في خطوة تاريخية أعلنها العاهل المغربي الملك محمد السادس 26 فبراير 2025، دُعي المواطنون إلى عدم إقامة شعيرة ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى لهذا العام. جاء القرار في رسالة ملكية تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، مُبررًا ذلك بالظروف المناخية والاقتصادية الاستثنائية التي تمر بها المملكة، والتي أدت إلى تراجع حاد في أعداد الماشية بنسبة 38% مقارنة بعام 2016.
وجاء في نص الرسالة: “إن الاحتفال بعيد الأضحى ليس مجرد مناسبة عابرة، بل يحمل دلالات دينية قوية، تجسد عمق ارتباط رعايانا الأوفياء بمظاهر ديننا الحنيف وحرصهم على التقرب إلى الله عز وجل وعلى تقوية الروابط الاجتماعية والعائلية، من خلال هذه المناسبة الجليلة”.
وأضافت الرسالة: “إن حرصنا على تمكينكم من الوفاء بهذه الشعيرة الدينية في أحسن الظروف، يواكبه واجب استحضارنا لما يواجه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية”.
وتابعت: “لهذه الغاية، وأخذًا بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضررًا محققًا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود. ومن منطلق الأمانة المنوطة بنا، على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه واجبنا في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير، والتزامًا بما ورد في قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، فإننا نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة”.
واختتمت الرسالة بالقول: “سنقوم إن شاء الله تعالى بذبح الأضحية نيابة عن شعبنا وسيرًا على سنة جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما ذبح كبشين وقال: (هذا لنفسي وهذا عن أمتي)”.
ولاقى القرار استحسانًا كبيرًا من المواطنين، الذين اعتبروه استجابة حكيمة لظروف المرحلة، مؤكدين على البعد الاجتماعي والإنساني لهذه الدعوة.
كما أجمعت الأحزاب السياسية على أن القرار يعكس حرص الملك محمد السادس على تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين والتيسير في إقامة الشعائر الدينية.
وذكر خبراء ومحللون أن المبادرة الملكية “تهدف للتخفيف على المواطنين والتيسير عليهم”، مشيرين إلى أنه يجب اغتنامها من طرف الحكومة من خلال إعادة تكوين الماشية ودعم الفلاحين استعدادًا للسنوات المقبلة.
وأوضحوا أن القرار يكرس أيضًا البعد الاجتماعي والروحاني لعيد الأضحى، بحيث شدد العاهل المغربي على ضرورة إحياء هذه المناسبة من خلال صلاة العيد في المصليات والمساجد، وإنفاق الصدقات، وصلة الرحم، بما يتماشى مع قيم التضامن والتآزر التي يتميز بها المجتمع المغربي.
يشار إلى أنه هذه هي المرة الرابعة التي يتم فيها إلغاء ذبح أضحية العيد في المغرب، بعدما قرر الملك الراحل الحسن الثاني إلغاء هذه الشعيرة 3 مرات، بسبب الظروف الاقتصادية.
الأبعاد الاقتصادية للقرار.. تراجع الثروة الحيوانية وتداعيات الجفاف
تشهد المملكة المغربية موجة جفاف هي الأسوأ منذ الثمانينيات، حيث استمرت لسبع سنوات متتالية. وفقًا لوزير الزراعة أحمد البواري، بلغ العجز في الأمطار 53% مقارنة بمتوسط الثلاثين عامًا الماضية، مما أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من الماشية وتقلص القطيع الوطني بنسبة 38%.
تأثير القرار على الفئات الهشة
رغم أن القرار يهدف إلى حماية الثروة الحيوانية، إلا أنه يثير مخاوف مربي الماشية الذين يعتمدون على موسم العيد لتحقيق 40% من دخلهم السنوي. من ناحية أخرى، يُعتبر القرار مُخففًا للعبء المالي عن الأسر المتوسطة والفقيرة، حيث تُقدّر تكلفة الأضحية الواحدة بحوالي 3,000 إلى 5,000 درهم.
الأبعاد السياسية والرمزية.. دور الملك كـ”أمير المؤمنين”
يُبرز القرار الدور المزدوج للملك محمد السادس كزعيم سياسي وديني، حيث جمع بين المبررات الاقتصادية والشرعية الإسلامية. في نص الرسالة الملكية.