتاب Origin of Species لداروين. يؤمن النشوئيون أن هذا الكتاب يُقدم تفسيرًا لنشوء الحياة على الأرض وتطورها دون الحاجة لأي إله أو عامل خارق للطبيعة. (تعرفتُ مرة بأستاذ لعلم الأحياء أخبرني أنه يعتقد أن كتابات داروين موحى بها وأنه يقرأ كتاب Origin of Species لمدة 20 دقيقة على الأقل كل ليلة قبل أن يذهب إلى السرير!).

–         أصل كل شيء، تُعلِّمنا المسيحية أنه في البدء خلق الله كل شيء (أي الكون بأكمله بكل نجومه وكواكبه، وكل الحياة النباتية وجميع الحيوانات والبشر) من العدم على مدار فترة ستة أيام حرفية، بينما تُعلِّمنا نظرية النشوء والتطور بالمقابل أنه في البداية انفجر العدم وتطور تدريجيًا على مدى مليارات السنين ليُشكِّل الكون الذي نراه اليوم.

–         أصل الموت والمعاناة، تُعلِّمنا المسيحية أن الله خلق كل شيء، وأن كل شيء كان كاملًا ورائعًا. لكن نتيجة خطية الإنسان الأول، آدم، دخل الموت والمرض والمعاناة إلى دائرة الزمن. وفي المقابل، لا تعترف نظرية النشوء والتطور بكلمة “الخطية” ولكنها تُعلِّمنا أن تطور الإنسان من سمكة إلى فيلسوف يمكن أن يحدث فقط عن طريق الموت. ومن هنا يصبح الموت والمرض والمعاناة قوى دافعة ولازمة للتطور؛ من هذا المفهوم، جاءت عبارة “البقاء للأصلح”.

–         سبب وجود البشر هنا، تُعلِّم الكتب المقدسة أن البشر هم ذروة خليقة الله وأنهم خُلقوا على صورة الله ومثاله. وفي المقابل، تُعلِّم نظرية النشوء والتطور أن البشر تطوروا على شبه أجدادهم القِردة، الذين تطوروا بدورهم من نوع آخر من الحيوانات.

–         مستقبل البشر – تُعلِّم الكتب المقدسة أن يسوع المسيح سيعود يومًا إلى هذه الأرض وأنه سيخلق سماوات جديدة وأرضًا جديدة يعيش فيها كل الذين آمنوا به، وأنهم سيعيشون حينئذٍ مع الله إلى الأبد. وتُعلِّم نظرية النشوء والتطور من ناحية أخرى أن البشر ليسوا المنتج النهائي للتطور، وأن التطور سيستمر والبشر إما أن ينقرضوا إما أن يتطوروا إلى أنواع من المخلوقات التي لن تكون بالتأكيد من النوع البشري.

–         مستقبل الكون، تُعلِّم المسيحية أن الله سيحرق عالمنا الحاضر ليخلق سماوات جديدة وأرضًا جديدة، بينما تُعلم نظرية النشوء والتطور بالمقابل أنه في يوم من الأيام سيصل الكون إلى ما يسمى الموت الحراري، على رغم أنه في الواقع موت بارد، لأن درجة حرارة الكون ستصبح مجرد جزء درجة فوق الصفر المطلق. وسوف يحدث هذا عندما تُستنفد كل الطاقة المتاحة للعمل، ثم لا شيء سيحدث – الكون سوف “يكون” فقط. والفترة الزمنية للكون ليصل إلى هذه الحالة لا يمكن تصورها تقريبًا؛ هم يعتقدون أنها ستستغرق نحو ألف مليار سنة حتى تستنفذ كل النجوم طاقتها وتختفي. وفي ذلك الحين، بالطبع، لن تكون هناك حياة في الكون. كل شكل للحياة، بما في ذلك الحياة البشرية، سوف ينقرض قبل ذلك بمليارات السنين. ومع هذا، ستكون لا يزال هناك ومضات من نور النجوم من حين لآخر في ظلام الكون، بينما تخمد النجوم الكبيرة جدًا لتُشكِّل الثقوب السوداء. بالنسبة للسنوات 12210 المقبلة (أي رقم 1 يليه 122 صفرًا!)، لن يظهر في الكون سوى ما يُسمي إشعاع هوكينغ؛ سيكون الشيء الوحيد الذي يحدث في الكون.

ثم، عندما تتبخر جميع الثقوب السوداء، سيكون هناك ظلام لمدة 2610 عامًا، يكون خلالها زمن الكون “كائنًا” ببساطة دون أن يحدث شيء.

لماذ التطور – ديانة جذابة؟

لأول وهلة، لا يبدو الاعتقاد بنظرية النشوء والتطور اقتراحًا جذابًا. ومع هذا، ما يجعلها جذابة هو عدم وجود إله تقدم له حسابًا عن أعمالك، وهذا ما يؤكده الاقتباس التالي من ملحد:

“لم نشعر بأننا ضيوف في منزل شخص آخر، وبالتالي لم نعد ملزمين بجعل سلوكنا يتفق مع مجموعة حاضرة من القوانين الكونية. إنها خليقتنا الآن. نحن مَنْ يضع القوانين. نحن مَنْ يوجِد معايير الواقع. نحن مَنْ يخلق العالم. ولأننا نخلقه، لم نعد نشعر أننا تحت رقابة قوى خارجية. لم نعد بحاجة لتبرير تصرفاتنا، لأننا الآن مهندسو الكون. لسنا مسئولين عن أي شيء سوى أنفسنا، لأن لنا الملك، والقوة، والمجد إلى أبد الآبدين.”

وبالتالي تؤدي نظرية النشوء والتطور إلى تعليم أنه يمكنك أن تعمل كما يحسن في عينيك. يمكنك أن تعيش حياتك فقط لإرضاء نفسك. كثيرون اليوم يعيشون مثل هذه الحياة، فقد تخلّوا عن إيمان أجدادهم واعتنقوا عقائد نظرية النشوء والتطور بكل إلحادها. لا عجب إن كنا نعيش في مجتمع متفق على شعار “أنا وأنا ثم أنا”، حيث كل ما تفعله هو محاولة لإرضاء نفسك وإمتاعها. إنه أكثر من مجرد “طموح أناني”؛ إنه الفساد الكامل والنقيض التام لما تُعلِّمه الكتب المقدسة عن الطموح – الهدف الرئيسي لحياتنا هو تمجيد الله (وليس أنفسنا) والتمتع به (وليس بأنفسنا) إلى الأبد.

كتاب/ إجابات جديدة

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا