عـادل عطيـة
تاريخنا الإنساني المقدس والمجيد حافل بالنماذج الرائعة عن عظمة الأمومة التي ضحت بأعز شيء في سبيل الله!
فهناك الصورة الجميلة التي رسمها العهد القديم للأم حنة، والتي جاءت بولدها الصغير إلى كاهن المقدس. لقد حسبت صموئيل هبة من الله، ولم تحسب أنه ملك لها، بل ضحت بفرحها وسعادتها لكي يخدم ولدها الله في مستقبل حياته!
وما كان لأم موسى غير سنوات قلائل تعهدت فيها ولدها الصغير، قبل أن تتبناه ابنة فرعون. ومع ذلك، لقنته خلال تلك الفترة القصيرة أنه من أبناء شعب الله، فانطبعت هذه التعاليم على قلبه الغض، حتى أنه بعد مرور أربعين عاماً تذكر وهو في بلاط فرعون أنه كان إسرائيلياً، وأن إلههم إلهه!
وأم روفس لم تكتفِ بتربيته هو وأخيه ألكسندروس، وتنشئتهما على الفضائل المسيحية، بل وشجعت ذلك الجندي المستوحش المجاهد في سبيل خدمة يسوع المسيح كأنه ولدها. لقد غدت تلك المرأة التي شددت عزيمة زوجها في زمن الضيق، وأحسنت تربية ولديها في طريق الرب، مصدر قوة للرسول بولس، وصارت رائدة الطريق للقديسات من النساء اللواتي بذلن الشيء الكثير لتوطيد أركان الكنيسة!
وقد شهد كثيرون من ذوى النفوس الباسلة الذين لقنوا العالم مُثل الإيمان والرجاء والمحبة بأن مصدر إلهامهم مستمد من تعاليم وصلوات أم ورعة تقية!
فأم هدسون تيلور صلت لأجله، وهو الذي نشأ مهملاً متحاملاً على المسيحية، ومع أنه كان بعيداً عنها في وقت صلواتها وتضرعاتها، فإن قوة تلك الصلاة قد وجهته التوجيه الصالح. ومن ذلك اليوم، أخذ هدسون تيلور يعد نفسه ليكون رسولاً للإنجيل!
أما سوزان وسلي، فكانت أماً لأسرة كبيرة من الأبناء. لم تعقها مشاغلها البيتية الكثيرة عن القيام ببعض نواحي النشاط الخارجي، ووجدت متسعاً من الوقت لتبث روح الحماس في اثنين من أولادها هما جون وتشارلز وسلي، واللذان ألهبا إنجلترا كلها غيرة روحية وأدبية وأخلاقية صقلت روح جديدة من الإحسان وعمل الخير، فأصلحوا سجونهم، وأدخلوا مواد الرأفة والرحمة والحكمة إلى قوانين العقوبات، وأبطلوا تجارة الرقيق!
أما سالي بوش لنكولن، فقد أدركت من بادئ الأمر، وهي زوجة الأب، المواهب الكامنة والقدرة الفائقة التي امتاز بها ولد زوجها، فشجعته على الدرس والاستزادة في تحصيل العلم. إن أمريكا، بل العالم كله، لتشعر بأنها مدينة لها ببعض الدين في إبراز زعامة أبراهام لنكولن الرشيدة الجبارة إبان الأزمة القومية في معركة الحرية. وهم يقدِّرون عظمته الخالدة في ذلك العطف الشامل الذي استفاض من قلبه حتى غمر الأصدقاء والأعداء سواء بسواء!
إن تأثيرات الأمومة، تتواصل من جيل إلى جيل، وهي لن تنتهي، لأنها نابعة من قلب أحب الرب!
