يمتد السؤال عن مصداقية المعجزات كذلك إلى التساؤل عن مدى صحة النبوات المستقبلية أو أي عمل خارق للطبيعة، فجميع هذه الأسئلة تنبع من مفهومنا عن الله الذي نتصوره كإنسان وليس كإله. وبمجرد أن نتصور وجود وسمات الله، لا تعود المعجزات تمثل أي مشكلة. فالله -بحسب تعريفه- هو كلي القدرة. وفي غياب مثل هذا الإله، يصبح من الصعب، ما لم يكن من المستحيل، أن نتفهم مفهوم المعجزة.
جاءتني هذه الفكرة بمنتهى القوة ذات يوم بينما كنت أتكلم عن إلوهية المسيح مع أستاذ جامعي ياباني صديق لي. قال لي: “أجد أن من الصعب جدًا تصديق أن إنسانًا يمكن أن يصير إلهًا.” فأجبته، وأنا أحس بمشكلته: “نعم، يا كينيشي، هذا نفس ما وجدته، ولكني أستطيع أن أؤمن أن الله يمكنه أن يصير إنسانًا.” هنا أدرك الفارق في لحظة، ولم تمض فترة طويلة حتى رأى مدى منطقية أن الله في المسيح جاء إلى الأرض، وصار صديقي هذا مؤمنًا.
معجزات وثنية
تختلف المعجزات المسجلة خارج الكتاب المقدس في ترتيبها ووقارها وكذلك غايتها عن تلك التي في الكتاب المقدس. ولكن الأمر الجدير بالاهتمام حقًا هو أن الكم الهائل والراسخ من التوثيق والمصداقية الذي يرتبط بالمعجزات الكتابية، لا نجده فيما يتعلق بالمعجزات غير الكتابية، حيث إن الفحص المماثل للسجلات العلمانية والوثنية للمعجزات يظهر أن المجموع الكلي للرسالة الخاصة بهذه المعجزات مفقود. وكلما دمجنا هذه الحقائق في تفكيرنا، زادت قدرتنا على الحكم الدقيق بشأن حقيقة كل المزاعم المختلفة.
فباستخدام نفس المعايير للحكم على المعجزات وأعمال الشفاء المزعومة التي نستمع إليها في وقتنا الحاضر يمكننا أن نساعد أنفسنا على التفكير الدقيق. ويمكن للاتساق والمصداقية التي تتمتع بها المعجزات الكتابية أن تصير هي المعيار الذي نحكم به على جميع المعجزات المزعومة الأخرى في وقتنا الحاضر. وسترى بنفسك أنها لن تستطيع الصمود أمام الفحص، فباستعراض موجز سوف يظهر أنها غير مساوية للمعجزات الكتابية. وعليك بأن تنتبه إلى أن اكتشاف بعض المعجزات المزيفة ليس دليلًا على أن جميعها زائفة، تمامًا كما أن اكتشاف بعض العملات المزيفة لن يعني أبدًا أن كل العملات مزيفة. لكن ذلك يساعدنا على مقارنة الصورة الكلية لكل معجزة يتم فحصها.
المعجزات الكتابية
لم تكن المعجزات الكتابية على الإطلاق أحداث نزوية أو خيالية، على عكس قصص المعجزات في الكتابات الوثنية وتلك التي في الديانات الأخرى. لقد كان هناك دائمًا ترتيب واضح وغرض من وراء هذه المعجزات. وهي تتمحور حول ثلاث فترات من التاريخ الكتابي:
الخروج،
الأنبياء الذين قادوا بني إسرائيل،
وزمن المسيح والكنيسة المبكرة.
في السجلات الكتابية للمعجزات نجد أن كلًا منها كانت دائمًا له غاية واحدة وهي تأكيد الإيمان، إذ عملت هذه المعجزات على منح المصداقية لرسالة ولرسول، أو أنها عبَّرت عن محبة الله بإزالة المعاناة. لكنها لم تحدث أبدًا على سبيل التسلية أو الإمتاع، كما يفعل الساحر في استعراضاته أمام الجمهور.
لم يحدث أبدًا أن جاءت معجزة لأجل تحقيق مكانة شخصية أو لكسب المال أو السلطة. فقد حاول الشيطان إغواء يسوع في البرية لكي يستغل قوته المعجزية بهذه الطريقة تحديدًا، لكن يسوع ظل يرفض بثبات وأشار إلى مركزية الله في استخدام أي إظهار للمعجزات (انظر لو4: 1-13).
وفي إجابة الرب يسوع على مطالبة اليهود له بصراحة أن يخبرهم بوضوح إذا ما كان هو المسيا، أجاب يسوع: “إني قلت لكم ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي” (يو10: 25). ومرة ثانية يقول لهم إنه لو لديهم أي شك أو تردد فيما يتعلق بتصديقهم لأقواله، فعليهم أن يصدقوه “لسبب الأعمال نفسها” (يو14: 11).
لقد استخدم الله المعجزات في الكنيسة الوليدة لتأكيد رسالتها، والتي تركزت حول معجزة القيامة. لاحظ سفر أعمال الرسل.